26 ديسمبر، 2024 5:50 ص

سعيدة خاطر: نصحتني نازك الملائكة أن أهتم بشعري على حساب دراسة الدكتوراه، ولم آخذ بالنصيحة!

سعيدة خاطر: نصحتني نازك الملائكة أن أهتم بشعري على حساب دراسة الدكتوراه، ولم آخذ بالنصيحة!

خاص: كتابات- مسقط

حلّت الشاعر والناقدة العمانية (سعيدة خاطر) إحدى أهم الشاعرات في سلطنة عمان والخليج العربي الحائزة على ميدالية الملوك والأمراء من مجلس التعاون الخليجي للآداب، وعلى العديد من الجوائز والتكريمات الأدبية، ضيفة على برنامج “كتاب مفتوح” الذي يعدّه ويقدّمه الشاعران عبد الرزاق الربيعي، ووسام العاني برعاية مركز حدائق الفكر للثقافة والخدمات في سلطنة عمان، في أمسية افتراضية بُثت على جميع منصات التواصل الاجتماعي، قدّمت خلالها الشاعرة شهادتها على عصر النهضة العمانية بقيادة السلطان قابوس “طيّب الله ثراه”، والنهضة المتجدّدة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، حفظه الله، ورعاه،  مع جملة من آرائها وطروحاتها في الكثير من القضايا الفكرية والشعرية المعاصرة.

النهضة العمانية..

وابتدأت الدكتورة سعيدة خاطر حديثها باستذكار عودتها من الكويت بعد أن أنهت دراستها الجامعية، تلبية لدعوة السلطان قابوس بن سعيد “طيّب الله ثراه” آنذاك لكل العمانيين المغتربين للعودة، والمشاركة في النهضة العمانية، وكان ذلك عام 1977، حيث لم تكن عُمان حينها تمتلك ما يكفي من البنى التحتية للاستمرار في عملية النهوض بالواقع التعليمي، والثقافي، لكنها أصرت على البقاء في السلطنة ومشاركة أبناء عُمان الخيرين في عملية النهوض والبناء، على الرغم من قلة الرواتب والإمكانيات آنذاك.

كما استذكرت كيف أنها كانت مطالبة حينها بالإمساك بأكثر من رمانة في يد واحدة، حيث اضطرت إلى قبول مسؤوليات كثيرة في مجالات متعددة بين الوظيفة الحكومية والصحافة والتعليم والأنشطة الثقافية والأدبية مثل تقييم النصوص الغنائية والمسرحية في وزارة التراث، وكذلك في الأنشطة الكشفية، بالإضافة إلى مسؤوليات الأسرة والزوج والأولاد. لكنها أكدت أن العمل حينها كان ممتعاً جداً والجميع يشعر برغبة كبيرة في بناء المؤسسات التعليمية والثقافية والفنية، واستذكرت أيضاً كيف كان المثقفون والفنانون يبقون إلى أوقات متأخرة من الليل لإحياء الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية في النادي الثقافي العماني والذي كان أسمه آنذاك النادي الجامعي، حيث تغير اسمه لاحقاً إلى النادي الثقافي عام 1986. كما أكدت أنها تستعيد هذه الذكريات الجميلة في كل عيد وطني وتتغنى بإحدى أهم أناشيدها الوطنية للأطفال التي تقول كلماتها:

أبي .. أبي

أبي جزيل العافية

والأمنيات الصافية

عيد سعيد

عمر مديد

لك من قلوب وافية

من مثل أبي

حب وحنان

أبي .. أبي

وتحدثت الدكتورة سعيدة خاطر عن ظروف انطلاق النادي الثقافي العماني، والذي تشكل بمرسوم سلطاني صدر عام 1983، حيث كانت للسلطان قابوس “طيّب الله ثراه” نظرة ثاقبة بعيدة المدى بضرورة بناء المؤسسات الثقافية لما لها من تأثير كبير ومهم في بناء الإنسان العماني. واختار جلالته مبنى النادي لموقعه المهم ولحجمه الكبير ليتسع للفعاليات والأنشطة، إذ كان المبنى يعود لمعالي الشيخ (حمود الحارثي) أول رئيس لمجلس الدولة، فاشتراه منه وأطلق عليه اسم (النادي الجامعي) ليكون مركزاً لتجمع كل الجامعيين العائدين من الخارج وإبراز مواهبهم الأدبية والفنية، لتنبثق منه لاحقاً كل الجمعيات والمنتديات الثقافية والفنية مثل جمعية الأدباء والكتاب وجمعية التصوير الفوتوغرافي وجمعية السينما وجمعية الفنون التشكيلية وغيرها من المؤسسات الثقافية المدنية غير الرسمية. كما ذكرت أن النادي الثقافي كان يقدم كل عام هدايا قيمة من جلالة السلطان قابوس “طيّب الله ثراه” للخريجين الجامعيين المتميزين.

كما استذكرت تفاصيل ندوة المرأة العمانية في المخيم السلطاني في “سيح المكارم” بولاية صحار في 13 أكتوبر من عام 2009، حين التقت بجلالة السلطان قابوس “طيّب الله ثراه” الذي رحّب بها وسأل عنها متفقداً إياها حيث كانت قبلها قد غابت عدة سنوات عن السلطنة لانشغالها بدراسة الدكتوراه في مصر. وتتذكر الدكتورة سعيدة خاطر بحنين جارف كيف أن جلالة المغفور له أشاد بردها على أحد المداخلين في الندوة، وكان جلالته يتابع تفاصيل الندوة من خيمته، حيث أكّدت في ردّها على ضرورة مشاركة المرأة للرجل في عملية البناء والإدارة، وأن عليها ما على الرجل من المسؤوليات والواجبات ولها ما له من حقوق. وأشادت بقرار جلالة المغفور له بعدم تخصيص مقاعد محددة ( الكوته) للنساء في مجلس الشورى والدولة، وذلك لضرورة أن تتهيأ المرأة العمانية بنفسها لهذا المقعد من خلال الإعداد الكبير والعمل على الذات لتنمية قدراتها ومهاراتها بما يؤهلها لحصد المقعد انتخابياً، وهذا ما تجلّى في الانتخابات الأخيرة حسب وصفها.

ولتزامن الإستضافة مع أفراح السلطنة بالعيد الوطني الذي يصادف 18 نوفمبر من كل عام، استذكرت الدكتورة سعيدة خاطر الأناشيد والنصوص الغنائية الوطنية التي كتبتها في حبّ عُمان منذ عودتها إلى السلطنة عام 1977، والتي تغنى بها كبار المطربين العمانيين والعرب مثل أحمد الحارثي وعبد الله الحتروشي ومحمد عبده وعبد المجيد عبد الله وهشام عباس وعبد الرب إدريس وآخرون. وكشفت أن بعض هذه الأناشيد وضع ضمن المناهج التعليمية العمانية مثل (على ذرى شوامخ النخيل). لكنها تعتز كثيراً بالنشيد الذي كتبته في عام الزراعة بعنوان (الأرض الطيبة) وما زالت تحتفظ بالنص الورقي مهمّشاً بخط يد جلالة السلطان قابوس”طيّب الله ثراه” حيث كتب (نعم .. وُفّقتْ الشاعرة .. المركز الأول)، حيث كان يراجع بنفسه الكثير من التفاصيل خصوصاً الثقافية والفنية منها. وكشفت أيضاً أن لديها ديواناً كاملاً من القصائد الوطنية بعنوان (موشومة تحت الجلد).

وعن تجربتها في الكتابة الإبداعية للطفل، تحدثت الدكتورة سعيدة خاطر عن أول ديوان شعر كتبته للأطفال بعنوان ” أغنيات للطفولة والخضرة” والذي جاء بتشجيع من الشاعر الكبير الراحل (سليمان العيسى)، الذي التقت به في عَمّان حينما كانت هناك للمشاركة في دراسة تحديث المناهج التعليمية العمانية بوصفها رئيسة قسم اللغة العربية في دائرة المناهج، وأسمعته بعض قصائدها الموجهة للطفل، فأكد لها أنها قادرة على الكتابة الإبداعية للأطفال وطلب منها أن تهتم بكتابة ديوان شعر للطفل قائلاً: “اتجهي للكتابة للأطفال .. للأمل الأخضر). وأكدت أنها أرسلت له لاحقاً نسخة من الديوان رد عليها برسالة جميلة مازالت تحتفظ بها إلى الآن.

نازك الملائكة..

وبخصوص ذكرياتها في الدراسة الجامعية في جامعة الكويت، تحدثت الدكتورة سعيدة خاطر، بفخر كبير عن تتلمذها على يد الشاعرة، والناقدة الراحلة نازك الملائكة وعن أثر علاقتها بها وتشجيعها الدائم لها لتتعلم العروض وتستمر بكتابة الشعر حيث كانت ترى فيها شاعرة مهمة. واستذكرت كيف أنها التقت بها لاحقاً بعد سنوات طويلة في مهرجان المربد الشعري في بغداد، فوجدتها في الصف الأول إلى جانب زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة، لتقف وتصفق لها وتخبرها أنها كانت متأكدة من شاعرية سعيدة خاطر، وهي اليوم سعيدة بصواب نظرتها. وكشفت أيضاً عن سعادتها البالغة عندما تم تكريمها في القاهرة بعد سنوات ضمن النساء العربيات المبدعات، إلى جانب نازك الملائكة التي لم تتمكن من الحضور حينها بسبب ظرفها الصحي. وسردت قصصاً طريفة عن أسلوب نازك الملائكة في تعاملها المبدئي والصارم مع الطالبات وكيف أنها غادرت القاعة في أحد الأيام غاضبة من سلوك بعض الطالبات، وأنها لم تعد إلا بعد إلحاح الأساتذة، وعميدة الكلية الدكتورة وديعة طه نجم، وترضيتهم لها، وما أن عادت حتى دعت الطالبات إلى امتحان مفاجئ في الأعراب لم تنجح فيه ولا طالبة.

كما كشفت عن النصيحة التي قدّمتها لها نازك الملائكة في حينها، أن الشاعرة الموهوبة لا تحتاج الحصول على شهادة الدكتوراه، وبإمكانها الاكتفاء بموهبتها الشعرية، والتركيز على منتجها الإبداعي، وهذا ما حصل لنازك الملائكة نفسها عندما ذهبت إلى أمريكا لنيل شهادة الدكتوراه فطلب منها أحد الأساتذة في حينها أن تترجم بعض أشعارها، إذ كانت تجيد اللغة الإنجليزية، فانبهر الأستاذ من أشعارها، وأخبرها أن شاعرة بحجمها لا تحتاج إلى دراسة الدكتوراه، فإنّ إبداعها الشعري أكبر بكثير من الشهادة الأكاديمية، لذا قرّرت نازك الملائكة العودة، وعدم إكمال الدراسة لتظل وفية لإبداعها الشعري. وهنا تتندّر الدكتورة سعيدة خاطر، أنها لم تلتزم بنصيحة نازك الملائكة، وذهبت إلى القاهرة لتحصل على الدكتوراه لاحقاً بالنقد الأدبي، وأنها من يومها لم ترض عن أيّ من نصوصها الشعرية، مؤكدة إن الشعر كائن حساس لا يقبل المزاوجة مع أي جنس فني وأدبي آخر وقالت: “عليك أن تعطي الشعر كلك ليعطيك بعضه”.

وعن سؤال حول رأي نازك الملائكة بريادة الشعر الحر، والعلاقة بالسياب، ذكرت الدكتورة سعيدة خاطر أن نبل شخصية نازك الملائكة كان يمنعها من إقحامهن، كطالبات لديها، في مسألة ريادة الشعر الحر التي كانت تتوزّع حينها بينها، وبين السياب، وشعراء آخرين، بل كانت تدعوهم إلى حبّ اللغة العربية، والتعمّق في فنونها الإبداعية. وأشارت إلى كون نازك الملائكة شاعرة مبدعة وواحدة من روّاد الحداثة في الأدب العربي الحديث، لكنها كانت أيضاً صاحبة نظريات وآراء مهمة في التجديد الأدبي والحداثة وقضايا الشعر العربي المعاصر. ولفتت إلى أنها كتبت كثيراً في قواعد تأصيل فن الشعر الحر، وأنها كانت تحذر من ابتعاده كلياً عن قواعد الشعر الخليلي، بل تنبأت مبكراً بعودة قوية للقصيدة العمودية الكلاسيكية بشكل حداثوي يستفيد من انقلابات الشعر الحر وهذا ما يؤكده الآن وجود عدد كبير من شعراء العمود الذين يكتبون القصيدة العمودية بتجديد كبير، ومنهم الشاعر وسام العاني حسب وصفها.

لميعة عباس عمارة..

وحول علاقتها بالشاعرة لميعة عباس عمارة، أشادت الشاعرة كثيراً بعلاقتها مع الشاعرة لميعة وأنها كانت مبادرة، أثناء وجودها في مجلس إدارة النادي الثقافي، بإقامة مهرجان الخنساء الأول للشاعرات العربيات والذي توّج بدعوة الشاعرات الرائدات مثل لميعة عباس عمارة التي قدمت من سانت ياغو في أمريكا برحلة طويلة ومتعبة لتصل إلى مسقط، وتشارك في المهرجان، وكذلك الشاعرة فدوى طوقان والشاعرة ملك عبد العزيز. هذا وأكد الشاعر عبد الرزاق الربيعي عزم النادي الثقافي على إقامة مهرجان الخنساء بنسخته الثالثة مطلع العام القادم والذي كان محل ترحيب الدكتورة سعيدة خاطر.

أمّا عن كتبها النقدية التي تناولت الاغتراب في تجارب شعرية نسوية، أكّدت الدكتورة سعيدة خاطر أنها ليست منحازة نسوياً، وأن هذه الكتب جاءت ضمن إطروحتها لدراسة الدكتوراه، والاختيار لهنّ، ولتجاربهن جاء بسبب كونها امرأة خليجية وشاعرة لديها مسحة الاغتراب في شعرها وهو ما وجدته مقترباً لدراسة هذه الأسماء.  كما أكّدت أنها كتبت الكثير من الدراسات النقدية الأدبية لشعراء رجال مثل الشاعر سيف الرحبي والشاعر عبد الرزاق الربيعي. وأكدت أنها تلتزم في نقدها بمعيار الذهب كما يشير ابن طباطبا. وفيما لو قدر لها أن تكتب أطروحة دكتوراه جديدة في تجارب شعرية نسوية عمانية حديثة، أكّدت أنها ربما ستتناول تجربتها الشخصية لتوفر خاصية الاغتراب لديها، ولكنها تعتز بالكثير من التجارب الشعرية النسوية العمانية مثل شميسة النعماني وعائشة السيفي وبدرية البدري.

وعن رؤيتها للحداثة في الشعر العربي بعد تنوّع قوالبه والتجديد في مضامينه والصراعات الدائرة بين الكلاسيكيين والحداثويين، أكدت الدكتورة سعيدة خاطر أنها تنحاز للشعر وجودته بغض النظر عن أشكاله وقوالبه وأنها تعتز كثيراً بتجارب شعراء كبار في قصيدة النثر مثل الشاعر عبد الرزاق الربيعي والشاعر عدنان الصائغ والشاعرة ريم قيس كبة، لما تحمله من شاعرية عالية قد لا تتوفر أحياناً في القصيدة العمودية.

واختتمت الأمسية بقراءة نص وطني جديد مما جاء به:

مَن ذلك الآتي  الذي

ابتسمت له كرب الخطوبِ

به من مهنا حزمه

ومن الجلندى ومضة الفكر  النجيب

وسقاه قيد الأرض من وثباته

يمتاح نور الحق من تقوى القلوب

من ذلك الآتي الذي

غسلت عمان بفجره شتى الذنوب

وتمّ الاتفاق مع الشاعرة والناقدة سعيدة خاطر على تكملة الحوار في جزء ثان في موعد يحدد لاحقاً. بالإمكان مشاهدة الأمسية كاملة عبر الرابط:

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة