16 نوفمبر، 2024 1:49 م
Search
Close this search box.

صدفة حياة واغتيال “ناجي العلي” .. أمام بوابة صلاح الدين !

صدفة حياة واغتيال “ناجي العلي” .. أمام بوابة صلاح الدين !

خاص : كتب – عمر رياض :

قبل بداية الألفية الثانية أو بعد بدايتها, لا أذكر تحديداً, تاريخ هذه الرحلة التي قمت بها مع صديق إلى “رفح مصر” لنتوقف أمام “بوابة صلاح الدين”.

فقد اعتدنا ومجموعة من الأصدقاء على البحث عن العمل بجانب الدراسة كل عام, منذ وصلنا لسن “الثانوية العامة”.

كانت فرص العمل في “محافظة شمال سيناء” الحدودية تكثر في موسم الصيف بسبب زيارة المصطافين المحليين من القاهرة ومحافظات أخرى، فيمكن للشباب البدء في مشروع موسمي في المحال والكافتيريات على الساحل، أما في الشتاء فلا يوجد عمل سوى لأصحاب المحال داخل المدينة.

من هنا بدأ البعض في البحث عن فكرة عمل دائمة نسبياً، ففكرنا في البعد عن العاصمة المحدودة والذهاب إلى “رفح”.

كنت أنتظر على المقهى الوحيد في شارع صلاح الدين، الشارع مغلق بنقطة الحدود المصرية أمامها السلك الشائك وخلفها برج مراقبة فقير لا يظهر منه سوى جندى واحد.

جميع المحال في “شارع صلاح الدين” خصصت لبيع المنتجات الفلسطينية الشهيرة, خاصة التوابل وزيت الزيتون والياميش، بالإضافة إلى بعض منتجات المصانع الإسرائيلية كالصابون، حيث اعتادت العائلات التى فصلتهم “الأسلاك الشائكة” في الجانبين المصري والفلسطيني على تناول وبيع ذات المنتجات التي كانت تميز “إقليم رفح” قبل التقسيم.

في زاوية صغيرة أمام أحد منازل الشارع, كان يجلس بائع صحف وكتب.

وكانت القراءة قد بدأت تنشط وتأخذ إتجاه نوعي، لتزامن ذلك مع انخراط بعضنا في النوادي الأدبية الجامعية والمحلية.

إقتربت من البائع فوجدت ديواناً أخيراً باللهجة العامية المصرية للشاعر “عبد الرحمن الأبنودي” معنون بـ(الموت على الأسفلت).

العنوان كان ملائم للأجواء والأرض التي نقف عليها, فأشتريت الديوان وعدت لأنتظار صديقي على المقهى، فقد ذهب ليلقي التحية على أقاربه في منزل بالقرب من المعبر.

صدفة “ناجي العلي” على معبر فلسطين..

(الموت على الأسفلت) كان ديوان كامل عن فلسطين, التي كانت تبدو لي في الأفق بالنظر من باب المقهى، هذا ما فاجأني أولاً.

في صفحة الإهداء كتب الأبنودي: “إلى ناجي العلي الفنان والصديق والشهيد الذي لم أره”.

ليبدأ الديوان بقصيدة “مرثية” لناجي العلي, بالعامية المصرية, مستوحاة من طقس “العديد”، رثاء الموتى في صعيد مصر.

يقول “الأبنودي”:

يا قبر ناجي العلي وينك يا قبر

يا قبر معجون بشوك مطلي بصبر

موت يقرب عليك .. يرتد خوف

وإن ما خافش الموت يرتد جبر

وفي مقطع آخر.. يقول:

الرسمة فيها دمع وضحك

وأرض ملك

وإبن واقف خلف السلك .. قصاد رسمة

كانت رسومات “ناجي العلي” الشهيرة تملاء الصفحات وتقطع شطرات القصائد، وكنت قد عرفت “ناجي العلي” كمعظم الناس من خلال رسوماته المميزة “بحنظلة”, الطفل الفلسطيني, الشاهد على الحدث والتاريخ.

هذا ما جعلني أقرأ النص عدة مرات, محاولاً إكتشاف شخصية الفنان “ناجي العلي”، فلم أكن أعرف سيرته جيداً حتى تلك اللحظة.

هو “ناجي سليم حسين العلي” (1937 إلى 29 آب/أغسطس 1987)، رسام كاريكاتير فلسطيني.

يقول “العلي”: “ولدت وين انولد المسيح عليه السلام، بين طبرية في الناصرة في قرية الشجرة بالجليل الشمالي. أخرجوني من هناك بعد عشر سنوات في عام 1948 إلى مخيم عين الحلوة في لبنان… أذكر هذه السنوات العشر، أكثر مما أذكره من بقية عمري. لسه العشب والحجر والظل والنور أشياء ثابتة، كأنها محفورة في عيوني حفراً… لم يخرجها كل ما رأيته بعد ذلك”.

رسم “ناجي العلي” قرابة الأربعين ألف كاريكاتير، انتقد فيهم خضوع الأنظمة العربية للاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأميركية على المنطقة، منذ احتلال الأرض الفلسطينية في عام 1948. كان بطل رسوماته طفل مكبل اليدين من الخلف يبلغ من العمر 10 أعوام، ويُدعى “حنظلة”، أورد الرسام الراحل على لسانه مواقف توضح تخاذل الأنظمة العربية عن نصرة القضية الفلسطينية. وظهر “حنظلة” لأول مرة على إحدى صفحات جريدة (السياسة) الكويتية، وتزامنت ولادته على أوراق “ناجي العلي” مع نكسة 1967، ثم أصبح مكبّل اليدين بعد حرب 1973، لأن ظهوره بهذه الهيئة يعد اتساقًا مثالياً مع المرحلة التى مرت بها المنطقة العربية, بحسب وصفه لعملية “تطويع وتطبيع شاملة”.

في واحد من التسجيلات يحكى أصدقاء “ناجي”, وكانوا شريحة من الناس البسطاء، يشبهون الرجال المتعبين الذين رسمهم باعتبارهم ضمير القضية، تحدث هؤلاء عن طفولته الفقيرة، وعن التشرد القاسي في لبنان، الذي قال أحد المتحدثين عنه: “إن الفلسطينيين فيه، ومنذ وطأت أقدامهم لم تكن لهم أية حقوق”.. لكن ناجي لم يلتفت إلى قسوة الأشقاء، فالمخيم ليس وطناً بديلاً، وليس حلاً دائماً.. الوطن والحل والحلم هو “فلسطين”، والعدو هو “إسرائيل”. لهذا وجه “ناجي العلي” سهامه الجارحة والغاضبة والمشحونة بالألم والسخط إلى من فرطوا وتحولوا إلى سماسرة في أي مفصل من مفاصل الصراع, صغيراً كان أم كبيراً، رسم بصدق، وعبّر بجرأة، وانتقد بحدة. وفتحت له الصحف صدر صفحاتها، وصارت رسوماته حديث الشارع والساسة، وأهجية الغضب في الزمن العاصف، زمن لم يحتمل فيه الكثيرون وجود “ناجي العلي”، فكان عليه أن يسافر إلى “الكويت”, حيث عاش هناك لسنوات ورسم في صحيفة (القبس) حتى صار معلماً من معالمها، ثم خرج مطروداً من “الكويت” بعد ضغوط سياسية، قيل انها بتوجيه من “ياسر عرفات”.

“ناجي العلي” قصة الإغتيال والإتهامات..

توفي “ناجي العلي” يوم 29 آب/أغسطس 1987 في لندن, متأثراً برصاصة أطلقت عليه في 22 تموز/يوليو من نفس السنة، في عملية اغتيال بمسدس كاتم للصوت, وهو في طريقه لمكتب الجريدة، لم تتحدد بشكل قاطع الجهة التي قامت بها، ودفن في لندن، خلافاً لرغبته بالدفن في “مخيم عين الحلوة” حيث قبر والده.

لخص “ناجي العلي” سبب إغتياله في هذه الكلمات: (اللي بدو يكتب عن فلسطين… واللي بدو يرسم عن فلسطين… لازم يعرف حاله ميت. أنا مش ممكن أتخلى عن مبادئي ولو على قطع رقبتي).

فقد قتلت الرسومات “ناجي العلي”، هذا ما يعرفه الجميع، على الرغم من عدم تحديد هوية الجاني حتى اليوم.

حلت الذكرى الثلاثون لإغتيال “ناجي العلي” نهاية الشهر المنصرم, ومع مطلع الشهر الجاري أعادت الشرطة البريطانية فتح التحقيق مرة أخرى في قضية مقتل “العلي”.

أطلقت الشرطة البريطانية يوم (الثلاثاء) قبل الماضي, نداء جديداً للحصول على معلومات بشأن اغتيال رسام كاريكاتير الفلسطيني الشهير “ناجي العلي” في لندن قبل 30 عاماً، أملاً بأن يشعر شخص ما بقدرة أكبر على التحدث بحرية بعد ثلاثة عقود.

وتعرض “ناجي سالم حسين العلي” لإطلاق نار في غرب لندن في 22 تموز (يوليو) 1987، بعد تلقيه تهديدات عدة بالقتل بسبب رسومه الكاريكاتيرية التي سخر فيها من السياسات في الشرق الأوسط. وتوفي في المستشفى بعد شهر تقريباً عن عمر 51 عاماً.

ووصف ابنه “أسامة” لشرطة العاصمة البريطانية اغتيال والده المفاجئ بأنه “صادم”. وقال: “ارتُكبت جريمة مروعة بوضوح، وتحقيق العدالة أمر حاسم للأسرة. وأرى من الناحية السياسية أنه من المهم أيضاً أن يعرف الناس ماذا حدث، وأن هناك حزماً”.

وتدعو شرطة لندن حالياً أي شخص لديه معلومات بشأن الجريمة إلى تقديمها لها، خصوصاً ما يتعلق بالمشتبه بهما الرئيسين اللذين لم تتمكن من تحديد هويتيهما.

ظل البحث عن جواب مباشر عن اسم قاتل “ناجي العلي” محور للتحقيقات وللأحاديث والتوثيقات طوال تلك السنوات، لكن بلا إجابة شافية.

إشارات لياسر عرفات وصحافية مصرية في قضية اغتيال “العلي”..

أسماء كثيرة طرحت في سياق البحث الجنائي وتحقيق السلطات البريطانية في إغتيال “العلي” ضمن إتهام عملاء للموساد, لم يتوقف التحقيق عند اسم المنفذ فقط، بل الجهة التي تقف وراء الاغتيال. “من المحزن حقاً، أن تنحصر الآراء أو التكهنات بين اتهام الموساد، أو اتهام (ياسر عرفات) أو دوائر في (منظمة التحرير)”, هكذا يرى “خالد” ابن “ناجي العلي”, فهو لا يبرئ “ياسر عرفات” من تهمة اغتيال والده.

فبجانب المسؤولية المباشرة الأولى للموساد الإسرائيلي, وجهت اتهامات أخرى إلى “منظمة التحرير الفلسطينية”, كون “العلي” قد رسم بعض الرسومات التي تمس قياداتها آنذاك, بسبب ما ظهر من فساد مالي وتأثير ونفوذ الشخصيات القريبة من “ياسر عرفات”.

اما قضية الاغتيال, إن جاز التعبير, قد تنتهي بفرضية التصفية بيد بعض الأنظمة العربية مثل “السعودية” بسبب انتقاده اللاذع لهم. حيث اطلق شاب مجهول النار على “ناجي العلي”. وأسفرت التحقيقات البريطانية عن أن المنفذ يدعى “بشار سمارة”, وهو على ما يبدو الاسم الحركي لـ”بشار” الذي كان منتسباً إلى “منظمة التحرير الفلسطينية”, ولكن كان موظفاً لدى جهاز الموساد الإسرائيلي.

كتب وحقق العديد من الشخصيات, بالإضاف إلى التوثيق حول الإتهامات التى وجهت خارج التحقيقات أيضاً، وتضمنت أسماء وجهات قد تكون تورطت فى مقتل “العلي، ومن ضمنها ما ذكره الكاتب الفلسطيني الدكتور “باسم سرحان”، في مقال له عام 2010 بعنوان (أمانة من ناجي العلي)، إن الرئيس الفلسطيني وراء اغتياله، حيث قال له الرسام عند باب منزله في لندن قبل اغتياله بأيام: “أحملك أمانة كائناً من كان قاتلي, إن قاتلي هو ياسر عرفات”. أما عن سبب اغتياله فكانت تلك الرسمة التي ورد فيها اسم “رشيدة مهران”، وهي المستشارة الثقافية لياسر عرفات، والتي ألفت كتابًا بعنوان (عرفات إلهي).

وجاء في الرسمة الحديث التالي: “تعرف رشيدة مهران ؟.. فيرد الآخر: لا، فيسأله مجدداً: بتسمع عنها؟، فيجيب: لا، فيرد السائل قائلاً: ما بتعرف رشيدة مهران ولا سامع فيها, لكان كيف صرت بالأمانة العامة للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، لكان مين داعمك بها المنظمة يا أخو الشليتة ؟”.

أرجع البعض سبب القتل إلى “رشيده مهران”, وإن لم تكن هى من فعل ذلك، وأشار البعض إلى ردود افعال “ياسر عرفات” والمقربين، حتى وصل الأمر لذكر غضب الشاعر “محمود درويش” من الرسومات.

يذكر تسجيل أن “ياسر عرفات” وقف فى أحد المدارس ليخطب بعد رسمة “رشيده مهران”, وقال” “من هو ناجي العلي”.

ولدت الدكتورة “رشيدة مهران عيسى عوض” في 15 من شهر تشرين ثان/نوفمبر من العام 1935 فى محافظة بنى سويف بالصعيد المصري.

وهي إبنة السيدة “نجاة اليوسف” ربة منزل، ومفتش اللغة العربية “مهران عيسى”، وأخت الصحافية المعروفة بمؤسسة “روزاليوسف” الصحافية المصرية, “فوزية مهران”.

تزوجت من نقيب الصحافيين في الاسكندرية, آنذاك, “أنور سعيد بيومي”, وأنجبت أبناءها “خالد أنور سعيد”, قبطان بحري, “أمل”, حاصلة على ليسانس آداب.

تخرجت “د. رشيدة مهران” من كلية الآداب في جامعة الاسكندرية, قسم اللغة العربية في عام 1975. ثم حصلت على رسالة الماجستير, ومن بعدها رسالة الدكتوراه مع مرتبة الشرف في عام 1978.

ألفت عدداً من الروايات, وفي مقدمتها (الحب والنار)، (عشرة أيام تكفي)، (قلبي وما يهوى), وغيرها.

انتدبت الدكتورة “رشيدة مهران” من جامعة الإسكندرية لتدرس في جامعة الملك عبد العزيز في السعودية عام 1981.

كتبت الدكتورة “رشيدة” في عدد من الصحف, ومنها: “الشرق الأوسط, القبس الكويتية), وانصبت كتاباتها حول “القضية الفلسطينية”.

التقت بالرئيس الراحل “ياسر عرفات” في جدة خلال عام 1985, ثم ألفت كتابها: (ياسر عرفات الرقم الصعب) الذي نال تقدير الرئيس.

طلب منها “أبو عمار” تقديم استقالتها من جامعة الإسكندرية, والعمل معه كمستشار ثقافي في تونس خلال عام 1986.

وحول علاقة الدكتورة رشيدة مهران بمن حول الرئيس آنذاك, فقد اتسمت بالتوتر الدائم، بسبب الغيرة التي عملت في نفوسهم, لقربها “أبو عمار.

وعندما أعلن عن الدولة الفلسطينية في الجزائر في 15 تشرين ثاني/نوفمبر 1988, قيل أن أبو عمار أهداها إعلان الدولة في يوم عيد ميلادها؟؟

أما عن علاقة الرئيس أبو عمار بعائلة الدكتورة رشيدة فقد كانت علاقة أسرية وإنسانية جداً, فهو كان بمثابة أب ثاني لابنائها.

عادت الدكتورة رشيدة إلى مصر في عام ١٩٩١, وعاشت في منزلها في الاسكندرية حتى وفاتها في ٢ تشرين ثاني/نوفمبر في عام ٢٠١٢.

استمرت علاقة الدكتورة مع “أبو عمار” بعد عودتها إلي مصر, وذلك عن طريق المراسالات والتليفونات وكلما لزم الأمر.

فى أكتوبر القادم تأتى ذكرى حرب أكتوبر 1973 و هى ذكرى تغير رسمة حنظلة من طفل مشرع الأيدى إلى طفل مكتوف الأيدى و هو التغيير الذى أجراه ناجى العلى على الرسمة إعتراضا على كامب ديفيد.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة