خاص: إعداد- سماح عادل
“سيزا قاسم” باحثة وكاتبة مصرية وأستاذة النقد الأدبي بالجامعة الأمريكية.
التعريف بها..
ولدت في 8 ديسمبر عام 1935، وأصدرت كتابها “بناء الرواية: دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ”، وهو طبعة منقحة لرسالتها الجامعية بعنوان “الواقعية الفرنسية والرواية العربية في مصر من عام 1945 حتى 1960″، والتي تقدمت بها في عام 1978 للحصول على درجة الدكتوراة من كلية الآداب جامعة القاهرة، كما تعد أحد أبرز الذين تخصصوا في دراسة الأدب المقارن المعاصر والتراثي. واعتبرتها أفضل الأعمال الروائية في الأدب العربي الحديث وأكملها بناء، وأولها في الشكل الروائي القائم على رواية الأجيال، حيث تتبعت دراستها التقنيات المختلفة التي استخدمها محفوظ في كتابة الثلاثية، وقارنتها بتقنيات الرواية الغربية المشابهة والمعروفة باسم روايات الأنهار أو الأجيال.
وكانت رسالتها للحصول على درجة الماجستير عن “طوق الحمامة في الألفة والألاف لابن حزم الأندلسي”، تحليلًا ومقارنة بقصص الحب في التراث الغربي. ويعد “طوق الحمامة في الألفة والألاف” لصاحبها ابن حزم الأندلسي، وهو من أكبر علماء الإسلام والثقافة العربية، والذي يعد أحد أبرز الكتب التراثية في القرن الفائت، وقالت عنه: “فتنني ابن حزم منذ اللحظة الأولى التي قرأت فيها الطوق في السبعينيات، لم يفقد قيمته عندما عدت إليه بعد كل هذه السنين”.
تكريم..
قرر رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية د. هاني أبو الحسن أن يخصص لقاء لمنتدى ثقافة وإبداع، الذى يشرف عليه الكاتب الصحفي طارق الطاهر، لتكريم الدكتورة سيزا قاسم في منزلها، تقديرا لقيمتها العلمية الكبيرة. حضر الصالون: د. هاني أبو الحسن، د. سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة السابق، الكاتب الصحفي محمد شعير مدير تحرير أخبار الأدب، د. مصطفى القزاز مدير تحرير مجلة الثقافة الجديدة، والكاتب الصحفي طارق الطاهر.
عبر د. هاني أبو الحسن عن سعادته بلقاء د. سيزا قاسم، الذى يعد كتابها “مدخل إلى السيموطيقا” أحد المراجع الأساسية التي اعتمد عليها منذ عشرين عاما في إعداده لرسالة الماجستير، كما أشاد بمسيرة المبدعة الكبيرة، التي تعد علامة مضيئة في حياتنا الثقافية والنقدية.
وأشار د. مصطفى القزاز، أنه هو الآخر اعتمد على ذات الكتاب في رسالته للدكتوراه، التي حصل عليها منذ أسابيع قليلة، وذلك لأهمية هذا الكتاب في الدراسات السيموطيقية، كما تحدث القزاز عن دورها النقدي الكبير وعن كتبها التي أصبحت واحدة من ركائز النقد المصري والعربي.
ومن جانبه تحدث د. سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع، عن موسوعية د. سيزا قاسم، وأنه بالرغم من اختلاف تخصصهما، إلا أن مؤلفاتها تعد سندا قويا، لمن يريد التوقف عند مناهج النقد الحديث والمعاصر.
وعبر الكاتب الصحفي محمد شعير عن سعادته لمناقشة د. سيزا لكتابه “أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة” عند صدور الكتاب منذ خمس سنوات، كما أشاد بمسيرتها ودورها التنويري.
أدار الصالون الكاتب الصحفي طارق الطاهر، الذى تحدث عن التكوين العلمي للدكتورة سيزا قاسم، صاحبة العديد من المؤلفات مثل: “بناء الرواية”، “طوق الحمامة فى الألفة والآلاف لابن حزم.. تحليل ومقارنة”، “القارئ والنص”، وغيرها من الأبحاث العلمية المهمة.
وفى نهاية الصالون أهدى د. هاني أبو الحسن شهادة تقدير للدكتورة سيزا قاسم، تقديرا لتميز وتفرد المحتفى بها.
سهير القلماوي..
في حوار معها أجرته “سالي شبل” في 03 يونيو 2020 تقول “سيزا قاسم” عن تتلمذها علي يد الدكتورة سهير القلماوي في فترة السبعينات من القرن الفائت: “بالطبع، لأستاذتي المبدعة سهير القلماوي الكثير من الفضل في ما وصلت إليه الآن فقد كانت ملهمتي التي أستمدّ منها طاقتي، وكانت قدوتي التي أفتخر بها دائماً، وكانت النور الذي أستدلّ به عندما أتعثَّر، فأعود لأقف من جديد أقوى من السابق. لا أنسى أنها كانت صاحبة الفضل في التحاقي بجامعة القاهرة، إذ أقنعت والدي بذلك. ولم يقف مشوارها معي عند هذا الحدّ، فقد أقنعتني، بعد تخرجي، بدراسة الماجستير في الدرس المقارن، وكنت حينها قد اخترت الأدب الفرنسي، وهي رفضت ذلك بشدّة، وحذرتني من ذلك؛ معلِّلة أن هذا القسم سيعزلني عن الواقع والأدب المصري، ولم تتركني حتى حصلت على الدكتوراه. ظلَّت خلفي، دائماً، تدفعني نحو الأمام. لقد أحببتها، بل أحببتها كثيراً، وأحببت شخصيَّتها. كانت جميلة ورائعة في كلّ نواحي الحياة”.
رواية واقعية..
وعن تساؤلها في كتابها «بناء الرواية» هل يمكن لكاتب أن يكتب، في منتصف القرن العشرين، «رواية واقعية»، يمكن أن نساويها بأعمال منتصف القرن التاسع عشر؟. وعن مشروعية هذا السؤال، وقابليَّته لتحليل نصوص زمن الحداثة والعولمة والثورة المعلوماتية تقول: “في ظلّ العولمة والثورة المعلوماتية، أصبح من الصعب مواكبة الزمن الحالي برواية تستطيع منافسة أعمال منتصف القرن التاسع عشر والأعمال الأدبية والروائية التي صدرت حينها. وسائل التواصل الاجتماعي اجتاحت حياتنا، كما أنها تتحكَّم في المشهد الثقافي؛ لذلك تجد روايات منعدمة القيمة تتصدَّر أعلى الكتب مبيعاً، وهذا الأمر مؤسف للغاية، لأنه يشير إلى ضعف الثقافة، وأن هذه الأخيرة تسير في منحنى صعب وخطير”.
وعن ما الذي تبقّى من نجيب محفوظ، الآن تقول: “لا يمكننا حصر ما تبقّى لنا من نجيب محفوظ، الذي استطاع أن يحفر اسمه في تاريخ الأدب، بحروف من ذهب، وسيظلّ لآلاف السنوات؛ فهو مبدع استثنائي ترك بصمة في تاريخ الأدب والثقافة العربيَّيْن، ومن الصعب أن يتكرَّر. كان يملك جينات إبداعية.
كان نجيب محفوظ قد وهب حياته للكتابة، فخصَّص، للمقال الفلسفي والقضايا الكبرى في حياة الإنسان، جزءاً كبيراً من كتاباته، دمج بين الفلسفة والأدب العربي وتاريخه، فاستطاع أن يحتلّ مكانة كبيرة بين أدباء جيله والأجيال اللاحقة. سيبقى إبداعه لفترات في المستقبل، ويمكننا قراءة أدبه، باستمرار”.
ابن حزم..
وعن اعجابها بابن حزم منذ اللحظة الأولى التي قرأت فيها (الطوق) في السبعينات. وفي دراستها للكتاب تقول: “تعتبر رؤية ابن حزم الفلسفية من أساسيات قراءة التراث العربي؛ فقد كان أوَّل وأفضل من قدَّم منهجاً نقديّاً للعهد القديم. كانت رؤيته الفلسفية عميقة، ومنهجه نبذ التقليد، وتحرير الاتِّباع؛ وهذا ما يجعلنا نصنِّف تراثه في دائرة الأدب، الذي يمكننا استحضاره والاستفادة به في أيّ زمان، وأيّ مكان”.
وداع..
كتبت “سيزا قاسم” قبل رحيلها بيومين باللغة الفرنسية وترجمتها للعربية “يا إلهي أن نموت دون معاناة” وذلك عبر صفحتها ب “فيس بوك”.
رثاء..
قالت عنها وزيرة الثقافة “د. نيفين الكيلاني”: “فقدت الأوساط الأدبية والثقافية اليوم أحد أبرز المتخصصين في الأدب المقارن، أكاديمية متفردة أخلصت لعلمها فكانت نموذجا يحتذى به طوال سنوات من العطاء، لترحل تاركة للمكتبة العربية العديد من الكتابات المُهمة في هذا التخصص”، وقدمت وزيرة الثقافة العزاء لأسرة الراحلة وأصدقائها ومحبيها، داعية الله أن يتغمدها بوافر رحمته، وأن يلهم أهلها الصبر والسلوان.
وقال الناقد “إيهاب الملاح”: “حالًا علمت بخبر وفاة الناقدة القديرة سيزا قاسم تلميذة سهير القلماوي ومنارة مشعة من منارات الدرس النقدي الحديث والمعاصر في الثقافة العربية. رحم الله الدكتورة سيزا وأسكنها فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون”.
بينما قال الشاعر “جرجس شكري” على حسابه الشخصي بموقع “فيسبوك”: “مع السلامة يا دكتورة سيزا قاسم، اليوم فقدت الثقافة المصرية أستاذة ومُعلمة عظيمة”.
وقال الناقد والمترجم “طارق النعمان”: “بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره.. أنعي للثقافة العربية الأم والصديقة والمعلمة، الأستاذة الدكتورة سيزا قاسم التي ظلت على مدار ما يربو على نصف قرن تمثل نموذجًا فذًا وفريدًا لكل القيم الإنسانية والعلمية الراقية والرفيعة، ومثالًا نادرًا للقدرة على العطاء، والتجرد والنزاهة والاستغناء والاعتداد بالذات والترفع عن أي مغنم أو منفعة، معلمة دومًا لمن حولها بكتاباتها البالغة التميز والجدة والعمق، وبحواراتها الخصبة الخلاقة، وحتى في صمتها كانت تعلم من حولها، كم سنفتقدك أيتها النبية الجميلة السامقة، كم سأفتقد حبك وحزمك، وأمومتك وحنوك على كل أصدقائك، ستبقين دومًا في قلوبنا نورًا مشعًا في عتمة أيامنا إلى أن نلقاك يا سيزا يا أجمل الأمهات، وأجمل الأساتذة”.
النقد والجوائز..
وعن الحركة النقدية تقول: “الحركة النقدية تحتاج، إلى متابعة دائمة للأعمال الأدبية، وهذا ما لم يحدث بشكل منظَّم ومنتظم. يحتاج كلٌّ من الإبداع والنقد إلى الآخر، لكن معظم الكتّاب لا يدركون أو لا يقدرون ذلك. والحركة النقدية في عالمنا العربي تحتاج إلى كثير من التطوير والدعم.
الحركة النقدية الأدبية تشهد تراجعاً كبيراً، إذ تمرّ شهور طويلة دون أن نقرأ عملاً نقديّاً واحداً. الناقد مثل المبدع، لابدّ أن يكون في حالة مزاجية معيَّنة لكي يقدِّم نقداً بنّاءً مكتمل الأركان، وهذه المزاجية تجعله يختار عملاً ما، ويتجاهل الآخر؛ نحن لا نملك حركة نقدية متواصلة”.
وعن الجوائز الأدب العربية تقول: “عندما تُمنح جائزة لعمل ما، فإن ذلك يدعم الكاتب، ويشجّعه. ولكن، هناك تساؤل يُطرح دائماً: هل يستحقّ الفائز تلك الجائزة؟ يبقى الجانب الإيجابي، في الجائزة، هو المساهمة في انتشار الأدب بين الجمهور.
وليست الجائزة مقياساً، خاصّة في عالمنا العربي؛ فمن الممكن أن تتوَّج أعمال أدبية وروايات بجوائز، دون أن تكون بالقدر الكافي من الاستحقاق.
هناك أعمال تستحقّ الجائزة. ولكن، في النهاية، ليست الجوائز المعيار الذي يقاس به النجاح، كما أن هناك تجارب نمجّدها، ونقوم بتكريمها دون أن تستحقّ ذلك.
تكون الجوائز جيِّدة عندما تُمنح لمن يستحقُّها، وللأعمال الجيِّدة التي تستحقّ القراءة. في هذه الحالة، تقوم الجوائز، بدورها، في تشجيع مؤلّفيها، ومنحهم ما يستحقّونه من تقدير، كما تعطي العمل الأدبي الجيِّد الفرصة الكافية للوصول إلى القارئ”.
وفاتها..
توفيت “سيزا قاسم” عن عمر يناهز 89 عاما.