16 نوفمبر، 2024 11:27 ص
Search
Close this search box.

سلطة المحكي في رواية :ذاكرة ارانجا

سلطة المحكي في رواية :ذاكرة ارانجا

محمد علوان جبر
قراءة/عقيل هاشم
النص ينتمي الى الرواية الواقعية حيث يعير المؤلف المكان أهمية كبيرة بالقدر الذي لابد منه ليبين تأثير ذلك في شخصياته الذين هم بدورهم جزء من الواقع. ومن هنا تحدد أنماط المكان، كمكان تاريخي، وهذه الأنماط المتنوعة تجسد الاهتمام المتزايد بالمكان لحميمة الحدث الدرامي..
أن المكان لدى المؤلف لم يكن مكانا يؤطر على وفق منظور الروائي التقليدي أي انه يتخذه توطئة ومدخلا إلى عالم الرواية، وإنما يتحول المكان إلى قضية بحد ذاته، ولذلك لا نجد الكاتب يهتم بوصف الأمكنة المادية بل ينتقل بشكل سريع إلى ما هو فكري،
اهتمام الروائي وانتقائه للأحداث بما يجعل الرواية عالما حيا واستفادته من الحس الدرامي
في بناء رواياته وقدرته على خلق الأجواء المناسبة التي تعتمد على الفهم النفسي والاجتماعي للناس الذين كتب عنهم. وقدرت اهتمام الروائي بالبطل في أعماله، كوحدة اجتماعية تحمل إلى جانب مميزاته الشخصية مميزات شعبه،
قدرته على التلاعب بالزمن والمكان لإعطاء قيمة معينة لهما في العمل الأدبي.
“لااعرف من انا ..بدات تكذب ..ايها المترهل…
ايها المترهل كررتها لمرات وانا اضحك .زحقا بدا جسد سلام يترهل .نحول الى مجرد فم مفتوح يبتسم وهو يمضخ الطعام ,لكنه يكف عن المضغ ويزيح اقراص الخبز حينما احجثه..”ص5
1-ثريا النص:
إذا كان ملتقى النص هو القارئ، فإن ملتقى العنوان هو الجمهور بمعناه الشامل، إن العنوان يوجه إلى كثير من الناس الذين يتلقونه ويرسلونه بدورهم، وبهذا الفصل يساهمون في التعريف به عن طريق تداوله ولعل هذه المقصدية التي يثبتها العنوان كدليل على استنبات القراءة الواعية له، هي خاضعة بعنف متلذذ إلى سلطته وشبكات بنيات النص، وما يلفها من متوازيات ومصاحبات ونقد تيمات ذاتية ..
إن بنية العنونة التي هي أمامنا لعل مجازات بمعنى قراءة علاماتية…وذلك لأن العنوان يعتبر المدخل الأساس للتعريف بالمتن، أو قد ينبني على أساس تحقق تداولا بين المؤلف/ المرسل والقارئ/ المرسل إليه، وبما أن هذا الطرح يستحضر العلاقة التواصلية فإنه يستدعي بالتالي شمولية مقروئية، تنزاح دلاليا عن مركزية بؤرية إلى تشظي علاماتي معلن كاشف عن فنية بناء معمارية النص
“طلماذا انت ساهم هكذا ..هل تعبت؟
كلا ياعازف ..انا اسير معك خطوة ..خطوة ..كلماتك جميلة ,,من اين تاتي بكل هذا لسحر ,هذا الجمال .هل جاء من هذه /وكان يشير ناحية الكتب الكثيرة المرصوفة على لرفوف المرصوفة على الرفوف الخشبية والمبعثرة على الارض وحول السرير../اهز راسي له
كلا بل وصلتني بتدفق غريب من ارنجا…”ص9
2-اليات السرد:
أن الطابع السردي الغالب على الرواية هو السرد الموضوعي أن الروائي استعان بوسائل متنوعة وتقنيات متعددة في السرد الموضوعي أضفت على روايته حيوية وحركة . المنولوج سمة من سمات هذا السرد في المزج بين الماضي والحاضر وارتباطها الوثيق والفعال مع العناصر الروائية التي تكون لحمة النص.
“عازف الناي يصرخ في وجهي وانا لايسعني الا ان افتح فمي على سعته ,وكم اتمنى ان يصمت او يقلل من نبرة صوته التي كانت تتصاعد وتستفز الصمت في اخر الليل الذي امسك المدينة مهيمنا عايها بقوة حينما يصمت عازف الناي لبرهة منشغلا باعداد كاس جديدا له “…ص29
للزمن في الرواية نصيبا ايضا كبيرا تمثل في الأنساق الزمنية، ولكن كان للنسق الزمني في اتجاه الماضي فقد طغى طغيانا كبيرا على الأنساق الأخرى نتيجة اعتماد الكاتب على ذكرياته الماضية وأحيائها في نصه قد
يتبدى هذا المكون في التجربة السردية عند الكاتب كمحفل ينبني تشكلات عبر آليات وبناءات فنية استمدت مشروعية وجودها من خلال إطار الحكاية
وبما أن قدر الكتابة الروائية دائما هو انغمارها في التفاصيل وما يشكله من أشياء وغيرها، فإنها بالضرورة تستدعي، وبدون حياد، مستوى الوعي الظاهري والباطني للواقع، الذي تنقله بإمعان ودقة يعيدان إليها كفايتها وقدرتها على تناول الحقيقة المفترضة، كمنجز متعلق بمعطى قبلي وحسي، لأنها من هذا المنظور، ولا يمكن أن يكون الكاتب هو من يوجهها شكلا ومضمونا، بل هناك حضور للمتلقي الذي يصل حسب تمثله إلى كشف الحكاية وساردها، بحيث إن الكاتب لا يحكي مباشرة، بل القارئ هو الذي يكتشف كل شيء بنفسه انطلاقا من الكلمات، الحركات، وأفعال الشخصيات
هذه العلاقة بين مختلف العناصر الثلاثة (الحكاية- السارد- القارئ)، تقتفي استحضار وجهات نظر متعددة، بحيث تبدو الرواية في حلتها الجديدة بمثابة كتابة نصية مفتوقة على أوضاع وأوقاع سرديتين، وليس متنا تخييليا يقارب فيه الكاتب الواقع من زاوية واحدة.
وبما أن التجربة السردية للكاتب تتمثل كافة عناصر التطوير والتجديد، فهي بذلك تؤشر على تغيير نمط كتابته الحكائية، شكلا ومضمونا، بحيث تقوم على الوعي ، وتقنيات أسلبتها وآليات خطابها ، المكون من أنساق النص ومظاهر الاشتغال وصيغ التناول ، إذ ليس من الضروري أن تعيد الرواية إنتاج الواقع كمعطى
3-الراوي بصفته ناقدا

فالشخصية تستنهض النادر والمسكوت عنه وتكشف عنه وتدخل به إلى حيز الحرية التى يمنحها لها الكاتب حين يطلق سراحها بعيدا عن الإطار النمطى لبناء الشخصيات وتكتسب بحضورها حيوية الحياة فشخوص الرواية ليست أنماطا جاءت لتمثل دورا وتشكل أبعادا أيديولوجية للكاتب
فهى لم تتوقف أمام المسميات أو المرجعيات النظرية وإنما استخلصت عصارة الحياة من حيز المفروض عليها وهم كشخوص مقموعة دوما تمكنت أن تنال حريتها
بل انطلقت على سجيتها فى السرد خالقة أبعادها الدلالية تاركة لوعيها أن يعمل بحرية وبفنية دالةوالكاتب لا يجنح بالشخصية بغية الطرح المباشر بقدر ما يحاول أن يتحوط تلك الشخصيات بسياج من الوعى التاريخى والسياسى والذى يتبدى من خلال حكايات وحضور الشخصيات التى تقوم أحيانا بالتلميح وأخرى بالتصريح ، ولأن الرواية فى النهاية بفضائها وشخوصها هى إبداع نستطيع أن نقول بأن الراوى برز لنا حكاء لثقافة ووعى الشخصيات و المكان فالشخصيات مستقاة من واقع اجتماعي بائس ويبدو من خلال أفعالها وأقوالها وأنماط تفكيرها، فهي تعيش مع شخصيات أخرى تتفاعل معها وتتعالق بها، يمكننا أن نجدها في الواقع الذي نحيا بأسمائها وأفعالها التي قامت بها داخل النص.
“لم استطيع ان احس بشيء حينما غادرني عازف الناي .ولااعلم هل سمع ماقلته له ..تركني وحيدا اسبح في بحر من الضوء الشفاف المتزج بالظلمة”…ص22

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة