29 ديسمبر، 2024 4:58 ص

سهرة عائلية.. قصة قصيرة

سهرة عائلية.. قصة قصيرة

بقلم: أمين الساطي

حدثت هذه القصة معي في الخمسينيات، عندما كنت طالباً في الصف الثامن في ثانوية أسعد عبد الله، في حينها اكتشفت حقيقة الحياة، من كثرة مشاهدتي للأفلام الأميركية المعروضة في صالات السينما بدمشق، فأصبحت أقل ارتباطاً بالأحداث الملموسة اليومية التي تجري من حولي، وبدأت تأتيني الأفكار عن عالم النساء، من صور الممثلات الفاتنات اللواتي أشاهدهن على الشاشة، كانت صور أجسادهن الرشيقة وهنَّ في مايوهات البكيني، ومنظر أظفار أقدامهن الملونة التي يصعب مقاومتها، تستحوذ على تفكيري، وتثير غرائزي المكبوتة، ولعبت أحلام اليقظة دوراً في بناء عالمي الخاص، وطالما كنت أتخيّل نفسي ألعب دور البطولة في بعض هذه الأفلام.

كنت بحاجة إلى بنت من لحم ودم، لتدخلني بتجربة فعلية في عالم المرأة. كانت أقرب الموجودات بنت خالتي صفية، فهي بالرابعة عشرة من عمرها، وتصغرني بسنتين، وتتردّد إلى منزلنا بحكم صداقتها مع أختي الصغيرة، كنت أدرك أنها سمينة وقصيرة، ولا تشبه الممثلات الجميلات، لكني حاولت أن أقنع نفسي بأن وجهها جذاب، وأنها فتاة ذكية ومقبولة.

بدأت أتقرب منها لفك أسرار المرأة، ذلك الكيان المجهول الذي يسيطر على تفكيري طوال الوقت، ويدفعني لإهمال واجباتي المدرسية، حتى بلغ بي الأمر بالهروب أحياناً من المدرسة، لكي أذهب إلى السينما. كان عالم النساء الغامض هو محور حديث شلتنا في أغلب الأحيان، كان عددٌ من أصدقائي يخترعون الأحاديث، ويتباهون بعلاقاتهم مع البنات، ليعطوا لأنفسهم بعض الأهمية، ما يجعلني أتحسّر على نفسي، على الرغم من أني في أعماقي كنت أشك في صدق مغامراتهم النسائية.

مرة انفردت مع ابنة خالتي في غرفة الجلوس، وأخذت أحدثها عن مفهوم التحرر في الحياة الأميركية، وأن علينا أن نتمرّد على هذه القيم الرجعية التي تسود مجتمعاتنا. أحسست من لمعان عينيها بأني قد لفتُّ انتباهها، وأثرت إعجابها، فتابعت كلامي بأني أخطط للسفر إلى أميركا لدراسة الطب. وبما أني الأول في صفي، فسوف ترسلني الحكومة بمنحة دراسية على نفقتها. أردت أن أدخلها إلى عالمي، لكي تعيش أحلام اليقظة معي، وتصبح جزءاً منه. أكدت لها أنني عندما أصبح طبيباً سأعيش في فيلا، وسيكون عندي سيارة جديدة، لأفاجئها بالنهاية بقولي بأني أخطط للزواج منها، بعد أن أفتتح عيادتي الخاصة بدمشق.

نظرت في عينيها مرة ثانية فوجدتها قد اتسعت، وظننت أنها قد فرحت وتخدّرت من الخبر، فتشجعت، وسحبت يدها بيدي ووضعتها على صدري، لكي تحسَّ بمشاعري نحوها، وحاولت أن أمدَّ يدي الأخرى لأتلمس صدرها، فقفزتْ من على الكنبة واقفةً مذعورةً، وقد تغيرت تعابير وجها، هددتني بأنها ستصرخ إلى أمي إذا حاولت أن ألمسها مرةً ثانيةً، شعرتُ بالخوف والخجل في بادئ الأمر، ثم أقنعتُ نفسي بأنها بنت صغيرة جاهلة، لا تشاهد الأفلام الأميركية، لتعرف معنى الحياة في العالم المعاصر، بعدها قضيت ليلتين لم أعرف فيهما طعم النوم، وأنا أفكر ماذا سيحدث لو أنها أخبرت أمها بأنني تحرشت بها، ومع مرور الوقت تناسيت الموضوع.

بعد فترة ذهبنا للعشاء في بيت خالتي صفية، بعد أن انتهينا من الطعام، جلسنا نتسامر في غرفة الجلوس، وكان أغلب أحاديث النساء تدور حول أولادهن، ولما جاء ذكر اسمي على لسان والدتي قالت بأني متعبها، وأني أثير لها المشاكل في كل يوم. لقد استدعى مدير الثانوية أبي وأخبره بأنهم سوف يطردونني من المدرسة لكثرة الغيابات، لكن لحسن الحظ، بدا أنَّ المدير صديقٌ لعمي، فاكتفى المدير بطردي لثلاثة أيام، بعد أن كتب والدي تعهداً بأنني لن أهرب مرة ثانيةً، وفي حالة تكرار هروبي فسوف يقومون بفصلي نهائياً من المدرسة، وأني منذ يومين ضربت ابن الجيران على رأسه بحقيبة المدرسة، ولولا الخبز والملح الذي بين العائلتين، لكانت أمه استدعت الشرطة.. لما وصلت أمي لنهاية جملتها، نظرت إلى وجه ابنة خالتي، فوجدتها تبتسم ببرود وبخبث، فتوقعت بأنها قد عرفت الآن من أنا، شاب شجاع مثل أبطال الأفلام الأميركية، فغيّرت من جلستي، شددت ظهري، ورفعت رأسي، لأعطيها الشعور بأني رجل جسور لا يهاب شيئاً.

ذهبت خالتي إلى المطبخ، ثم عادت بإبريق الشاي، وبدأت تسكب الشاي لكل واحد منا، ولما صار دوري قاطعتها والدتي قائلة: “دخيلك لا تسكبي له، فالوقت متأخر من الليل، شاهدته على الإفطار وهو يلتهم كثيراً من البطيخ، فقد يتبوّل بالليل في الفراش في أثناء نومه”.

نزلت عليَّ هذه الجملة كالصاعقة، ومن خجلي لم أعد أعرف ماذا أفعل، فتذكرت موقف البطل في أحد أفلام رعاة البقر، عندما حكم الشريف عليه بالإعدام، فهززت رأسي، ورفعت حاجبي، وضممت أسناني تحت شفتي، وقلت بصوت خافت مهدداً…. أوكي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة