خاص: إعداد- سماح عادل
“سلمى الخضراء الجيوسي” شاعرة وناقدة ومترجمة وأكاديمية فلسطينية.
حياتها..
اسمها “سلمى صبحي الخضراء الجيوسي” من أب فلسطيني وأم لبنانية في صفد الفلسطينية. نمت في مدينة عكا وفي حي البقعة في القدس الغربية. ولدت في فلسطين، بعد نكبة 48 عاشت في الأردن. درست الثانوية في كلية شميت الألمانية بالقدس، ثم درست الأدبين العربي والإنجليزي في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم عادت إلى القدس وعملت في «كلية دار المعلمات». ولدت لعائلة مثقفة فوالدها هو المحامي والسياسي صبحي الخضراء، وجدها لأمها الطبيب يوسف سليم، وخالها فؤاد سليم، وخالتها الروائية جمال سليم
حصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة لندن ودرست بعد تخرجها سنة 1970 في العديد من الجامعات العربية والأجنبية في الخرطوم، الجزائر، قسنطينة، يوتا في امريكا، ثم في جامعة مشيغان، واشنطن، تكساس. سافرت مع زوجها الدبلوماسي الأردني إلى عدد من البلدان العربية والأوربية، وأسست مشروعا كبيرا يقدم الثقافة العربية إلى الغرب، فأنشأت عام 1980 مشروع بروتا للترجمة، ونقل الثقافة العربية إلى العالم الأنجلوسكسوني، وقد أنتجت بروتا، الموسوعات، وكتبا في الحضارة العربية الإسلامية، وروايات ومسرحيات وسيرا شعبية وغيرها.
الشعر..
اشتبكت في السجال حول التجديد في الشعر العربي مع أسماء كبيرة منها (أدونيس ومحمد الماغوط وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وجبرا إبراهيم جبرا). ونشر شعرها في العديد من المجلات العربية.
في الشعر تبنت “سلمى” موقفا متسامحا بحيث كان لها رأيها على فرض شكلا جماليا في الشعر تقول: “إصدار الأحكام المطلقة في الفنّ مسألة بالغة الخطورة، ولكننا نعرف أن أية ثورة كفيلة بدفع أبطالها إلى الحدود القصوى. أوزان الشعر ليست مسألة سهلة وفي متناول الجميع، والعديد من أصحاب الهوى الشعري لا يفلحون في امتلاكها والتمكن منها. ولكن، في المقابل، لا ينبغي لأيّ شيء أن يمنعهم من التعبير عن أنفسهم في الوسيط الوحيد المتبقي لديهم: النثر. ومن المفقر لأي فن أن يحصر فضاء تعبيره”.
الترجمة..
ترجمت “سلمى” في مطلع الستينيات عددا من الكتب عن الإنجليزية منها:
– كتاب لويز بوغان «إنجازات الشعر الأمريكي في نصف قرن» (1960).
– كتاب رالف بارتون باري «إنسانية الإنسان» (1961).
– كتاب أرشبيلد ماكليش «الشعر والتجربة» (1962).
– أول جزئين من رباعيّة الإسكندرية للورنس داريل: «جوستين» و«بالتازار».
كما ترجمت كتب وموسوعات عديدة إلى الإنجليزية.
يكمن تميزها في أعمالها الموسوعية، وأنطولوجياتها، حول الشعر والثقافة العربيين، التي نشرتها بالإنجليزية عن أهم دور النشر الأكاديمية في العالم. لقد وضعت “سلمى” بعض جوانب الثقافة العربية، وكذلك الشعر، والقصة، والمسرح، الذي أنجزه العرب المعاصرون، في دائرة الضوء، لقراء اللغة الإنجليزية، في ترجمات جرى إعدادها، وتحريرها، وكتابة مقدمات إضافية لها، بحيث تكون مراجع لا غنى عنها لمن يريد متابعة الاطلاع على الثقافة والأدب العربيين. على رأس هذه الأعمال الموسوعية كتابها الضخم The Legacy of Muslim Spain (1992)، شارك فيه عدد كبير من المختصين بحضارة الأندلس، من أنحاء عديدة من العالم، وكتبت له “سلمى” مقدمة إضافية تلخص الدور الحضاري العالمي الذي لعبته الأندلس المسلمة طوال ثمانية قرون. وقد تمت ترجمة هذا الكتاب إلى العربية، في جزأين، من قبل فريق من المترجمين، بإشراف سلمى الجيوسي، في عنوان “الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس” (1998 مركز دراسات الوحدة العربية)، وشاركت شخصيًّا في ترجمة عدد وافر من دراساته.
الجوائز..
نالت عدة جوائز منها:
جائزة شخصية العام الثقافية للدورة 14 من «جائزة الشيخ زايد للكتاب»، تأكيدا لحضور المثقف الفلسطيني بشكل عام والمرأة بشكل خاص، في المحافل الثقافية (2020). وجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي، لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية (2007). وجائزة سلطان بن علي العويس (2006). ووسام اتحاد المرأة الفلسطينية الأمريكية للخدمة الوطنية المتفوقة (1991). ووسام القدس للإنجاز الأدبي (1990).
الحداثة الشعرية..
في حوار معها أجراه “مفيد النجم” تقول “سلمى الخضراء الجيوسي” عن الشعراء الذين تمثل تجربتهم الحداثة الشعرية: “محمد الماغوط كتب الحداثة أكثر من الشعراء الآخرين الذين نظّروا بها. هذا الرجل لم أستطع أن أحل إشكاليته في قدرته على امتصاص الحداثة فهو ليس حداثيا بمعنى الحياة الخارجية، وهو لا يتقن لغة أجنبية وعندما كتب هذا الشعر لم يكن يعرف الشعر الغربي. مثال آخر، الشاعرة العراقية “زهور دكسن” امرأة لا علاقة لها بالحداثة في حياتها، ولكن تكتب شعرا حديثا جميلا ومتميزا. والسؤال كيف تسربت المواصفات الحداثية إلى شعرهما. هذا هو الشيء الذي ما يزال يثير استغرابي ودهشتي”.
وعن تحديدها لموضوع الحداثة في الشعر تقول: “أراقب التغير الشعري، أؤرخ لتاريخ الشعر، وأراقب التغير التقني للشعر وأنا أرفض تعليق التغير الشعري بالظروف الخارجية. الفن له حياته الخاصة ولذلك لا تستطيع أن تنتقل من أسلوب إلى أسلوب، ومن مدرسة إلى مدرسة طواعية، فالشعر أو الفن لا تستطيع تغييره إلا عندما تحين الفرصة. عندما لام الشعراء أحمد شوقي الذي كان مقدرا له إرساء الكلاسيكية المحدثة، شوقي تكلم بلغة عصره وعن عصره، فأرسى الكلاسيكية المحدثة. كان هذا دور شوقي، وهو الدور المقدر له. لا لأنه كان في فرنسا، ولم يتأثر بالرمزية، الشعر كان بحاجة إلى إرساء قواعد الكلاسيكية بشكل حديث دون استعمال المفردات القديمة والمقعرة. قضية المؤثرات الخارجية إذا كان الشاعر شاعرا أصيلا لا يتأثر بالمؤثرات الخارجية، إلا إذا كان الشاعر مستعدا لها. الرومانسية بدأت ثورة على تقعير وجمود الكلاسيكية. كل مدرسة شعرية يجب أن تأخذ حدها حتى تتغير. بالنسبة إلى التغير يأتي من داخل الفن وتساعد عليه الأحداث الشعرية، وهذا أساس النقد عندي.
وبتفصيل أكثر تحدد جانب الحداثة في القصيدة تقول: “القصيدة الحداثية رؤيتها حداثية، لغتها حداثية. الشكل لا يقرر شيئا، الشكل وعاء. داخل الوعاء هو الذي يقرر الحداثة، هل تعتقد أن كل من يكتب قصيدة النثر حداثي. هناك 99% منهم غير حداثيين حتى الشعراء الذين تظنونهم حداثيين. الحداثة ألا تستعمل اللغة المنتهكة، تستعمل لغة حداثية، والمهم أن يكون موقف الشاعر حداثيا. إذن الحداثة تكمن في الرؤية وفي اللغة وفي الصور. لديك تقنيات القصيدة والرؤية والموقف. الموضوع تستطيع أن تقاربه بشكل حداثي. إذن الموضوع ليس هو الحاكم. هذا ليس موقفي. هذا موقف الحداثيين في العالم. أنا أقول هكذا وبعد أن قلت هذا الكلام ذهبت وفتشت فوجدت أنهم يقولون ذلك”.
الرواية..
وعن تقدم الرواية في الساحة الثقافية تقول: “الآن صدرت الرواية لكنها لم تحتل مكان الشعر كليا لأن حب الشعر عند العرب غريزي، إلا أنها ستأخذ حيزها عند العرب، وقد يصبح الشعر كما هو عند الآخرين أقل حضورا. الرواية هي لغة العصر هي التعبير الإبداعي عن العصر، ولا أظن أنها في المستقبل القريب ستحتل مكان الشعر إلا إذا مرت فترة من الزمن ولم يخرج بها شعراء جيدون”.
نشر الثقافة العربية..
وعن تحرير معظم كتبها أولا باللغة الإنجليزية ثم ترجمتها إلى العربية تقول: “نحن لم نقع فقط فريسة التغاضي والنسيان، بل أوقعتنا ظروف العالم ومواقفه العدوانية الموروثة والمستجدة فريسة للتشويه المقصود. كيف حدث أن فضائل حضارة ازدهرت قرونا طويلة، وتقدمت بالعلوم والآداب والفكر والأبدان وأسلوب الحياة، قد تقلصت في كتابات الآخرين اليوم إلى مجرد الأصولية المتزمتة والإرهاب والى صور كومة من النساء الملفوفات المحشورات في جناح الحريم.
إن مؤلفاتي هي إسهام أقوم به للتعريف بإنجازات ثقافتنا وحضارتنا العربية الإسلامية عبر مراحل تاريخها وفي المجالات المختلفة، خاصة في الأدب العربي الحديث فإضافة إلى دراستي لمراحل الشعر العربي والحضارة العربية في الأندلس قمت بترجمة أعمال أدبية عديدة كرواية “ما تبقى لكم” لغسان كنفاني، و”سيرة سيف ابن ذي يزن” و”الحرب في بر مصر” ليوسف القعيد و”المتشائل” لأميل جيبي ورواية “الصبار” لسحر خليفة ومختارات من الشعر العربي و”براري الحمى” لإبراهيم نصر الله، والمسرح العربي الحديث (انطولوجيا)”.
وفاتها..
توفيت “سلمى الخضراء الجيوسي” في يوم 21/4/2023، عن عمر ناهز 95 عاما، في العاصمة الأردنية عمان.