13 أبريل، 2024 9:11 ص
Search
Close this search box.

شرق الفرات: تقدير موقف

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ هيثم البدوي
ظهر الانسحاب الأمريكي المعلن عنه بشكل مفاجىئ، خارج السياق الطبيعي لتطور الأحداث، مما يعني تفسير وتحليل الانسحاب في اتجاهين متغايرين. أحد التحليلين سيكون محاولة لوضعه في سياقه الطبيعي مما سيأخذ منحى تآمري على المعارضة والثورة، وتماشيا مع خط أستانة وإعلاء للتفاهم التركي الأمريكي، أما التحليل الآخر سيكون تقديم تحليل قائم على فكرة فخ أمريكي لتوسيع المستنقع السوري.

التحليل الأول، يمكن فهم الانسحاب بأنه نتيجة تفاهم دولي على أُطر الحل سورياً، مع إعلاء قيمة التفاهم التركي الأمريكي، وتعتمد مقاربتنا لأطر الحل بما يلي:

1-شرعنة نظام الأسد وإنهاء الثورة.

2-وحدة الجغرافيا السورية ونفي أي اطماع استعمارية من الدول المنخرطة.

3-الاتفاق البيني على الحفاظ على نفوذ ومصالح الدول المنخرطة حتى بغياب وجودها العسكري، فبالنسبة لتركيا فإن الانسحاب الامريكي أتى تفهماً لتخوفها الأمني والقومي، واستجابة من قبل أمريكا لهذا التخوف، وذلك بالسماح لها بالدخول لشرق الفرات عبر شريط حدودي ضيق، حسب اتفاقات سابقة مع الأسد الأب، ودخول منبج حسب اتفاقات سابقة مع أمريكا، وانسحاب أمريكي لرفع الغطاء عن الحليف الكردي.

مع السماح بدخول الأسد لمناطق النفوذ المتبقية خارج الشريط الحدودي وذلك لإنهاء التخوف التركي من الاكراد، وبنفس الوقت منع الأتراك من الوصول للنفط السوري واستثماره بازدهار اقتصادهم، وتحررهم من مكبلات أمنهم الطاقوي.

السماح بانتشار الأسد في هذه المناطق، يأتي كبرهان تركي بعدم وجود أطماع تركية توسعية، ومحاولة لشرعنة الأسد، وبهذا فإن الانسحاب يأتي ترجمة لعودة التفاهمات التركية الأمريكية، والتي ظهرت بعودة القس، وتمرير صفقة الباتريوت، وارتفاع الليرة التركية مجدداً.

وبالنسبة لروسيا، فإن الانسحاب مقبول كونه أتى ضمن تفاهمات أستانة وخطوطه العريضة، وهو ما سيدفعها لأخذ حصتها في المنطقة، وانتشار نفوذها كضامن يمنع الاضطرابات في شرق الفرات بين باقي القوى، كالنظام وإيران والأكراد ضد تركيا، وهو ما تقوم به روسيا اليوم كمهمة على الأرض من خلال قواتها المنتشرة كنقاط مراقبة حول إدلب.

أما إيران فستجد الانسحاب فرصة لزيادة توسعها وانتشارها، مع تخوفها من الانسحاب المفاجىئ، كون الاتفاق غامض وغير مفهوم بالنسبة لها، مما سيدفعها لاكتساب أوسع منطقة تسمح لها بوصل نفوذها بطهران، عبر كردور جغرافي تحت مسمى قوات النظام، تخوفاً من الانقلاب عليها.

غير أن هناك محدد خاص بإسرائيل، وبناء على ذلك ستتكفل إسرائيل بتحجيم والقضاء على الوجود الإيراني، وذلك بسبب التصريحات الإسرائيلية المعلقة على الانسحاب الامريكي مؤخراً، وبسبب عودة القصف الإسرائيلي للوجود الإيراني بعد التفاهمات الإسرائيلية الروسية الأخيرة.

يعيب هذا التحليل ضرب التفاهمات والتحالفات الأمريكية الخليجية عرض الحائط، وهو ما لا تفعله أمريكا بسبب عمق التحالفات الذي ظهر بعد قضية خاشقجي، لكن يمكن قبول الأمر إذا قامت أمريكا بدور وسيط بين دول الخليج وتركيا، عبر ضمان نفوذ الجهتين، من خلال مجالس العشائر الذي استثمرت به كل من تركيا ودول الخليج.

التحليل الثاني

يعلي هذا التحليل الرؤية القائلة بأن الانسحاب هو زيادة لبقعة الزيت الحاصلة في الملف السوري، وعدم انتظام بوصلة التوافق الدولي، فبعد إعلان فشل تشكيل اللجنة الدستورية، أتى قرار الانسحاب ليزيد عمق الحفرة التي وضعت الدول نفسها بها، فستعلوا وتظهر الخلافات مجددا عبر اختلاف تقاسم النفوذ في تلك المناطق.

كما ستتخوف تركيا من دخول تلك المناطق خشية وجود أسلحة نوعية بيد الأكراد، أو خوفاً من استثمار وتشغيل دول غير حليفة لتركيا بالفصائل الكردية ضد تركيا، كما ستسارع الدول الخليجية لتلبية مطالب الابتزاز الأمريكية التي ظهرت على لسان ترامب عندما صرح برفضه ممارسة دور الشرطي دون تحمل المسؤولية من أحد. كما ستعمق الدول الخليجية تحالفها من الفصائل الكردية والعشائر العربية، حفاظاً على مصالحهم.

كما ستسارع إيران لدخول المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي، مما سيزيد من حدة الاشتباك والقصف الإسرائيلي لها، مما يعني انهيار التفاهمات السابقة بين روسيا وإسرائيل، خاصة بعد نشر روسيا منظومة إس 300، في المنطقة الشرقية، مما يعني حاجة البلدين لإعادة تقيم مواقفهما، خاصة حين تظهر روسيا بمظهر الحامي والمدافع عن إيران، وهو البلد المحكوم بعقوبات اقتصادية من قبل أمريكا والمجتمع الدولي. مما يجعل روسيا بحاجة لتقييم موقفها مجدداً مع إسرائيل وأمريكا، وحاجة روسيا وإسرائيل للفاعل الأمريكي لاستتباب الأمن مجدداً بينهم.

أما على صعيد النظام والفصائل الكردية، ستعود فكرة التحالف مجددا بينهم، وسط تبادل المكاسب البينية الضيقة، والتي ستزيد اختلاف وجهات النظر، مما يجعل التحالف مضطرباً بينهم.

بالنسبة للمعارضة السورية ستراجع نفسها وتقيم تحالفاتها، ولكنها لن تخرج عن الخط التركي، إلا أنها ستدرك حجم التشظي الذي سيحصل بين مكونات الثورة السورية وتشتته أمام كيان النظام.

أثر الانسحاب الأمريكي في سورية والمنطقة الشرقية:

في التحليل الأول، نجد أن الانسحاب هو بداية انتقال المشهد نحو حل شامل في سورية، وفق رؤية مخرجات أستانة وسوتشي، بما لا يتعارض مع قرارات جنيف، وبذلك سيعاد تقسيم النفوذ بالمنطقة الشرقية انطلاقاً من تفاهمات بينية بين محور أستانة، مع تهميش دور إيران، والقبول بالتدخل الإسرائيلي العسكري إكمالاً لتفاهمات موسكو تل أبيب.

أما التحليل الثاني فيعني أن سورية ستدخل في مرحلة توتر جديدة بعد فراغ منطقة جغرافية كبيرة، ستتصارع وتتسابق دول أستانة لفرض سيطرتها عليها، مما يجعلهم أمام تضارب الأهداف والرؤى مجددا، خاصة بعدما شهدنا التضارب في إدلب.

التقارب التركي الأمريكي:

الثابت الوحيد في كلا التحليلين أن هناك تقارب تركي أمريكي، ففي التحليل الأول، يمكن القول إن التقارب أصبح ناضجاً، وأتى الانسحاب تلبيةً لذلك. وهو ما تدل عليه المواقف والتحركات التركية من خلال الإعلان عن إيقاف العمل مؤقتاً أو تأجيله، بمعنى لا حاجة له بعد انكسار وتشتت القوة الكردية، بسبب غياب الداعم الرئيس لها، مما يجعلها أمام خيار العودة إلى النظام، والذي لا تجد به تركيا عدواً لها، وتستبعد تركيا قرار المواجهة الكردية لها بسبب ضعف العتاد وغياب الحليف كما حالة عفرين سابقاً.

أما في التحليل الثاني، فإن غياب الداعم الرئيس للأكراد سيفهم كرسالة إيجابية من أمريكا مما يزيد التواصل والتنسيق معها لتحقيق مكسب تركي، أو تخوفاً من وجود أسلحة نوعية بيد الأكراد مما يدفعها لتفادي ذاك المطب، وهو ما يفسر لنا تأجيل العمل تفادياً لخسائر كبيرة.

في التحليلين فإن التركي مستفيد وقادر على التكيف مع متطلبات وعوائق القرار.

الموقف الكردي:

يعتبر الأكراد هم الخاسر الأكبر في كلا التحليلين، ففي التحليل الأول، يدرك الأكراد أن أمريكا تخلت عنهم مجدداً كما تخلت عنهم في عفرين، مما يعني عودتهم للنظام دون أي امتيازات او تحقيق لأهدافهم، وانتهاء دورهم في الملف السوري.

أما في التحليل الثاني، فيدرك الأكراد أن أمريكا دفعتهم للاعتماد على أنفسهم أمام باقي الدول المنخرطة في الملف السوري، ويعني هذا تعرضهم لضربات قوية، قد تودي بمشروعهم نتيجة ضعفهم أمام باقي الدول مهما ارتفع تسليحهم.

دول أستانة:

تعتبر دول أستانة أمام تحد جديد، لتثبت مدى تفهماتها وقوة تحالفاتها وقدرتها على منع تضارب مصالحها.

ففي التحليل الأول،ستتقاسم دول أستانة مناطق النفوذ حسب قوة فعاليتهم بالملف السوري، مع التأكيد على تحجيم إيران و رفع الغطاء عنها أمام القوة العسكرية الإسرائيلية، وبذلك ستدخل دول استانة اختبار توافق المصالح.

أما في التحليل الثاني، فستدخل دول أستانة في تحدي لاكتساب وانتزاع أكبر رقعة جغرافية، لتعكس مدى نفوذها على الأرض، مما يدخلها بنفق تضارب المصالح مجدداً، وستعمل روسيا على فرض توازن كما إدلب منعا لانهيار الاتفاقات المعلنة سابقاً.

داعش:

لن يعدو دور داعش أكثر من فزاعة تستخدم عند الحاجة أو تبريراً لقيام عمل ما، ففي التحليل الأول، ستكون داعش غير موجودة كونها انتهت بعد القضاء عليها في منطقة هجين. علماً أن تركيا قد تستثمر بهذه الورقة للقيام بأعمال عسكرية في حال نزع الورقة الكردية من يدها.

أما في التحليل الثاني، فإن ورقة داعش ستعود لتوسيع المستنقع السوري، وإحداث أكبر ضرر لكل المنخرطين بإعادتهم للمربع الأول.

الدول الأوربية:

لن يختلف موقف الدول الأوربية العسكري عن القرار الأمريكي، بسبب التبعية العسكرية في حين قد يختلف القرار السياسي. ففي التحليل الأول، ستنسحب الدول الأوربية عسكرياً، إكمالاً للحل وتثبيتاً له، وموافقة على الرؤية السياسية المتفق عليها، بحكم تبعية القرار العسكري لأمريكا.

أما في التحليل الثاني، فإن الانسحاب العسكري سيكون تخوفاً من حصول خسائر مادية وبشرية من القوات الأوربية المنتشرة، بسبب قرب استعار القتال بين الدول المنخرطة. أما القرار السياسي فسيكون مختلفاً عن القرار الأمريكي، بحكم التضرر الأوربي الحاصل من المسألة السورية.

الدول العربية:

في كلا التحليلين ينعكس ضعف الفاعل العربي بالملف السوري، ففي التحليل الأول، تظهر الأحداث خسارة الدول الخليجية لنفوذها واستثماراتها في فصائل المنطقة الشرقية، وعدم اعتبار التحالف العربي كحاجة مصلحية لأمريكا في الملف السوري.

أما في التحليل الثاني، فإن الدول العربية ستحصل على فرصة للاستثمار المباشر بالملف السوري، لغياب داعم كشف الغطاء عن عدة تنظيمات وقوى فاعلة على الأرض، لكن بالمقابل ستكتشف بأن تحالفها مع أمريكا في الملف السوري هشة.

المصدر/مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب