16 نوفمبر، 2024 5:49 م
Search
Close this search box.

“سامية ساسي”.. شاعرة تستطيع استمالة الجمال ومنح الآخرين متعة تذوّقه

“سامية ساسي”.. شاعرة تستطيع استمالة الجمال ومنح الآخرين متعة تذوّقه

خاص: إعداد- سماح عادل

“سامية ساسي” شاعرة تونسية، صدر لها عدد من المجموعات الشعرية.

أنثى تؤثّث قصيدتها..

في مقالة عنها بعنوان (“لا تلتفت لتراها” لسامية ساسي: أنثى تؤثّث قصيدتها) كتب “فايز العباس”‎: “قليلا ما تقرأ الشعر وتصيح مع نهاية كل نص تقرأه “الله”؛ وذلك يعني أنك تدس يدك في جيب الشعر وتخرجها ممتلئة بالثمار، تخرجها لا شكّ بيضاء من غير سوء. نعم؛ إن اليد التي تخلق لك عالمًا من الدهشة هي يدٌ تستطيع استمالة الجمال وتقصّيه ومنح الآخرين متعة تذوّقه، وذلك فعلا ما تفعله الشاعرة سامية ساسي في تجربتها “لا تلتفت لتراها”.

في نصوص الشاعرة سامية ساسي من البساطة ما يقنع القارئ بتتبع الدرب حتى منتهاه ملاحقًا فراشة خفيفة وملونة، تلك الملاحقة المتأرجحة بين المغامرة والهدوء في آن معًا، وكثيرًا ستمرّ وأنت تتعقبها بالكثير من الورود وبالكثير من الحُفر التي يرتبها الصياد عادة في طريق فريسته المشتهاة، والفريسة هنا تحمل معنيين؛ أولهما: النص بذاته ولذاته، ذلك النص الذي تدنو قطوفه، وترى فيه ما تودّ أن تراه من جماليات بكعب عال وأناقة عفوية، مما يصيّره طريدة تقع لا محالة في الشرك، ذلك النص هو ذاته الذي تجعل منه صاحبته طُعمًا للمتلقي، وثانيهما: هو القارئ الذي سرعان ما يقع في الفخاخ ليجد نفسه يلاحق الطعم/ النص في محاولة لاستنطاقه بما يشاء، ولكنه في الجوهر لا ينطق إلا بما تريد منه صاحبته.

إذن تجيد الشاعرة إشراك المتلقي باللعبة الشعرية، ومن ثم منحه الصدمة التي يرتجيها في القفلة التي عادة ما تكون هادئة رزينة غير أنها صادمة”.

رسائل إيحائية..

ويضيف: “لا تنفك سامية ساسي تستخدم أدواتها المعرفية وثقافتها في تحميل مجموعتها رسائل إيحائية، إذ نجدها تفصل بين أبواب مجموعتها بمقولات ليانيس ريتسوس كعتبات نصية تؤسس للحالة الشعرية في الباب، غير أن القارئ سيجد نفسه متسائلاً عن جدوى هذه الاقتباسات حين يجد نفسه أمام الحالة الشعرية ذاتها مما يجعل من هذه الاقتباسات استراحات تزيينية لا غير، بينما تظهر الإحالات الثقافية في متن النصوص التي تتطرق فيها الكاتبة إلى مجموعة كبيرة من الأسماء، مثل بيكاسو، جاك بريل، غوتفرد بن، بودلير…إلخ، تلك الأسماء التي تؤدي دورها الإيحائي كحلقات ربط داخل النصوص.

من جهة أخرى تظهر حالة المثاقفة من خلال تناولها للحكايات والمأثورات بمدلولاتها المتعارفة مع محاولات ناجحة في منحها أبعادا جديدة لتخرجها من حيزها المعرفي المنجز إلى حيز دلالي جديد”.

وعن لغة “سامية ساسي” يقول: “لم تتوقف الحرب بين الإصابة بوسم اللغة بالأنثوية وتخطئة ذلك بالنسبة للمنجز الكتابي الأنثوي، غير أن سامية ساسي في مجموعتها هذه لم تترك مجالا للشك في أن اللغة يمكن أن”الإحالات الثقافية في متن النصوص تتطرق إلى بيكاسو، جاك بريل، غوتفرد بن، بودلير… إلخ، لتؤدي دورها الإيحائي كحلقات ربط داخل النصوص”

تكون أنثوية بامتياز، إذ لن يجد القارئ صعوبة في الحكم على قاموسها اللغوي ذي الطابع المؤنث، ولا ضير في ذلك ما دامت الكاتبة تجيد أو تركز في مجمل عملها هذا على إظهار ما يخالجها كأنثى شاعرة، لنجد المجموعة تسير من أولها حتى نهايتها تحت تأثير تاء التأنيث وما يجاريها، فضلا عن التركيز على متعلقات المرأة في البيت وخارجه وفي نفسها وما تعايشه.

إنها تحكي للمتلقي حكاياتها الحياتية اليومية بأسلوب سردي غير متكلف، وبلا مواربة، تلك الحكايات التي تتخذ من المطبخ والعجين والرفوف والغرف أسّا لها بما تعنيه من تفاصيل لأنثى. لكنها أيضا لا تترك الحبل على الغارب فيما يخص القاموس اللغوي لنجدها تدس أيضا في المجموعة من الألفاظ ما يشي بالعوالم السحرية أو الغرائبية في النصوص”.

وعن تمردها على الأعراف والتقاليد يواصل: “كما أن الساسي في مجموعتها لا تنسى أن تثور على التقاليد والأعراف فيما يخص علاقة المجتمع بالمرأة؛ “من النافذة، أسمعُ أغنيةً ساخرةً تقول: صوتُها، خلف ثقب البابِ، عوْرة فأتعرّى”.

مجموعة “لا تلتفت لتراها” هي العمل المنجز الأول للشاعرة التونسية سامية ساسي، وقد ضمت 33 قصيدة على مدى 86 صفحة، والمجموعة من منشورات دار ديار للنشر والتوزيع، أواخر 2018″.

اقرؤوني بخير..

كتبت عن مرضها الذي أصيبت به تقول:

“أنا سامية ساسي، أدفعُ عني مرض السرطان الآن

كمن يدفع عنه قطارا بكلتا يديه.

أحاول حذفه بابتسامة دائما، أفشل غالبا وأنجح أحيانا في

جعله شجرة تمدّ عروقها في جسدي، فأقتلعها قبل أن تقتلعني.

يقول أهل قريتي البحريّة إن البحر مريض منذ فترة،

يلفظ أسماكه ميتة على الشاطئ ويفرز

روائح كريهة…صدّقتُ أنه حزين من أجلي منذ غادرته.

يقول إخوتي إن أمي التي لا تراني،

وأخفي عنها إصابتي، تتحسّس صدرها لأمر يجثو فوقه

كلّما ذكرتني…

يقول الشّعر إن امرأة ذهبت معه بعيدا لن تذهب سريعا وإن فقدت شَعرها ووزنها.

لست حزينة فلا تحزنوا.

وسأظلّ بلسان الشّعر أعود، فاقرؤوني بخير دائما.

لا توقظ الأموات..

في مقالة أخرى بعنوان (قراءة في قصيدة “لا توقظ الأموات” للشاعرة التونسية سامية ساسي) كتب “مهند شريفة”: “إنّي أُصغي لندائك…لا توقظ الأموات. موج شعريّ لا يخذل أحدًا يرتدّ إلى اليابسة ويعود بسرّ الأمان بهذه السحريّة الفذة تطوينا الشاعرة سامية ساسي في جيوب دهشتها من خلال رائعتها “لا توقظ الأموات” للدرجة التي نتساءل فيها هل يسمعنا الأموات ومَن مِن حقه أن يتهكم على الآخر؟!

“الممرضة تُصرّ على تغيير

ملاءات سريري البيضاء بنفسها”

عبر مدخل شريان هذا القدر تسرق الممرضة بياض الهواء كي تتوضأ برائحة شفاء ما.. إنها ترنو لفك قسوة القسوة لسان حالها يهمس موطئكِ ليس على صدر السرير يا هذه فرّي النافذة أمامك. لكنّهم طردوها ونُبذ وقع صوتها من الردهات المكتظة باحتمالات النهاية، فاختاروا لها الصباح كبداية هشّة…

“تم طردها هذا الصباح من المشفى

بتهمة سرقة أزهارٍ من غرف المرضى

وإزعاج الموتى”.

حين مُنحت بداية مجهولة اتكأت على ذاتها لتتذكّر حكاية الوقت الذي انتشر بين أزقة اللحم المفتوح

“البارحة، حدّثتها عن الرائحة الضيقة

للشَعر في جسدي المفتوح

حدّثتها عن بكاء أطفال في راحتيها

عن مضاجعة الأموات التي لا تؤذي الأموات”.

هل علمت ربما أن الأطفال صاروا طفلة لم تحمرّ وجنتاها حينما هتفت بلائمتها على المطر « ألا نزل القطر « ..تباعًا تجرّنا شعرية سامية حفاةً برؤوسٍ يَبلوها البللُ نحو حفل استعراضي نراه يركض بنا في شوارع السماء …نتحسّسه على أفخاذ الزمن المجهول ولا نعلم لِمَ نُصدّقه فوق ثدي أنثى تحبل بالغد …

“عن الركض حافية بين المشرحة وغرفة العمليات

عن فخذ الراقصة المجهولة، دماغ الشاب

ثدي الحامل، صدر الطفلة المثقوب”.

بيد أننا سرعان ما نُكذّب ذلك كله بقصائد شاعر ملعون ونُقطِّع بمشرطه الزغب الغافي وسط قدرية الجسد الذي لم يُواري خيباته، هنا تُميط لنا سامية المواربة عن خبايا اللغة فهي تتخطى مسألة التلاعب التقليدي بالألفاظ، إنها تُنبت للغة أذرع وأقدام لتمشي على صفحة النهر وتتدارك ما لم يسعفه الزمن.

« فجرًا سمعتها تُصلّي

من أجل أجنَّة ينامون في المزابل وبين المراحيض

رُضّع يفقدون ألسنتهم في الملاجىء”

كيف سنملك يومًا أدوات حدسنا وعمق تساؤلاتنا إذا ما تيقنّا أن أحلامنا قد أُجهض ميلادها ..!!

مرة أخرى الصباح يعود بإصرار البياض على تحطيم أقفال الشياطين! ورجمهم بأيادٍ حانية!

« عُجّزٌ يزحفون على مؤخراتهم إلى بيوت لم تعد بيوتهم

أرامل، أمهات، عاشقات يطفن بالمشقى ويرجمن شيطان الموت””.

ويضيف: ” هل حقًا رجع شيطان الموت من حيث أتى؟ ثم كيف صدّقنا أسطورة الموت بهذا التركيب اللذيذ؟ يبدو أن اللذة انطلت علينا بجُرحٍ سابق كما على الشاعرة…! إن بوسع الوطن المفتوح أن يُحصي عدد شهقات الجسد، بلعنة واحدة بعدها ننسى أنَّا مُتنا

” تُحصي الكدمات على جسدي

تلعن المسكّنات اللعينة وطيبة أمراضي الخبيثة

توشوشني لا توقظي الأموات وتختفي”.

نُفاجأ أن الأحياء كانوا أمواتًا واستردوا عافية القول في إثبات أنهم ليسوا أوتار كمان حتى يعتذروا للزهور ويبكوا على القبور

« يقول شاهد عيان لم يفقد ثقته بالأحياء

إنه يراها في نفس التوقيت يوميًا

تضع أزهارًا على قبر رجُلٍ

وتعتذر لأنها لم تُغيّر ملاءته البيضاء هذه

منذ سنتين وتُحدّثه عن امرأة تركض ليلاً «

لازال في الورقة هامش آخر يسع اعتذارا يؤجل النهاية، والأسطر المتبقية لديها ما يكفي من الحبر لتستبدل الكفن بفستان زاهٍ …سامية ساسي إننا حسمنا قضية أنكِ حلقة تبحث عنها النبوّة وستلقاها قبل الجميع”.

وفاتها..

رحلت عن دنينا مؤخرا “سامية ساسي” متأثرة بمرض السرطان.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة