11 يناير، 2025 11:53 ص

سعد مطر عبود.. سعى لبلورة مشروع نقدي مفضلا المنهج النفسي

سعد مطر عبود.. سعى لبلورة مشروع نقدي مفضلا المنهج النفسي

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“سعد مطر عبود” أستاذ جامعي عراقي تخصصه في علم النفس التربوي ثم تحول اهتماماته إلى النقد الأدبي، صدر له: (نقد  المنهج، وقراءة نقدية في المنهج التعليمي والمثيولوجي، وإشكالية المثقف والدولة ويوميات مثقف في اسطنبول، وعشرات الأيام  في ماليزيا، والاتجاهات الحديثة في بناء المناهج المعاصرة، والتربية الحديثة وحقوق الإنسان، ودراسات نقدية في الشعر والقصة والرواية، ورواية بعنوان  فاريا).

مشروع نقدي تنويري..

في حوار معه أجراه برنامج “المجلة الثقافي” يقول “سعد مطر عبود” عن مؤلفاته: “قد يتعامل البعض مع هذه العناوين بوصفها مختلفة، بعضها عن البعض الآخر ولكنها في الحقيقة مترابطة، فهي تنطلق من مشروع نقدي تنويري يتناول العقل العربي في الميادين كافة، وفي المراحل كافة”.

وعن مفهـوم النقد لديه يقول: “النقد له دلالات متعددة، وحسب ابن منظور إن النقد بمعنى التمييز: تمييز الدراهم، وإخراج الزيف منها. وكلمة نقد بمنظور لالاند: هي الحكم ويرى أيضاً أن النقد هو فحص مبدأ أو ظاهرة للحكم عليه أو عليهما حكما تقويميا، تقديريا بوجه خاص، ثمة نقد فني (جمالي) ونقد الحقيقة (منطقي) أما عمانويل كانط فقد أطلق العقل النقدي على الفكر الذي لا يأخذ بأي إقرار دون التساؤل أولا عن قيمة هذا الإقرار، سواء من حيث مضمونه (نقد داخلي) أو من حيث أصله (نقد خارجي). والقرن الثامن عشر هو قرن التنوير وقد اصطلح عليه بقرن النقد وهو ما عبر عنه كانط بقوله: “قرننا قرن النقد” وقد ارتبط النقد في هذه المرحلة بالممارسة الحرة للعقل من دون أن يعني ذلك التقليل من قيمة الأشياء، والصفة الثانية هي تأسيس كانط لفلسفة جديدة تقوم على النقد وتعرف بالفلسفة النقدية، يقول كانط: (اقصد بذلك نقد الكتب، والمذاهب بل نقد سلطة العقل عموما). ويرى د. حسن حنفي أن النقد هو أداة التحول والانتقال من مرحلة تاريخية إلى أخرى، فالنقد شرط الإبداع والإبداع شرط التقدم والنهضة”.

والنقد من وجهة نظري هو حفر في النصوص للكشف عن مناطق القوة من تشييد النص، والمناطق الرخوة في الشكل والمحتوى، النقد يزيح الغموض ويكشف المعنى، والنقد يزيح كل المعوقات أمام الطاقة الإبداعية”.

قراءة فاحصة..

ويواصل عن كيف يستطيع النقد ذلك: “للتفتح والتحقق وبلوغ الذروة في ولادة المنجز الإبداعي، والنقد هو قراءة متمعنة فاحصة، واعية، للنصوص الإبداعية للحيلولة دون التماهي في الترهل والتقريرية والإسفاف والهدر للموضوعات الخاوية من روح الإبداع. واهتمامي بالنقد حقيقة، منذ أن بدأت اهتم بقراءة الفكر الفلسفي، منذ ما يقارب ثلاث عقود، ولكني لم أكن أدرك معنى النقد، كما أفهمه الآن، فبالأمس كنت أتصوره (المواجهة الفكرية) أو (الصراع الفكري) أو أسلوب دفاعي عن الأفكار التي يؤمن بها الشخص.

وقد نشرت بعض المقالات النقدية في مجلة الورود اللبنانية عام 1981. ولكن التحول الحقيقي بدأ عندي عام 2000، عندما التقيت بالدكتور الناقد والشاعر عباس اليوسفي الذي دفعني للكتابة عن المجموعة القصصية (تيمور الحزين) وشاركت في مؤتمر أدبي عقد في ديالى احتفاء بالكاتب الكبير “أحمد خلف””.

المنهج النفسي..

وعن المناهج الجديرة بالاهتمام يقول: “في تصوري إن المنهج هو الوسيلة للوصول إلى الغاية أو الوسيلة لسير أغوار المعرفة، والمنهج حسب تعريف صلاح فضل: منظومة متكاملة تبدأ من الإطار الشامل “النظرية” وتنتهي إلى التقنية المتداولة التي يستعملها أصحاب المنهج في ممارساتهم العملية والحقيقية في البداية اخترت المنهج الفلسفي، ولم يكن بالأمر اليسير، فالفلسفة صعب جدا اقتحامها، ولكن اللذة تكمن في هذه الصعوبة ثم انتقلت إلى المنهج الاجتماعي، ولكن لم تكن لي دراسة عميقة به، بل كانت ممارستي النقدية بسيطة ولكن تحولي إلى المنهج السيكولوجي (النفسي) لم يكن بسيطا بل كان عميقا. تحول علمي أكاديمي لأني درست (السايكولوجيا). وكان لي شأن مع “فرويد” و”يونغ” و”ادلر” و”اريك فروم” و”سكنر” و”بافلوف” ومن العرب “علي زيعور” و”مصطفى حجازي” و”كمال الوسوقي” و”فاخر عاقل”.

كما كان تاثري بالفلسفة “محمد باقر الصدر” و”محمد جواد مغنية” و”عبد الرحمن بدوي” و”زكي نجيب محمود” و”توفيق الطويل” وحسام الدين الالوسي و”ديكارت” و”هربرت ماركوز” و”هيجل” و”جان بول سارتر” أما في علم الاجتماع فحقيقة تأثرت بـ”علي الوردي” “عبد الجليل الطاهر”. “هشام شرابي”  “متعب مناف” و”كامل المراياتي” و”بورديو” أما في الفكر النقدي المعاصر، فتأثرت حقيقة بـ “ميشيل فوكو”، “جاك دريدا”، “بول ريكور”، “هابرماس” كما تأثرت ب”فاضل ثامر” و”محسن الموسوي” و”عبد الله إبراهيم” ومن ثم “علي حرب” و”عبد الإله بالقزيز” و”مطاع صفدي” و”محمد عابد الجابري” و”جورج طرابيشي” و”جابر عصفور” و”شاكر النابلسي” و”محمد شوقي الزين” و”هاني إدريس” “حسن حنفي” “صلاح فضل” “جمال مفرج” والحقيقة قرأت وتأثرت وتعلمت في الماضي من “سلامة موسى” و”طه حسين” و”عباس محمود العقاد” و”أحمد عباس صالح” و”مصطفى محمود وأنيس منصور وتوفيق الحكيم”. وغيرهم”.

وعن الذي حققه يقول: “ما قرأته سابقا ولاحقا، دفعني إلى أن اكتشف أن المرحلة المعاصرة تحتاج إلى استثمار التداخل في العلوم الإنسانية. لأننا اليوم نمر بأزمة ثقافية طالت كل مجالات الحياة، وهددت الوجود البشري فالتناقضات والإشكاليات والتداعيات لا يمكن التعامل معها أو التركيز عليها ببعد معرفي معين أو منهج محدد. يقول نوبواكي نوتوهارا: “لم تتطور اليابان إلا بالنقد”. ويقول ماركيوز “إن حقل المعرفة الفعلي ليس الوقائع المتعينة أو المعطاة عن الأشياء كما هي، بل تقويمها النقدي كمقدمة لتخطي شكلها المتعين”.

أما جابر عصفور فيقول في كتابه: (نقد ثقافة التخلف): كنت أرجو أن استبدل بالجهد الذي بذلته في كتابة هذا الكتاب وأمثاله جهدا خاصا للنقد الأدبي تأصيلا وتنظيرا وممارسة وترجمة، ولكنني كنت وما أزال أشعر بمخاطر الإظلام المعرفي الذي يتزايد، وكوارث التخلف الممكنة، القائمة على أصول تجذرت في ميراثنا الحضاري، وما تزال تطرح ثمارها المرة في عصرنا الذي اختلطت فيه القيم، وكان يشجعني على المضي في هذا المجال، وعي الناقد الأدبي، داخلي، المؤمن بأن إحدى وظائف الأدب الأساسية هي الانتقال بالإنسان من وهاد الضرورة إلى أفق الحرية المفتوح، وقد زادني تشجيعا على السير في هذا الاتجاه تحولي من المذهبية النقدية بمعناها الضيق الصارم إلى الأفق المفتوح من مدارات النقد الثقافي الذي يعيد التواصل التفاعلي بين عمل الناقد وثقافة مجتمعه التي تتولد منها، ومن مواجهتها الأعمال الإبداعية الأصيلة والجذرية، ولذلك قمت بالتركيز داخل كتاب “في مواجهة الإرهاب” على أشكال المقاومة الإبداعية للإرهاب وتعرية آلياته والكشف عن التكوينات العقلية لقياداته”.

أزمة المثقف العراقي..

وعن أزمة المثقف العراقي التي تناولها في إحدى دراساته يقول: “التاريخ ملغم بالأحداث المأساوية، كما هو مليء بالصور الإيجابية للمنجز الحضاري، فالمثقف في فترة ما من فترات  التاريخ كان منضويا تحت سلطة الحاكم، وفي فترات متقطعة كان مطاردا، وفي فترات أخرى كان منزويا ولكنه فيما مضى كان حراكه يتوزع على مستوى الوعي والنضج الذي يحمله فتارة يكون براغماتيا فيتصيد في الماء العكر وأخرى ديماغوجيا، فينطلق من انتمائه الإيديولوجي، وفي أحيان أخرى يكون مستقلا، فأسس مشروعا حضاريا وحقق منجزات على كافة الصعد الإنسانية.

أما اليوم فالتاريخ يعيد نفسه، وبرز لدينا نموذجان، المثقف المتجاوز لذاته، والمثقف المتمركز حول ذاته، الأول صانع التاريخ، والثاني خارج مدار التاريخ”.

وعن مشروعه النقدي  يقول: “منذ فترة ليست بالقصيرة، تحولت بين أروقة الفكر النقدي، وحاولت استيعاب المشاريع النقدية، بطريقة أو أخرى فتارة تجدني مع د. محمد عابد الجابري في موسوعته النقدية (نقد العقل العربي) محاولا استيعاب آراءه وفكره النقدي وأخرى مع (محمد أركون) في نقده للعقل الإسلامي أو مع هاشم صالح في دراساته النقدية أو جورج طرابيشي أو جابر عصفور أو عبد الله غذامي أو مع علي حرب أو مع د. سعود المولى في دراساته عن الدولة المدنية، أو مع الناقد العراقي فاضل ثامر في دراساته النقدية عن الخطاب واللغة الثانية والميتاسرد، وتجدني ولا أخفيك سرا أني متابع جيد للنقاد المغاربة والجزائريين والتوانسة، فتجدني أقرأ لعبد الإله بلقزيم ومحمد شوقي الزين وغيرهما، أما الغربيون، فدون أدنى شك، جاك دريدا، وميشيل فوكو، وبول ريكور، وهابرماس… الخ.

والحقيقة، بدأ يتبلور في ذهني مشروع نقدي نهضوي بعد الاطلاع على كل الدراسات النقدية في هذا الإطار، ينطلق من نقد العقل والفكر والواقع، والدولة، والمجتمع، والإنسان والثقافة… الخ، ويؤسس لمشروع ثقافي يعالج الأزمة التربوية، أزمة المنهج، أزمة الوعي، أزمة النهوض بالواقع، والخروج من المأزق الوجودي المتمثل بهيمنة الفكر الكلامي الإرهابي، والنزعة الطائفية، والجهل والتخلف، والنكوص الحضاري.

مازالت أرسم معالم هذا المشروع وطرحه في كتاب نقدي، وبنفس الوقت لدي دراسات نقدية حول الأدب النسوي شعرا ونثرا، وكذلك دراسة نقدية عن الرواية العراقية. ومشروع نقدي تربوي أنجزت منه كتاب “نقد المنهج” وأسعى لتطويره وتناول مفاصل أخرى في النسق التربوي”.

هجرة العقول..

وفي ندوة بعنوان “حول هجرة العقول وقانون الخدمة الجامعية” حاضر “سعد مطر عبود” وقد وضح أن: “العقول العلمية ثروة الأمة، وأنها القوة المحركة للتغيير وللتطور والتنمية”، وذكر عدة تعريفات للعلماء توجز بأنها: القوة المدركة للعالم المحيط بالإنسان بكل ما يحتويه من معلومات ومؤثرات. كما نبه إلى أهمية، بل خطورة البحث العلمي، وإلى أن بحوث عدد من العلماء وتجاربهم في الماضي، قد توصلت إلى أمصال شافية لأمراض كانت تحصد أرواح الملايين من البشر، وإن علينا أن نتبنى الشعار الذي وضعه (إزرا فوجل) عنواناً لكتابه (اليابان..الدرس رقم (1) لأمريكا) .. ثم أشار إلى تقدم اليابان الذي أذهل الدولة التي احتلتها من 1945 – 1952 بعد أن تحطمت مصانعها، ودمرت مدنها، وأصبح اقتصادها عاجزاً تماماً، إضافة إلى التدمير النفسي الذي كان أشد قسوة من التدمير المادي، إلاّ أنها أخذت طريقها إلى التقدم الاقتصادي، حيث اعتمدت التربية والتعليم وسيلة أساسية للحاق بركب العالم المتقدم، بل تجاوزته، حيث كانوا ينفقون 12% من دخلهم القومي لذلك”.

وأضاف “سعد مطر عبود”: “هذا إمبراطور اليابان يجيب في مؤتمر عالمي عن سؤال لأحد الصحفيين فيقول: (منحنا المعلم سلطة القاضي وهيبة العسكري وراتب الوزير) هذا معلم اليابان، فأين معلم العراق؟ أضطهد المعلم في السابق، حتى تحول إلى بائع خردوات، وبدل أن يرسل إلى الدول المتقدمة لينهل من علومها، أرسل إلى جبهات القتال، ثم انتقل إلى مرحلة وعهد آخر، فكان حاله لا يقل سوءاً عن سابقه، ثم بعد الصبر والجوع والانتظار، فوجيء حملة الشهادات العليا في وزارة التربية بأنهم لا يعاملون أسوة بأقرانهم أساتذة الجامعات العراقية لا من ناحية الراتب، ولا من نواحي أخرى، وكأنهم لا قيمة لهم، والمصيبة أنهم لا يجدون تفسيراً منطقياً لهذا التمييز”.

وفاته..

توفي “سعد مطر عبود”، الاثنين 10 مايو 2021.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة