10 أبريل، 2024 7:36 م
Search
Close this search box.

سلب الهوية وضياع المواطنة في رواية الذباب والزمرد

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

قراءة : موج يوسف

تبدو رواية (الذباب والزمرد)، وهي الرواية الثانية للروائي “عبد الكريم العبيدي”، وكأنها جسر بين ماضٍ لا يمكن أن يُنسى وحاضراً مؤلما مكتظاً بصور ظلامية، وما بينهما صور ومشاهد لا تبرح الذاكرة العراقية الجمعية المبعثرة.

وقائع وحروب ومؤامرات وآمال ضائعة بسبب البطش السلطوي، احتفظ التاريخ بها وجمعها في ملفات سرية بباطن عقل صاحب التجربة الذاتية، وظلت الذات مسلوبة الهوية وتبحث عن المواطنة في أرض ومكان بدت الحياة فيه تحصدُ قمحها بمرارة.

شكلت الهوية والمواطنة قضية مهمة في المجتمعات التي تعاني من فقدان الحرية، واستمر مفهوم المواطنة والبحث عن المشترك الإنساني يمثل هاجساً للكثير من التيارات الاجتماعية، ولاسيما عند الشباب، في ظل شح الحريات والبطالة وزيادة الشعور بضرورة تحقيق المساواة والكرامة الإنسانية، فبطل رواية (الذباب والزمرد) لم يذكر له الروائي اسماً ولا كنية معينة، تجرد من الهويات جميعها، وظل من بداية الرواية إلى نهايتها يسير على خط متعرج يحاول الاعتدال مع تلك التعرجات التي فرضتها السياسة في ظل سيادة حكم الحزب الواحد في العراق، والذي فرض على العراقيين هوية واحدة وهي “العروبة”، لاغياً ومستخفاً بنظرته الدونية كل الهويات الفرعية.

يبدو بطل الرواية رمزاً للمواطنة؛ بعد أن “أعفى” نفسه – تحرر من جميع الانتماءات الحزبية والفكرية والسياسية-، وتمسك بالإنسانية والعدالة دون تميز شخص على آخر، لكنّ في المقابل بترت مواطنته حين اعتقلته قوات الأمن بحجة انتماءه إلى خلية حزبية معارضة فتية، تحاول مقارعة النظام الدكتاتوري، والانقلاب على السلطة، وبعد دهرٍ من التعذيب أفرج عنه بعد أن قُتل كل أمل في ذاته، وأضحت المواطنة في أعماقه، أشبه بهامش يائس على متن حياته.

 

 

شخصيات الرواية الأخرى كانت تعبر عن الهويات الفرعية،”أزريه، أوسم، فيان”، وهم عراقيون بصريون يحملون الديانة المسيحية، وهذا رمز للهوية الفرعية العراقية التي كونت جزءً من المجتمع العراقي، أما  “داوود وشفيق” فهويتهم الفرعية يهودية الأصل، لكن سلطة الحكم سلبت هويتهم، وحين أرادوا إعادة هويتهم، أو حلموا بذلك، تعرضوا لإقصاء من قبل الحكومة بطريقة عنيفة؛ كي لا يجرؤ أي أحد أن يفكر بهوية غير التي اختارها الحزب الحاكم.

تظهر لنا الرواية ضعف المواطنة وتعدد الهويات التي تم سلبها وغياب الحكم الرشيد، ونفي مكونات كثيرة تعد من أهم أركان المجتمع العراقي، ولاسيما البصرة، كون أحداث الرواية تدور في كبد تلك المدينة المنكوبة، فضلاً عن العنف الذي اتبعته السلطة كقوة حديدية تقود بها الشعب.

الرواية لم تكن تجربة ذاتية لشخص واحد، بل خزين تجارب ذوات كثيرة عاشت تلك المرحلة، لكن الروائي “العبيدي” كتبها كتاريخ مكتوب برؤية سردية شيقة، فغدا شاهد على تلك المرحلة، وسارداً لمحنتها.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب