18 ديسمبر، 2024 8:21 م

“شوقي أبو شقرا”.. الشعر بالنسبة له ملاذه الذي في قبضة يده

“شوقي أبو شقرا”.. الشعر بالنسبة له ملاذه الذي في قبضة يده

خاص: إعداد- سماح عادل

“شوقي أبي شقرا” شاعر لبناني، من رواد كتابة الشعر السريالي في لبنان.

التعريف به..

ولد في “بيروت”، لكنه عاش طفولته في “رشميا” ومزرعة “الشوف” بسبب عمل الوالد في سلك الدرك وتوفي والده في سن العاشرة في حادث سيارة. درس في دير “مار يوحنا” في “رشميا”، ثم في معهد الحكمة في بيروت، وتخرج 1952. تزوج من “حلوة باسيم”، وأنجبا: “مونيك، وماجد، وناجي”.

كتب محاولات أولى بالفرنسية، ثم قصائد عمودية. أما بدايته الحقيقية، فكانت في قصائد تفعيلة مميزة عن التي دشنها الرواد العراقيون، ثم انتقل إلى قصيدة النثر في ديوانه الثالث «ماء إلى حصان العائلة». أسس «حلقة الثريا» مع ثلاثة آخرين هم: “جورج غانم، وإدمون رزق، وميشال نعمة”.

“شعر”..

يعتبر أحد أبرز أعمدة مجلة “شعر” التي جمعت “أدونيس، ومحمد الماغوط، ويوسف الخال، وأنسي الحاج”، عمل سكرتيرا للتحرير فيها. وفاز ديوانه: «حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة»  بجائزة مجلة شعر في 1962، ترجم “أبي شقرا” نصوصا لشعراء مثل: “رامبو، ولوتريامون، وأبولينير، وريفيردي”، لكن الترجمة كانت هامشية وبعيدة عن شعره.

كانت الترجمة جزءا أساسيا من مشروع المجلة، وقد اطلعوا علي الحداثة خصوصاً في نسختها الفرنسية، وظهرت في نصوص شعراء المجلة، وبياناتهم عن الشعر العربي الحديث. لكن تجربة “أبي شقرا” اكتفت بمناخاتها المحلية.

ثقافية يومية..

أسس “أبي شقرا” أول صفحة ثقافية يومية في الصحافة اللبنانية، فقد عمل صحافيا منذ 1960، واستلم في 1964 مسؤولية الصفحة الثقافية في جريدة “النهار” البيروتية، الذي استمر فيها حوالي 35 عاما. بعد مغادرته جريدة “النهار” في 1999، كتب زاوية في جريدة “الغاوون” منذ 2008.

أعماله..

مجموعات شعرية منها:

أكياس الفقراء – 1959.

خطوات الملك – 1960.

ماء إلى حصان العائلة – 1962.

سنجاب يقع من البرج – 1971.

يتبع الساحر ويكسر السنابل ركضًا – 1979.

حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة – 1983.

لا تأخذ تاج فتى الهيكل – 1992.

صلاة الاشتياق على سرير الوحدة – 1995.

ثياب سهرة الواحة والعشبة – 1998.

سائق الأمس ينزل من العربة – 2000.

نوتي مزدهر القوام – 2003.

تتساقط الثمار والطيور وليس الورقة – 2005.

أبجدية الكلمة والصورة، 2005.

شوقي أبي شقرا يتذكر – 2017.

عندنا الآهة والأغنية وجارنا المطرب الصدى- 2021.

أنت والأنملة تداعبان خصورهنّ – 2023.

القلم الأحمر..

في مقالة بعنوان (هل كان «القلم الأحمر» إحياء طقوسيا لذكرى أبيه القتيل؟) كتب “شوقي بزيع”: “ينتمي الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا إلى ذلك الجيل التأسيسي الريادي الذي ترافق صعوده مع فورة الازدهار القصيرة التي شهدها لبنان بُعيد استقلاله، مستفيداً من موقعه الحساس ومن تنوعه الإثني والثقافي، ومن دوره الاستثنائي وسيطا حاذقا بين عالمي الشرق والغرب. ولعل البلد الصغير لم يكن لينجح في لعب ذلك الدور المتميز لو لم تتوفر له عناصر النجاح التي تمثلت بازدهار صحافته وتعدد جامعاته ومعاهده وانفتاحه على ثقافات العالم ولغاته الحية، ولولا تنعمه بقدر وافر من الحرية والتنوع الإثني والمعرفي.

فيما كان العالم العربي آنذاك متقوقعاً على نفسه، رازحاً تحت وطأة الاستبداد، ومتوجساً من أي تغيير حقيقي. لذلك لم يكن تأسيس مجلة «شعر» آنذاك سوى الترجمة الطبيعية لما تحمله الأجيال الشابة من هواجس وأحلام وتطلعات. ولم يكد يوسف الخال يعلن عن مشروعه، حتى كان أبي شقرا، وهو بعدُ في النصف الأول من عشريناته، يستجيب للدعوة الجديدة التي عملت على بناء مشروع عربي حداثي، يشكل الشعر متنه وعمقه وواسطة عقده.

وقد بدا واضحاً يومها أن إسهامات شوقي في المجلة لم تكن تقتصر على النصوص الشعرية، وبعض القراءات النقدية المتباعدة لعدد من المجموعات الصادرة في حينها، بل كانت تتعدى ذلك لتتصل بقراءة النصوص وما تستلزمه من تدقيق وتنقيح لغوي، كما يعبر الشاعر نفسه في غير مناسبة وحوار”.

ويضيف: “وبعد توقف «شعر» عن الصدور وتسلّم أبي شقرا مهمات ثقافية محورية في «الزمان» و«النهار»، ملحقا وصفحة ثقافية يومية، ظل الشاعر القادم من مزرعة الشوف إلى بيروت يتربع لسنوات على سدة «السلطة» الثقافية في واحدة من أعرق المنابر الصحافية اللبنانية وأكثرها تأثيرا في المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية. وقد اكتسب قلمه الأحمر شهرة واسعة وهو يُعمل تصحيحا وتعديلا وتشطيبا في مئات النصوص التي ظلت تتكدس أمامه ومن حوله لأكثر من 40 عاماً من الزمن.

ويحق لنا أن نتساءل في هذا السياق عما إذا كان اللون الأحمر يرمز إلى منع الأخطاء من المرور، أم هو إحياء طقوسي لدم أبيه الدركي الذي قضى في حادثة مروعة ولم يأخذ طريقه إلى التخثر؟ ولقد ظل شوقي بجسده النحيل وجبهته العريضة وحاجبيه الكثيفين، يكرر الطقوس ذاتها ويواكب التجارب المتنوعة لكثير من الأسماء الجديدة التي ثابر بعضها على الصعود والتطور المستمر، فيما آل بعضها الآخر إلى نسيان محقق. على أن عمله المرهق لم يكن ليُنسيه عاداته وسلوكياته الريفية التي زوّده بها مسقط رأسه في الجبل اللبناني، حيث لا يكاد زائر ما يطرق الباب حتى يأذن له بالدخول ويستقبله بتهذيب بالغ طالبا إليه الجلوس بانتظار الانتهاء من تنقيح الأوراق والنصوص المعدة للنشر في اليوم التالي.

ولم يكن صاحب «نوتي مزدهر القوام» ليخيب ظن أحد من قاصديه الكثر، بصرف النظر عن أعمارهم ومشاربهم ومدارسهم الشعرية والنقدية المختلفة، لا بل إنه احتفى بالناشئين ممن لا يشبهونه في شيء، ومنحهم بسخاء بالغ المنبر الذي طالما حلموا باعتلائه. وحيث قام بالنسبة لهم، مقام الوالد، على ما يعبر المتنبي، بدا كأنه يعوضهم عما خسره هو بالذات من رعاية والده الدركي الذي خلفه على حين غفلة، تاركاً للصبي الذي كأنه أن يرزح تحت وطأة اليتم المبكر، وأن يصاب بجروح في الروح سيكرس لاندمالها جلّ ما كتبه لاحقاً من قصائد ونصوص”.

القصيدة المتجددة..

في حوار معه أجراه “إسماعيل فقيه” يقول ” شوقي أبو شقرة” عن الشعر: “أنا مقيم في العطاء الشعري، ودائم الحضور في القصيدة المتجددة. منذ بدأت الكتابة في القرن الماضي، منذ كنت تلميذا في مدرسة الحكمة، عشت الحيرة على أيامي ومستقبلي، وكنت أنظر إلى الحياة المقبلة بعين قلقة وحالمة. وما زلت إلى الآن أسأل نفسي: لماذا كان الشعر يأخذني؟ لماذا كان مشواري في هذه الحياة؟

كان البؤس يحوطني بسبب غياب الوالد مجيد. ورأيت أن الشعر هو ملاذي، وفي قبضة يدي. أُتيح لي الشعر في باكر الأيام، ومنذ تلك الأيام خرجت مع أصحابي إلى القصيدة والشعر، التقينا واجتمعنا وكتبنا. وكأن الصدفة لعبت دورها، إذ إنني التقيت ببضعة من الأصدقاء وأسّسنا حلقة الثريا: ميشال نعمة وجورج غانم وإدمون رزق وأنا. وقبل ذلك، لعبت قريحتي دورا فاعلا في انطلاقتنا الشعرية.

في مزرعة الشوف، في الصيف، هناك بدأ الشعر يراودني، وبدأ قلمي يخربش على الورقة والأيام. كأنني كنت في حينه أحتاج، بغياب الوالد والعاطفة، إلى التعويض، إلى الشعر، وكأن الشعر ينوب عن الوالد. كانت القصيدة ملجئي. القصيدة الأولى والتي كتبتها على الوزن، قصيدة عمودية. كل هذا كان قبل خروجي من الشوف ونزولي إلى بيروت. القصيدة هي التي أنبأتني بالعيش، وعليّ أن أذكر أن السيد حسيب عبد الساتر ساعدني في انطلاقتي، وكنت أعرض عليه بعض نتاجي الأدبي والشعري في تلك الأيام من مرحلة الخمسينات. ولا أنسى فضل الكاتب الكبير فؤاد كنعان، لأنه فتح لي مجلة «الحكمة» لأكتب فيها، وكانت مجلة قيّمة وناطقة بالحياة اللبنانية والحياة الثقافية بامتياز. فؤاد كنعان هو الذي ساهم في كشف موهبتي الشعرية والثقافية وإبرازها”.

 ثورة شعرية..

وعن اسمه المقرون بتجربة الحداثة الشعرية، وتجربة مجلة «شعر» التي أحدثت ثورة شعرية ويقول عن تجربته”: “تحدثت كثيراً عن هذه التجربة، ولها فصول في كتابي المقبل والذي يصدر قريباً. ما يمكنني قوله الآن عن تجربة «شعر» إنها تجربة غنية وثرية بالشعر والفكر والأدب. وكنت أنا الفارس المضيء والمرشد الجمالي لها، وفق تسمية الشاعر محمد الماغوط. فقد عملت مديراً للتحرير في «شعر»، وكنت حارسها ومرشدها الجمالي والشعري والأدبي… كلهم عبروا مع حبر قلمي.

وعن جدوى الكتابة في حياته: “لا تنس أن والدي قضى بحادث سيارة، وتركني وإخوتي في قفص الطفولة والرعاية الواجبة وفي قفص المدرسة. هذا الخيط المأسوي للوالد قد أشعل فيّا نوعاً من الحنين والحزن الخفي، فاستمر الدفق العاطفي في ما بعد. وكانت الجدوى كبيرة في التعويض والتحصيل، حيث حلّت الكتابة بديلاً عن العاطفة المفقودة. لذلك حملت قلماً أحمر لوّن وأعطى وأكمل الهالة التي تلفّ قصيدتي منذ تلك الأيام”.

وفاته..

توفي “شوقي أبو شقرة” يوم 10 أكتوبر 2024 عن عمر 88 عاما.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة