13 أبريل، 2024 6:42 ص
Search
Close this search box.

صدى رحيل نوال ! (1)

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : بقلم – د. محمد دوير :

.. كنت دائمًا ما أسأل نفسي: لماذا انتشر حديث الرسول (ص) فيما معناه: “يا أسماء، إذا بلغت المرأة المحيض، فلا يظهر منها إلا هذا وذاك”؛ وأشار إلى الوجه والكفين.. ووصلت شهرة هذا الحديث، (رغم أنه حديث آحاد)، إلى أنه ذاع صيته حتى وصل إلى بنات المدراس الابتدائية، وكان يُكتب بالخط العريض على أسوار المؤسسات والمدارس.. في حين أن حديث مثل: “الناس شركاء في ثلاث: النار والماء والكلأ”؛ لم ينتشر ويكاد لا يعرفه جموع المسلمين.

.. كنت دائمًا أسأل نفسي، لماذا ذاع صيت الشافعي والغزالي وابن حنبل، لدرجة أن الناس يتناقلون أخبارهم وأقوالهم في كل محافلهم الدينية والاجتماعية، ويكاد جموع المسلمين لا يعرفون شيئًا عن العقلانية الفلسفية الرشدية ولا عن المعتزلة ولا عن العلماء العرب.

.. كنت دائمًا أسأل نفسي.. لماذا نعرف كل ما قاله الدين وما لم يقله عن المرأة في الحيض والنفاس والجماع والزي والتزين والحديث وخفض الصوت والمحرم وغير المحرم والميراث وقبول التعددية… الخ، ويكاد جموع المسلمين لا يعرفون شيئًا يُذكر عن ذمتها المالية المستقلة، وحقها في وضع شروط الزواج كما تريد؛ مثلما فعلت فاطمة بنت الرسول (ص)، وحقوق الفقراء والمستضعفين واحترام الآخر والتعددية الفكرية.

.. كنت دائمًا أسأل نفسي عشرات الأسئلة عن شعارات مسجلة على حوائط المساجد والأسوار بأن: “فتاة بلا حجاب.. مدينة بلا أسوار”؛ ولماذا لم يفهم أحد بأن ذلك الشعار هو دعوة للاغتصاب والاستحلال، ويكاد لا يجرؤ أحد على كتابة يافطة على حائط يهاجم فيه نظم الحكم أو بطشه وظلمه.

.. كنت دائمًا أسأل نفسي لماذا توجه معظم الخطاب الإسلامي المعاصر نحو المرأة والأقباط وطاعة ولي الأمر وإمارة المتغلب.. ولم يتوجه أبدًا نحو حق المسلمين في ثروات بلادهم..

.. كنت أسأل نفسي دائمًا، لماذا يركز مشايخ الوهابية وتلاميذهم وأنصارهم في مصر على الجسد، ولا ينشغلون بالعقل، يركزون على فقه العبادات دون فقه المعاملات والمصالح المرسلة، يركزون على طهارة البدن لا طهارة الوجدان والنفس والعقل.

.. هل تعرفون ما هو السبب يا سادة ؟

.. إنها الإيديولوجيا.. نعم الإيديولوجيا الإسلامية التي حاربت العقلانية الإسلامية منذ المهد، منذ بواكير الإسلام الأولى وحتى اليوم.. تلك الإيديولوجيا التي قدمت الدين في صورته الشكلية والعبودية المقيتة، عبودية المرأة للرجل، عبودية المسلم للمشايخ وأرباب “الدين” وإنشغلنا بتحفيظ القرآن علمًا بأن الله أمرنا بتدبر آياته، حفظنا وتركنا التدبر لأصحاب الإيديولوجيا الإسلامية الذين تحولوا بالدين من صرخة في وجه العبودية إلى صرخة في وجه كل من يعمل العقل..

.. هي الإيديولوجيا إذاً.. التي سيطرت على العقول وجعلتها ساحة مستباحة وشريعة تدعو لقتل المختلف، وذبح المخالف وإرهاب المتضامن مع كل صاحب فكر. وظلت تلك الإيديولوجيا في عصرنا الحديث تتوغل في مسام المجتمع منذ السبعينيات وحتى اليوم، حتى تحولت الغالبية إلى شهداء في سبيل الله ضد الكفرة والمرتدين، وتحول الدين إلى سيف في يد كل فرد يقطع به لسان كل من يخالفه في الرأي أو التصور.

.. لقد أصيب المجتمع المصري بخلل رهيب في منهجية تفكيره، وتعاطيه مع المقدس وطريقة فهمه له، ومعنى الدين وقيمته في حياة البشر، أصيب المجتمع بحالة من الإقصاء في كل شيء، حتى صرنا نحارب بعضنا بعضًا حتى في لقمة العيش.. وعندما تأتي قضية مثل رحيل نوال السعداوي، تتحول إلى غنيمة نتقرب بالنيل منها إلى الله.. فنقتل العقل وأصول التشريع التي تمنح الجميع فرص متساوية أمام الله، ونقرر الاستحواذ على رقبتها لنسفك الدماء، دماء العقل قبل أن نسفك دماء سيدة أجتهدت، (في وقت صمت فيه البعض كالنعاج)، بقدر ما يستطيع عقلها على الإجتهاد..

.. رحلت نوال.. وبقي العقل الجمعي في حالة تأهب لضحية جديدة.. فخناجر القتل جاهزة للدفاع عن شرف الله.. كما يقول “جان أنوي”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب