خاص: إعداد- سماح عادل
“سعاد مكاوي” ممثلة ومغنية مصرية، ولدت في 19 نوفمبر 1928، كان والدها “محمد مكاوي” أحد الموسيقيين المشهورين خلال ذلك الوقت في العشرينيات، وسرعان ما التحقت “سعاد مكاوي” بمدرسة “بديعة مصابني” التي تخرج منها مشاهير الفن مثل “فريد الأطرش”، و”محمد فوزي”، و”تحية كاريوكا”، و”سامية جمال”، و”محمد عبد المطلب”، و”محمود الشريف”.بدأت حياتها بأغاني المنولوجات.
المسرح الغنائي..
ظهرت سعاد مكاوي في فترة الأربعينيات، حيث ازدهر المسرح الغنائي، والسينما الاستعراضية، التي نشط فيها الأوبريت الغنائي، والمونولوج الفكاهي، كما ترسخت أيضا الأغنية الشعبية الخفيفة التي تستهوي أولاد البلد، وفى تلك البيئة وجدت “سعاد مكاوي” طريقها نحو الذيوع والانتشار، خاصة مع ألحان الموسيقار الرائع “محمود الشريف”.
كانت البداية الفنية ل”سعاد مكاوي” عبر فيلم “زهرة” عام 1945، حيث التقت بزوجها المخرج “عباس كامل”، الذي قدمها فيما بعد في شخصيتها الشهيرة “بلية بنت كبير الرحيمية قبلي”، فضلا لإخراجه ما يقرب من 15 فيلمًا شاركت في بطولتها.
في العام التالي شاركت “سعاد مكاوي” بالغناء دويتو مع الفنانة “ليلى مراد” في فيلم “الماضي المجهول” بأغنية من الفلكلور الريفي المصري، وهي أغنية “سلم على” من كلمات “أبو السعود الإبيارى”، وألحان “عبد الحليم نويرة”، حيث بدأت “سعاد مكاوي” الغناء بتلك الكلمات “فايتة العروسة على جنينة، الورد قالها يا زينة، لون الخدود غالى علينا، حبيبى، سلم على لما قابلنى”، فيما غنت “ليلى مراد” ثلاثة كوبليهات أخرى، وقد استطاعت “سعاد مكاوي” أن تجارى صوت “ليلى مراد”.
وخلال خمس سنوات، وبين عامي 1945، و1950، استطاعت “سعاد مكاوي” أن تفرض نفسها على الساحة السينمائية بأكثر من 15 فيلماً، لعل أشهرها “منديل الحلو، وخد الجميل” مع عبد العزيز محمود، و”لسانك حصانك” مع كارم محمود، لكن دورها الأهم في فيلم “المليونير” مع إسماعيل يس عام 1950، وقد غنت مع المونولوج الشهير الذي يحفظه الكبار والصغار، وهو “عايز أروح ما تروحش”، وكان آخرها فيلم “غازية من سنباط” في عام 1967.
وقدمت قرابة 500 أغنية، من أشهر أغنياتها: (لما رمتنا العين- قالوا البياض أحلا- وحشني كتير- أكبر من النسيان- بطولة أوبريت إذاعي عواد باع أرضه).
في عام 1951 ومع بداية ظهور”عبد الحليم حافظ”، شاركته “سعاد مكاوي” في دويتو، نادرًا ما يتم إذاعته، وهو “أنا ولا إنت” من كلمات “إبراهيم رجب”، وألحان “كمال الطويل”.
وفي ذلك العام قدم المخرج “عباس كامل” زوج “سعاد مكاوي” شخصية “كبير الرحيمية قبلي” الذي يؤدى دوره الفنان “محمد التابعي”، وابنه “عبد الموجود” الذي يؤديه الفنان “السيد بدير”، وابنته “بليه”، و”السكرتير” الذي يؤدى دوره الفنان “عمر الجيزاوي”، وشاركوا معا في مجموعة من الأفلام صادفت النجاح الكبير عند الجمهور في طليعة الخمسينيات، ومنها أفلام “مجلس الإدارة، تار بايت، لسانك حصان، المقدر والمكتوب”، وغيرها.
ومع انتصاف الخمسينيات تراجع الظهور السينمائي ل”سعاد مكاوي”، لكنها غنت عدة أغان شعبية حققت النجاح مثل “لما رمتنا العين” من كلمات الشاعر “محمد حلاوة”، وألحان “محمود الشريف”، وأغنية “قالوا البياض أحلى” من كلمات “أبو السعود الإبياري”، وألحان “محمد عبد الوهاب”.
إسماعيل ياسين..
وكانت تتمتع بخفة ظل في التمثيل والغناء أيضا، حيث إنها كانت متفردة في غناء فن المونولوج، وشاركت كثير من نجوم هذا اللون الغنائي، ومنهم الفنان “إسماعيل ياسين” الذي رفض تقبيلها في أحد المشاهد، وقد كانت تلك عادته في جميع الأفلام وليس معها فقط، وحينما غضبت من تصرفه قال: “مزاجي كده” لكن ذلك لم يؤثر على علاقتهما وكانت كواليس تصوير مشاهدهما مليئة بالضحك والكوميديا.
نالت كواليس تعاملها مع “إسماعيل ياسين” أثناء تصوير الأفلام بعضا من الكوميدية التي اتسمت بها أغلب مشاهدهما السينمائية، حيث روت “سعاد مكاوي” في إحدى لقاءاتها التليفزيونية، مع المذيعة “أحلام شلبي”، أنها كانت محل إثارة غضب “إسماعيل ياسين” في موقع التصوير وقتئذ، حيث إنه كان دائم السخرية من الوقت الطويل الذي كانت تستغرقه في وضع المكياج الخاص بها، قبل بدء التصوير، حيث إنه في مرة دخل عليها أثناء استعدادها، وسألها: “أنتِ لسه؟” فأجابته بالإيجاب متسائلة عن سبب السؤال، فأجابها ممتعضا “علشان نروح”، فولدت روح المونولوجات الكوميدية من تلك المناوشات الدعابية الصغيرة، مثلما شهدناه في مونولج “عايز أروح” في فيلم “المليونير”.
قدمت “سعاد مكاوي” مع “إسماعيل ياسين” في فيلم “منديل الحلو” ثنائي غنائي بعنوان “طربوش أخويا”، وامتاز بالعفوية الشعبية لبعض الجمل الرومانسية، المؤداة بشكل يتسم ببعض من الكوميديا، التي تميزت بها أغلب مونولوجاتهما معًا، وهو الأمر الذي كان يُصدر للمشاهد فيجعله داخل بؤرة أحداث الفيلم دون ملل أو حوارات رتيبة.
لم تقتصر مونولوجات “سعاد مكاوي” و “ إسماعيل ياسين” على الأداء الثنائي فقط، بل توسعت لتشمل تقديم أوبريت مع الفنانين: “عبد العزيز محمود” و”تحية كاريوكا”، في فيلم “منديل الحلو”، حيث حمل الأوبريت نفس اسم بطلة العمل “قطر الندى”.
لم تكن من فنانات الشباك، كما يطلق على الفنانات التي تحصلن على أدوار البطولة، فهي في الحقيقة لم تسع لذلك الأمر وأكتفت بالغناء بجانب بعض الأدوار التي قدمتها.
قدمت أيضا أعمال كثيرة للإذاعة خاصة الصور الغنائية، واشتهرت في الإذاعة بأكثر من صورة غنائية مثل “قصة الأجيال”، التي قام بتأليفها “محمد حلاوة” ولحنها “علي إسماعيل” وشاركها في الغناء الراحل العظيم “كارم محمود”، وأنتجتها الإذاعة المصرية من خلال إذاعة صوت العرب.
تعاونت “سعاد مكاوي” مع كبار الملحنين في مصر، باستثناء “رياض السنباطي”، كما أنها كانت تشارك في البرنامج الإذاعي الشهير “بابا شارو”، وكانت تغني الأوبريتات بصوتها.
مع نقل “بابا شارو” إلى التليفزيون فوجئت باستبدالها بالفنانة “مشيرة إسماعيل”، ما أثار حزنها، وقالت: “جابوا مشيرة إسماعيل الست مالهاش في المغنى.. دوبلاج.. بقيت قاعدة أتفرج أقول يا حول الله يا رب”.
وصفت الفنان “أنور وجدي” بأنه “مخه كبير” في مجال الإنتاج السينمائي، وأشارت إلى أنها تعاقدت معه على 3 أفلام إلا أن القدر لم يشأ إلا بتصوير عمل واحد بسبب وفاته.
اعتزلت “سعاد مكاوي” الفن وانقطعت عن الطرب لسنوات ثم عادت في التسعينات إلى الساحة الغنائية في بعض الحفلات التي لم تجد الإقبال الذي يشجعها على الاستمرار فيها لتنسحب تمامًا من الساحة.
حياة “سعاد مكاوي” لم تكن هادئة، فقد كانت عاصفة بالأحداث ما بين خلافات فنية وطلاق وزواج واعتزال للفن ثم عودة إليه مرة أخرى. تزوجت من المخرج “عباس كامل”، وتزوجت “محمد الموجي” ثم من الدكتور “محمد إسماعيل” الموسيقار المعروف و انقطعت عن الطرب لسنوات، وعاشت سنوات عمرها في حي باب الخلق بوسط القاهرة.
ظلمت فنيا..
في مقالة بعنوان “سعاد مكاوى.. مزارع البهجة في حنجرة أنثى” يقول “محمد العسيرى”:”ربما لا نعرف أن فن المونولوج مستوحى من فن «الإريا» الإيطالي.. وأول من استوحاه ومصره كان سيد درويش في أوبريت «راحت عليك».. عام 1920.. وأول من احترف تقديمه للمفارقة كان عميد المسرح العربي يوسف بك وهبى، الذي قدم مونولوج شم الكوكايين الذي حفظه من «حسن فايق»، الذي بدأ حياته أيضاً مغنيا لفن المونولوج.. أما أول من اعتبره النقاد محترفا فعليا لهذا اللون من الغناء الساخر فكان الممثل النوبي سيد سليمان الذي كان يظهر في السينما في دور الخادم أو السفرجي، وأشهر أدواره في فيلم «الفانوس السحري» مع إسماعيل ياسين. كثيرون من نجوم الطرب شاركوا في تقديم ذلك اللون الحقيقي من الغناء الفكاهي، الذي تم استخدامه سياسيا في بعض الأحيان، كما هو الحال في مونولوج «20 مليون وزيادة” الذي قدمه إسماعيل ياسين في فيلم «اللص الظريف»، وهو المونولوج الوحيد الذي يذكر اسم أول رئيس مصري اللواء محمد نجيب.. وكما هو حال مونولوجات محمود شكوكو ضد «الإخوان المسلمين» بعد حادثة المنشية الشهيرة. من هؤلاء المشاهير.. محمد عبد الوهاب الذي لحن وغنى «يا جارحة القلب بقزازة».. وكمال الطويل.. ومنير مراد.. وعلى إسماعيل الذي عملت زوجته الشاعرة نبيلة قنديل لسنوات كمونولجست باسم سعاد وجدي، قبل أن تعتزل الغناء وتتفرغ للكتابة، وتعود لاسمها الحقيقي.. لماذا نتحدث عن المونولوج الآن؟!.. لأنه ارتبط باسم سعاد مكاوي.. التي ظلمناها حينما تصورنا أنها مجرد مونولوجست لا تؤدي غناء حقيقيا.. رغم أن بداياتها كانت غنائية صرفة، مع ليلى مراد التي شاركتها غناء «سلم علىّ» في فيلم «الماضي المجهول”.. وعبد الحليم حافظ الذي كان اسمه عبد الحليم شبانة في دويتو «أنا وإلا أنت» الذي لحنه كمال الطويل.. والطريف أن المؤرخين يتجاهلون هذا الدويتو النادر.. ولا يتذكرون أيضاً أن سعاد مكاوي رفضت مشاركة حليم لها في البداية لأنه «كان مغمورا».. ومجرد عازف على آلة «الأبوا».. ومن يستمع إلى ذلك الدويتو الآن يكتشف تلك القدرات الصوتية وتلك المناطق الدافئة في صوت سعاد مكاوي التي ظلمها سمارها ومصرية ملامحها وشعبيتها، مما جعل مخرجي السينما يحصرونها في دور بنت البلد الخادمة”..
ويضيف: “هناك عشرات الأغنيات النادرة التي تجعل من سعاد مكاوي مطربة مصرية باقتدار يشار إلى رصيدها الذي تجاوز الخمسمائة أغنية في سجلات الغناء المصري.. لكنها تظل في ذهنية الكثيرين مطربة «لما رمتنا العين وقالوا السمار أحلى.. ولا البياض أحلى” التي لحنها عبد الوهاب في البدء ليغنيها سعد عبد الوهاب لكن عين موسيقار الأجيال وأذنه الحادة التقطت «مصرية صوت سعاد» فكان أن غير رأيه ومنحها لها لتخرج لنا بصوت أنثى زرعت فاكهة مصر في حنجرتها “قالو البياض أحلى/ ولا السمار أحلى/ قلت اللى شارينى جوه العيون يحلى”.
وفاتها..
توفت “سعاد مكاوي” عام 2008 عن 70 عاما.
https://www.youtube.com/watch?v=06cRGxNEIOg