خاص: كتبت- سماح عادل
“سركون بولص” شاعر عراقي، وصحفي، ومترجم، ولد في1944 في بلدة الحبانية غرب بغداد، انتقل مع عائلته إلى “كركوك” وهو في عمر13 عاما، اتجه لكتابة الشعر، وشكل مع الشعراء “فاضل العزاوي” و”مؤيد الراوي” و”جان دمو” و”صلاح فائق” ما اصطلح عليه ب”جماعة كركوك”.
نشر “يوسف الخال” في1961 في مجلة “شعر” قصائد له، وفي 1966 سافر إلى بيروت عبر الصحراء، متجها إلى المكتبة الأميركية، ليطلع على أعمال “آلن غينسبرغ” و”جاك كرواك” وآخرين، وأعد ملفا عنهم في مجلة “شعر”، وفي بيروت عمل على ترجمة الشعر الأمريكي، في 1969 هاجر إلى أمريكا، عاش عدة سنوات في “سان فرانسيسكو” وهناك تعرف على جماعة الـ”بيتنيكس” أمثال “ألن غينسبرغ”، “كرواك”، “غريغوري كورسو”، “بوب كوفمن”، “لورنس فيرلينغيتي”، “غاري سنايدر”، واصبح صديقا لهم. له ترجمات مهمة لشعراء كثيرين ونشرت في المجلات العربية مثل مجلة “شعر” ومجلة “المواقف” ومجلة “الكرمل”، قضى السنوات الأخيرة من حياته متنقلا بين أوروبا وأمريكا، وخاصة ألمانيا حيث حصل على عدّة مُنَح للتفرّغ الأدبي.
كركوك البداية..
في حوار معه أجراه الكاتب”صلاح عواد” يقول “سركون بولص” عن كركوك: ” هناك فرق كبير بين كركوك وبغداد، فكركوك مدينة غريبة التركيب من حيث الأجواء الاجتماعية ومن حيث الأقوام التي تسكن فيها، ذلك الخليط العجيب المتكون من العرب والآشوريين والأكراد والأرمن والصابئة ومن الأجناس العتيقة التاريخية التي وجدت نفسها في الشمال، حيث أن المدينة كانت دائما منبعا إنسانيا متنوع اللون والشكل، وهو منبع لا ينتهي لغرابة اللغات المتبادلة بين تلك الأقوام، بينما بغداد هي بغداد وهي شيء آخر ولها طابع يعرفه كل من عاش في تلك المدينة، وكركوك بالنسبة لي هي بداية الكتابة وكانت المنبع والمكان الذي فتحت فيه عيني على مواقف الشعر، وعندما ذهبت الى بغداد كان تركيبي الشعري قد ثبت وتصلب تقريبا حتى ولو كانت بغداد هي المنبر الحقيقي والمكان الأوسع روحا والأكثر امتلاء بالحياة عندما وجدت نفسي فيها، كانت بغداد بالنسبة الي الخروج من الأحلام والسقوط في حلم آخر كبير، فبغداد هي الحلم وكنا نحلم نحن شعراء المدن النائية كمدينة كركوك بتلك الروضة المليئة بالنيون والمليئة بالملذات كما كنا نتخيلها نحن القرويون تقريبا، ذلك لأن الكركوكي بالنسبة للبغدادي في الفترة التي أتحدث عنها وهي فترة الستينات كان نوعا من القروي، وهو يمثل التفكير الريفي بالنسبة للتفكير المديني الذي كان يجسده رجل العاصمة حيث الحانات وحيث الانفتاح من الناحية الاجتماعية في الجنس والنساء والحب. فبغداد أكثر تحررا من مدينة مغلقة اجتماعيا مثل مدينة كركوك”.
جيل الستينات..
ويواصل “سركون بولص” عن كتابة الشعر في بغداد: “في تلك الفترة كانت بغداد مليئة بالشعراء، وكان جيل الستينات الذي جاء من جميع أطراف العراق ربما كان مدفوعا بنفس الحلم ومتبعا نفس الخطي، وجد ذلك الجيل نفسه في المقاهي حيث النقاش السياسي والثقافي دائر ليل نهار، وكنت تجد نفسك في معركة سحرية جميلة يشارك فيها العشرات من الشباب وكانوا هم من أدرك إن الثقافة ليست مجرد لعبة ايديولوجية كما كانت مثلا عند الرواد، وإنما هي حلم أكبر من ذلك وأكبر من أن تتداول مفاهيم معينة كالثورة والثقافة والشعر، لأن العالم كان كله يلتهب ويغلي بالنسبة لهؤلاء الشباب ويجعلهم يحسون أن طاقتهم جديدة تماما وينبغي أن تكون ثورية ومختلفة بشكل آخر بالنسبة عما سبقهم، ونتيجة لذلك الإحساس تميز شعراء الستينات عن الشعراء الذين سبقوهم وأصبح شعرهم وكتاباتهم روضتهم الى عالم أكثر حداثة وانفتاحا. كانت حداثة الرواد تشكيلا جديدا للتفكير الرومانسي الذي هو ثوري أصلا، وكانت متأثرة بتقنيات شعراء الحداثة في أوروبا كإليوت وستويل وعزرا باوند وأودن الذين خلقوا الحداثة الأوروبية في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن، في حين أن الشعراء الذين جاؤوا بعدهم- شعراء الستينات- كانوا يقرأون لأجيال أخرى كشعراء البيكنس مكر ألن غينيسبرغ وجاك كيرواك وغيرهم من شعراء الحداثة الثانية في أوروبا وأمريكا”.
ويضيف”بولص”: “إن جيل الستينات كان جيل القطيعة لأنه تبنى أولا قصيدة النثر، وإن قصيدة النثر هي ثورة حقيقية ورفض كامل لأسس معينة استند اليها ويحتمي بها الشعر العربي الكلاسيكي والتي تفرع منها شعر الرواد. فشعر الرواد كسر العمود الشعري وهذا لا يعني أبدا أن الشعر قد تحرر، لأن القيود مازالت كما كانت”.
قصيدة النثر..
يتناول “سركون بولص قصيدة النثر بالتحليل يقول: “إن قصيدة النثر العربية الحاضرة هي قصيدة مغامرة انطلقت من عدم الاقتناع بايقاعات القصيدة التقليدية، وإيقاعاتها مستمدة من شكل القصيدة ومن التجربة الموجودة فيها، لذلك فإن الإيقاعات غير ثابتة وغير ممكن أن تكون مقننة في قصيدة النثر، فكل قصيدة لها إيقاعها الخاص يضاف إلى ذلك أن كل قصيدة لشاعر معين تمتلك إيقاعه الشخصي الذي يدل عليه وهذا الشيء الذي لا يمكن لقصيدة الوزن أن تفعله على الإطلاق، بينما في قصيدة النثر ليس ثمة ما يقيد الشاعر سوى تجربته الخاصة وديمومة الصوت الذي تشتمل عليه القصيدة والتفاصيل الأخرى التي ليس لها أية نهاية والتي تنضاف الى مسألة الإيقاع، فالإيقاع ليس منفصلا في هذه الحالة عن التراكيب الأخرى في قصيدة النثر”.
وعن تجربته في كتابة الشعر يقول “بولص”: “في الكتاب الأول كان اعتمادي على الصورة بشكل مبالغ فيه، ذلك لأني كنت منذهلا بالصورة في ذلك الوقت، كانت الصورة المكثفة بالنسبة لي آنذاك هي جواز المرور إلى عالم اللاوعي وكنت مندهشا وأفكر صوريا إلى أن تجاوزت هذا الموضوع ووجدت نفسي في الكتاب الثاني اتخلص من الصورة قدر الإمكان، وأبسطها حيث أن الصورة تخدم شيئا آخر هو الحالة أو المشهد الشعري الداخلي الذي ينظر إليه كمرجع للخارج أي في الحياة المدرة والمتدفقة، فالصورة كانت في الكتاب الأول سوريالية وحاولت أن أتخلص من آثار التصوير المباشر في الكتاب الثاني والثالث”.
الترجمة تغني الكتابة..
عن ترجمته وكيف أفادته في كتابة الشعر يصرح “بولص”: “الترجمة فن قائم بذاته وأنا عندما اترجم خصوصا الشعر أقوم بكتابة النص من جديد باللغة العربية، محاولا أن أجد الصوت الكافل كما ينبغي أن يكون بالعربية لذلك الشاعر المترجم، وهذا امتحان قاس جدا، والترجمة اليومية المستمرة هي نوع من التمرين بالنسبة لي، وهذا التمرين هو ممارسة اللغة لكي أجد البدائل في العربية لأقصى وأدق التعابير في اللغة الانجليزية، والتحدي هو أن تجد في اللغة العربية التعابير الدقيقة والتراكيب المعقدة التي تجدها أحيانا عند كبار الشعراء، فمثلا أحيانا أقوم بترجمة أبيات من جحيم دانتي لأني أحب أن أترجم لنفسي المقاطع الصعبة لأمتحن اللغة العربية وأتساءل هل يمكن لهذه اللغة أن تعبر عن هذا الشيء أو ذاك كما أجده باللغة الانجليزية لأحد أعظم شعراء اللغة الإيطالية، ويقود هذا التمرين أحيانا إلى تجاوز نفسك واللغة لاختراع نوع جديد من التراكيب الشعرية وكل هذا طبعا يؤثر في النهاية علي كشاعر عندما أكتب، فالترجمة هي نوع من التلقيح، وهي نوع من الجسور التي تمتد عبر اللغات، وتجعل جميع اللغات والكتابات في النهاية تتشارك وتتداخل وتتلاحم لتخلق شيئا جديدا”.
قصيدة النثر والنقاد..
وفي حوار أجراه “هادي الحسيني” مع “سركون بولص” يقول عن تاريخ قصيدة النثر العربية: “أعتقد أن تاريخ قصيدة النثر العربية حدث بشكل اعتباطي، الأكاديميون لا يعول عليهم في تقصي أصول هذه القصيدة لسبب واحد بسيط وهو أنهم مطيعون بشكل مفرط ومبالغ فيه للنظرة السائدة، تعود قصيدة النثر العربية، إلى جبران والريحاني اللذين تاثرا ب”ويتمان”، بل وقلداه، ثم جاءت مجلة “شعر” وقدمت الماغوط وتوفيق صايغ وأنسي الحاج وثلاثتهم يكتبون قصيدة النثر. محمد الماغوط رومانسي في رؤياه وفي لغته وهو يكتب حقاً ما يمكن أن نسميه نثراً، أنسي الحاج أيضاً في بداياته كان رومانسياً، كتاباته متأثرة في الدرجة الأولى بالفرنسية، وخصوصاً قصائد هنري ميشو، أما توفيق صايغ فهو تجربة حادة الزوايا وغريبة على ما كان يكتب آنذاك، أي في أواسط الخمسينيات إلى ما قبل النهايات الستينية بين هؤلاء الثلاثة، يمثل توفيق صايغ نموذج الشاعر الذي أدرك مبكراً أن قصيدة النثر الحقيقية ينبغي أن تكون لها لغتها الخاصة ونسيجها المتفرد وعالمها الغريب، إنه أحد المؤسسين الكبار بهذا المعنى، وهذا يقودنا إلى المنطق الحقيقي إلى قصيدة النثر الحديثة، فاختلافها لا يكون في اختلافها عن القصيدة المكتوبة وزناً، وإنما في تركيبتها الجديدة، هذه التركيبة هي الحداثة بعينها، فالشاعر الذي اختار أن ينبذ التفاعيل الخليلية لم يفعل ذلك بحثاً او لمجرد أنه لا يتقن أصول اللعبة الوزنية، وفي هذا صفعة موجهة إلى وجوه النقاد الأكاديميون الذين يتناولون موضوعة قصيدة النثر ويحاولون قدر طاقاتهم أن يحبسوها في هذه الخانة الضيقة، أي كونها معارضة للمنحى الوزني. في العراق كان هناك شخص يحمل في ذاته كل التناقضات التي تحدثنا عنها ومجمل المعارك الذاتية مع تاريخ الشعر العربي بالإضافة الى شخصية شرسة وهجومية وبوهيمية وثائرة أسمه (حسين مردان). وفي كتابات حسين مردان تكمن بذرة قصيدة النثر المستقبلية كحالة فلسفية تستقطب المواجهة الكاملة لعصرنا هذا، ولعله يشارك شعراء آخرين في العالم وخصوصاً في عقد الستينيات بثورته تلك وتأكده على التدمير الذاتي، أي الثورة ضد المجتمع كسلوك حياتي ينعكس على الكتابة وكأنما في مرآة محدبة”.
الشعر الإنساني..
وعن مستقبل الشعر العربي والعالمي يقول ” سركون بولص”: “أنظر الى الأخبار في التلفزيون او الإذاعة أو الصحف، ستجد أن اللاجئين أو الفقراء والمشردين يملئون الشاشة وتحتل أصواتهم ذلك الصندوق الذي نسميه الراديو وتلك الخربة السيئة التي نسميها الصحيفة، ماذا يفعل الشاعر وكيف يتعامل مع الوضع البشري، ما هو التاريخ بالنسبة له، هل يمكن له أن يرى كل هذا ويسمع جميع هذه الأصوات المسحوقة ولا يستجيب، ولكن كيف سيستجيب، هناك شاعر هو الذي يتشبث بأديولوجية معينة تسمح له بأن ينفث بضعة أبيات تعبر عن موقف مسبق يتكفل به الحزب الذي ينتمي إليه، وهناك الشاعر الذي له قضية سياسية ينظر من خلال تعاليمها إلى هذا المشهد الإنساني المريع، ولكن هناك في الطرف الأقصى الشاعر الذي لا ينتمي إلى حزب ولا يعتنق أية قضية سياسية يواجه العصر بكامله من خلال انتمائه الإنساني المحض، هذا هو الشاعر الوحيد الذي يستطيع أن يعطينا شهادة حقيقة عن نفسه وعصره ومستقبل العالم وفاجعته، هذا المستقبل دون أية ضمانات ودون وعوداً مزيفة”.
وعن الحنين إلى الوطن يقول ” بولص”: ” ماذا يمكنك أن تتشبث فيه وتسميه ملاذك الروحي والحقيقي إن لم تكن تلك الأماكن التي تجلت فيها روحك الحقيقة وتكونت فيها ذاتك الكاملة، كما في أماكن الطفولة والحدائق والأزقة والروائح والأشخاص والنخلات المغبرة والوجوه العراقية الكئيبة والفرحة في نفس الوقت، هذا هو أصلي وتلك جذوري وأنا احتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى، وما هو الشعر في النهاية إن لم يكن فعل الاستعادة والإحياء والقبض على الزمن الهارب”.
مؤلفاته..
– ديوانه الأول “الوصول إلى مدينة أين” أثينا (1985).
– “الحياة قرب الأكروبول” شعر الدار البيضاء(1988).
– “الأول والتالي” شعر- كولونيا (1992).
– “حامل الفانوس في ليل الذئاب” شعر- كولونيا (1996).
– “إذا كنت نائماً في مركب نوح”، شعر- كولونيا (1998).
– “العقرب في البُستان”.
– ترجمة لكتاب إيتيل عدنان “هناك في ضياء وظلمة النفس والآخر”، شعر بيروت, كولونيا (2000)
– مختارات شعرية مترجمة إلى الألمانية بعنوان “رقائم لروح الكون”.
– سيرة ذاتية بالألمانية بعنوان “شهود على الضفاف”.
– مختارات قصصية نُشرت بالعربية والألمانية بعنوان “غرفة مهجورة”.
– “عظمة أخرى لكلب القبيلة”، شعر- بيروت، بغداد (2008).
– هوشي منه : يوميات في السجن ترجمة بيروت بغداد (2011).
– ديوان بالإنجليزية بعنوان “شاحذ السكاكين”.
توفي “سركون بولص” في 2007 بعد معاناة مع مرض السرطان.
قصيدة سقط الرجل سركون بولص
https://www.youtube.com/watch?v=mvh_pg9cJzU
قصيدة آلهة الزقوم
https://www.youtube.com/watch?v=K33YjsVdFP0
قصيدة اللاجيء يحكي
https://www.youtube.com/watch?v=nUzGfS85yPg
الأعمال الشعرية
https://www.youtube.com/watch?v=PySQM8AfaVk