محمد مختار ( باحث وكاتب )
بين المنامة علي الخليج العربي شرقا وكازبلانكا على المحيط الاطلنطي في الغرب، وبين الاسكندرية في اقصى شمال القارة الافريقية والخرطوم في وسط القارة السوداء الرائعة مررت بعشرات المدن العربية التي عشت فيها صحفيا التحم بالمجتمع العربي ، وكانت وظيفتي أن اعرف وأن اكتب عن هموم نساء ورجال من لحم ودم ليس فقط لانقل همومهم لمن يقرأها، بل لاساعدهم في الحصول على حلول لمشاكلهم التي تشابهت بين كل هذه البلدان، ففي الرياض والدمام والهفوف والمبرز والخبر والقصيم وجدة ومكة والمدينة المنورة ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، وأيضا والمنامة وبني غازي وطرابلس والدار البيضاء ومراكش والرباط والخرطوم، وأيضا مصر التي طفت في كل مدنها وحتى الواحات في صحرائها خلال عملي كصحفي ومسؤول عن اقسام المحافظات وقبلها كضابط في الجيش المصري ، وكان من الطبيعي أن اعيش وسط جماعات من الجاليات من البشر عرب وغير عرب من باقي الدول العربية ومن دول اسيوية وافريقية واوروبية ، وحتى من الولايات المتحدة الامريكية وفي كل هذه المدن لم اجدا رابطا مشتركا يجمع العرب ويوحدهم إلا الظلم، يظلمون ويظلمون !
لم يختلف الظلم بين دولة خليجية غنية وبين دولة عربية فقيرة، فالظلم هو المشترك، صاحب العمل يظلم العامل، والعامل يظلم صاحب العمل، والاب يظلم ابناءه والزوجة تظلم زوجها والعكس، والظلم متبادل بين الشعوب والحكومات، وعلى الصعيد الاجتماعي فالعدالة الاجتماعية وغياب تكافؤ الفرص هو القاعدة والاستثناء أن تجد وظيفة عامة، أو حتى وظيفة خاص، تمنح لمن يستحقها على أساس من الجدارة أو المساواة، وعلى الصعيد المؤسسي لا يمكن القول أبدا أن القضاء في الدول العربية عادل فضلا عن أن يكون مستقل، بل أن مهنة المحاماة وهى مهنة الدفاع عن المظلومين تحولت لتجارة لا صوت يعلو فيها الا صوت المال، ففضلا عن قضاة يدانون في جرائم تجارة المخدرات والقتل شهدنا أمثلة لا تحصى على مجرمين تم تبرئتهم بل وإطلاق سراحهم بعد صدور احكام نهائية ضدهم في جرائم خطيرة منها القتل.
حسنا، الان وأنا على أسارع الخطى نحو الستين من عمري استرجع طفولتي في مدرسة دار السعادة الابتدائية المشتركة في حي تجارة الاخشاب الشهير في القاهرة الفاطمية، وذكرياتي مع زملائي اطفال في مثل عمري من السودان وسوريا وفلسطين لم نكن نشعر بأى تفرقة بينهم إلا عندما تنادي عليهم الموظفة المسؤولة عن الادارة في كشف الوافدين، كبرنا أطفال صغار بين فصول المرحلة الابتدائية وتبادلنا قصص كلها كاذبة حكاها كل منه عن بلده، حكى السوداني عن جمال غابات بلاده، وحكى السوري عن جمال الشام، وحتى الطفل الفلسطيني حكى عن جمال فلسطين التي لم يزرها أبدا، وظنى أنه لن يزروها، كنا نغني ونحن أطفال :
بلادُ العُرْبِ أَوْطَانِي
وَكُلَّ اَلْعَرَبِ إِخْوَانِي
وَلا أحدٌ يُفرِّقُنَا ولا نسَبٌ يُباعِدُنا
لِسانُ الضَّادِ يجمَعُنا
بغَسَّانٍ وعَدْنانِ
وَلاَ يَزْهُو هُنَا أَحَدٌ علَى أحَدٍ
بِأَمْوالٍ وأَلْوانِ
بلادُ العُرْبِ مِنْ شَامٍ إِلَى يَمَنٍ
إِلَى مِصْرٍ فتطْوَانِ
إِلَى لِيبيَا، إِلَى عَدَنٍ
إِلَى قَطَرٍ ووَهْرَانِ
إِلَى نَجْدٍ إِلَى حلَبٍ
إِلَى فَاسٍ وسُودانِ
كبرنا جميعا وافترقنا وعرفنا جميعا أنه لا شئ يجمع الدول العربية سوى السجن الكبير الذي يجمعنا جميعا من الخليج للمحيط، ولا يجمع العرب هؤلاء إلا الظلم، الظلم بين الناس وبعضهم البعض، وظلم الحكومات لشعوبها الذين لم يصمتوا عن الظلم فقط، بل شاركوا فيه !