23 سبتمبر، 2024 3:18 م
Search
Close this search box.

“سميرة عزام” .. عاشت بلا أهتمام أدبي وصورت المحنة الفلسطينية وكأنها تكتب من المخيمات وقتلتها النكسة !

“سميرة عزام” .. عاشت بلا أهتمام أدبي وصورت المحنة الفلسطينية وكأنها تكتب من المخيمات وقتلتها النكسة !

 

خاص : كتبت – سماح عادل :

“سميرة عزام” كاتبة  فلسطينية.. أعتبرت واحدة من ثلاث كاتبات فلسطينيات أشتهرن في الخمسينيات من القرن الماضي، ولدت عام 1927 في مدينة “عكا” في الشمال الفلسطيني، وأتمت دراستها الإبتدائية في مدرسة الحكومة في عكا، وفي عمر 16 أصبحت معلمة في مدينتها، ثم درست اللغة الإنكليزية من خلال المراسلة وتفوقت فيها وأصبحت مديرة للمدرسة التي تعمل فيها، واستمرت حتى 1948.

حياتها..

كتبت “سميرة عزام” الأدب في سن صغيرة، حيث نظمت الشعر وكتبت القصة القصيرة، ونشرت أعمالها في جريدة (فلسطين) باسم مستعار، “فتاة الساحل”، وفي 1948 إنتقلت مع عائلتها إلى لبنان بسبب حملات الإبادة والتطهير العرقي التي مارستها العصابات اليهودية بحق المدنيين العزل وقت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.

في المنفى تنقلت بين “بغداد وبيروت وقبرص”، حيث عملت في “العراق” لمدة عامين معلمة في مدرسة للإناث بمدينة “الحلة”، ثم سافرت إلى “بيروت”، وكانت تكتب لبعض المجلات (الأديب والآداب) وغيرها، كما كانت تترجم، وفي 1952 عملت بمحطة (الشرق الأدنى) للإذاعة العربية، كمذيعة ومحررة وكاتبة في برنامج (ركن المرأة)، متنقلة بين “بيروت وقبرص”، وأستمرت في هذا العمل حتى عام 1956 وذاعت ما يقرب من 300 حديث.‏

وفي 1957 عملت في الإذاعة العراقية في برنامج يومي، حيث شغلت منصب مراقبة للبرامج الأدبية من عام 1957 حتى عام 1959، بالإضافة لإدارتها برنامج (ركن المرأة)، كما شاركت في تحرير جريدة (الشعب) مع “بدر شاكر السياب”.‏ ونتيجة لأحداث 1959 في العراق غادرتها وعادت إلى “بيروت” مرة أخرى، وعملت هناك في مؤسسة (فرانكلين) الأميركية للترجمة والنشر؛ وترجمت عدد من المؤلفات الأميركية لكتاب مثل: “بيرل باك، وودز وورث، راي وست، وجون شتاينبك” وغيرهم. وفي عام 1963 نالت جائزة القصة القصيرة في بيروت على مجموعتها (الساعة والإنسان).‏

كتابة واقعية..

أشتهرت “سميرة عزام” بقصصها القصيرة المميزة، تقول الكاتبة الفلسطينية “سلمى الخضراء الجيوسي” عن “سميرة عزام”: “كانت تجربتها الأدبية مستمدّة من نظرة واقعية للحياة، ولكنها نظرة تحكمها الضوابط الأدبية، وقد أجادت في تصوير العديد من مناحي التجربة الإنسانية، ومنها تجارب المرأة المتنوعة في الثقافة العربية، وتميّز أسلوبها بالدّقة والإيجاز والوضوح والبعد عن العاطفية المفرطة والإستعراض والإبتذال. وتنبثق قصصها من الملاحظة الحذقة للسلوك الإنساني، خاصةً في المناحي الشمولية، وأحياناً، ولكن بقدر أكبر من البراعة، في تلك المناحي ذات الصبغة الفلسطينية. وكانت بارعة في تعليل ما يصيب أبطالها من تغير لا مناص منه – وهو ما تتميّز به القصة القصيرة الجيّدة. فقصّتها دموع للبيع مثلاً تعرض معالجةً رائعة لموضوع إنساني عام ضمن إطار الشرق الأوسط. تصف في هذه القصة ردّ الفعل المتناقض الذي تبديه امرأة تمتهن النواح على الموتي، وتقتضي مهنتها أن تبكي في المآتم وتستدرّ دموع الآخرين، ولكنه تخيّب كل التّوقعات عندما لا تستطيع أن تذرف دمعة واحدة لدى موت ابنتها الوحيدة. والقصة التي تضمها هذه المجموعة بعنوان خبز الفداء هي إحدى القصص التي كتبتها عن التجربة الفلسطينية، وهي، على شاكلة العديد من قصصها الأخرى، تعبّر عن المفارقة الكامنة في المآزق الإنسانية المعقّدة إبان الإضطرابات العنيفة”.

ويصفها المؤرخ الفلسطيني، “بطرس دلة”: “كنت تحس وأنت تقرأ قصصها الأولى، أنها تطل عليك من المخيم، فهي حملت عذابات اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية، وزخرت بالأسى والألم والحنين للديار المهجرة، لكن قصصها المتأخرة عادت لتنبض بالحياة والأمل”.

وتنصفها الكاتبة الفلسطينية، “ليلى الأطرش”، حين تقول: “هي رائدة القصة القصيرة ولم تأخذ حقها من النقاد، قدمت للقصة القصيرة العربية شكلاً فنياً مميزاً، كما أظهرت تفوقاً ملحوظاً وتنوعاً ثقافياً لافتاً في مجموعتها (أصوات الليل).. لكن النقد العربي لم يركز على هذا الإرتباط بين موتها والنكسة، في حين بحث طويلاً في أثر المعاناة النفسية للأدباء الرجال الذين لم يحتملوا صدمة النكسة وأثرها وإنهيار الحلم العربي وفكرة القومية، فصمتوا عن القول أو أنتحروا”.

قتلتها النكسة..

في دراسة عن “سميرة عزام”، بعنوان: (مناضلة آلمها حزيران حتى الموت ومبدعة غفت عنها الدراسات)، للكاتبة الفلسطينية “نجمة حبيب”، تقول: “لم تظلم كاتبة في الوطن العربي كما ظلمت سميرة عزام، هذه المرأة الخضراء الظل، المبدعة المناضلة، الشامخة المقاتلة. هي رائدة القصة القصيرة ولم تأخذ حقها من النقاد، ولم تنشر أعمالها كما ينبغي لكاتبة في مثل مقدرتها، كان غيابها دراماتيكياً في توقيته وطريقة حدوثه. إذ أن سميرة عزام قضت إثر نوبة قلبية وهي في طريقها من بيروت إلى الأردن للم شمل جماعتها السياسية التي بلبلتها الهزيمة الحزيرانية. ويعتقد الكثيرون ممن عرفوا الكاتبة معرفة حقيقية، أن الهمَّ الحزيراني هو المسؤول الأول عن موتها”.

فجر المقاومة الفلسطينية..

تضيف “نجمة حبيب”: “رغم أن الدراسات التي تناولت أدب سميرة عزام قليلة ومتسرعة، إلا أن هنالك رأيين متناقضين بالنظر إلى أدبها. إذ يرى أحدهما فيه أدب فلسطيني بإمتياز سواء ما كان منه مباشراً أو غير مباشر، فيما يرى آخرون أن الكاتبة التي إبتعدت عن شعبها وأوجدت لنفسها مكاناً بعد هجرتها من فلسطين، (كانت تعمل في إذاعة الشرق الأوسط)، لم تستطع أن تتحسس معاناة هذا الشعب في مخيماته وأقتصرت إهتماماتها على موضوع المرأة، والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن أدب سميرة عزام كان في مرحلته الأولى يزخر بمشاعر الألم والخيبة والمرارة، فصور البؤس تكاد تهيمن على مجموعاتها الثلاث الأول هيمنة شبه كاملة. والقضية الفلسطينية التي هي في جزئها الأكبر، مأساة إنسانية، يقوم بينها وبين نماذج الكاتبة القصصية قاسم مشترك هو مزيج من خيبة ويأس وألم وصراع بقاء. من ناحية أخرى نلاحظ لدى قراءتنا لأدبها، أن تغييراً في المنهج والطرح بدأ يطرأ على هذا الأدب مع بداية التغيير الذي بدأ يطرأ على حياة الفلسطيني. لقد أخذت قصصها تنبض بالتفاؤل والأمل إبتداء من أوائل الستينيات مع ظهور فجر المقاومة الفلسطينية. كانت سميرة عزام مسكونة بالهمّ الفلسطيني. وهي وإن لم تخلع على شخصياتها صبغة فلسطينية صريحة، إلا أن ملامحهم كانت تطل وكأنها خارجة لتوها من إحدى المخيمات الفلسطينية. ففي مجموعتها الأولى (أشياء صغيرة)، صور لأناس يبحثون لأنفسهم عن مكان في هذا العالم يصارعون البقاء، يحتالون بشتى الوسائل لتأمين معاشهم إلا أنهم دائماً مخيبون. ففي قصة (حكايتها) تصوير دقيق لصورة من صور الظلم الاجتماعي يقع على بطلة القصة، وما هذا الظلم الفردي إلا جزء من الظلم العام الذي وقع على الشعب الفلسطيني”.

الهم الفلسطيني..

تؤكد “نجمة حبيب”: “إذا كانت كتابات سميرة عزام الأولية تنحو في ظاهرها منحى اجتماعياً، وتتحاشى الظهور بثوب فلسطيني واضح، فإن هذا الأمر بدأ يتغير مع تقدم عمر القضية، وبدأت نماذجها تعلن عن نسبها الصريح. من بين هذه النماذج، ما عالج خاصية الإنسان الفلسطيني: موقعه الجديد في هذا العالم، العقبات التي برزت في وجهه والمشاكل اليومية التي كان عليه أن يعالجها ويتخطاها. ومنها ما عالج مواضيع نضالية وأبرز صوراً بطولية وقسم آخر تحدث في لواعج الشوق والحنين إلى ذلك الوطن المسلوب. وبين هذه وتلك طرحت الكاتبة رؤيتها السياسية، مقنعة حيناً سافرة أحياناً أخرى”.

موهبة قص كبيرة..

يقول الباحث “سهيل إدريس”، في تعليقه على مجموعة “سميرة عزام”، (أشياء صغيرة): “ينهض فن سميرة عزام في هذه المجموعة على قوة إيحاء في خلق الجو النفسي، وتبلغ المؤلفة في عدد من الأقاصيص درجة رفيعة من التحليل تشهد بأن موهبتها القصصية عظيمة الإمكانات، يرفدها في ذلك أسلوب حي مشرق فيه إختيار وصناعة، ولا أقول تصنع، وعصبية وموسيقية”.

ويقول “هاشم ياغي”، في دراسة عن القصة القصيرة في فلسطين والأردن: “إن هذه المجموعة، (الظل الكبير)، تدل بوضوح على أن كاتبتها ممن يحترفون فن القصة إحترافاً ويعرفون أبعادها معرفة علمية خصبة، وهذه المجموعة تدل على أن قدم كاتبتها أرسخ منها في مجموعتها الأولى، مع أن مجموعتها الأولى (أشياء صغيرة) تدل أيضاً على مستوى رفيع في فن القصص وبناء أحداثه”.

ويقول الشاعر “أبو سلمى” عن أدبها: “لا أدري إذا كانت هنالك قاصة عربية تجاري سميرة عزام في قصصها الرائعة، إشراق عبارة وسمو فكرة ووضوح لوحة ورشاقة ريشة وحرارة عاطفة ورهافة إحساس”.

ويثني الناقد المصري، “رجاء النقاش”، على قصصها يقول: “إن الحقيقة الاجتماعية والإنسانية والوطنية واضحة ساحقة الوضوح في كتابات سميرة عزام. فهي إستطاعت أن تقرأ نماذجها فتحسن، وكانت سميرة عزام تحمل في قلبها مأساة فلسطين سواء عبرت عن ذلك مباشرة أو عبرت عنه بطريقة غير مباشرة.. أدب سميرة عزام أدب ثوري”.

ويقول “د. ناصر الدين الأسد” عن قصصها: “لا تعتمد سميرة عزام في قصصها على الحوادث ولا على الحبكة، أو العقدة القصصية، وإنما تستغني عن ذلك بقدرتها الرائعة على التصوير والتحليل، تصوير جو القصة بأجزائه الدقيقة وتفصيلاته الخفية، وإحاطته بإطار فني واقعي، يشوق القارئ بصدقه وبساطته، وتحليل النفس الإنسانية تحليلاً يستخرج أعمق مكوناتها وأدق خفاياها، وقد نجحت سميرة عزام في أن تجعل شخوص قصصها نماذج حية نابضة، يخيل للإنسان أنها تجالسه وتحادثه”.

في تقديمه لدراسته التي نال عليها شهادة الماجستير في الأدب يقول، “د. يوسف حطيني”: “لا شك أن غياب الكاتبة الذي يكاد يكون تاماً عن المشهد الثقافي العربي، كان أحد الأسباب المهمة التي دعتني إلى إختيار هذا البحث”.

وعن التعتيم عليها، يقول الكاتب الفلسطيني “يحيى يخلف”: “لم يظلم كاتب فلسطيني كما ظلمت سميرة عزام.. فقلما تناولتها الدراسات الأدبية في الصحف الفلسطينية والعربية، وقلما نسمع عنها في صالونات الأدب، أو قاعات المحاضرات.. بل قلما نذكرها في جلساتنا العامة والخاصة. فهذه الكاتبة الفلسطينية تعتبر مؤسسة للقصة القصيرة الفلسطينية الحديثة”..

نضال “سميرة عزام”..

لم تكن “سميرة عزام” قاصة بارعة وصحافية ومذيعة جيدة وفقط، وإنما كانت مناضلة فلسطينية، فهي واحدة من مؤسسي التنظيم السري (ج. ت. ف)، الذي كان يعمل بين “لبنان والأردن” لتوعية الأجيال العربية وتهيئتها لخوض معركة التحرير، وقد تتلمذ على يديها العديد من الشباب في فترة الستينيات ولم يذكرها أحد في تاريخ النضال الفلسطيني مع أنها أوّل من أسهم في تأسيس وتشكيل تنظيم فلسطيني. فقد قاومت بشدة تلك الإقليمية التي تدعي أن فلسطين لا يحررها إلا أبناؤها. وآمنت أنّ الصراع مع إسرائيل هو صراع بين حضارتين. لذا فمعركة فلسطين هي معركة كل العرب.

كتبت “سميرة عزام” رأيها ونشرته في مجلة (صوت المرأة) البيروتية 1946، قالت:‏ “ليست القضية الفلسطينية قضية عرب فلسطين وحدهم، بل هي قضية كل قطر عربي يتظلل براية الجامعة. فمطامع الصهيونية لا تقتصر على فلسطين فحسب، بل لعلها تتمسك بفلسطين كنقطة إرتكاز تزحف منها على ما يجاورها من بلاد العرب، فتحيك حولها المؤامرات وتدعي فيها حقوقاً تاريخية ودينية تعرف كيف تختلقها”، وعندما أفتتح المؤتمر الفلسطيني، في 15 آيار/مايو عام 1965، وضمّ 2400 فلسطيني في الشتات، للبحث في قضية فلسطين والتخطيط للعودة، كانت “سميرة” من العضوات اللواتي حضرن المؤتمر وانتخبن ليمثلن المرأة الفلسطينية فيه.

أعمالها..

أصدرت أربع مجموعات قصصية هي:

1 ـ أشياء صغيرة ـ بيروت 1954‏

2 ـ الظل الكبير ـ  بيروت 1956‏

3 ـ وقصص أخرى ـ بيروت 1960

4 ـ الساعة والإنسان ـ بيروت 1963‏

ثم أصدرت لها دار “العودة” في بيروت بعد وفاتها مجموعتها الخامسة:

5 ـ العيد من النافذة الغربية- بيروت 1971‏

توفيت “سميرة عزام”، عام 1967، عن عمر ناهز الأربعين عاماً.

فيلم وثائقي عن سميرة عزام

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة