خاص: إعداد- سماح عادل
“شاذل طاقة” شاعر وسياسي ودبلوماسي عراقي، من مؤسسي مدرسة الشعر العربي الحديث (الشعر الحر)، مع الشاعرين بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي والشاعرة نازك الملائكة. ولد في مدينة الموصل العراقية 1929. أكمل دراسته الابتدائية في (مدرسة الخزرجية)، والمتوسطة في (الشرقية) أما دراسته الإعدادية فأتمها في (الإعدادية المركزية) في الموصل، والتحق بدار المعلمين العالية (كلية التربية) في بغداد عام 1946-1947، وتخرج بتفوق عام 1950، حاصلا على شهادة الليسانس في الأدب العربي بمرتبة الشرف. بدأ كتابة الشعر العمودي، ومن ثم الشعر الحر، في سن مبكرة ونشرت قصائده في الصحف المحلية منذ أربعينيات القرن الماضي.
حياته..
تقلد مناصب وظيفية رفيعة عديدة حيث عين عام 1963 مديرا عاما لوكالة الأنباء العراقية بعد تسلم حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق مقاليد السلطة في العام 1963. شغل عام 1968منصب وكيل وزارة الإعلام، ثم سفيرا للعراق لدى الاتحاد السوفيتي، ووكيلا لوزارة الخارجية، ثم أصبح وزيرا للخارجية عام 1974.
الكتابة..
أصدر ديوانه الشعري الأول (المساء الأخير) عام 1950، ثم أصدر ديوانا شعريا مشتركا في العام 1956 تحت عنوان (قصائد غير صالحة للنشر) ضم قصائد لشعراء عراقيين آخرين من مدينة الموصل هم عبد الحليم اللاوند وهاشم الطعان ويوسف الصائغ. وفي عام 1963 صدرت مجموعته الشعرية الثانية (ثم مات الليل) لتليها في عام 1969 مجموعته الشعرية الثالثة والأخيرة (الأعور الدجال والغرباء). ولقد ترجمت قصائده إلى العديد من اللغات الأجنبية، وكتبت عن أشعاره دراسات وأبحاث عديدة. كما أصدرت وزارة الثقافة والإعلام العراقية في العام 1977 مجموعته الكاملة التي أعدها وقدّم لها الكاتب العراقي سعد البزاز.
يعد “شاذل طاقة” من الشعراء الرواد الأوائل للقصيدة الحرة حيث كانت له محاولات جادة ومهمة في تطوير البنية الإيقاعية الشعرية وكانت له اجتهادات عروضية مهدت لمحاولات كثيرة أعقبته. كرس مسيرة حياته القصيرة لما يعرف اليوم بالقصيدة الملتزمة إذ تبنت قصائده منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي قضايا الكفاح التحرري للشعب العربي. في هذا السياق، دعمت قصائده النضال التحرري للشعب الجزائري، فيما تناولت أروع قصائده في مرحلة متقدمة من نضوجه الشعري محنة الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي فعبرت بروح صادقة عذبة عن تلك المعاناة. اتسمت تجربته الشعرية بالتجديد وقد ورد في مقدمة ديوانه: (المساء الأخير) 1950 قوله “إن هذا الضرب من الشعر (الشعر الجديد) ليس مرسلا ولا مطلقا من جميع القيود، ولكنه يلتزم شيئا وينطلق عن أشياء.. ولعل من حق الفن أن أذكر أن هذا الضرب ليس مبتكرا، فإن جذوره ممتدة في الشعر الأندلسي”.
شاعر مناضل..
يقول الباحث ” حسن لفته عباس” في دراسة له بعنوان ” الشاعر شاذل طاقة دراسة فنية وموضوعية”: ” الشاعر شاذل طاقة صاحب تجربة حافلة و قد كتب في أغراض شتى، سياسية ورثاء وكتب عن المرأة وكتب شعر اجتماعي وقد مرت تجربته الشعرية بثلاث مراحل: (1- مرحلة الحزن والهموم الذاتية: و تمثلت بموت الأب وقد تمثلت هذه المرحلة في ديوانه (المساء الأخير ) الذي صدر عام 1950 ونلحظ هذه الهموم في العديد من قصائد هذا الديوان ومنها قصيدة (مع الموت) من خلال قراءتها نلاحظ ما جاء فيها من حزن وأسى في معانيها .. المرحلة الثانية: مرحلة النضال والوعي السياسي وهي مرحلة شهدت نضال ووعي وكتب الكثير من القصائد السياسية فيها وتمثلت في ديوانه (ثم مات الليل). ونلاحظ ذلك في قصيدته (العزائر والسحر الجديد) اتخذ طابع التغيير المتأثر بالانفعال القومي وبعبارات تدل على النضال والكفاح والانتصار والألم . كما في ديوانه العديد من القصائد التي مثلت هذا الجانب منها (القعيد في وهران) و(ثلاث رسائل في سجن الكوت) و (بطاقة عيد إلى الموصل).. المرحلة الثالثة: مرحلة النضج والشعر القومي يسمي النقاد هذه المرحلة مرحلة الرمز والأسطورة بسبب اتخاذ الرمز والأسطورة أسلوبا في التعبير مستفيدا منها في نقد الحكم السائد في العراق قبل انقلاب تموز 1968، وقد تمثلت هذه المرحلة في ديوان ( الأعور الدجال والغرباء) 1969 وديوانه الرابع (السندباديات) ومثال هذه المرحلة قصيدته (في الطريق إلى القاهرة) التي جاءت بعد نكسة حزيران عبرت عن مضمون القومي والثوري متميز حشد فيها كلمات الثورة والرفض والمكابرة.. أما في ديوانه (السندباديات) جمع أيضا مرحلة الوعي القومي كما يتخذ أيضا من الرمز الأسطوري مثال قصيدته (لا تقولين انتهينا) التي جمعت الرمز والاندفاع القومي”.
ويواصل: “ومن الظواهر المهمة التي ظهرت في شعر شاذل طاقة هي ظاهرة التنوع في البحور ويقال هذه الظاهرة ظهرت في شعره بين عام 1948- 1950 ثم بعد ذلك طورها السياب سنة 1969 وقد أدى ذلك إلى اتهام هؤلاء الشعراء أنهم يجهلون علم العروض وقد وصلتنا قصائد عديدة على هذا النمط مثل قصيدة (انتصار أيوب).. إن الشاعر شاذل طاقة شاعر مناضل وثائر وله نتاج شعري وكتب في أغراض متعددة سياسية واجتماعية وكان يدافع عن العروبة كونه كان مدرسا للغة العربية وكان يعرض على طلابه فكرة شاملة في السياسة والأدب. وهو من أوائل شعراء الموصل الذين تشبعوا بروح القصيدة العمودية وحاول توظيف البحور المركبة واستغلال إيقاعها للوصول إلى تشكيل إيقاعي جديد للقصيدة العربية. اهتم بالقافية وتنويعها حيث استخدم (القافية المقيدة) و (القافية المطلقة) وقد استخدمها على شيء من التفاوت العددي فالمطلقة قد اشتملت على ثلث من شعره بينما النسبة الباقية كانت من نصيب القوافي المقيدة.. كما تتميز الصور الشعرية التي يحملها ديوانه بالإضافة إلى توظيف الرمز و الأسطورة توظيف رائع بالإضافة إلى استخدام ظاهرة التكرار بشكل كبير في شعره”.
رسالة السياب..
في مقالة بعنوان “رسالة بدر شاكر السياب إلى شاذل طاقة.. من وثائق التاريخ الثقافي العراقي المعاصر” ل “إبراهيم خليل العلاف” يقول فيها: ” والرسالة الوثيقة عبارة عن رسالة كتبها الشاعر الكبير الأستاذ بدر شاكر السياب إلى صديقه ومجايله شاذل طاقة وذلك في 13 تشرين الأول 1963.. يقول الأستاذ نوّاف شاذل طاقة في رسالته التي أرسلها إلي من باريس، إن رسالة السياب إلى والده قد عثر عليها في وقت متأخر، وأن والدته رحمها الله عثرت عليها في منتصف الثمانينات من القرن الماضي.. يؤرخ السياب رسالته في 13 تشرين الأول 1963، ويكتب أمام التاريخ، كلمة (المعقل)..البصرة.. ويخاطب شاذل طاقة بكلمة ((أخي العزيز شاذل)) ويقول له: ((أرجو أن تكون بخير، أنا في شوق إلى لقائك، لو تحسنت صحتي إلى حد يسمح لي بالسفر لقصدت بغداد لأرى الإخوان جميعاً)). ويظل هاجس الشعر يشغل السياب، وهو في معاناته القاسية مع المرض..ليسأل شاذل طاقة عن أحوال الشعر فيقول: “كيف أنت والشعر؟..سألت عنك فقيل لي أن العمل يستنزف جل أوقاتك” وكان الأستاذ شاذل رحمه الله قد انتقل منذ سنة 1958 إلى بغداد من الموصل للعمل في وزارة الإعلام. ويعود السياب ليخبر صديقه بما يفعله هو فيقول: “أما أنا فنادراً ما أكتب، وذلك بسبب انعدام أية تجربة جديدة لديّه. من العمل إلى البيت ومن البيت إلى العمل. أقضي وقتي بالمطالعة.. ويخبر السياب شاذل، بأنه لم يرَ ديوان شاذل الجديد ولا نعرف أي ديوان يقصد.. وأغلب الظن أنه يقصد (ديوان ثم مات الليل)) الذي نشرته دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1963 ويقع في 116 صفحة. قال السياب أنه علِم بالديوان من صديقيه عبد الجبار داؤود البصري ومحفوظ داؤود. طلب السياب من شاذل أن يرسل إليه قصيدته (الدملماجة)، التي أرّخ فيها شاذل واقعة الدملماجة حيث غُدر بعدد من رجالات الموصل بعد فشل ثورة الشوّاف في 8 آذار 1959 ” ويقرر بأنها أي القصيدة “من أجود الشعر المعاصر”. ثم يقول له أن نسخة من ديوان السياب “أزهار وأساطير” وقد نشرته دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1963 قد وصلت شاذل في بغداد، ودعاه أن يرسلها إليه بالبريد المسجل ليراها وصار يلح عليه بارسالها “أرسلها إلي رجاء… لأراها ثم أعيدها إليك”. وتكشف الرسالة حجم العلاقات الوثيقة التي كانت بين المثقفين العراقيين، شعراء أكانوا أم كتاباً، بالرغم من اختلاف توجهها تهم السياسية.. ويلتمس السياب من شاذل أن يكتب له رسالة جوابية على رسالته يحدثه “فيها عن كل مايهم الأديب”.. ويبشره بأن صحته “تتحسن في بطء، لمنها تتحسن بحمد الله…” ويختم رسالته بتحية زوجة الأستاذ شاذل طاقة (أم نواف) وينقل إليها تحيات زوجته (أم غيلان) ويهدي السياب قبلاته لنواف، ابن الشاعر شاذل طاقة وإخوانه وسلامة “لجميع الإخوان، ودُم لأخيك المخلص بدر شاكر السياب””.
وفاته..
توفي”شاذل طاقة” في العاصمة المغربية أثناء حضوره اجتماع وزراء الخارجية العرب في الرباط بتاريخ 20 أكتوبر 1974، وقيل أنه توفي مسموما حيث دس له السم بالطعام.
قصيدة وعاد الرجال
لشاذل طاقة
سألتُ شجيرة الكافور، :قلتُ :
لعلّها تدري..
بأنا ذات أمسيةٍ
زرعنا فوقها قمراً
صغيراً أسود العينين والشَعْرِ..
أشعلنا له شمعاً وكافورا..
وفدّيناه بالنذر..
فذاب الكحل مبهورا..
وأحرقنا أصابعنا.. ولم ندر !.
غريباً مرَّ، يا عيني، وما َسَّلْم !.
تقول شجيرة الكافور،
فانتظري مع الأحزان والأشواق عودته
ربيعاً آخراً..
يا ليتها تعَلْم..
بأنيّ حُكتُ من ضلعي وسادته
ومن نهديَّ.. والخدّين..
لو يعَلْم..
بأنيّ لن أراه مرةً أخرى..
فإني، يا شجيرته،
ربيعٌ واحدٌ عشناه..
ثم مضى.. مضى.. مَرّا..
حزيناً مَرَّ، يا عيني، وما سَلَّمْ..
خّلفني مع الأحزان والصبر..
ينوسُ بليلنا قمرٌ حزينٌ..
أسود العينينِ والشعرِ !
سُقيتِ.. شجيرةَ الكافور، :إن عادَ الرجال.. وكان بينهمو
حبيبي.. فانثري من فوقه الزهرا
وبُوسيه من الخدّين..
رُشّي فوقه العطرا..
وبوحي بالهوى عنيّ..
وقولي:
إنني ما زلتُ أهواه..
وأحلُم؛
إذ يزور ضفافنا القمر الصغير
مُكحّل الجفنِ..
ينام على الرمال..
يُغازل النهرا..
وقولي: إنني ما زلت أهواه
ومن حبات قلبي.. سوف أطعمه.. وأسقيه
دمي ودموع عيني.. آه يا عيني..
وبالكافور والشمع اللهيب، نذرتُ، أفديهِ
وأدعو الله يَنصره ويرعاهُ..
ويرجعهُ إلى حضني..
سُقيتِ.. شجيرةً الكافور،
لا تَنسَي.. وناديه
أيا ميمونة الغصنِ!
وراح رفاقه المضنون..
ينتحبون في صمت..
وزغردت البنادق مرة أخرّى تودعه..
وحوّم في المدينة طائر الموتِ..
فمالت غرسة الكافور خاشعة..
وطيَّ غصونها قمرٌ يشيّعه..
وطُفِّئتِ السماء.. وغابت الأصوات..
وضاعت آخر النجمات..
ومن أقصَى المدينة جاء الفجر محتدماً
يؤذِّن في الشوارع غاضب الجرسِ
ويغسل مَدْرج الشمس!.
بغداد في 28/4/1968