14 نوفمبر، 2024 1:13 م
Search
Close this search box.

“شمس بحجم الكف”.. رواية لأصغر كاتبة عربية

“شمس بحجم الكف”.. رواية لأصغر كاتبة عربية

كتب: مصطفى لغتيري

بعدم تجاوزها لربيعها الرابع عشر استحقت المبدعة الواعدة عبير عزيم لقب أصغر كاتبة عربية، خاصة وأنها دخلت غمار الكتابة الأدبية ولما تناهز الثالثة عشر من عمرها بعد، مما جعل هذا اللقب مستحقا بامتياز، ولعل ذلك مما لفت الانتباه إلى هذه الصبية، التي تمتلك من الطموح المشروع ما يؤهلها لتكون محل تقدير من قبل أكثر من مؤسسة إعلامية وثقافية وتربوية، حتى أضحت وجها مألوفا عند الجميع، وهذا مما يجعلها قدوة تحتدى،خاصة لدى الأطفال والشباب على حد سواء، علاوة على انتمائها إلى مدينة صغيرة” تاهلة” تعد من الهامش المغربي، غالبا ما تعاني مثيلاتها من الحواضر الصاعدة من قلة الإمكانات وشحة الفرص لإبراز المواهب وتطورها، وكأن المبدعة عبير تقول لنا من خلال ما حققته بأن الإرادة والطموح كفيلان بتجاوز كل العوائق والمتبطات، فالعزيمة وحدها تجعل من الفرص الصغيرة المتاحة مناسبة كبيرة لتحقيق النجاح، ولا غرابة والحال هذه ان تتناول المبدعة عبير عزيم في رواية “شمس بحجم الكف” موضوعا يعد في أحد مستويات التأويل معادلا موضوعيا لحياتها الشخصية في علاقتها بالإبداع، فقد تناولت موضوع الإعاقة الذي تعاني منه أسر كثيرة في صمت، تناضل نضالا مريرا لغد أفضل لأبنائها المصابين، في غياب دعم حقيقي لهم، فكم من بيت يضم بين جدرانه مأساة مكتومة الصوت، فلا تصلنا أناتها رغم المعاناة الكبيرة، التي تقاسيها الأسرة في سبيل خلق لجواء مناسبة لابنها المعاق، الذي يتحمل واقعا أكبر منه ولا مستقبل واضحا يكون في انتظاره، مما يجعل المأساة مضاعفة، ولاتبشر بأي خير.
في روايتها الأولى” شمس بحجم الكف” حاولت الكاتبة ان تستفيد من الواقع إلى حد كبير، بحيث جاءت الأحداث انعكاسا لما نكاد نعرفه بين ظهرانينا من تجارب حياتية، فيما يبقى الخيال حذرا يطل على استحياء، يسترق إلينا النظر من وراء حجاب، وتلك لعمري بعض خصائص التجارب الأولى في الكتابة، التي يتملكها طموح كبير لتصوير الواقع، من خلال الاستفادة من الحياة الشخصية للكاتب، وإيراد أسماء الأماكن، والفضاءات، التي تضطرب في أجوائها الشخصيات، كما ان الأحداث غالبا ما تحيلنا على وقائع بعينها يعرفها المقربون من الكاتب، وكأنه بذلك يكون مشغولا أكثر بالتوثيق اكثر من الإبداع، فحين يكتب الرواية يحبر في نفس الآن سيرته الشخصية وسير من يحيطون بها من شخوص واقعية.
غير أن هذا الانطباع يبقى نسبيا حتى وإن كان هناك من داخل المتن الروائي ما يعضده، وخاصة المكان “تاهلة”والشخصية الرئيسية الأنثى، التي هي تقوم في نفس الوقت بدور الساردة، وغيرها من القرائن التي تبرر هذا الانطباع، فالكتابة الأدبية حتى وإن توهمت واقعيتها يبقى نسغها العميق هو الخيال، ويتجلى ذلك في خاصية الانتقاء، أقصد انتقاء ما يركز عليه الكاتب، حتى وإن كان واقعيا، ومن تقديم الأحداث ومن الوصف الذي يضفي على رواية ” شمس بحجم الكف” لمسة شعرية وأدبية وفنية لا تخفى على القارئ، ينطلق ذلك من العنوان ذي الحمولة الجمالية الواضحة التي تتكئ على الاستعارة في صياغته، هذا فضلا عن التناول الأدبي الجميل لمصير الشخصيات في صراعها مع الواقع، والشحنة العاطفية لكبيرة، التي يشعر بها المتلقي تجاه الشخوص، وقد صاغتها الكاتبة بلغة صافية وشفافة، تحاول تقديم الأحداث والشخصيات والأماكن بنوع من الحياد السردي والموضوعية، رغم قوة المشاعر أحيانا، التي تصبح طاغية في فقرات محددة من الرواية، لكنها مع ذلك لا تفرط في جماليتها، فتشعر إزاءها بأن الكاتبة عبير عزيم، تملكت رغم حداثة سنها ناصية اللغة، وطوعتها أفضل تطويع للتعبير عن مشاعر الشخصيات وهمومها واحزانها وطموحاتها كذلك، كما ابدعت في اختيار الأماكن التي تجري بها الاحداث دون أن يفوتها تطويرها بشكل مناسب يلائم الفن الروائي عموما، حتى وإن طغى عليها احيانا الطابع الرومانسي، الذي ينسجم إلى حد بعيد مع طبيعة المرحلة العمرية للكاتبة، والتي ستتجاوزه بكل تأكيد في تجاربها اللاحقة، التي لا شك أنها ستمنحنا نصوصا أكثر نضجا، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ما حققته من نجاح إبداعي في تجاربها الإبداعية الحالية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة