خاص: إعداد- سماح عادل
“سامي ميخائيل” كاتب من أصل عراقي، ولد في حي “البتاوين” من الطائفة اليهودية، بغداد في عام 1926، تلقى دراستهُ الابتدائية في المدرسة الوطنية القريبة من سوق الغزل، وأكمل الثانوية في مدرسة شماس وتلقى الدروس العلمية فيها باللغة الإنجليزية على أيدي أساتذة بريطانيين، و اللغة العربية على يد الكاتب “حسين مروه” والشاعر “محمد شرارة”.
حياته..
بعد تخرجه من الثانوية، دخل كلية الهندسة الأهلية التي أسسها الأمريكان في بغداد، وبسبب التوتر بين العلاقات العراقية البريطانية تم إغلاق هذه الكلية عام 1946 مما أدى به إلى ترك التعليم وهو بعمر العشرين عامًا. انتمى لصفوف الحزب الشيوعي العراقي مع “شاؤول طويق” و”ساسون دلال”. صدر أمر باعتقاله واضطر لتغيير اسمه والهروب إلى إيران وبعد فترة قصيرة، في 1949، هاجر لإسرائيل، في البداية أقام بيافا ثم انتقل للإقامة في حيفا.
الصحافة..
نشر “سامي ميخائيل” في البداية مقالات في الصحافة العربية بإسرائيل، فعمل في صحيفة (الإتحاد) في حيفا عام 1952 مع الكاتب الفلسطيني “إميل حبيبي” ثم تفرغ للكتابة, وعمل في صحيفة (هارتس) الإسرائيلية. لاقي صعوبات في العثور على عمل بإسرائيل لسنوات، بسبب كونه شيوعيًا. بالرغم هذه المصاعب فلقد تم استيعابه في العمل بالخدمة الهيدرولوجية بوزارة الزراعة، حيث عمل هناك لعشرات السنوات. دعا إلى إقامة دولة فيدرالية بين الإسرائيليين والفلسطينيين لغرض التعايش السلمي ونبذ العنف، وكان لهُ مواقف تجاه العراق البلد الأم وقوفاً ضد الاحتلال الأمريكي فشنت الصحافة حمله ضدهُ.
أطلق “سامي ميخائيل” على ابنتهُ اسم نخلة لحبه لنخيل العراق، وكذلك أطلقها على إحدى رواياته. أثارت أغلب رواياته جدلاً كبيرًا حول صواب النظرة السياسية التي تنطلق منها أفكاره. قام هو و”سفريات بوعاليم” بترجمة عدة روايات لنجيب محفوظ من اللغة العربية إلى اللغة العبرية مثل روايتي “قصر الشوق” و”السكرية”. يشغل منصب رئيس جمعية حقوق المواطن الإسرائيلي منذ عام 2001، وينتقد إسرائيل وبشدة لتحولها إلى دولة حرب، ويرى باتفاقات السلام يمكن منع الحرب وإمكانية بناء واقع آخر في العلاقات العربية اليهودية وغياب دور البندقية وسفك الدماء و قد حصل على العديد من الجوائز منها جائزة برلين عن كتابات للأطفال وقد ترجمت رواياتهُ للعديد من اللغات.
الخروج من العراق..
في حوار معه أجراه “حميد قاسم” في اسطنبول يقول “سامي ميخائيل” عن خروجه من العراق: “هربت عام 1946 من بغداد إلى طهران مطاردا بتهمة الشيوعية، وهناك عملت مع حزب «توده» الإيراني، وبعد عامين.. حيث يئست تماما من أمل العودة إلى بغداد حيث عائلتي وشعبي أحسست أن ما من مكان يتسع لي، فاضطررت للجوء إلى إسرائيل، حيث بقيت وحيدا لعامين قبل أن ترغم عائلتي على مغادرة وطنها الذي عاش فيه أسلافنا لأكثر من ثلاثة آلاف عام، والنفي إلى إسرائيل.. في إسرائيل ما زلنا نعتبر في نظر جزء غير قليل مواطنين من الدرجة الثانية. كانت عائلتي تملك فيلا واسعة محاطة بحديقة جميلة في حي «الكرادة» الراقي ببغداد قبل قدومها إلى إسرائيل لتوضع في خيمة أحرقتها أشعة الشمس في حقل مقفر بضواحي تل أبيب. أبي الذي أنفق في بغداد كل مدخراته في بناء الفيلا وتأثيثها، وصل إلى إسرائيل كلاجئ. وفيها أعطوه فأسا وأرسلوه لاقتلاع العشب على جنبات الطرق والشوارع. لم يكن في ذلك الوقت يجيد لغة الدولة الجديدة ليعبر بها على الأقل عن خيبة أمله. في إسرائيل وبّخوه وقالوا له: «ابتسم، ابتهج! ألا يكفيك أنك فزت بالوصول إلى الحلم المنشود»”.
الفكرة الصهيونية..
وعن رواية (فكتوريا) يقول” سامي ميخائيل”: ” في (فكتوريا) حاولت وما زلت أحاول أن أتصدى للفكرة الصهيونية التي تصنف اليهودي الحقيقي المفتخر بنفسه، على أنه اليهودي الإسرائيلي فقط، فاليهود خارج إسرائيل لا يستحقون أن يكونوا أبطالا في الأدب، لأنهم ليسوا إسرائيليين، وهذا يعني أنهم ليسوا شجعانا، وبلا قيم، ولا يعتمدون على النفس، ومتملقون للآخر. الصهيونية تبنت الدعاية اللاسامية تجاه اليهود خارج إسرائيل، وهذا ما آلمني كثيرا بعد وصولي إسرائيل، فهو تشويه لليهود الذين عاشوا 2500 سنة خارج هذه البقعة من الأرض، ولإنجازاتهم، ولدورهم في تطوير ثقافاتهم الخاصة والثقافة الإنسانية. فالإدعاء بأن غير الصهاينة ومن يعيش خارج إسرائيل لحد الآن هم أقل رتبة، إدعاء كاذب.. أحاول ـ ليس عن طريق (فكتوريا) وحدهاـ أن أؤكد أن الشخصية اليهودية، وخاصة اليهودي العراقي الذي أعرفه أكثر من أي يهودي في العالم، لا يستحق فقط أن أكتب عنه، بل أن آتي به إلى مركز الأدب اليهودي، هذا هو السبب الأيديولوجي لكتابة الرواية، أما الأسباب الأخرى فتتمثل في أن الرواية هي قصة حياة عائلتي، بل قصة حياة أمي تحديدا، وهي من أحاطتني بدرجة هائلة من الحب والدفء، والغريب أنها كانت تقول لي في طفولتي”حينما تكبر أكتب كتابا عني..! وهذا غريب على امرأة عراقية من ذلك الجيل لا تعرف القراءة والكتابة.. ثمة كتاب يكتبون ـ ولا أذكر أسماءـ ليسترضوا الصهيونية، فاليهود عندهم لم يكونوا بشرا أسوياء إلا حين وصلوا إسرائيل. وثمة كتاب سواهم يعبرون عن الحنين إلى الوطن القديم.. وهذه صفة خاصةـ كما أظن ـ باليهود العراقيين، وهذا أيضاً ما يفرقهم عن أية جالية يهودية في العالم، إذ أن لهم جذورا عميقة في التاريخ.. نحن ـ اليهود العراقيين ـ لم نكن نعتبر أنفسنا غرباء في وطننا العراق، ولم تشعرنا بذلك كل الحضارات العراقية المتعاقبة والتي كنا جزءا منها، فيما كانت شعوب أوروبا تعد اليهودي غريبا ودخيلا، لذلك فإن أبناء جيلي حينما يتكلمون عن العراق إنما يتحدثون عن وطنهم الأول”.
وعن وجود وطن ثان يستطرد: “بلى.. لأنني أعيش الآن في إسرائيل، أولادي وأحفادي ولدوا في إسرائيل لتكون وطنهم الأول، وتكون اللغة العبرية لغتهم، هذه هي المفارقة: أن أتبنى وطن أبنائي، على عكس ما يحدث عادة حيث يتبنى الأبناء وطن أبيهم..! مع هذا ما زال ما يحدث في العراق يشغلني مثلما يشغل كل عراقي بل أتابع الأنباء في مدن العراق أكثر مما أتابع أخبار أي بلد في العالم بما فيها إسرائيل. ولليوم أراها في أحلامي في النوم واليقظة.. أحلامي عراقية ولا تدور إلا في العراق برغم أنني غادرته منذ ستة عقود.. ومفرداتها هي شوارع بغداد ومحلاتها وبيوتها ونخيلها ونهرها وجسورها وبيتنا القديم وأصدقائي القدامى”.
بيته في العراق..
وعن بيته في العراق يحكي “سامي ميخائيل”: “الغريب أنني لم أمكث فيه بعد الثامنة من عمري، كان قريبا من سوق الغزل ومن المدرسة اليهودية الابتدائية (المدرسة الوطنية) ثم انتقلنا إلى البتاويين، وللآن ما زلت أذكر كل حجر فيه وكل نافذة وكل باب.. السطح.. السرداب.. مكتبتي التي كانت تضم حوالي 1000 كتاب كانت ثروة لشاب في العشرين من عمره، في العام 1946 بنى أبي بيتا جديدا في الكرادة الشرقية ما زلت أذكر أنه كان محاطا بحديقة كبيرة جميلة، عشت عامين في هذا البيت قبل أن يكتشف رجال الأمن نشاطي في الحزب الشيوعي العراقي، فتركت البيت وبغداد والعراق كله وهربت إلى إيران بانتظار أن تهدأ الأمور وأعود إلى عائلتي ووطني.. ما كنت أتصور أنني مواطن في بلد سوى العراق وطني حيث لغتي وناسي وأهلي وأصدقائي وخطيبتي التي سافرت بدون أن أودعها متوقعا العودة القريبة، وأقول لك: أنني من فرط شوقي للعراق كنت أسير ماشيا باتجاه بغداد ووجهي مبلل بالدموع حتى يهدني التعب واضطر للعودة إلى طهران”.
وعن سنواته الأولى وحيدا في إسرائيل قبل مجيء العائلة يروي: “كنت وحيدا، جندت للخدمة الإلزامية لكنني رفضت حمل السلاح والعمل في وحدة مقاتلة لكي لا أرغم على قتل أحد، فجندت كميكانيكي للسيارات، ثم التحقت بهيئة تحرير الاتحاد كما قلت لك، كان الصهاينة يعرفون محبة اليهود العراقيين لوطنهم وأنهم جاءوا مرغمين إلى هذا المكان، فأسكنونا الخيام وعاملونا كمواطنين من الدرجة الثانية لا يقبل أبناؤهم لا في كليات الجيش ولا في كليات الشرطة، فانصرف أهلنا إلى العمل وتشجيع أبنائهم على التفوق في الدراسة وظهر التفوق العراقي في مجالات التعليم والطب والمحاماة والهندسة والمصارف، ثم اتجهوا صوب السياسة وأحزابها حتى نالوا مكانة متميزة في المجتمع برغم النظرة المتعالية تجاه اليهود الشرقيين القائمة حتى الآن، لكن الجالية العراقية تحظى باحترام تستحقه.. فمثلا أرى أن أبنائي وأحفادي من زوجتي الأولى ـ وهي روسية من الاشكناز ـ يتبجحون بأنهم عراقيون برغم العيون الزرق والشعر الأشقر وملامحهم الأوروبية”.
اللغة العبرية..
وعن الكتابة بالعبرية يقول: “بعد فترة لا بأس بها سألت نفسي: ما جدوى الكتابة بالعربية فيما لا القراء العرب يقرأون ما أكتبه بهذه اللغة ولا اليهود كذلك؟ لم لا أكتب وأوصل قضيتي إلى جمهور واسع من اليهود بدلا من أن أكتب بلا قراء؟ وهكذا كان.. غير أن مقدرتي على الكتابة باللغة العربية الآن لم تعد كالسابق.. تضعضعت.. لكنني بدأت بالترجمة من الأدب العربي ونقلت ثلاثية نجيب محفوظ إلى العبرية، وأسعى لترجمة ما يقع بيدي من الأدب العربي إلى العبرية لأوصل رسالة السلام والتأثير على المجتمع الإسرائيلي باتجاه السلام والحوار والتعايش.. وما داموا لا يقرأون بالعربية فعلي أن أكتب لهم بلغتهم خاصة إن العرب لا يقرأون ما كتبته بالعربية وأمامي تجربة الراحل “سمير نقاش” الذي لم يقرأه العرب ولا اليهود فرحل يائسا محبطا”.
الحرب..
وعن الحرب على العراق وكيف شاهدها يضيف “سامي ميخائيل”: “شاهدت بغداد وهي تقصف يوما تلو آخر، وأحسست وأنا في بيتي بحيفا، أنهم يلحقون الدمار والخراب في المدينة التي ولدت وعشت فيها أيام صباي.. عندما حلت الهزيمة (بنظام صدام) تسمرت أنظاري على شاشة التلفزيون وأنا أشاهد حشدا من الناس ينقضون على جامعة بغداد الرائعة وعلى المؤسسات العامة بالمدينة.. لم يسد مثل هذا الشعور في بغداد منذ ما يزيد عن ألف عام. فمنذ الغزو المغولي لم تقع كارثة ثقافية كهذه في العراق. شاهدت أمام أبصاري احتضارا مهينا لقطعة ثمينة من حياتي هناك.. كنت قبل أسبوعين من هذا المشهد قد فقدت أحد أركان وجودي. فبعد عمر امتد مائة وبضع سنوات أغمضت أمي عينيها إلى الأبد. ربما كانت قد ولدت قبل فترة قصيرة من مولد أم صدام. وعلى أية حال فكلتاهما ولدتا في العراق. لقد أحبت أمي بغداد لأنها كانت مدينة حبها الأول، ولأنها شيدت فيها بيتا جميلا لأولادها الثمانية. وعندما أحدق خطر الموت بعشها تخلت عن البيت لتنقذ فلذات أكبادها، ولتغادر العراق إلى الأبد.. في حرب الخليج السابقة كانت أمي قد بلغت عامها الـ 91. عجوز جميلة، لكنها عجوز. ذات ليلة، من ليالي تلك الحرب، بت في منزلها، وقد دوت صفارات الإنذار ثلاث مرات في «رمات غان»، المدينة الإسرائيلية التي أقامت فيها. خفت أن أهرع بها إلى الملجأ، واقترحت عليها الجلوس في المطبخ المطل على منظر مفتوح لنحتسي أكواب الشاي المعد بالطريقة العراقية، شاي ساخن، أحمر غامق وحلو. أمسكت كأس الشاي براحتيها وقالت متسائلة بأسف وحزن: «هذا ما عنده أولاد يخاف عليهم؟ شبيه؟..». قلت لها أن الحكام المستبدين يخشون حتى من أبنائهم، لكنها لم تقتنع. بعد مرور ثلاثين يوما على وفاتها، تحلقنا جميعا، الأبناء والأحفاد وأبناء الأحفاد، حول قبرها بينما كانت دبابات أميركية ولصوص عراقيون يطفئون مصابيح الإنارة في مسقط رأسها ويغتصبون شوارع المدينة… أنا مشتاق أن أرى العراق قبل أن أموت.. السنوات تمضي، والأمنية ظلت أمنية..!”.
أعماله الروائية..
• “متساوون ومتساوون أكثر”، 1974
• “عاصفة بين النخيل”، 1975
• “حماية”، 1977
• “بوق في الوادي”، 1987
• “حب بين النخيل”، 1990
• “الجناح الثالث”، 2000
• “حفنة من التراب”، 2000
• ” الماء يعانق الماء”، 2000
• “حمائم في الطرف الأغر”، 2005
• “فيكتوريا”، 2005