خاص : بقلم – د. محمد دوير :
.. لماذا التنوير قبل التثوير ؟
.. لأن كل فعل ثوري لا يشترط التنوير سينتج ثورات رجعية الفكر. ومرتدة تاريخيًا.
.. يمكنني في هذا الصدد وضع بعض علامات الشك حول أن الفكر العربي شهد حالة تنوير بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي بمعنى أنه جاء معبرًا عن صراعات اجتماعية وسياسية ومؤسس على انقلاب اقتصادي في نمط الإنتاج، بحيث يصبح التنوير إحدى ضرورات ذلك الانقلاب.
.. إن الأمر لم يتعد في أفضل صوره محاولات فردية من قبل مفكرين كانوا مناضلين في طرحهم ومخلصين في مسعاهم، ولكن صدى كلماتهم كان محدودًا ويكاد ينتهي أو يتوقف فورًا ويتلاشى شهابهم التنويري بسرعة.
.. لقد تحرك التنويريون العرب – وليس التنوير العربي – داخل حدودهم الفكرية التي ظلت غير قادرة على تحمل أعباء التنوير كمقولة وقيمة اجتماعية وثقافية ينشغل بها المجتمع العربي، وهذا ما يفسر هروب وتلفيقية كثير من المثقفين من خوض المعارك الشائكة.
.. نعم كانت صدمة نابليون الحضارية دافعًا ومبررًا لطرح سؤال التنوير والحداثة والتقدم، ولكن هذا السؤال ظل في مرحلة الدهشة المصاحبة لمحاولات جد متواضعة، وسر تواضعها أن التنوير والحداثة والتقدم جاءت نتيجة تحدي خارجي وحافز متخارج عن الذات العربية التي لم تكن متبلورة كذات جمعية في نهايات القرن التاسع عشر بقدر كاف، لذلك تحملت مصر – التي كانت تحت السيطرة المملوكية والحكم العثماني – عبء البحث عن سِفر الخروج من حالة الضعف التي رأوها في مرآة مدافع نابليون، إضافة إلى ما قدمه الشام من تصورات حول فكرة القومية العربية.
.. ولذلك فإن أي باحث جاد لا يمكنه أن يدعي أن معطيات الواقع كانت تسمح بحركة تنوير أو على الأقل حركة إصلاح ديني ترفع شعار الدين في خدمة التقدم وليس الدين في خدمة السلطان، أو الدين في خدمة البترودولار.. ومن ثم ظل الدين قابعًا في هوامش الوجود الحقيقي للأمة.. على أن يتم الإكتفاء بتوظيفه فقط في ضبط قواعد الحشمة.
.. أما أن يدخل العقل النقدي أو العقل الثوري في صلب الدين.. فذلك ما لن يسمح به أبدًا.. وسيتم اعتباره تمردًا على الحاكم ومن ثم على الله.