إعداد/ حميد الحريزي
دراسة لرواية ((ترجيديا مدينة)) للروائي زيد الشهيد
قول في ))ادبنــــــــــــــــــــة((التاريخ :-
حينما نقرأ التاريخ يجب ان نكون على وعي بما نقرء ، فكاتب التاريخ لايمكن فصله عن منهجه الكتابي وعن توجهه الفكري وطريقته في تسطير الاحداث التاريخية …. فهناك من يروي الاحداث كما ظهرت له على السطح دون ان يغور في عمق الحدث ، وهناك من ينسب الاحداث والظواهر التاريخية الى فعل الفرد الزعيم او البطل او المصلح … وهناك من يدرس الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المنتج للظاهرة ومولدها ومن يقف وراءها ومن يعمل على تفعيلها وديمومتها ، فهذه الظروف هي صانعة الابطال والزعماء ومن رحمها يولد الفاعل الاجتماعي بمختلف توصيفاته وعنوانيه تبعا للظرف التارخي من حيث الزمان والمكان ، فلا امكانية للانبياء والرسل في زمن العولمة الراسمالية ، …. لانريد ان نسهب في هذا المجال من الارخنة في الماضي والحاضر ولكننا نريد ان نلقي الضوء على ادبنة التاريخ ، اي كتابة التاريخ من قبل الاديب وبالخصوص الروائي باعتبار ان الرواية هي الجنس الادبي الارحب والانسب ان لم نقل الاوحد لكتابة التاريخ ادبيا ،فالروائي عليه ان يكتب تاريخ الرواية ليست كما ظهرت على السطح او كما وثقها المؤرخ بل بعث شخصيات غير ظاهرة ، تخليق شخصيات مهمشة في التاريخ المكتوب واظهار دورها الفاعل في الاحداث ، وعلى الروائي ان يظهر الاسباب الجذرية والحقيقية الكامنة وراء سلوكيات الناس وذكر دور كل فئة وطبقة اجتماعية في الحدث وهل هي مستفيدة او متضررة من الحدث,,,,
)) ان الرواية التاريخية ليست تاريخا، ولكنها تتعامل مع التاريخ وهذا التعامل يفرض عليها حدودا، هي قيود لها ، لاتعرفها الرواية الفنية ، اول هذه الحدود والقيود ان تبقى الرواية مخلصة لطبيعتها الفنية ولا تتحول الى كتاب من كتب التاريخ ، وثاتيها ات تستعير من التاريخ دون ان تحور فيه، وثالثها ان تنتقي من التاريخ دون ان تتلاعب بسياقه وحقائقه ودلالاته)) ص70 الرواية العربية – البناء والرؤيا د. سمر روحي الفيصل.منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003
عليه ان يمتلك رؤيا واضحةلطبيعة مجتمعه وبيئته بمختلف شرائحه وطبقاته ودورها في الاحداث هل هي دافعة او معرقلة للحدث المعين ، بمعنى ان يمتلك قدرة في علم الاجتماع وعلم النفس وطبيعة الثقافة السائدة ،وهنا سوف يكون المنتج السردي ليس منتجا وصفيا سطحيا ، بل مصباحا تنوريا يضع النقاط على الحروف ويكشف المستور ويظهر المهمش في الحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي ، ويجهر بالمسكوت عنه من قبل المؤرخ …….
((مايحدد نظرة الكاتب الى العالم ليس نوع الجانب الذي ينحاز اليه؟، بقدر ما هو نوع العيون التي ينظر بها الى العالم)) ص399 أرنولد هاوزر – ج2 تاريخ الفن والمجتمع عبر التاريخ.
قدرة الكاتب على التوليف بين الواقعي الحقيقي والتخيلي المكثف والمظهر للواقعي المسكوت عنه ، هذه القدرة ستنتج عملا روائيا يجمع بين الواقعية والخيال المساند ، على شرط عدم تغليب احدهما على الاخر بشكل تعسفي ف(( تغليب الحقيقي سيضيق الخناق على المتخيل، فلا يترك له فرصة ابتداع الاحداث والازمنة والامكنة والشخصيات الرئيسية)) ص71 الرواية العربية – البناء والرؤيا د. سمر روحي الفيصل.منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003
هذه المقدمة القصيرة ليست بالضرورة تخص رواية (( ترجيديا مدينة )) للرولئي زيد الشهيد ، وانما هي ملاحظات عن الجانب الفكري والمنهجي للعديد من الروايات العراقية فيما يخص تاريخ المدن ؟، او ادبنة الاحداث والانتفاضات في العراق التي صدرت خصوصا مابعد 2003 حيث امتلك الاديب العراقي حرية الكتابة وتاشير الاحداث دون خوف وان بشكل نسبي وهذا مالم يكن متاحا للكاتب ماقبل التغيير ….فالرواية التاريخية كما عرفها ميخائيل باختين (( ان الرواية التاريخية هو التحديث الايجابي ، هو محو الحدود بين الازمنة، والتعرف على الحقيقي الخالد في الماضي)) ص180 مختارات من اعمال ميخائيل باختين – ترجمة يوسف حلاق ط1 2008 المركز القومي للترجمة .
ازمة هيمنة طبقية مزمنة :-
من يقرأ تاريخ العراق او بالاحرى قراءة قيام وولادة الدولة العراقية الوطنية لم يكن بارادة وطنية عراقية ، بل هي تصنيع من قبل قوى استعمارية خارجية ، ورغم الهياج الشعبي الكبير ضد الاستعمار الانكليزي منذ ثورة 1920 الوطنية ـ فلم تتوصل قيادات هذه الجموع الثائرة على الاتفاق حول زعيم لقيادة الدولة ، فتم استيراد ملك تولى العرش من خارج العراق ، هذا العجز ناجم عن عدم وجود طبقة برجوازية وطنية ناضجة مؤهلة للقيام بدورها التاريخي كما في دول العالم الاول في اقامة وقيادة الدولة القومية ، وقد بدات حياتها كدولة ريعية مصدر ايرادها الرئيسي هو البترول ، مما سهل فرش بساط الحكم تحت اقدام ((الاقطوازية )) وهي طبقة هجينة من الاقطاع والبرجوازية الطفيلية المرتبطة بنيويا باسيادها في خارج العراق من فرس واتراك وانكليز وامريكان ، هذه الطبقة عجزها بنويوي من صلب بنيتها الفكرية موروثة مولدة عجزها ومديمة وجودها عبر تجدد الازمات في بنية المجتمع ، جل ماتخشاه نهضة القوى المنتجة الفاعلة كالبرجوازية الوطنية والطبقة المتوسطة المستنيرة والطبقة
العاملة ….وهذا هو سر الانقلابات العسكرية المتوالية في العراق حيث ان التغيير يتم بتغيير الوجوه فقط ولايمس جوهر الطبقة الحاكمة المازومة التي تعمل جاهدة لتوظيف كل مصادر الثروة من اجل صيانةحكمها وقمع كل صوت للمعارضة مهما كان ضعيفا وهذا ماحصل مع قوى اليسار العراقي في عهدالملكية وفي عهد الجمهورية الاولى زمن عبد الكريم قاسم وماحدث في شباط الاسود عام 1963 ومابعدها ولحين التاريخ …..اذن يجب الالتفات ان حالة الازدواجية والثعلبة والتسول الاخلاقي ليست جينة عراقية او عربية انما هي سلوك وقائي من اجل البقاء كما هي الحربنة …. فلا غرابة ان تحمل الجماهير سيارة الملك احتفاءا بزيارته للسماوة في 2-4-1953ثم تخرج جموعها تهزج للثورة في 14 تموز هاتفة (( عمال السكك فدوه لبن قاسم ))، ثم تسكن مذعورة امام رشاشات شراذم الحرس القومي في 1963 ، ثم تهتف لعبد السلام ولعودة البعث في 1968… ويتحول الشيطان الاكبر الى الاخ الاكبروالمحررالمنقذفي2003!!
((قيء)) الريف ، وحثالة المدن:-
((شراد هديب)) هذا القروي المشرد العاطل عن العمل والمترعرع في رحم البداوة مثالا ونموذجا لعشرات الالاف من الفلاحين او الرعاة اللذين ضاقت بهم قراهم وصحاريهم نتبجة تردي الواقع الزراعي وهيمنة قوى الاقطاع وظلمهم وقهرهم للفلاحين ، مما اضطرهم للهجرة للمدينة ، هذه المدينة الخاوية والتي تعيش كسادا مزمنا فلا معامل ولامصانع تحتوي وتجتذب هذه الجماهير الى عجلة العمل المنتج كما حصل لامثالهم في العالم الغربي ابان الثورة الصناعية ، فتحولوا الى عمال منتجين واضحي الاصطفاف الطبقي والمهني مع رفاقهم في العمل تربطهم رابطة الكفاح المهني من اجل حياة افضل يفرضونه على الطبقة البرجوازية المنتجة الحاكمة التي من مصلحتها اعطاء حيز من الحرية لازدهار الانتاج والتجارة وبالتالي زيادة الربح ….. بمعنى ان المجتمعات الغربية اصبح الاصطفاف الطبقي فيها واضحا برجوازية مهيمنة -طبقة وسطى متنورة – طبقةعاملة ساعية للانعتاق من ربقة قهر راس المال ….في حين لازالت ((مجتمعاتنا)) عبارة عن كتل بشرية مائعة يتداخل بعضها ببعض لتكون غير واضحة الحدود والمعالم والصفات والسلوكيات فتغلب عليها الهجنة وضياع الاصطفاف الطبقي والضياع الفكري .
سلوك العراقيين مابين ((الجين)) و(( التدجين ))
في بلدان الريع كما في العراق شكل ((شراد شتيوي ))واشباهه جيشا من المهمشين لاتحتضن جموعهم سوى جبهات الموت والقتال او سراديب السجون والمعتقلات ، بين خانع قانع ذليل يعيش على صدقات الاغنياء ، او خادما بلا روح ولامشاعر للسلطة الظالمة كشرطي او عنصر امن ، او ثعلبا ماكرا متلون غادر يستل خنجره حينا ويقبل الايدي حينا اخر لكسب المال والجاه وهذا ما يسميه الوردي وغيره بازدواجية وتلون وعدم ثبات الشخصية العراقية
ونظرا لتردي الموضوع في مدننا ، والقطع القهري لتطور المجتمع ليكون مجتمعا مدنيا حداثويا عبر تطور العمل المنتج في الصناعة والزراعة ، وكبت الفكر الحر منذ قتل ومحاربة الفكر الاعتزالي كارهاصة اولى للعقلانية المتنورة في المجتمعات العربية الاسلامية
((كانت افكار المعتزلة تمثل طموح المدنية بمختلف قئاتها، الى مراكز اجتماعية وسياسية كانت احتكارا لنبلاء الارض)) ص437 لمحات اجتماعية حسين مروة مج2، وابقاء العراق كبلد ريعي ، مما ادام حالة الركود العام واصبح عائقا كبيرا امام نمو وتطور القوى الحاملة للفكر التنويري العلمي التقدمي ، ومحاولة قمعه من قبل السلطة تحت مختلف الذرائع والحجج كما حصل مع ((يوسف)) الشاب الطموح الذي حاول ان يضع يده على علة التخلف الاجتماعي في بلده ومحيطه
((صار حالما، صار خالق يبغيها يو توبيا، ابجديتها السعادة وعيش الناس بهناء، رفضا للحروب والتقاتل ودعوة للخير والسلام، يرفض التحزب في بلد كيلده لاتفقه نخبته الحزبية جوهر العمل المبني على التنافس الصادق….)) تراجيدياص196 ، لذلك سعت السلطات تحطيم عقله وروحه وحذفه صوب الاحباط والسلبية والانكفاء على الذات ، كما تم قتل مشروع الحب والالفة بينه وبين ((شيمران)) رمز التنوع الفكري والديني كنواة للمشروع الحداثوي ، وقد سبق كل ذلك قتل سلطان شاهر ((ابو يوسف)) كمثال للعقل المتتنور لطبقة منتجة ناهضة وطبقة متوسطة متنورة واتهام ولده بقتله في محاولة لاستئصال هذه الفئة من الوجود الاجتماعي وكان السلطات تعيد قصة نبي الله يوسف ولكن بوحشية وخسة اكبر حيث لم يكتفي اخوة يوسف بتغييب يوسف بل اتهامه بقتل ابيه !!!!، وابنة المؤمن التي استنشقت عبير الحرية والعلم من والدها المتحدي لقيم المجتمع المتزمت المحافظ ، وبدفع من الطبيبة الثورية الشيوعيه ((تزيهة الدليمي)) اول امراة تستوزر في تاريخ العراق ، نتيجة الاحباطات الكثيرة والمضايقات الاكثر((استنتجت ان من المحال تحقيق “حرية المراة” في مجتمع ينزع الى اصوله البدوية…))ص259
وناصر الجبلاوي هذا العقل التوثيقي في بلد لايعرف ولايهتم يالتوثيق بالصور بل اعتاد النقل الشفافي للحدث ومعالم الشخصية هذا من ارهاصات الحداثة في المدن وفي المجتمع العراقي عموما…….
هذه الطموحات الانسانية والوطنية للتخبة المثقفة الواعية تقابلها حالة التبعية والخضوع والخسة واللامبالاة للبرجوازية الطفيلية ممثلة بموقف شتيوي الياور
((لايأبه شتيوي لما يجري في المدينة ومايحصل في الوطن، لايرى في الاحتجاجات والتظاهرات غير افعال عقيمة لاناس يستولي على ملكاتهم الحقد وتحركهم اصابع لاتريد للبلاد الاستقرار…))تراجيديا ص164
ومما له دلالة انشاء الجسر الحديدي الجديد ,وقبله جسر بربوتي، ليخدم انسيابية نقل البضائع ، وتنشيط تجارة الشركات الراسمالية الانكليزية خصوصا ، حيث تم انشاء خط سكك الحديد ومجطته في البصرة والناصرية والسماوة والديوانية والحلة وصولا الى بغداد ومنثم الى الموصل ….
((فمدوا شبكة من السكك الحديد وحركوا فوقها القطارات الحديدية التي نظر لها الناس على أنها من أعمال السحر . إذ كيف تسير كل هذه الكتل الحديدية على سكة رفيعة ولم تميل أو تسقط . وبمرور الأيام تآلفوا معها ونسوا هذا السؤال المحيّر حتى وإن لم يحصلوا على جوابٍ له ))
.لمحاولة الربط بين عامة الناس في احد الضفتين و الطبقة الحاكمة في الضفة الثانية ((الصوب الصغير والصوب الكبير)) ، ولكن دون جدوى فقد بقيت الهوة قائمة بين الضفتين لان هذا الجسر لم ينجز بايدي وفكر عراقي بل لحاجة الشركات الراسمالية ، حاله حال محطة السكك الحديدية ، وقد عم الفساد في الجهاز التنفيذي للسلطة ممثلا بالمفوض ((رشاش)) بالتخادم مع البرجوازية الرثة الطفيلية ((شتيوي الياور)) وحثالة البرولتاريا ممثلة ب(( شراد هديب )) لتعمل بالتضامن والتكافل لقتل كل محاولة للبناء والتقدم ، وقطع اليد التي تحاول ان تنزع عصائب التضليل عن عيون الجماهير المستغلة فكانت ((ثورة)) الرابع عشر من تموز محاولة لردم الهوة ودمج الضفتين كردة فعل لعدم قدرة الطبقة السياسية الملكية الحاكمة انجاز هذه المهمة، فلاغرابة ان يشهد العراق اقوى واشرس حملة قمع ضد القوى اليسارية العراقية وخصوصا في عام 1963 واغتيال طموحات الشعب العراقي المرجوة من ((ثورة تموز 1958)) ، حيث تحالفت منابر دعاة التدين وحراس الاخلاق مع الشواذ والقتلة مع اموال وهرواة الاقطاعيين وبدعم من ذيول المخابرات الراسمالية الامريكية والبريطانية خادمة الاحتكارات البترولية، للفتك بالقوى اليسارية حملة لواء الثورة والتقدم والحرية والمساواة…..
العقل الجمعي بين الثورة والفورة
انعكاسات التطور العلمي والفني والاجتماعي في العالم الاول على بلدان العالم الثالث ، هنا لدينا مدينة السماوة نموذجا …حيث تم فتح سينما ((عبد الاله )) من قبل عبد الستار الامامي عام 1948 وقد كان هذا الحدث ذو اثر كبير على سكان المدينة وخصوصا الشباب منهم
(( حضور السينما الى السماوة جسد الانتقال من ضفة رتابة تكدس جهلا كاتما، وعتمة تكاد لاتنتهي الى ضفة نور وهاج يضيء دربا يمنح البهجة بلا حدود، ويهب متعة بلا قيود …)) ص114
، فمثلا تاثر العديد من الشباب بموجة افلام الوسترن ومنهم الشاب ((مجيد)) حيث يتماهى هذا الشاب مع ابطال هذه الافلام
(( في يوم عرض احد هذه الافلام بمقدور من يقترب من السينما قبل بدء بيع التذاكر بوقت مشاهدة مجيد بدشداشة مقلمة ونعال مطاطي مترب…)) تراجيديا ص123
حيث ارتدى البنطلون وقبعة قديمة واحتزم بفكي خروف عى انهما مسدسات ابو البكره واخذ يقاتل خصوم وهميين يرديهم صرعى معلنا انتصاراته الوهمية …..مقلدا ((جون اوين )).
و((نجم)) عاشق ستيف ريفرز بطل كمال الاجسام ، ودور ((هرقل الجبار))….
(( كل شيء اقد ر عليه ساكون ستيف ريفرز السماوة ،))تراجيديا ص133.
((حسان)) ((طرزان الخزاعل )) حيث تماهى هذا الشاب الحالم ان يكون نسخة عراقية سماوية من طرزان هذا الرشيق خفيف الحركة فائق القدرات وهو يتسلق الاشجار ويتنقل من واحدة الى اخرى مع قردته …..
هذه النماذج وغيرها انما تدل على التقليد المستحيل العاجز عن تمثل العالم المتقدم الذي قطع شوطا كبير ا في التقدم وامتلاك الثروة والتقنية العالية وبناء الشخصية المميزة التي حاول تسويقها لبلدان التخلف لتكون محل ابهار واعجاب ومثال يقتدى ونموذج يحتذى …. فمحاولات هؤلاء الشباب الحالمين كمحاولة ابن فرناس الطيران بجناحين من شمع… فبذلك بدت محاولاتهم محاولات بهلوانية مضحكة ومثيرة للحزن والاحباط ناهيك عن اثارة الفكاهة والتندر، انها ارادة الوهم …كما هي مودة القمصان الحمر والشوارب الستالينية ، والمسبحة الحمراء ، وحمل الميداليات والتظاهر بالسكر والكفر لبعض من فهم الشيوعية بهذه المظاهر البهلوانية المظهرية… وليس فكرا ومنهج حياة لذلك سرعان ما خلعه ببساطة خلعه لقميصه وربطة عنقه ليبدلها بلون أخر يناسب الوضع الجديد …كما تحولت مقهى ((غازي)) الى مقهى(( الشعب))، ثم الى مقهى(( العروبة)) ثم الى مقهى(( بركات العباس)) او مقهى ((الخلفاء))؟؟؟!!!!!
وحفل سجل المواليد بتغير الاسماء من ((فيصل)) الى (( كريم)) الى (( ناصر)) الى (( صدام)) الى ((باقر))….
نريد ان نخلص ان تمثل الحضارة والتحضر بحاجة الى زمن من بناء ملتزماتها وبحاجة الى ظروف موضوعية وذاتية لتحققها ، ان العمل المنتج والتحول من الانتاج الزراعي الاقطاعي الى الانتاج الالي الصناعي على يد البرجوازية الناهضة هو من حفز العقول على الابتكار وازاحة كل ما يقف في طريق التقدم .. الى تخليق ذات متفردة ، وشخصية متفكرة متدبرة ، تنبذ السكون والتقليد والركود، محيث اصبح العمل هو المفتي وهو الموجه وهو المخلق للعادات والتقاليد والسلوكيات ، فلاتستطيع المرأة مثلا من قيادة السيارة وهي تلبس البوشيه او الصعود الى قمر تهدده ((الحوتة)) بالابتلاع في كل حين !!11.
نريد ان نصل الى ان العديد من الممارسات والافعال والظواهر في مجتمعاتنا رغم مظاهرها الرصينة ومطاولتها ولكنها لازالت تعاني من الفشل والتراجع والاحباط لانها بصراحة كبيرة تشبه سلوكيات ((طرزان الخزاعل)) او تصرفات ((مجيد)) و ((نجم ))، ومنها مثلا ولادة الاحزاب اليسارية واللبرالية والقومية وهي نتاج وافراز مجتمعات حداثية مدنية في مجتمعات منتجة متحضرة قطعة شوطا مهما في التطور العلمي والثقافي متجاوزا تنظيمات المجتمع الاهلي ماقبل الحداثي كالعشيرة والطائفة ، مما نتج عنه تحول اغلب هذه التنظيمات الى التماثل مع بيئتها الاهلية متناسية منابتها المدنية فتحولت الى اشباه قبائل وطوائف متصارعة متقاتلة لاتختلف عن الطائفة والعشيرة الا بالاسم ، حيث العشق للزعامة والوجاهة ، وسلوك الثأر ، ونبذ ان لم نقل ابادة ومحو الاخر …. مما ادى المزيد من التدهور واالتحسر على الماضي الرجعي للخلاص من الحاضر ((الحداثي)) حيث اخذت المظاهرات الدموية الارهابية تخرج من الجوامع بدل التظاهرات الوطنية التواقة صوب الحرية والتقدم من صالات السينما !!!!
فهل معقول ان يولد حزب شيوعي هو وليد مجتمعات صناعية متقدمة في بلد زراعي متخلف اغلب سكانه من الأميين والعاطلين عن العمل والعشائرين والطائفيين المتعصبين ، في بلد يحرث بمحراث تجره الثيران … او في بلد يستورد كل شيء ولاينتج سوى العدوات واساليب القمع والقتل والجريمة ، اساليب جديدة للغزو والحصول على الغنائم ؟؟؟
او قيام حزب قومي يدعو لوحدة عربية في مجتمعات قبلية مغلقة لايسمح لسكان بعضها زيارة البعض الا بجواز سفر وتحت رقابة امنية مشددة ؟؟
والا بماذا نفسر اعدام قادة الحزب الشيوعي على يد السلطات الملكية ((الديمقراطية))، وبماذا نفسر قتل وتقطيع رموز الملكية على ايدي الجماهير الشعبية الثورية في تموز 1958 ؟؟؟
وبماذا نفسر الاحداث المفزعة في الموصل وكركوك بين اليساريين والقوميين ؟؟
وماذا نفسر اعدام العديد من رفاق السلاح في العهد الجمهوري الاول ؟؟؟
وبماذا نفسر حمامات الدم للحرس القومي في 1963 ؟؟؟
وبماذا نفسر مجازر نظام البعث ضد رفاقه وابناء شعبه من مختلف التوجهات القومية واليسارية والدينية ؟؟؟؟ ووووو
كذلك اوضح الروائي من خلال السينما ا بان الشخصية للمواطن العراقي السماوي مغرقة في العاطفية الكبيرة التي تتفوق على السلوك العقلي العملي والعلمي ، فرغم انه رافض للاستعمار والتبعية الا ان رفضه لايتحول الى فعل الا في اجواء التعبئة والحشد العاطفي للعقل الجمعي في قاعة السينما تحت تاثي فلم ((يسقط الاستعمار))، فيظهر الجموع هاتفا بسقوط الاستعمار واذنابه ليجوب شوارع المدنية مناديا بالحرية للشعب والوطن ….. وكذا هو الحال في دعمه ومساندته لقضايا اشقائه العرب عبر فلم بورسعيد وبطولة الشعب المصري للرد على عدوان 1956 ، حيث جابت التظاهرات شوارع المدينة رافضة للعدوان الثلاثي ومتضامنة مع الشعب المصري الشقيق
كان الراوي متمكنا من توثيق الكثير من الاماكن في المدينة وابقائها حية في ذاكرة الاجيال ، كالجسور والاسواق والمقاهي والنوادي والشوارع والفنادق ، ناهيك عن الشخصيات الهامة والهامشية ، وتسجيل رائع للاحداث الهامة عبر تاريخ المدينة لغاية نهاية العهد العارفي في 1968 على يد البعث ، كزيارات الحكام ، وقصة قطار الموت الماساوية ، وقصة بناء وافتتاح الجسر الحديدي ، وتظاهرات عيد العمال العالمي ، وفعاليات عمال السكك الحديدية المعلم المهم في السماوة …. المدارس والمكتبة العامة …الخ كل هذا بكاميرة ناصر الجبلاوي
((ناصر الجبلاوي يتالم للوجوه الشاحبة والمكفهرة والممصوصة، يتاسى للقامات الهزيلة التي تلتقطها كاميرته وتثبتها على الورق. شهادات صورية لخواء مجتمع منكفيء تمثله رموز متهرئة منصميم وجوده)) ترجيديا ص161.
الروائي القدير زيد الشهيد يقدم لنا الادلة القاطعة المصورة والموثقة باسلوب ادبي رائع بتوصيف مسهبا في تفاصيله ـ منحازا للتفسير الخلدوني الوردي لطبيعة الشخصية العراقية ، نقول رغم الاثر الكبير للذات في التحول والسلوك ولكن للبنية الاقتصادية والاجتماعية والموروث الثقافي اثر كبير في بناء الشخصية وتحولاتها ….كما انه اختار الاسماء من واقع البدواة الغالبة على ((المدينة))، ك((شتيوي الياور)) و((رشاش)) ، و((هديب)) و ((العساف)) … الخ
كما انه استطاع ان يتحرك برشاقة كبيرة بين شوارع ومحلات واسواق السماوة المحلية ، عبر متابعة الاحداث من قبل ناصر الجبلاوي وشغفه بتسجيل وتوثيق احداث وشخصيات المدينة ، كما انه تمكن من نقل القاريء للتجوال في العاصمة بغداد بمختلف شواهدها الهامة والجاذبة والمبهرة لابن السماوة ، كما انه تمكن ان يربط ابن السماوة بالعالم العربي والعالم الاوربي عبر الافلام السينمائية المختلفة ، وكانه يظهر الفروق والمفارقات بين مختلف الثقفات والسلوكيات المحلية والبغدادية والعربية والعالمية .
•· ملاحظ وجود تكرار بعض الصور الوصفية ، او الاحداث اثناء السرد مما يؤثر على رشاقة السرد وجماليته ….
•· كان من الممكن تنشيط ذاكرة النهر ليحكي الكثير من الاحداث ويكشف عن العديد من الاسرار، فنهر مثل ((الفرات)) كنز من الاسرار والذكريات وشاهد عصر تمتد لالاف من السنين ، خصوصا ونحن نعرف ان الانهار هي روح الحياة للمدينة وخصوصا في العراق ، فالسماوة ملتقى ذاكرة النهر وذاكرة الصحراء وهي ميزة هامة جدا قلما تتمتع بها مدينة … وكان النهر ((يوميء لهم )) في اكثر من مناسبة …..
*نرى ان الكاتب اسهب كثيرا في ذكر الافلام السينمائية وموجاتها المختلفة واسماء وادوار الممثلين المشهورين ، رغم انها دلالة على ثقافته السينمائية الواسعة ولكنها اثقلت الرواية بالكثير من التفاصيل الذي ربما لم تكن محل اهتمام اغلب القراء ناهيك على كونها ليست ذات دلالة مؤثرة في طبيعة السرد وسير الاحداث …….
* نلاحظ غياب دور الاديب ((الشاعر)) الفصيح او الشعبي ، او ((القاص)) ، وكان الكاتب وزع الادوار على الجميع ونسى نفسه !!!
*قلما يجعل الروائي شخصياته تكشف عن دواخلها من خلال حوارها الداخلي، همومها ، تطلعاتها ، مكنوناتها المستترة .
*كما اننا ومن خلال اطلاعنا على رواية ((اعوام الافراس)) و (( تراجيديا مدينة))، نستشعر وعدا مضمرا من قبل الكاتب زيد الشهيد باتحافنا باكثر من رواية جديدة اخرى تتناول احداثا هامة من تاريخ العراق كفترة حكم البعث وحروبه وحصاره ، وانتفاضة اذار 1990، وانهزام الديكتاتورية القومانية ، احداث الاحتلال وما بعده ولحين التاريخ ، وهذه اعمال ضخمة جدا ومهمة جدا ، نتمنى ان يتمكن اديبنا الكبير من اعطائها او بعضهامنها حقها من (( الادبنة)) لتاريخها المثقل بالاحداث التي لاتنسى في حياة الشعب العراقي….
لانريد ان نعيد حكم اهل الثقفة والادب على القدرة الابداعية والخيال الباذخ للروائي القدير ((زيد الشهيد)) لان الكاتب تجاوز هذا الوصف منذ باكورة نتاجاته لمختلف الاجناس الادبية ومنها القصة والرواية ، ولكننا لازلنا نتطلع الى روائي منتظر قادر على ((ادبنة)) تاريخ المدن وتاريخ البلد وفق منهج جديد ، يقترب من روح وجوهر الحدث التاريخي ، غائصا في اعماقه ولايكتفي بالطفو على السطح…. ولنا الثقة بان زيد الشهيد سيزيدنا بالمزيد من نور القدرة على فهم جوهر الحراك الاجتماعي وقواه الحقيقة المحركة والمعرقلة ليتحفنا بروايات تاريخية تتوفر فيها صفات الرواية الناجحة باي طريقة يشاء تجمع بين الصدق والجمال حيث بقوول جيمس جويس :-
((هناك خمسةملايين طريقة تحكي حكاية واحدة حسب الاهداف التي تقصد اليها)) ص97 الرواية العربية- البناء والرؤيا د. سمر روحي الفيصل .
ختاما نقدم للروائي القدير آيات الاعجاب والتقدير لابداعه المتميز ، واصراره على التواصل المنتج المتجدد دوما .
المصدر/ مركز النور للدراسات