23 ديسمبر، 2024 8:18 ص

“سقف الكفاية” .. تنسُم لوعة الحب في مجتمع مغلق

“سقف الكفاية” .. تنسُم لوعة الحب في مجتمع مغلق

قراءة – سماح عادل :

من السطور الأولى تستمتع بعذوبة الكلمات في رواية (سقف الكفاية) للكاتب السعودي “محمد حسن علوان”.. فقد اختار الكاتب لغة شعرية تتناسب مع موضوع الرواية الذي يتناول قصة حب بين “ناصر” البطل ومحبوبته “مها”، البطل يبدأ في سرد حكايته في صورة كتابة ذاتية، يخاطب فيها امرأة يحبها حد الجنون.

لغة شعرية..

يتفنن الكاتب في اختيار الكلمات.. والتي تقارب الشعر في رقتها وتحميلها شحنات عاطفية كبيرة.. يحكي عن نفسه وعن “مها” التي تركته وتزوجت بخطيب لها، ثم يتبين أنها كانت مخطوبة لذلك الرجل قبل معرفتها بـ”ناصر”، وأنها أحبته رغم ذلك، ويفصل الكاتب في سرد تفاصيل اللقاء الأول ثم اللقاءات التالية ثم تطور علاقة الحب بينهما حتى تصل إلى إلتحام جسدي لكنه غير كامل.

مجتمع يُحرم الحب..

البطل في العشرينات من عمره.. ومحبوبته تكبره بأعوام قليلة لكنها رغم ذلك فتنت بشعره فهو شاعر مبتدئ نشر له ديوان شعر وقابلها مصادفة في إحدى المكتبات وطلبت توقيعه، ثم يروي الكاتب كيف كانت صعوبة اللقاء في مجتمع يُحرم “الحب” ويعتبره جُرم كبير، وأن تعارفهما كان من خلال الهاتف، وحدث اقتراب كبير بينهما حتى أنهما أصبحا يتلهفان إلى اللقاء الفعلي وبعد عدة محاولات للتلاقي في الخارج داخل المكتبات والأماكن العامة اختارا أن يتلاقا بشكل سري خوفاً من عيون الناس ومن الإدانة المتوقعة، فأصبح يقابلها في فندق أول الأمر ثم في غرفتها الكبيرة في قصر أبيها.. يتذمر البطل من تحريم المجتمع للحب طوال الوقت، ويظل يستنكر تقييد حريته في أن يحب كيفما شاء، خاصة أن محبوبته تضطر إلى الزواج من خطيبها لأنه أصغر سناً ولازال في بداية حياته، كما أنها لا تقوى على رفض الزواج منه ومعارضة أهلها.

المحبوبة..

رغم أن “ناصر” يظل يخاطب محبوبته في خطاب طويل يمتد طول الرواية، التي تبلغ 400 صفحة، إلا أن القارئ لا يتعرف جيداً على شخصية “مها” إلا من خلاله.. لا يترك لها الكاتب حرية الحركة، يقيدها بنظرة “ناصر” لها وانطباعاته عنها وعن علاقتها به.. يحكي أنها أحبت رجل آخر يدعى “حسن” ولازالت تحبه، كما تعرفت على رجل جديد اسمه “سعد” ثم يظل يؤنبها على قبولها الزواج من خطيبها “سالم” ونسيانه وهجره طوال سنوات، حتى أن الحزن أثر على جسده وأصابه بالمرض، كما أنه اختار أن يسافر إلى كندا بحجة إكمال دراسته لأنه أصبح لا يطيق العيش في بلده بعد أن سافرت مع زوجها.. فشخصية “مها” غير واضحة لا نعرف هل تتلاعب به أم تبادله نفس الغرام ؟.. هل تحب أكثر من رجل في وقت واحد أم تعاني تخبطاً ما ؟.. لا نعرف سوى رأي “ناصر” فيها وعشقه لها الذي لا ينتهي حتى بعد فراقها بسنوات.

شخصيات أخرى..

نتعرف على شخصيات أخرى يعطيها الكاتب مساحة أكبر. شخصية شقيقته المقربة منه “أروى” والتي تعامله بحنان.. وشخصية صديقه العراقي “ديار” الذي قابله في كندا وأصبح رفيق حزنه وانكساراته، وكيف أن “ديار” يعيش حزن تشتته عن وطنه، وفقدانه لزوجته وطفله الصغير حتى أنه يعيش في بؤس نفسي لا ينتهي.. و”مس تنغل” امرأة ستينية يسكن في بيتها ثم تصبح بمثابة أم له، هي امرأة قعيدة عايشت الحزن سنوات طويلة وحرمت من تربية ابنها ورعايته بسبب مرضها، مما جعلها تعتبر “ناصر” ابناً لها وهو يجد لديها حنان أمومي.

تتميز الرواية بجرأة مناقشة قضية “الحب” وقمعه في مجتمع مغلق.. ورغم أن الكاتب، وقت صدور الرواية، كان شاباً صغيراً، إلا أنه لم يخش مواجهة المجتمع وفضحه، وإعلان رفضه لبعض قيمه.. كما تتميزالرواية بلغتها الشعرية لكن يعيبها التكرار في بث الحزن واللوعة للحبيبة والذي يمتد ليفسد حركة السرد، وكأن الرواية خطاب طويل للحبيبة يتخلله حكايات قصيرة عن مقابلات “ناصر” و”مها” وعن باقي الشخصيات الأم والأب المتوفي والشقيقة “أروي” والصديق “ديار” و”مس تنغل”.. كل هذا الحكي يأتي بعيون البطل “ناصر” عن هذه الشخصيات، ثم ينقطع حبل السرد بدفقة حزن وأسى يبثها “ناصر” لـ”مها”، وتنتهي الرواية بعودة “مها” دون أن نفهم أسباب ذلك وكيف تركت زوجها ؟.. ولما تأخرت عدة سنوات حتى تعود لحبيبها ؟.

احتفاء النقاد..

لاقت رواية “سقف الكفاية” اهتماماً كبيراً من القراء حتى أنها طبعت ست مرات، كما احتفى بها النقاد السعوديون.. يقول “د.غازي القصيبي”: “تمكن هذا الروائي الشاب من أن يحول قصة حب عادية إلى ملحمة كاملة، وكتابة الملاحم ليست بالأمر السهل، ولا هي بالشئ الذي يتكرر كل يوم. لكم البشرى !.. يولد اليوم روائي موهوب اسمه محمد حسن علوان، تذكروا هذا الاسم، قبل أن يفرض نفسه عليكم فرضاً”.

و”د.عبد الله الغذامي”، في جريدة “الرياض” السعودية، يقول: “في سقف الكفاية يحضر قيس وليلاه في صورة حديثة ومبتكرة، ولو قُدِّر لقيس أن يكتب نصاً نثرياً لليلى لاستعان بمحمد حسن علوان ليكتب له هذا النص، لقد كتب قيس عن حبيبته شعراً وكتب علوان عنها نثراً، وهو نص يتفوق على ذاته في جلب المتعة للقارئ، وذلك لأنه قد امتلك زمام اللغة وسبر أسرارها وغاص في قيمها التعبيرية، وهذا دليل على اكتشافه للعبة اللغة ولعبه معها إلى أقصى مدى”.

ويبدي “د.معجب الزهراني”، جريدة “الرياض” السعودية، إعجابه بها: “كنت أقرأ وفي يدي قلم رصاصي أعلم به الصفحات التي تتضمن عبارات أو فقرات متميزة من حيث جماليات الأسلوب وعمق الفكرة وبعد الرؤية واتساع آفاقها، وهكذا ما إن فرغت من القراءة حتى وجدت معظم الصفحات موسومة بآثار دهشتي التي تجاوزت كل توقعاتي”.

وتقول “د.فاطمة القرني”، مجلة “اليمامة” السعودية، “وليكن في ذلك تأكيد، يتلوه تأكيد، ثم تأكيد: أن محمد حسن علوان روائي مختلف، أحدث بعمله البكر، سقف الكفاية، هذه الهزة العنيفة لأنه (ابتداءً) شاعر حقيقي، وإلا فما أكثر الحكّائين والهلاّسين هذه الأيام”.

ورأى “د.عبد الله الفيفي”، في صحيفة “الجزيرة” السعودية، ان “سقف الكفاية يوشك أن يكون نصاً شعرياً خالصاً بتركيبه البنائي العام وأسلوبه اللغوي التفصيلي. أي أن الأمر لا يتعلق بالشواهد الشعرية الكثيرة، الموزونة المقفاة والتفعيلية، فحسب، ولا بالخطاب الروائي وأسلوب الأداء اللغوي والفني، ولكنه يتجاوز هذا وذاك إلى بنية النص الكلية وكل كلمة في تفاصيله”. فيما اعتبرها “عبد الله السمطي”، في مجلة “الفيصل”، انها “تؤسس لنقلة سردية جديدة في عالم الرواية بالسعودية”.

الكاتب..

ولد “محمد حسن علوان” في الرياض، عام 1979، وصدرت له خمس روايات “سقف الكفاية” – 2002، “صوفيا” – 2004، “طوق الطهارة” – 2007، “القندس” – 2011، “موت صغير” – 2016. وكتاب واحد: “الرحيل نظرياته والعوامل المؤثرة فيه” – 2014.. نشرت له صحيفتا “نيويورك تايمز” الأميركية و”الغارديان” البريطانية مقالات وقصص قصيرة.. تمّ اختياره عام (2010) ضمن أفضل 39 كاتب عربي تحت سن الأربعين، وأدرج اسمه في أنطولوجيا (بيروت 39) عام 2013.

فازت النسخة الفرنسية من روايته “القندس” بجائزة معهد العالم العربي في باريس كأفضل رواية عربية مترجمة للفرنسية في العام 2015، وفاز بجائزة الرواية العربية “البوكر” عن روايته “موت صغير” في 2017.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة