13 أبريل، 2024 8:09 ص
Search
Close this search box.

صالح علماني.. النافذة التي عرفنا من خلالها روائع أمريكا اللاتينية

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“صالح علماني” مترجم فلسطيني متخصص في ترجمة الكُتبِ والروايات من الإسبانية إلى العربية.

حياته..

وُلد “صالح علماني” عام 1949 في مدينة حمص في سوريا ونشأ فيها حيثُ أمضى معظم سنوات طفولته في سوريا. درسَ في وقتٍ لاحقٍ الطب في الجامعة، لكنّه تحول لدراسةِ الأدب الإسباني وذلكَ مع صعود تيار الرواية اللاتينية وبروزها عالميًا في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات.

بدأ “صالح علماني” عملهُ في وكالة الأنباء الفلسطينية ثم أصبحَ مُترجمًا في السفارة الكوبية بدمشق وعمل في وقتٍ لاحق في وزارة الثقافة السورية وبالضبطِ في مديرية التأليف والترجمة، وكذا في الهيئة العامة السورية للكتاب إلى أن بلغَ سنَّ التقاعد عام 2009.

تخصص “صالح” منذ أواخر السبعينيات في ترجمة الأدب الأميركي اللاتيني، ثمَّ زادت شهرته حينما ترجمَ لأبرز كتاب أميركا اللاتينية بما في ذلك “ماركيز” و‌”إيزابيل الليندي” و‌”جوزيه ساراماغو” و”‌إدواردو غاليانو” وآخرين، وتعد “ليس للكولونيل من يكاتبه” أول روايةٍ ترجمها
“صالح علماني” ل “ماركيز” والتي حظيت بحفاوة صحافية الأمر الذي شجعه لأن يستمر في الترجمة.

بعدما ترجمَ “صالح علماني” عشرات الكُتب عن الإسبانية، طالبَ خمسةٌ من أبرز كتّاب أميركا اللاتينية الذين ترجم لهم الحكومة الإسبانية بأن تمنحه الإقامة تكريمًا لمنجزه في “نقلِ إبداعات اللغة الإسبانية إلى العربية”، وهو ما حصلَ حينما مُنح الإقامة في إسبانيا مع عائلته بعد نزوحه من سوريا.

حصل “صالح علماني” على العديد من الجوائز والأوسمة لعمله من مدرسة المترجمين في توليدو جزء من جامعة كاستيا لا مانشا، 2013، ووسام الثقافة والعلوم والفنون للكتابة الإبداعية، 2014، اتحاد الكتاب العرب في طنجة، المغرب وأبو ظبي 2015، وجائزة جيرارد كريمونا للترجمة الدولية 2015، وجائزة عبد الله بن عبد العزيز الدولية للترجمة في فئة الإنجاز الفردي، 2016.

الترجمة..

في حوارمعه أجرته “عبير يونس” يقول “صالح علماني” عن احترافه للترجمة: “تزامن احترافي الترجمة مع ظهور لافت للرواية الأميركية اللاتينية تحديداً، وليس الأدب الأميركي اللاتيني بشكل عام، لأن الشعر في أميركا اللاتينية كان سابقاً للرواية ومنذ الأربعينات من القرن الماضي، ظهر الشاعر بابلو نيرودا، كما ظهر الشاعر قصير باييخو، ولمعت أسماء شعراء عظام آخرين، قبل ظهور الرواية. وفي الستينات جاءت اندفاعة الرواية الأميركية اللاتينية، ممثلة في بعض الكتاب المهمين مثل ماريو بارغاس يوسا في البيرو، غابريل غاريسا ماركيز في كولومبيا، وكارلوس فوينتس في المكسيك، وآخرين في كوبا. وهؤلاء الكُتاب سبقهم في الحقيقة خلال الخمسينات كتاب مهمون مثل ميغل أنخل أستورياس صاحب رواية «السيد الرئيس» التي أهلته للحصول على جائزة نوبل للآداب في العام 1967. ومن قبله الكاتب الكوبي أليخاندور ألفاريز. وقد لا يتم تذكر هؤلاء أحياناً، ولكنهم في الحقيقة كانوا الإرهاص للواقعية السحرية، إذ كان أول من تحدث عن سحرية الواقع، في أميركا اللاتينية ألفاريز الذي قال: «إننا نعيش التراث الأفركوباوي أي الأفريقي الكوبي نحن حالياً نعيش تراثنا ونحياه».أما الجيل الثالث من هؤلاء الكتاب فبرز منهم: غابرييل غاريسا ماركيز، كارلوس فوينتس وآخرين، وكان التفات حركة الترجمة العالمية حينها مكرساً نحو هؤلاء الكُتاب، وتزامن هذا مع تعلمي للغة الإسبانية وإتقاني لها فخضت تجربة الترجمة ونجحت فيها”.

وعن الصعوبات في الترجمة يحكي: “بالتأكيد، واجهتني الصعوبات، في البداية عندما تعلمت اللغة الإسبانية في مدريد، وهي تعتبر لغة غنية جداً، مثلها في هذا مثل اللغة العربية، فهي متنوعة اللهجات، لذلك تظهر في أميركا اللاتينية المشاكل كبيرة، فهي من حيث الأساس لغة إسبانية. ولكن هنالك تسميات للأشياء تختلف تماماً بين بلد وآخر في أميركا اللاتينية، وتختلف عن إسبانيا أيضاً، وعندما بدأت الترجمة لم تكن هناك معاجم متخصصة، بعكس ما يحدث الآن، فعند كتابة أية كلمة يظهر لنا كيف تستخدم في التشيلي، وكيف تستخدم في المكسيك وكيف تستخدم في كوبا وهكذا. وفي السابق كان معجم الأكاديمية الإسبانية يقول إن «كلمة كذا» قد تكون في أميركا اللاتينية بمعنى كذا يذكر بلداً واحداً فقط، مع عدم ذكر غيره من البلدان. ومن هنا كانت المجازفة في الترجمة، صعبة جداً، حيث لا توجد معاجم تضبط هذه الاختلافات، مما يصعب على المترجم العمل. الآن أظن الأجيال الجديدة بعد تطور التكنولوجيا باتت تجد سهولة أكبر في هذه الفروق”.

وعن كونه يتواجد في ترجماته يوضح: “بالفعل المترجم موجود في أعماله، وهو شريك للكاتب في العمل، حتى إن الهيئات القانونية في إسبانيا تعتبر المترجم «مؤلّفاً للترجمة»، ولكن في بلداننا العربية لم نصل بعد إلى هذا الاعتراف”.

الواقعية السحرية..

وفي حوار ثان معه أجراه “وحيد تاجا” يقول “صالح علماني” عن بدايته في الترجمة: “من الجميل الذكر بأن الروايات لم تكن باكورة ترجماتي. فقد بدأت الترجمة في برشلونة حيث كان بعض الأصدقاء المهتمين بالقضية الفلسطينية يطلبون مني ترجمات عن فلسطين مثل مقررات المجلس الوطني الفلسطيني فكنت أقوم بترجمتها وهم ينشرونها في مجلة يصدرها الحزب الشيوعي الإسباني، وهنا كانت بداياتي مع طريق الترجمة الطويل، فالأساس في وظيفة الترجمة برأيي هو التواصل وإحالتها إلى أداة وسيطة بين اللغات، وفي مرة بينما كنت أتسكع في إحدى مقاهي برشلونة التقيت صديقا وتحدثنا عن الأدب وحدثته عن الروائي الفلسطيني غسان كنفاني، وكان يحمل الطبعة الأولى من رواية ماركيز “مئة عام من العزلة” فقدمها لي ونصحني بقراءتها، عندما بدأت قراءتها، شدتني واقعيتها السحرية ولغتها العجائبية، وقررت أن أترجمها إلى العربية. وبالفعل ترجمت فصلين ثم أهملتها، لكن ماركيز ظل يشدني، فترجمت قصصاً قصيرة له، ونشرتها في الصحف المحلية، وكانت باكورة ترجماتي الروائية هي روايته (ليس لدى الكولونيل من يكاتبه)، وقد صدرت الرواية في بيروت ولاقت رواجا كبيرا وكتبت عنها كل الصحف، وأذكر أن الناقد حسام الخطيب، كتب في حينها أن شاباً فلسطينياً يترجم أدباً مجهولاً لقراء العربية”. هذه الملاحظة لعبت دورا كبيرا في حسم أمري لصالح الترجمة إلى درجة أنني مزقت مخطوط رواية كنت قد بدأت بكتابتها وقلت لنفسي: أن تكون مترجماً مهماً أفضل من أن تكون روائياً سيئاً”.

وعن الواقعية السحرية يواصل: “ربما الذي شدني إلى الواقعية السحرية هو تلك البساطة في الحروف وتماهي الخيال وانخراطه بالواقع بتفصيلات صغيرة، وهو ما يظهر بوضوح في قصص ماركيز وفارغاس وغيرهما.. إضافة إلى تصورات المجتمع عن ذاته خاصة التصورات التي تقوم على الأوهام والغرائبية وتفسير الظواهر المادية تفسيراً خرافياً، وهذه حالة تنتشر في المجتمعات التي لم تزل بين بين، حيث يكون فيها بعض المظاهر الحداثية المادية والاقتصادية وبجانبها نجد بقايا من ثقافات بدائية ويتجاور النموذجان حيث يشكلان صورة فعلية للواقع الاجتماعي كما في أمريكا اللاتينية، وكما يؤكد ماركيز أن النص السحري هو أكثر واقعية وإن كان يتناقض ظاهريا مع النص الواقعي. إن هذه الواقعية ليست واقعية يتم تغيير شكلها بإضافة منظور سحري، وإنما هي واقع سحري بحد ذاته. وقد تستغرب إذا قلت لك إنني أجد تطابقا كبيرا بين مجتمعاتنا العربية وبين المجتمعات في أمريكا اللاتينية.. هذا كله شدني إلى ذلك السحر في أدب ماركيز وفارغاس وغيرهم من الذين أذهلوا العالم بأعمالهم، وللأسف فأنا لم أترجم كل من ينتمون إلى جيل الواقعية السحرية، بل ترجمت لكُتَّاب آخريين متميزين جدا سابقين لهم، واللافت أن ظهور جيل الواقعية السحرية تسبب بالانتباه إلى الكتاب الذين سبقوهم. أما بالنسبة لروايات إيزابيل الليندي، والتي كانت تخط خطا مختلفا عن هذا الجيل، فقد لعب رواج كتبها وإلحاح الناشرين دورا كبيرا في ترجمتي لأعمالها”.

الترجمة الأمينة..

وعن إشكالية الترجمة الأمينة للنص يبين: “الأمانة شيء نسبي في العمل المترجم، لأن الأمانة وحدها لا تبرر تخريب النص الأصلي، فالرواية المترجمة لا يمكن أن تكون مثل الرواية الأصلية بحال من الأحوال، فالنص ليس هو اللغة أو الكلمات فقط، وإنما هو الإيحاءات الموجودة وراء هذه الكلمات، هناك الروح التي تملي عليك صف الكلمات بهذا الشكل أو ذاك. ومن هنا نجد العديد من المترجمين الذين يرتكبون آثاماً لا تغتفر باسم الترجمة الحرفية، فالأمر بوضع كلمة بدل أخرى، بل بتشكيل جغرافية النص جمالياً ومعرفة أسرار اللغتين، اللغة الأم واللغة المترجم عنها.. الواقعية السحرية صعبة جدا، أنا عندما أترجم رواية ما أحاول أن أعيش حالة الكاتب وأقرأ الرواية أكثر من مرة حتى أستوعبها بشكل جيد وأعيش حالة كاتبها وأبطالها وتفاصيلها الدقيقة، وأذكر أن مدير معهد ثربانتس اتصل بي مرة بينما كنت أترجم رواية ماريو فارغاس يوسا “ليتوما في جبال الانديز”وسألني أين أنت لم أرك منذ أكثر من شهر فأجبته بشكل عفوي أنني في الأنديز، وكان هذا صحيحا لأنني كنت أعيش تماما حالة الرواية. والشيء الطريف أنني ومن خلال علاقتي مع الواقعية السحرية ومع أدب أمريكا اللاتينية أصبحت أشعر بقرب شعوب هذه المنطقة من شعوبنا، فعلى الرغم من البعد الجغرافي والاختلاف الظاهري في الثقافتين هناك تشابه كبير في أنماط الحياة وفي الكثير من الأمور، بل لأنني أشعر بقربهم أكثر مما أشعر بقرب أو بتشابه بيننا وبين إسبانيا والتي بقي العرب فيها ثمانية قرون”.

ويضيف : “بصراحة إن هذا الأمر ليس بالسهل أبدا، ولهذا قلت إن الرواية المترجمة لا يمكن أن تكون مثل الرواية الأصلية بحال من الأحوال، وهناك بعض من القراء يقولون لي، ربما من باب المحبة، إن ترجمتك أجمل من الرواية الأصلية، لكنني أرفض هذا الكلام لأن رواية ماركيز بلغتها الأصلية أجمل بمرات عديدة منها بعد الترجمة، فأنا نفسي أحس أن هناك شيئا مفقودا بعد الترجمة رغم كل محاولاتي إيصال أكبر شحنة ممكنة من روح ماركيز، لكنني أحس أنني لم أعط كل ما هو موجود في الرواية، ومن المستحيل أن تعطي وتوصل كل شيء، هناك أشياء صغيرة ليس من السهل ترجمتها أو نقل ما تحمل من إحساس، الكلمات كيفما حورتها لا تعطي نفس الدلالة ونفس الإحساس ونفس الحالة في سياق الرواية مع أن الكلام نفسه واللغة لغة، بينما في السياسة مثلا الكلمة تقابلها كلمة في لغة أخرى، أما في الأدب الموضوع مختلف، فعندما تضع الكلمة في هذا المكان تصبح دلالتها أكبر وأعمق مما لو وضعتها في مكان آخر، وبالتالي قد لا تجد لها أحيانا المعادل التام والكامل عند ترجمتها. والقارئ لرواية مترجمة يستمتع بها لأنه لم يقرأ النص الأصلي، هناك دائما شيء مهم ضاع من المعنى، وبلا شك فإن الترجمة تفقد النص أشياء كثيرة”.

وعن حركة الترجمة في العالم العربي بشكل عام يقول: “للأسف ليس هناك إحصاءات عن كم الترجمة في العالم العربي، مثلا ما يصدر في سورية من ترجمات لا يدخل ضمن أي إحصاءات مع أنه كم كبير ومنظم وما يصدر في البصرة أو بشكل عام في العراق أيضا لا يدخل ضمن أي إحصاءات، وباعتقادي فإن المكتبة العربية لا تفتقر إلى الثقافة العالمية حيث نرى ترجمات تغطي كافة المدارس الثقافية والفكرية وحتى العلمية من الإغريق حتى الآن. ففي الكويت مثلا تمت ترجمة أحدث المطبوعات العلمية والفكرية، كما في لبنان ترجمت دار الطليعة ودار الأدب كثيرا من كتب الأدب والفلسفة، وفي مصر أيضا ترجمت أعدادا كبيرة من الكتب الهامة. ولكن المشكلة أن معظم هذه الترجمات تقوم على مبادرات فردية. في حين أنه على المؤسسات الثقافية والعلمية أنْ تتبنى الترجمة في عالمنا العربي، وقد رأينا أنه حين تتولى المؤسسات هذا العمل فإنها تنتج ترجمات جيدة كما حصل في الكويت حيث تمت ترجمة أهم المسرحيات العالمية، وهناك الآن في أبو ظبي مؤسسة تتبنى موضوع الترجمة، وأيضا قامت دولة قطر مؤخرا بإنشاء مؤسسة للترجمة، وفي بيروت مؤسسات تتبنى عملية الترجمة، وهناك جهات رسمية تحاول أن تمول ماديا موضوع الترجمة، وفي سورية قامت وزارة الثقافة بإصدار عدد مهم من الترجمات الجيدة من أفلاطون وحتى الأدب المعاصر”.

 

وفاته..

تُوفيّ “صالح علماني” في 3 ديسمبر2019 عن عمرٍ ناهز الـ 70 سنة في العاصِمة الإسبانية مدريد.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب