28 فبراير، 2025 4:01 م

سعد ناجي علوان.. الحزن حافز لاجتياز الحواجز في درب الحياة

سعد ناجي علوان.. الحزن حافز لاجتياز الحواجز في درب الحياة

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“سعد ناجي علوان” شاعر عراقي، من مواليد الديوانية، العراق، عضو إتّحاد أدباء وكتاب العراق، يكتب مقالات في النقد السينمائي كما يكتب الشعر، نشر في عدة صحف عراقية، منها (الصباح، المدى، المنارة) والمجلات الفنيّة والأدبيّة. وهو عضو مُؤسّس لنادي السينما في الديوانيّة. صدرت له مجموعة شعرية بعنوان (حين يتكرر الوقت يتوقف).

رماد الأب..

في مقالة بعنوان (“رماد الأب”… سعد ناجي علوان) نشرت في موقع صحيفة “إيلاف” كتبت “إيمان البستاني” عن شعره: “بلغة شعرية أفلت منها ثقل خزف الكلام أو تخمة المألوف واقتربت من طقس روحاني كالصلاة في الهواء الطلق بشفافية، بهذه اللغة البسيطة أنجز الشاعر والناقد السينمائي العراقي سعد ناجي علوان إصداره الجديد “رماد الأب”، ثيمة تقترب من كونها تابو عائلي بامتياز، صادفته في نتاجي حنا مينا الشامي ومحمد شكري المغربي في اعمالهما حملا على ظهر ذاكرتهما ثقل معاناة معايشة أب لم يشغل موقعه كما يجب فانقلبت الحياة إلى بؤس وحزن صدئ …. رماد الأب نصوص شعرية مفتتحها مقدمة تشعرك بالتعاطف أراد بها أن يتحرر من رواسب لم يكن له يداً فيها سوى إنها كانت قدره”.

وتضيف: “يجسد سعد ناجي علوان البون الشاسع بين شخصية والديه، الام رمز اليد الخضراء التي تنتج حتى بعد رحيلها ويبقى الريحان حياً لان النساء تبكي اكثر من الرجال ولا تنام تبقى حارسة لنعاس أولادها، جاحد من يخون الأمهات، بينما هو لا يزال يحمل عبء رحيل أب يقض طمأنينة روحه بذكرى حاضرة تمر كل ليلة.. فالشاعر سعد ناجي علوان اختزل معاناته دون إقحام مملكة الشعر ببحورها وقوافيها بل حكى عن نفسه بلغة بسيطة البناء تبدو في ظاهرها سهلة المنال، لكنّه سرعان ما يتضح بفعل القراءة المتأنية المتأملة عن كون شعري لا متناهٍ في مشهديته.. ثم يستمر في نصوصه مستحضراَ كل هواجسه وذكرياته لمشاكسة النص. إنّ نصوص سعد ناجي علوان دعوة إلى إعادة التأمّل، فهو يطرح تساؤلات قديمة جديدة عن استثمار الأبوة في بناء النفس لا أن تكون تضاد هدام”.

الحزن لاجتياز الحواجز..

في حوار أجريته معه في 2018 على “كتابات” يقول “سعد ناجي علوان” عن الكتابة: “كانت تجربة سجني من سنة ١٩٨٦- ١٩٨٨غنية جدا، واكتسبت من خلالها بعدا إنسانيا ومعرفيا في ذات الوقت، من خلال عيشي مع نماذج واعية ومثقفة من الأصدقاء الذين كان أغلبهم أكبر سنا وأكثر تجربة مني، اجتزت من خلال ذلك عددا من السنين وقفزت فوق الوقت، فكانت تلك السنتين بأكثر من عدد ساعاتها وشهورها ومكنتني أن أتجرأ فور خروجي من السجن لأكتب الكثير من القصائد والرؤى النثرية، بصورة تبتعد عما مألوف من شخص تجاوز العشرين بقليل، وشجعني البعض وأمتعض الآخر لأني رغبت في رؤى ولغة مختلفة، لا تخضع لقوانين قسرية ثقافية واجتماعية.

أردت لكلماتي أن تكون صورا واضحة لما أفكر فيه وأرجوه من معان لواقعي المعاش، أردت أن أكتب بوضوح وبحب وبصدق، ودون أي أملاءات معينة، حرصت ومازلت على أن تكون كلماتي صورا فوتغرافية بجميع ألوان الطيف الإنساني، وأن أكون أنا وكلماتي وجهان لصورة واحدة”.

وعن كون الحزن والشجن سمات واضحة في شعره أجاب: “نعم، كذلك يعتبر الحزن والشجن والحنين سمات واضحة وملازمة لشعري، لأنها من أهم صفاتي الشخصية والحياتية، ولا يعني الأمر أني استسلم لعاطفتي فقط فكرا وممارسة، وهو خطأ يطوقني به الأغلب ممن حولي، فما أفعله هو احترام وتقبل ما مر بي من خسارات وهزائم، لأنطلق مرة أخرى لممارسة الحياة بقوة أكبر، لأن عملية نسيان الماضي تكرر ذلك الماضي مرة أخرى.

وأنا لم أكرر أخطائي ولم استسلم لهزائمي، فرغم بتر قدمي منذ سنتين لتداعيات مرض السكري، واتساع حزني ووحدتي إلا أني قدمت ما لم أفعله منذ بدايتي الأدبية، فقد أكملت مجموعتي الشعرية الثانية (مقطعات ألم وأخطاء شائعة) وبصدد إكمال مجموعتي الثالثة إنشاء الله قريبا، مع مواصلة النشر للقصائد والمقالات السينمائية، فالحزن والشجن والحنين حوافز لاجتياز ما تضعه الحياة من حواجز في دروبي”.

وعن تقييمه لحال الثقافة في العراق يقول: “الاشتغال الثقافي بكل تنوعه جزء مهم من الحياة الطبيعية في كل تبدلاتها وتقلباتها، فلا وتيرة ثابتة لأي عمل إنساني سوى الجهد المتواصل لأدامته وتصحيح بعض مساراته أحيانا. وهكذا هو حال الثقافة في العراق بشكل عام والشعر بشكل خاص.

ومع تغير الوضع السياسي بعد ٢٠٠٣ ونهاية ثقافة الدولة وثقافة النظام، اتسعت مشارب الثقافة العراقية مع إهمال الدولة الواضح وغياب دعمها، إلا أن الجهد الفردي التجاري وغير التجاري، ومؤسسات المجتمع المدني تواصل العمل للارتقاء بالثقافة، فكثرت دور النشر ومشاركاتها الخارجية، وواصلت فروع اتحاد الأدباء والكتاب، وهي الأبرز في كل أرجاء العراق، التأسيس لثقافة مدنية ونجحت إلى حد كبير في ذلك، فزاد عدد الفرق المسرحية ونوادي السينما، وعاد العراق يتبوأ مكانته السابقة في مداره العربي، وفي كل ذلك كان الشعر وسيبقى هو العنوان الأبرز”.

مقاله الأخير..

في مقاله الأخير (قراءة في فيلم “سيلفيا بلاث” انكسار الوفاء) في صحيفة “الوسط” كتب “سعد ناجي علوان”: ““أي عينين واسعتين لك أيها الموت أنها لتبدو حقيقية.. مثل خزف صيني” ماذا يحدث عندما يعيش ذوا معرفة متقدمة تحت سقف واحد.. وإذا كانا شاعرين هل يمكن اعتبار ذلك من أخطاء الطبيعة؟.. لم يفصح فيلم “سيلفيا”عن الأسباب المباشرة والموضوعية التي دفعت بالشاعرة سيلفيا بلاث إلى الانتحار مفضلاً تسليط الضوء على عشقها وزواجها من الشاعر الانكليزي”تيد هيوز” ورغم ثراء هذه الفترة لهما، عمد الفيلم إلى التعامل معها بصورة أقرب للوثائقية أو مقتطفات حياتية.. ثم كبح حب مخرجة الفيلم “كرستين جف” لسيلفيا بلاث وترددها الشخصي من ولوج عالمها المأساوي لمعرفة الأسباب المقنعة لانتحارها. وربما عجل السلوك المشين واللا أخلاقي لزوجها هيوز الأمر بعض الشيء، وزاد من توحدها وكآبتها.  إلا أن قدم موضوع الانتحار  يجعل أسئلة أخرى تتقدم الموضوع رغم استقلالها المبكر وحضورها الأخاذ”.

ويكمل: “لا أريد صندوقاً عادياً أريد تابوتاً من حجر بخيوط كجلد النمر ووجه مستدير كالقمر لأحدق فيه”. يتهشم وقت سيلفيا وينمو الذعر والخوف مع ثقل وحدتها، فتودع طفليها عند جارتها وتغلق منافذ الهواء. تضع رأسها في الفرن. تمتلئ بالغاز. وتفرغ حياتها بصمت بارد”.

وفاته..

توفي الكاتب العراقي “سعد ناجي علوان” بالأمس  5 تشرين 2020.

نصوص لسعد ناجي علوان..

أحبّك.. كلّ وقت

مثل ذنب قديم لون اسمي بالسوسن

مثل أخطاء تتكرر أمام المرايا كل صباح

مثل روحي التي لم تكن سوى تراتيل أوهام

مثل نهارات تتقدم بلزوجة النميمة

مثل قبلات تسرق بسالتها عنوة

مثل قصائد تنظف ظلال طفولة بائدة

مثل رثاء حميم لمساء ينسحب بود

مثل جد طويل متواتر

يتقدم أهله خلف الأكمات

مثل أم ناحلة كالكذب

وقصية كصدق يتوارى

مثل أب يتسور الشرفات

يا أبا في كل أرخبيل

ماذا تركت قدماك على العشب

لقد توهمت الأغنية

مثل ألبوم عائلي يفتقد الحنين

مثل أسلافي الذين أضاعوا تميمة أيامهم

ولم يزنوا الهواء

لاذو بالصمت

سكنوا ظل النخيل

وكفوا عن الافتتان

مثل مكمن العفو عند تخوم النسيان

مثل تاريخ سعة فمي

لا يدخله الملوك

ولا تدركه القرى

مثلما يعيد الحب فطرة الوقت

قبل أن يفضها الناس

مثلما يشايع أسمك فصيل الضوء

مثلما ولعي توطئة لبهائك

مثلما تستريح الألفة

مطمأنة بين يديك

ويتذكر الماء قبلتنا الأولى

مثلما تهبين الكلام مروءته

ليتلو آلاءه

مثلما فجرك سيرة الجسد

مثلما تصدر الحواس من نبعك

زهرة النار

مثلما وحوشك الذاهلة

أصابعك العشرة

مساقط الضوء على جسدي

النائم منذ غيابك

مثلما أحار

كيف يمكن للظل المتواري

خلف الكلمات أن يستقيم

وهل يفقه الصباح غيابك

وإن أزهر الورد فوق الفراغ

وكتب اسمك تويجا للسكينة

وشريكا للحنو

مثلما أنسى أن الوقت فخاخ

تستدرج رغباتها فوق خارطة الجسد

وأنا لا أملك إلا التواطؤ

في الطريق إلى المنحنى

مثلما أقتسم مع ظلي

مذاق التعب

أشهد تهشم الفضة على الأبواب

إلهي هل ضاع مقود الأيام

مثلما أمحو سنوات أصل أخرى

أرتجي نشيد فتوتك

مثلما حروف أسمي زهرة خزامى

في حديقة فمك

مثلما قدمي ناصعة

ها أنا ذا أمضي في مصالحة آلامي

كآخر الربابنة

لأكون جديرا بثقة الوردة

وطول أناة الكلمة

مثل عذوبة السماء الممجدة

مثل فضيلة أنهكها الصمت

مثلك أنت يا بعض اللوز

أو مثلي

اترك وردة الصباح على النافذة

أسلم أصابعي للريح

وأكف عن الكتابة

لأحبك….. أحبك فقط..

****************

أحبك كل حين

ربما خطئي الأكبر

وربما جنوني أن أحب امرأة مثلك

وهل توجد امرأة مثلك؟؟؟

قبلة وعاصفة

قصيدة راقصة

وحزن سديم

ألم لا يقبل حتى العزاء

ما أجمل عينيك حين تزعلي

وما أشهى الفم المزموم

ربما يتكاثر الحزن مع الوقت

ولا يطاول قامتك

قامتك التي شكلتها قصائدي

زاوية زاوية لأتوسدها كل حنين

نعم أحب أكثر من صورتك في المرآة

ومن ألفة ثيابك

من أصابعك التي ترسم النوافذ للحالمين

أحبك وأخاف عليك أكثر من غربتك

أحبك لو صدقت وأنت لا تكذبين

أحبك لو فرحت وأنت لا تحزنين

لو أنكرت مرارا طعم حنين

عصافير رقبتك لماء أصابعي

ورميت قلبك في الفراغ

تبا لهذا السعد

مغرور وشاعر

أحبك.. تلفتي يمينا وشمالا

أنا كل تلك الضجة حولك

أحبك.. قبلي الهواء بعد قراءة القصيدة

سيبتسم قلبي.

**************

أه.. يا اسمك.. آه

وأنت تتسورين بالنعاس.. يؤخرك الملل عن مغادرة السرير.. سرير هو أم حضن حنو يتمتع بروائحك.. ثقيل لباس النوم.. وإن كان قماش غيمة.. لأنك عطر يتسامى..ولا وجود للجسد إلا كمظهر.. يعرف الحبيب به عتبة السعادة.. ويرى الناس تجسيد المعنى حين أقول حبيبتي أجمل امرأة.. يتخللك الماء عند الاستحمام..عصافير تدور من نافذة إلى أخرى وهي تتقاذف أوراق البنفسج.. تلبسك الثياب طمعا بمذاق أنوثتك.. وإعلانا لوجودها.. وبينما تشربك القهوة.. ينتقل العطر.. يجوب سهلك الممتع..

يبدو الشارع قد استيقظ باكرا.. وبأناقته المعتادة رتب أشجاره ظلا لخطواتك.. وأنت ترافقين الفرح إلى عملك.. تتبعك الأمنيات.. سأنهي كأس الشاي على عجل وألم الزغب المتساقط جناحا للقصيدة.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة