“شغف” قصة قصيرة

“شغف” قصة قصيرة

 

كتبت: مي الحجار

كاد أن يتوقف قلبه عندما أخبرته أنها ستتزوج.. وكأن قطعة من قلبه ستضيع منه، ولكن كيف يمكنه التعبير عن مشاعره.. عن شئ أقوى من الحب يشعر به تجاهها.. إنه شغف، بكل شئ يخصها.. فالشمس يتأكد من إشراقها، فقط عندما يدخل مكتبه ويتنشق عبير عطرها، الذى ليس كأى عطر.. إنه عطر طيب، حنون، يقطر حيا .. يقطر شئ يملائه بالشغف…

لقد كان يجب أن يعرفه بها القدر قبل أن يتزوج وينجب، ولكنه صادفها وهو أب لطفلتين، فهى مديرة مكتبه، التى حولت بذكائها وإخلاصها، شركته الصغيرة لشركة كبيرة  ذات مركز مالى ممتاز.  هى، بأختصار روح الشركة، تفهمه قبل أن ينطق، تنصحه دائما، تسير دائما خلفه فى هدوء، كظل مشرق. وكأن معها مفاتيح سعادته ورضائه، تقدم له أفضل النصائح، وكلمات التشجيع، تقوم فى حياته بكل الأدوار، حتى أنها تذهب معه عند شرائه أى شئ ولو هدية لزوجته أو ملابس لنفسه، تعلقه بها، كتعلق طفل بأمه، أو شئ أكبر …

عندما جرحت يده فى مصنع، كانت أول من وصل له وضمد جرحه ثم أعطته حقنة، للتأكد من عدم تلوث الجرح، وكتمت ضحكتها وهو يلعن ويسب من ألم الحقنة، كطفل كبير غاضب، ولكنه ابتسم وقتها ونسي ألمه، فقط عندما شاهد جمال ملامح وجهها وهى تضحك..

فكرة أن تكون له زوجة ثانية، فكرة مستبعدة، لأنه لا يرضى لها هذا الموقف السخيف، وحتى زوجته، إمرأة ، ليس بها عيب يذكر، سوى إنها.. ليست هى.. ليست حبيبته، وصاحبة قلبه. فمن يسعد بالوجود على سطح الأرض، بعد التحليق فى السماء والرقص بين النجوم ومعانقة القمر.

نعم .. كل هذا فقط فى نظرة بريئة منها، أو إبتسامة لا تعني شئ فى زاوية فمها الوردي الصغير، ممتليء الشفاة.

بعد أقل من خمس دقائق، كان قد غادر بيته الذى دخله لتوه، بعد شجار سخيف مع زوجته، على لا شئ، لقد افتعل مشكلة، فقط ليترك البيت، ويذهب لينام عند أمه، التى تسكن بالقرب منه، لقد أراد أن يكون وحده، هذه الليلة. فقط ليفكر فيها، ليسعد نفسه بتخيلها أمامه يحادثها بحرية، وترد عليه بطريقتها الهادئة التى تسحره، وتجعله قادر على السماع لها للأبد …

دخل حجرته القديمة عند أمه، حاول النوم فرفض النوم التسلل لعينيه، فقام من مكانه  وبدأ يلوم نفسه على حبه الكبير لها، وعلى تركه لبيته وزوجته.

وأخيرا وقف أمام المرأة التى فى الحجرة مخاطبا نفسه التعيسة:

“وحتى أستطيع النوم، كباقى البشر، سأتوهم أنها تفكر في وقلقة من أجلي، ويهمهما أمري، وتذوب حنينا لكل شئ جمعني بها، مثلي. كم أحبها.. وأموت شوقا فقط للنظر فى عينها.. فقد عودتني، كل مساء على مصافحة ملامح وجهي برقة وجمال إبتسامات عينيها، التى تشبه عيني نمر صغير جائع للحب والحنان واللعب، طوال الوقت…”.

استيقظ على صوت هاتفه المحمول، وكانت هى، “مديرة أعماله”، وحبة قلبه، من يتصل، فقالت له دون مقدمات:

“اليوم عرسي، وبدلا من كونك بجانبي، أنت مختفي، ولا ترد على الهاتف، ولم تذهب للشركة، هل نسيت أنه لا أخ لي، وأن أبي متوفى، وأنك اليوم ولي أمر العروس، وأنت من سيسلمني لزوجي، أمامك أقل من ساعة لتكون أمامي الآن، وزوجتك من الصباح هنا، فهى ونعم الأخت، أشرفت بنفسها على كل شئ.. هيا الوقت يمر.. والجميع ينتظرك….”.

فى دقائق عاد منزله وغير ملابسه، وارتدى أفضل بدلة لديه، وتوجه إليها…

كانت أجمل عروس، واليوم كان مثالي، وزوجته لم تقابله سوى بإبتسامة رقيقة متسامحة، وبعد إن انتهى الزفاف وسلمها لزوجها، لا يعرف لماذا كان فى منتهى السعادة. ربما فقط لأنه لمح السعادة ترقص فى عينيها الجميلة، فيكفى أنها سعيدة، ليسعد هو الآخر وعاد إلى بيته مع زوجته راضيا..

بعد مضى شهر، وبينما كان يجلس فى مكتبه غارقا بين الملفات والأوراق، تسلل فأجأة لقلبه إحساس مريح، دون سبب، واذا بعطر يقتحم مكتبه مع صوت ضحكاتها الرنانة وهى تتحدث مع إحدى زميلاتها فى العمل، ووقفت تلقى عليه بيانها:

“لقد عدت للعمل وانتهى شهر العسل.. قل ولا تكذب ألم تشتاق لي؟!….”.

كان سؤالها برئ ومزاحها مفرح لقلبه، وشعر وقتها فعلا أنها أخته الصغيرة التى تتدلل عليه، وأدرك وقتها، أنه هناك علاقة بين الرجل والمرأة أقوى وأرقى من الحب العادى التقليدي، وهى علاقة الصداقة والأخوة…

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة