خاص/ إعداد- سماح عادل
“سعاد العطار” رسامة عراقية لها أعمال في مجموعات خاصة وعامة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المتحف البريطاني ومجموعة غولبينكيان. لقد عقدت أكثر من عشرين معرضا منفردا، بما في ذلك واحد في بغداد والذي أصبح أول معرض منفرد في تاريخ البلاد لسيدة فنانة.
التعريف بها..
ولدت عام 1942، أقامت أول معرض لها وهي في ربيع عمرها العام 1958 ، وبعد عامين حصلت على دبلوم رسم من كاليفورنيا، وفي سن الـ 21 كان لها زوج وثلاثة بنات، ورغم أعباء البيت فقد كانت ترسم وتدرس وتشارك بالمعارض بكل جد واجتهاد، بعد ذلك تخرجت في كلية البنات العام 1964، ثم أتمت دراسة الاختصاص العالي في فن الحفر لمدة 5 سنوات في لندن.
أقامت أكثر من 25 معرضاً، في عواصم عديدة من العالم بيروت والكويت ودبي وباريس ولندن ونيويورك وغيرها إضافة إلى المعارض التي أقامتها في بغداد.
حصلت على عدة جوائز، أول جائزة حصلت عليها في مهرجان بينالي الدولي بالقاهرة في عام 1984، وجائزة معرض بيكاسو – ميرو الذي أقيم في بغداد عام 1985 وجائزة تقديرية من البرازيل عام م1985 أيضا وجائزة تقديرية من بينالي مالطا عام 1995م. وبيعت أعمالها مؤخراً في مؤسسة ساوثبي العام 2001 وطبعت أعمالها في كتب ووزعت على العالم، كما قدمت للمتحف العراقي الكثير من الأعمال الفنية التي يمكن عدها من نفائس الفن النسوي.
غادرت سعاد بغداد مع زوجها وأولادها في عام 1976, واستقرت في لندن. بالنسبة لها، فقد كان الشعور الدائم بالحنين ل «الوطن» يتم تعويضه بالحرية التي تنتج عن البعد. هذه الشعور بالحرية والذي ازداد في السبعينيات جعلها تتبين علاقتها بوطنها وتطوير لغة بصرية شخصية لتعبر بها عن هذه الحرية.
فنها..
يمكن العثور علي عناصر هذه اللغة البصرية ضمن تقاليد فن الشرق الأوسط المعروف بالفن الإسلامي. كان للمخلوقات المجنحة من النقوش الآشورية والمنحوتات السومرية والمخطوطات المزخرفة للمدرسة البغدادية دور فعال. ومع ذلك، فإن هذا الوعي بتراثها العربي لا يؤدي إلي التقليد الأعمى، ولكن كانت مصوغة بخيالها الرومانسي الخاص وتقدير التقاليد التصويرية الغربية لخلق صورا مبهمة حيث يتشابك السرد والرمزية.
تم نشر دراسة كبيره لتوثيق مسيرتها في لندن عام 2004. الكثير من لوحات سعاد تتميز بالخيال الشديد والإحساس الشاعري الذي يعتمد على الزخارف والرموز ضمن تقاليد الفن في الشرق الأوسط.
رائحة الأساطير..
في مقالة بعنوان (التشكيلية العراقية سعـاد العطار.. رائحة الأساطير الحالمة) كتب: “تعد العراقية سعاد العطار، المولودة في بغداد العام 1942 من الجيل التالي لمرحلة الرواد في العراق، ولأنها من الفنانات اللاتي لهن فلسفة ولغة فنية معاصرة ومنطلقات تعبيرية خاصة، استطاعت من خلال تجاربها أن تضع بصمة مميزة في عالم التشكيل، وصل إلى قمة الإبداع والنجاح. فحققت الشهرة التي جعلتها محط اهتمام المتاحف ونقاد الفن، لذلك لم تلق أية فنانة في الوطن العربي ما لقيته سعاد العطار من تقدير لأعمالها الفنية، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي”.
ويضيف عن تجربتها الفنية: “وتعتبر تجربة العطار امتداداً طبيعياً لتجربة جيل الرواد من حيث تأكيد القيم الواقعية في الفن، والتأكيد على الإنسان وما يحيط به كقيمة أساسية في العمل الفني، فكانت لوحاتها وصورها الأولى، إيقاعا متناسقاً تدور حول الحياة الشعبية التي استلهمتها من مدينتها وأسواقها والحكايات الشعبية والمرأة البغدادية. وأظهرت من خلال تلك الأعمال النابضة بالحيوية والصدق والتفاؤل، براعة في الربط بين الواقع والخيال والقدرة في التعبير عن روحها أو عن المرأة التي ترى نفسها فيها، برقة شديدة وألوان جذابة، نذكر من أعمال هذه المرحلة ذات الأشكال المتحركة والمتنوعة الإيماءات على سبيل المثال: (في السوق) و(حاملات الحطب) و(صندوق الأعاجيب).
في المرحلة الثانية تبين لسعاد العطار أن عناصرها وشخوصها الأولى قد استنفذت طاقتها، فأخذت تتراجع وتمضي لحال سبيلها، لصالح عناصر وشخوص أصبحت ساكنة وصامتة، يكاد المتلقي أن ينفذ إلى أعماق نظراتها الجوفاء الشاكية والمتهمة.
ولعل من يتابع تطور تجربة سعاد من مرحلتها الأولى إلى مرحلتها الثانية يتبين كيف أنها توصلت إلى أسلوب متميز له الكثير من الخصوصية، يعتمد بالغالب على أسلوب الفن العربي، خصوصاً الرسم البغدادي للمرحلة المتوسطة، وركزت في هذه المرحلة على الجانب التراثي، عندما استلهمت الكثير من الأشكال التراثية مثل: (سومرية، إسلامية، شعبية معاصرة).
كما نلاحظ في لوحات هذه المرحلة تأثرها الكبير بالفن الآشوري، وهذا عائد لإعجابها البالغ بتلك الحضارة، بالإضافة لتأكيدها على التأثيرات العباسية والحس الأسطوري، حيث استلهمت من الأسطورة فكرة الخصب أو النمو كما في اللوحات التالية: (من وحي التاريخ، وقاتلهم لغد أفضل، ومولد إنسان)”.
النخلة..
ويواصل: “في التجربة التالية تحتفل سعاد العطار بالطبيعة، والإنسان والحيوان حتى أنها منحت عناصر ورموز لوحاتها، قيمة جمالية من خلال دراسة الأشجار والأزهار والخيل والعصافير والفراشات والأسماك والجمال، ورموز أخرى مثل القمر والمرأة..الخ.
لكنها في هذه التجربة ركزت على عنصر شجرة النخلة ككائن حي لها تاريخ ضارب في أقدم الأزمان ولها فلسفتها المتعددة، فنجدها في العصور القديمة من الأشجار المقدسة، وهي تمثل شجرة الحياة في عدن، وبين آلهة الإخصاب عشترون، وأيضاً جعل العرب منها في العصر الجاهلي إلهاً. ويقول القزويني عنها:”إنها خلقت من فضلة طينة آدم”هذا بالإضافة إلى أن عنصر النخلة عنصر بيئي تمتلئ به العراق من أقصاها إلى أقصاها.
وهي أيضاً اختصار لمعان قديمة ومعتقدات شعبية تدل على أن هذا الرمز يعني النمو والخصب، كما أنها تحولت في أعمال العطار التي أشرنا إليها، كرمز شخصي ووجداني ملئ بالإسقاطات الإنسانية والاجتماعية. واستخدمته الفنانة في أعمالها بذات المعنى إلى جانب بقية الرموز والعناصر النباتية، من أشجار ذات أفرع متعددة، وزهور وأوراق وسيقان ونباتات زراعية.
وقد أكدت الفنانة على الجانب الجمالي للنخلة حين اختصرتها إلى حوار بين صرامة الخط المستقيم ورقة الخط المقوس، حتى أنها أشعرت المتلقي من خلال عنصر الضوء الذي استخدمته من أجل أداء وظيفة تعبيرية وجمالية، بالإيقاع الطقسي الناتج عن التوالي لصفوف النخيل المنتصبة بجذوعها بكل شموخ وكبرياء.
تلك الرموز التي بدأتها في الأعمال الغرافيكية، واستمرت في لوحاتها الزيتية، جمعت لصالح فكرة الخصب، وهي تشكل في أعمالها رمزاً للإنسانية بشكل عام.
كما أن العناصر والرموز التشخيصية التي وظفتها على مسطح لوحاتها ورغم أنها قريبة من الأجسام المحنطة ، إلا أنها تسرح بالخيال وتذكر بالأحلام ، وتحمل دلالة القوة والنماء والاستمرارية، وهي ذات معان في التراث العراق ، فمثلاً يشكل الإنسان سواء كان امرأة أو رجل مع الشجرة عالم واحد، أما الشكل الكروي الذي يملأ فضاء لوحاتها فهو يرمز إلى الإنسان”.
محتوى الفن..
وعن محتوى فنها توضح المقالة: “لقد حاولت الفنانة عبر رموزها أن تكشف عن علاقة جدلية لا يمكن فصلها: علاقة ليست قائمة على الشكل والمضمون حسب، وإنما قائمة أساساً على محتوى الفن، وهذا ما حاولت التعبير عنه الفنانة سعاد العطار في تجربتها كما يقول عادل كامل.
وتكشف الفنانة سعاد العطار من خلال تجربتها الجديدة التي عرضتها مذ فترة في لندن عن الجانب التراجيدي الدامي لعراق اليوم، تلك التجربة تضمنت ستة لوحات بحجم كبير، حملت عنوان “مدينتي المحترقة” وهو عنوان مغاير لعنوان معرضها “مدينتي الملونة” الذي أقامته في العام 1991، وقد عكس المعرض “مدينتي المحترقة” رؤية الفنانة لما تتعرض له مدينتها ومسقط رأسها بغداد من دمار واحتراق للبيوت والنخيل وللأرض والسماء من جانب، وقتل وتشريد وترويع للسكان الآمنين من جانب آخر.
وتختلط مع تلك العناصر وجوه غارقة في حزن مأساوي تغلي وراء قسماتها مراجل غضب وازدراء لأناس لا يعترفون بهزيمة، ورغم كل العذاب والقهر ليس أمامهم سوى الصمود. ولكن قمر العشاق وأساطير لوحاتها ما زال في الأعماق يتسلق السماء.
إن أعمال سعاد العطار التي تتسم بالتعبيرية والرمزية المستقاة من الواقع والأحلام والتراث والحكايات العراقية، التي تعبر عن مشاعر الحب والخير والبراءة والنماء، تحمل كثيراً من المردودات الفكرية من خلال علاقة الرمز التي تحاول أن تذهب به إلى دنيا الحقيقة برؤية حالمة.
أخيراً إن تواصل العطار مع موروثها الثقافي والحضاري له علاقة متصلة لتأكيد الهوية العراقية، وهي هنا تستشعر النبع الروحي للمنمنمة الإسلامية والموروث الشعبي”.
فريدة..
في مقالة عنها كتبها “تيفاني فلويد” ترجمة “فيفيان حمزة”: “تنتمي سعاد العطار إلى جيل من الفنانين تمتع بأسس تربوية من وضع أساتذة فن تربويين من أمثال حافظ الدروبي وفائق حسن، ولكونها من أوائل الفنانات العراقيات البارزات، فهي تعتبر كذلك رائدة في مجالها. نالت العطار شهادتي بكالوريوس، من جامعة بغداد ومن جامعة ولاية كاليفورنيا، وتابعت دراسات عليا في لندن أيضاً، حيث درست فنون الحفر في كلية ويمبلدون للفنون والكلية المركزية للفن والتصميم. بعد تخرجها درّست في جامعة بغداد، وفي 1965، أقامت معرضاً فردياً فكانت أول فنانة تعرض أعمالها في العراق. تتسم لوحاتها الخيالية بنوعية فريدة في غرائبيتها تتماهى مع ماضي العراق الغني بآدابه. تعتبر العطار من الفنانين الحداثيين والمعاصرين العديدين الذين التزموا بالحفاظ على تراث بلدهم الثقافي”.
ويضيف عن مسيرتها: “شاركت سعاد العطار بنشاط في ساحة الفن العراقية خلال الستينيات، غير أن إنتاجها الفني بلغ مرحلة النضج في السبعينيات. في تلك المرحلة، كان الفن العراقي يعرض في الخارج بوتيرة لا سابق لها، فقد كانت الحكومة تدعم الفنانين بكثرة للسفر والمشاركة في التظاهرات الفنية الدولية، كما كان يدعى الفنانون الأجانب للمشاركة بالمهرجانات والمعارض المحلية. لعبت العطار دوراً هاماً في حركة العرض في الخارج هذه وشاركت على نطاق واسع في البيناليات الدولية، حيث فازت بعدد من الجوائز كما اشتركت في بينالي العالم الثالث لفن الكرافيك (الحفر) الذي أقيم سنة 1980 في المركز الثقافي العراقي في لندن وضم فناني حفر من بلدان مختلفة في تظاهرة استكشاف جماعي لهذا النمط الفني.
مع أن العطار تعيش في لندن منذ سنة 1976، فقد ظلت مخلصة لتراث مسقط رأسها الثقافي. تبنت ماضي العراق في الفنون الشعبية واستلهمت من الشعر العربي والتاريخ والأساطير. تظهر المخلوقات المجنحة والمركبة الأجناس بشكل منتظم كمواضيع أساسية في لوحاتها مما يذكر بالثقافات البصرية الأشورية والسومرية. بعض التشكيلات الأخرى مثل النخيل والخيول والطواويس هي دلالات على تأثيرات بلاد ما بين النهرين في فنها وإسلام القرون الوسطى. أصبحت هذه العناصر بعد ذلك رموزاً قوية تمثل العراق نفسه”.
الإلهام..
وعن ما ألهمها يبين: “شكلت الأشعار الكلاسيكية والمعاصرة في المنطقة مصدر إلهام دائم لها، فعلى سبيل المثال، قدمت ملحمة كلكامش القديمة من بلاد ما بين النهرين خلفية أدبية لتفسيرات العطار البصرية في بناء القصة والشخصيات. رسمت الفنانة كذلك توازيات نصية بشكل أكثر وضوحاً من خلال خط أبيات من الشعر على المشاهد والشخصيات أو حولها.
تمتلئ رؤيتها لعراق الماضي والحاضر بخصائص من عالم الخيال، وتبدو أعمالها كمشكال من المشاهد الخيالية والمخلوقات الأسطورية والشخصيات الملحمية. كما أن رسومها الشخصية حتى تصطبغ بمواصفات من عالم الأحلام. تستحضر لوحات العطار، البدعية بطبيعتها، حكايات خيالية من الأيام الماضية وتنقل المشاهد إلى فضاء آخر من العالم. تبدو شخصياتها، المرسومة غالباً بنمط أحادي اللون، وكأنها تنبثق من مناظر روائعية أو من عمارة متلاشية. تحدق هذه الشخصيات بالمشاهد وتدعوه للاشتراك في حكاية ملحمية مشبعة بالانفعالات وكأن الجمهور هو المفسر النهائي للمشهد الملغّز.
بدفع من ميلها لفنون الحفر، يتصف الكثير من أعمالها بالتسطيح والخطية والرمزية. تلعب النقوش والتزيينات دوراً محورياً في تركيباتها، وقيل أن العطار طورت أسلوبها بالاستناد إلى المنمنمات الإسلامية. مع أن لوحاتها قد تكون كبيرة جداً، من السهل ملاحظة هذا التأثير الواضح في معالجة العطار للأشكال النباتية واهتمامها بالتفاصيل الدقيقة كما في استخدامها للنقوش التزيينية. يبدو، إضافة إلى ذلك، أن ذلك هو من قبيل السعي إلى الجمالية وحداثة التصميم، الحاضر دائماً في كلتا الحالتين.
تتسم تفسيرات العطار للشعر والفنون الشعبية بكونها ذاتية بعمق، واستفزازية أيضاً، حيث أنها متميّزة بطبيعتها وتتفاعل مع المشاهد في الآن ذاته. على الرغم من أن أعمالها يمكن ويجب أن ترى ضمن التقليد الحداثي العراقي الذي بدأته شخصيات مثل فائق حسن وجواد سليم، يتضمن فنها كذلك طبيعة استقرائية توحي بأنثوية كامنة. طورت مجموعة شخصية من الرموز التي تكشف عن ترابط حميم مع مواضيعها من خلال الاستكشاف الذاتي والتذكر. تشمل هذه الرموز المستمدة من ذكريات طفولتها الذهب لتمثيل قباب المدينة والسمك لدجلة والديك للحياة في العراق؛ وكلها تذكر بالوطن. وبالفعل، فإن مزج العطار للواقع مع الأحلام هو مزج تحويلي يقود المشاهد إلى فهم غيبي للتراث الثقافي العراقي الغني، ولكن هذا الفهم يصل إليه في النهاية من خلال منظار الفنانة الذاتي العاطفي”.