خاص : كتبت – سماح عادل :
“سهير القلماوي” كاتبة وباحثة، ورائدة في مجال الأدب والدراسات النقدية، وفي النضال النسوي.. ولدت عام 1911 في مدينة “طنطا” بمصر، والدها كان كوردياً يعمل طبيباً جراحاً من مشاهير الأطباء الجراحين في صعيد مصر، وكان أيضاً أديباً ومثقفاً ويجيد عدة لغات، وأمها كانت أيضاً من أصول كوردية تجيد عدة لغات ومنها الإيطالية والفرنسية والإنكليزية.
حياتها..
أصر والدها على تعليمها، رغم إعتراض أمها، حيث التحقت بالتعليم في المدارس الأجنبية، وتلقت منه التشجيع وأستفادت من مكتبة والدها الغنية بالكتب، ومنها أعمال “طه حسين، رفاعة الطهطاوي، ابن إياس” وغيرهم من الأدباء والكتاب.
تزامنت طفولة، “سهير القلماوي”، مع أحداث ثورة 1919، حيث نشأت وسط حراك اجتماعي قوي وتأثرت بحركة النساء الوطنية، التي كانت قد ظهرت على الساحة السياسية والاجتماعية، فقد ركزت هؤلاء الناشطات النسويات على نقل المناظرة النسوية للشوارع بغية إنشاء حركة بعيدة المدى، وقد أثر ذلك على “سهير القلماوي” ومبادئها النسوية.
تخرجت “سهير القلماوي” في 1928، من الكلية الأميركية للفتيات، وحلمت أن تدرس الطب كوالدها في جامعة القاهرة، لكنها رفُضت لكونها فتاة، ثم ساعدها “طه حسين” على الإلتحاق بكلية الآداب جامعة القاهرة، “فؤاد الأول آنذاك”.. كانت تلميذة لـ”طه حسين”، الذي كان رئيس قسم اللغة العربية ورئيس التحرير بمجلة جامعة القاهرة، وقد أتاح لها “طه حسين” منصب مساعد رئيس التحرير في مجلة جامعة القاهرة في 1932، وهكذا أصبحت “سهير القلماوي” أول امرأة تنال رخصة الصحافة في مصر، وقد كتبت المقالات والدراسات في الصحف والمجلات المصرية، ومنها: (اللطائف المصورة) و(العروسة).. وبعد التخرج كتبت في مجلات: (الهلال) و(الرسالة) و(مجلتي)، كما نشرت قصائدها الشعرية في مجلة (أبولو)، وأشرفت على الصفحة النسائية في جريدتي: (البلاغ) و(كوكب الشرق)، وصفحة الأدب في جريدة (الراديو).. أيضاً، عملت مذيعة لخدمة البث الإذاعي المصري.
إستكمال الدراسة..
في 1933، حصلت “سهير القلماوي” على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية واللغات الشرقية، وعلى شهادة الماجستير في 1937 عن رسالتها: (أدب الخوارج في العصر الأموي)، وهي أول فتاة مصرية تحصل على هذه الشهادة، وتناولت فيها شعراء الخوارج؛ وذكرت بعضاً منهم، وهم “عمران بن حطان” و”قطري بن الفجاءة” و”الطرماح بن الحكيم”، ثم تلقت منحة لإستكمال دراستها لشهادة الدكتوراه في باريس عام 1941، وكانت أول امرأة تحصل على الدكتوراه في جامعة القاهرة، وكانت رسالتها للدكتوراه حكايات: (ألف ليلة وليلة).
المناصب التي تولتها..
– منصب أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب عام 1956.
– رئيس قسم اللغة العربية من عام 1958 حتى العام 1967.
– أشرفت على “دار الكتاب العربي”، ثم رئيس “مؤسسة التأليف والنشر” من عام 1967 حتى العام 1971، بالإضافة إلى إشرافها على إقامة “المعرض الدولي للكتاب” بالقاهرة عام 1969.
– عضو “مجلس الشعب” عن دائرة حلوان عام 1979.
– عملت كرئيس “الاتحاد النسوي المصري”، وفي عام 1959 أصبحت رئيس “رابطة خريجات جامعة المرأة العربية”، حيث أسست التعاون بين “الاتحاد المصري” و”الاتحاد العالمي للجامعات”. أصبحت لاحقاً رئيس “الهيئة المصرية العامة للسينما والمسرح والموسيقى” عام 1967، ورئيس “مجتمع ثقافة الطفل” عام 1968.
– ساهمت “القلماوي” في النضال لأجل حقوق المرأة، ليس فقط عبر عملها الأدبي، ولكن أيضاً عبر مشاركتها في مؤتمرات المرأة العربية، حيث نادت بمساوة الحقوق، وعام 1960 كانت رئيس “المؤتمر الدولي للمرأة”، وفي عام 1961 أصبحت رئيس أول اجتماع للفنون الشعبية.
– شكلت لجنة للإشراف على جامعة الفتيات الفلسطينيات؛ للحديث عن إهتمامها بالقضية الفلسطينية، وكان ذلك عام 1962.
– كانت أيضاً رئيس الإدارة التابعة للهيئة المصرية للنشر والتوزيع، حيث عملت على توسيع نطاق القراء وتشجيع الكتاب الشباب والنهوض بصناعة الكتب في عام 1967، أسست أول معرض كتاب في الشرق الأوسط: “معرض القاهرة الدولي للكتاب”. وخلال سنوات عمرها الأخيرة، عملت كرئيس “الهيئة العامة للكتاب” من 1967 إلى 1971، ورئيس “هيئة الرقابة” من 1982 إلى 1985.
أحاديث جدتي..
أول، وأشهر، عمل لـ”سهير القلماوي” كان عبارة عن مجموعة قصص قصيرة، نشرت في 1935، وكانت بمثابة أول مجموعة قصص قصيرة تنشر لامرأة في مصر، وقد حللت “سهير القلماوي” في (أحاديث جدتي) الدور الاجتماعي للمرأة بإعتبارها المحافظة والمجددة لتأريخ المجتمع، عبر السرد الشفوي.
يتألف هذا العمل من قصة جدة تحكي ذكريات الماضي لحفيدتها. وقد طورت “سهير القلماوي” خط هذه القصة لتشمل النقد الاجتماعي ولمحت عبر هذا العمل بأن حكايات الزوجات القديمة وقصص الجدات لما قبل النوم يمكن أن تحمل رسالة نسوية عميقة. وقد قدمت مجموعة قصصها وصفاً واقعياً لمجتمع الطبقة المتوسطة المصرية ونظرة عن المجتمع القروي بعين الطبقة المتوسطة.
رسالة نسوية..
وضعت” سهير القلماوي” رسالة الدكتوراه الخاصة بها، والتي تتألف من بحث عن (ألف ليلة وليلة)، الأساس لمهمتها النسوية، فقد كانت تهدف لإعداد امرأة جديدة: امرأة ذكية ومثقفة وحكيمة مسؤولة بشكل كامل عن حياتها وأسرتها، امرأة لا تستخدم فطنتها وفضائلها لتتساوى بالرجل، ولكن أيضاً تسعى جاهدة لإعادة تثقيف الرجل لتحظى بالمساواة، وقد ظهرت رسالتها النسوية في كتب النقد الأدبي الخاصة بها، مثل كتابي: (في النقد الأدبي) 1955، و(العالم بين دفتي كتاب) 1985.
كما صورت “سهير القلماوي”، من خلال ترجمتها لبعض الأعمال، مثل (القصص الصينية) لـ”بيرل باك” 1950، و(ترويض النمرة) لـ”شكسبير” 1964، النضالات النسوية وضرورة إعادة تثقيف الرجل.
ألف ليلة وليلة..
يقول الباحث، “طلعت رضوان”، في مقال له على موقع (الحوار المتمدن)، عن دراسة “سهير القلماوي” لحكايات “ألف ليلة وليلة”: “من بين الدراسات الموضوعية التي تناولت (ألف ليلة وليلة)؛ دراسة (د. سهيرالقلماوى) في رسالتها للدكتوراه. ويرجع سبب الموضوعية إلى أنها أعتمدت المنهج العلمي في تحليل الليالي، كما أنها أفردت بعض الفصول عن أثر من أضافوا أو تدخلوا في صياغة الحكايات من ثقافات مختلفة. هذا بخلاف الكشف عن المصادر الرئيسة لليالي. تعترف (د. سهير) في البداية بدور المستشرقين، الذين كان لهم فضل التنبيه على وجود النص ثم ترجمته، ولأنّ أصل الحكايات كما ذكر (ابن النديم) في (الفهرست)؛ بهلوى اسمه (هزارأفسان) أو(الألف خرافة)، ومن بينها قصص لها أصول هندية قديمة، ولأنّ النص الأصلي تمّتْ ترجمته عن الفارسية، لذلك أهتمّت المؤلفة بالرد على مزاعم من إدعوا أن الأصل عربي، خاصة وأن ظاهرة تحول الحيوان غريبة عن العرب وعن المعتقدات الإسلامية، ولكن بعد الترجمة تم التلاعب في النص الأصلي. أكدت د. سهير على أن (الليالي التي بين أيدينا قسمان منفصلان: قسم بغدادي يدخل فيه القصص الهندي أو الفارسي زمن العباسيين. وقسم مصري ما كـُتب في مصر وسوريا أيام المماليك وتحت حكم الأتراك)”.
ومن أهم المحاور التي تناولتها “سهير القلماوي” في رسالتها للدكتوراه، يقول الباحث: “محور الموقف من المرأة: الدور الغالب للمرأة في الليالي هو دور العاشقة. وفى كل شخصيات هذا الدور فهي لابد أنْ تكون جارية وصور خيانة المرأة لزوجها من أجل الوصول لحبيبها تنتشر في الليالي، بل إنّ مقدمة الليالي نفسها بدأتْ بأنْ ضبط الملك زوجته مع أحد (العبيد) في الفراش. وجاء في مقدمة الليالي بيتان من الشعر للتأكيد على النظرة الدونية للمرأة (لاتأمننّ على النساء/ ولاتثق بعهودهن/ يورين ودًا كاذبًا/ والغدر حشو ثيابهن)، والجارية (العاشقة) لابد أنْ تكون جميلة. وغلاء سعر الجواري في السوق رهنٌ بوفرة الجمال. وظهر تأثر كاتب الليالي بما كان يحدث في الواقع، فنظرًا لتأثير جمال وفتنة الجارية على الخلفاء المسلمين (كان الخليفة كثيرًا ما ينزل عن جارية أشتراها إذا كانت تستطيع أنْ تؤثر فيه أثرًا يجعلها تطلب ما تريد ، كما فعلتْ تودد مع الرشيد وكما فعلتْ الجواري الخمس مع المأمون). وظهر تأثر كاتب الليالي بتراث الدين (العبري) عن قصة يوسف وامرأة العزيز. أما النساء المحاربات فهنّ (نصارى يُسلمنَ أو يلدن مسلمًا. وإنْ كنّ من الجنيات فهنّ من الجنيات المؤمنات)، فكل هذا (الجهاد) من أجل الإسلام وهذا الإعتناق لدين المسلمين يدل على أنّ القاص أراد أنْ يُدمج هؤلاء البطلات الغريبات أصلاً في محيط حياته الاجتماعية ، فجاء بما يُميزهنّ وهو الدين (المسيحى) فقلَبَه وجعله الإسلام والقتال من أجل الإسلام ومن أجل المسلمين، وهنا كانت (د. سهير) على درجة عالية من الشجاعة الأدبية وهى تكتب عن التزوير الوارد في الليالي وعن الأصولية الإسلامية عند كاتبها”.
التأثر بالأدب المصري القديم..
تناولت “سهير القلماوي” محور هام، وهو تأثر حكايات “ألف ليلة وليلة” بالأدب المصري القديم، يقول الباحث: “من خلال دراستها المقارنة بين الأدب المصري القديم وقصص الليالي، أكتشفت (د. سهير) الأصل المصري، وأنّ تلك الأصول المصرية واضحة في بعض القصص؛ مثل قصة (علي الزيبق)، وأشار العالم (نولدكيه) إلى أنها وُجدتْ في القصة المصرية القديمة (كنز رامبسينت)، كذلك التشابه بين قصة (القرد الكاتب) المصرية؛ وقصة (الصعلوك) في الليالي. وأشار العالم (شبيغلبرغ) إلى أنها تذكرنا بـ (توت) الإله المصري، الذي يُصوّر في صورة قرد. أما رواية الحكاية أمام أحد الملوك فنجدها كثيرًا في الأدب المصري القديم، وإذا كانت الليالي تناولتْ دور الحيوانات في بعض قصصها، فإنّ الأدب المصري سبق الليالي بآلاف السنين، كما ورد في قصة (الأخويْن) عن غواية المرأة، حيث نجد البقرة تحذر (بيتو) من العودة للبيت لأنّ أخاه سيقتله. وكذلك يفعل التمساح، في قصة (الأمير)، وفي الأساطير المصرية نجد الأسد يحرس ممر الشمس. وتوجد بردية محفوظة في المتحف البريطاني يرجع تاريخها إلى سنة 1200 ق. م، عن قصة (الأسد والفأر)، والتي تهدف إلى أنّ كل كائن حي له مزاياه وقوته”.
ويؤكد الباحث على أن: “الدكتورة سهير القلماوي، وهي تعد رسالتها عن (الليالي) جمعتْ بين لغة العلم ومعرفتها بتراث جدودنا، وكذا وعيها بالتعريف العلمي لمفهوم (الثقافة القومية)، التي يُنتجها الأميون قبل المُتعلمين، ومن هنا كان تفريقها بين (الشخصية المصرية) و(الشخصية العربية)، وذاك الوعي جاء نتيجة إدراكها للفرق بين الثقافتيْن القوميتيْن (المصرية والعربية)، لذا كانت كتاباتها أهم وأعمق من الذي كتب المجلدات (جمال حمدان) عن (شخصية مصر)، وإذا به يُهاجم الحضارة المصرية ويُدافع عن العروبة والإسلام”.
من أعمالها..
– أحاديث جدتي 1935.
– ألف ليلة وليلة 1943.
– أدب الخوارج 1945.
– في النقد الأدبي 1955.
– الشياطين تلهو 1964.
– ثم غربت الشمس 1965.
– المحاكاة في الأدب 1955،
– العالم بين دفتي كتاب 1985 .
– ذكرى طه حسين 1974.
* توفيت “سهير القلماوي” في 1997.
حديث إذاعي لسهير القلماوي
https://www.youtube.com/watch?v=leG0NxRPJaU