خاص: إعداد- سماح عادل
مازال الوضع في فلسطين وغزة بائسا، وما زلنا كشعوب نحاول أن نفعل ما نقدر عليه من محاولة لإعلان التضامن، ومن مقاطعة للسلع التي تبيعها شركات تدعم إسرائيل.
وجاءت فكرة هذا الملف الذي نحاول من خلاله التعبير عن الغضب والحزن والرفض لما حدث ومازال يحدث. حيث تم توجيه سؤالين للمشاركين:
– هل هناك صحوة علي مستوي الشعوب للتضامن مع ما يحدث في غزة؟
– ما مظاهر تلك الصحوة وهل لها تأثير فعلي؟
رؤية جديدة..
يقول الكاتب العراقي “أحمد غانم عبد الجليل”: “يمكننا القول أن الأحداث العصيبة التي تحدث في الدول العربية، خاصة في فلسطين النازفة منذ عقود، تعمل على بعث الغضب العربي كالبركان، قوي ويمكن أن يفعل ذات فعل ثورات الربيع العربي ربما لو تهيأت له الظروف والأجواء السياسية الملائمة لذلك، إلا أن ذلك الحس القومي يبقى أسير قيود كثيرة، منها ما تشهده عموم البلاد العربية من تغيرات سياسية واقتصادية.
مع ذلك آمل أن تتبلور حركة شعبية قوية تعي ما يحدث تحت القصف، بعيدًا عن الشعارات النمطية التي ساهمت في هزائمنا السابقة، وذلك لن يتم إلا عبر مواجهة الواقع والابتعاد عن المنابر التي تحاول تجيير مأساة أجيال لصالح جبهات سياسية، وربما حتى طائفية”.
وعن مظاهر تلك الصحوة وهل لها تأثير فعلي يقول: “بالتأكيد المظاهرات الشعبية، رغم أهميتها، لم تعد هي الواجهة الوحيدة للتعبير عن الغضب الشعبي، فاليوم أغلب الشباب يسجل مواقفه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث أن كل البلاد يمكن أن تشترك ضمن منصة واحدة يتم من خلالها تنسيق الرؤى والمواقف، وهذا ما يمكن أن يبعث بعض الأمل في ترجمة كل الجهود إلى واقع ملموس، يمكن أن يفتح بابًا للنقاش مع دول العالم التي تردد على الدوام ما يصدر عن اللوبي الصهيوني، لكن أيضًا لا بد من الاعتياد ألا نتكلم باسم جبهة معينة، أي لا بد من استغلال حتى هذه المأساة من أجل الانعتاق من فلَك المنابر التقليدية التي وعينا عليها.
أنا دائمًا أضع الأمل في الشباب، خاصة وأنهم الآن أكثر انفتاحًا على العالم من الأجيال السابقة، ورغم كل ما يعترضه من سلبيات وعوائق، المهم أن نحاول قراءة الواقع بصورة مغايرة عن الانفعالات التي قد تزيد من جرائم إسرائيل، فالأمر لا يقتصر على الشجب والاستنكار من جهة وإلقاء الخطب الحماسية من جهة أخرى، إنما لا بد من التفكير برؤية جديدة تنظر إلى الإنسان الفلسطيني، والعربي بشكل عام، ضمن عالم تتغير خرائطه السياسية كل حين، وبشكل أكثر حدة من السابق بمراحل”.
سجينة فعل الكلام..
ويقول الكاتب المغربي “محمد سعيد أحجيوج”: “عمر النكبة اليوم خمسة وسبعون عاما، لم تغب فيها القضية عن وجدان العربي. ولو أن التعود، بالضرورة، يفرض نفسه، وبالضرورة لن تكون القضية حاضرة باستمرار في القلب بالحرارة نفسها، والأهمية نفسها، ولا مفر من الاعتراف بحقيقة أن البؤس الذي يعيشه أغلبنا يبعدنا شئنا أم أبينا عن الاهتمام اليومي بما استتبع عن النكبة.
كما أن بعضنا، أو كثيرنا، نتمنى لو أن القضية تحل، بشكل أو بآخر، لنتخلص من ثقلها الذي يهد كاهلنا، ولسان حالنا يقول يكفينا معاناتنا ولا قبل لنا بحمل قضية تركها لنا آباءنا وأجدادنا. لكن، متى ما تجاوزت الغطرسة الإسرائيلية حدود ما تآلفنا عليه فإن القضية تفرض نفسها من جديد، وتصير معاناتنا اليومية هنا أمرا تافها مقارنة بالمعاناة المستمرة هناك”.
ويواصل: “الدمار الذي تلحقه إسرائيل حاليا بغزة وأهلها، بتواطؤ عالمي يندى له الجبين، لا يمكن إلا أن يعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأن يشعل من جديد التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني، وأيدينا على قلوبنا من احتمال تكرار فعل النكبة، وتهجير كل فلسطيني غزة إلى الخارج.
ويبقى السؤال، هل يمكن لهذه الصحوة أن يكون لها تأثير فعلي؟ يحتمل الجواب النفي والإثبات معا، طالما أن النتيجة ما تزال في علم الغيب. نظريا يمكن أن تأتي هذه الصحوة بجديد على أرض الواقع، لكن عمليا لا جديد بعد وما تزال الصحوة هذه، المفترضة والمأمولة، سجينة فعل الكلام ليس إلا. بل كانت الصحوة قبل عقدين أكبر من هذه وأجدى حين أظهرت المقاطعة الاقتصادية قوتها، ولو إلى حين أن يتعب العربي، كما عادته، من الالتزام ويعود إلى ما تعود عليه.
أما اليوم، وبقدر ما يتوقع المرء أن يكون اليسر الذي صارت توفره وسائل التواصل في التنسيق مع بعض والتواصل الآني المستمر طريقا لتحقيق الصحوة الأثر المبتغى، إلا أن العكس هو الصحيح، فصارت سهولة التواصل لا تمنح إلا وفرة في الكلام، فصار الكلام، أو الزعيق بصيغة أخرى، بديلا عن أي فعل حقيقي، يوفر لصاحبه التنفيس مع وهم أنه قام بواجبه، وكفى المؤمنين شر القتال.
ويؤكد: “وأنا أكتب هذا “الكلام” أجدني غير مقتنع حقا بأن هذه الصحوة المفترضة يمكن أن تنجح في تحقيق أي تغيير ملموس. أفكر، ربما ما ينقصنا هو الإيمان. لكني أفكر أيضا: الإيمان هو ما أوصلنا إلى هذا. فئة صغيرة آمنت أنها شعب الله المختار الذي منحها “أرض الميعاد” جاءت وأخذت أرضا ليست لها، ومن قبل ذلك فئة أخرى صغيرة آمنت أن إلهها خير من الأوثان التي يعبدها سكان مكة كبرت وتواجهت هي الأخرى مع فئة ترى أن ربها هو الحقيقي والآخر مزيف فسالت الدماء بين الطرفين في الحروب الصليبية.
إسرائيل، بغض النظر عمن يحكم فيها خلال كل دورة انتخابية، هي دولة دينية قائمة على فكرة أنها أرض موعودة من الرب لشعبه المختار. وما يحدث الآن، وما حدث سابقا وما سيحدث مستقبلا، هي حرب دينية. الحروب دوما دينية قائمة على الإيمان، يفوز فيها الأكثر إيمانا من غيره.
مباشرة بعد خروجهم من مصر كاد اليهود يتعرضون للفناء في حربهم مع شعب العماليق لولا إيمانهم أن الله معهم، نزل بنفسه يحارب معهم طالما يرفع موسى يديه عاليا بالدعاء، ويتوقف الرب متذمرا متى ما تعبت ذراعي موسى فتكون الغلبة للعماليق. وكذلك، مباشرة بعد خروج المسلمين من مكة إلى يثرب، وفي مواجهتهم المسلحة الأولى مع قريش كان الفرق العددي يكفي قريشا لإبادة المسلمين لولا إيمان الفئة القليلة أن الله يحارب معهم وأرسل ملائكته تقتل المشركين، واستمرت ذراعي النبي مرفوعتين بالدعاء حتى ينصر الله هذه الفئة التي إن غلبت لن تقوم لله قائمة بعد ذلك.
اليوم، كما كل يوم، هي الحرب ذاتها، وكل واحد يرى أنه يحارب لأجل كلمة الله، إلهه. أيهما سينتصر؟ ربما الأكثر إيمانا بينهما”.
حسابات المصالح..
ويقول الكاتب اليمني “الغربي عمران”: “الشعوب مازالت بوعيها منذ أول كارثة، والشعوب تواقه للتحرير، لكن رجال السياسة لهم حساباتهم بعيدا عن العاطفة، كل يحسبها بمقاييس مصلحة شعبه وبلده وموقعه من السلطة، على اعتبار أن العرب قد جربوا الحرب، وعرفوا أنها ليست نزهة، وإسرائيل ليست وحدها، ولذلك أيها مغامرة سيفقد السياسي الكثير. الصحوة مستمر منذ خمسة وسبعين سنة أو أكثر موقف الشعوب هي هي. وما نراه من خروج للشوارع أو على صفحات التواصل ما يؤكد ذلك، غير أن الحسابات لمصالح الدول غير ذلك”.
سلام بين دولتين..
وتقول الشاعرة المغربية “ليلى التجري”: “لا شك بأن الجميع يعلم مظاهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأسبابه السياسية والتاريخية والإنسانية، وما نتج عن ذلك من مخلفات منذ سنة 1948 إلى يومنا هذا.
ما يحدث الآن ببقاع غزة له تأثير على مختلف الدول العربية بل حتى دول العالم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. فالقضية الفلسطينية ليست قضية دولة فحسب بل هي قضية الشعوب العربية والوحدة العربية، ومن واجب جميع دول العالم إيجاد حلول ناجعة للقضية، لكي يعم السلم والاستقرار بالدولتين.
وهذا لا يتأتى إلا بتلبية طموحات الشعب الفلسطيني، وجعل من النزاع المفتعل بين الدولتين سلاما بعيدا عن لغة السلاح يقوده الحوار البناء الهادف إلى إيقاف ترسنة الحرب والدمار، واستهداف أرواح بريئة تواقة إلى الحرية والعيش الكريم والسيادة لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولتعيش بأمن إلى جانب إسرائيل وفق الشرعية الدولية.
ما يقع الآن بقطاع غزة هو في حاجة إلى إحكام العقل بعيدا عن الحسابات الضيقة التي لا جدوى منها. ويبقى للصراع الفلسطيني الإسرائيلي تأثير كبير على كل مناحي الحياة، وعلى الشعوب العربية المصابة بالتدمير نتيجة سياسة العدوان الممنهجة.
وما مختلف المظاهرات والوقفات العربية والدولية عبر بقاع العالم إلا صرخة واضحة لإيقاف نزيف الدماء اللامشروعة، ونهج سياسة الحوار العقلاني ليعم السلم والسلام بين الدولتين”.
معاناة الشعوب..
ويقول الباحث المصري “حسن بربري”: “لا استطيع أن أطلق كلمة صحوة علي الشعوب العربية جراء الحرب علي غزة هذا بمثابة مبالغة وقفز علي واقع تلك الشعوب الآن، فهي ليست كما نتصورها فيما قبل، فهناك شعوب تعاني من الصراعات المسلحة علي السلطة زي السودان واليمن وليبيا وسوريا والعراق وشعوب تعاني من سلطوية الحكم والتي تحكم بآليات القمع والاعتقال للاحتفاظ بالسلطة.
وأي صحوة لشعبها يهددها هي نفسها وشعوب تعاني من أنظمة انغمست بعمق في شباك التطبيع وفرضته فرضا عليها، لذا لا نستطيع القول بأن الصور التضامن الاحتجاجية أو الصامتة أو الإعلان عنها علي منصات التواصل الاجتماعي ترقي إلي مسألة الصحوة”.