خاص: حاورته- سماح عادل
قامت الثورة العراقية، وأثبت العراقيون للعالم أنهم قادرون على استعادة وطنهم من أنياب الوحوش الاستعماريين، وأنهم قادرون على حفر ثورتهم داخل جدران تاريخ الثورات بشرف وقوة وحماس، وبحب، ثورة معظم قوامها من الشباب العشريني الثائر، صبايا وفتيان، صمدوا في وجه العنف الوحشي، وتلقوا الرصاص في صدورهم ورؤوسهم، لكنهم كانوا يستعيدون الحياة ليقفوا بصمود وقوة وشجاعة تدهش الجميع، يموت رفاقهم فيظلوا صامدين واقفين، لا تهزمهم سوى مفارقة الروح للجسد، ولم تكن هزيمة بل نصر الاستشهاد، وقوة الخلود في مواجهة طغيان سلطة المال والفساد.
يشعلون الشموع ليؤانسون أرواح رفاقهم ويواصلون، تأتي أمهات الشهداء لتكمل ما بدأه أبنائهن، ويواصلن، العراقيون لا يعرفون سوى مواصلة النضال رغم العنف المفرط والوحشي. ومن ساحة التحرير نبتت ورود مشرقة تفتح أبوابا لمستقبل لا يعرف الخوف أو التخاذل، رسامون وأطباء ومسعفون، وسائقو تكتك وصناع ومهندسون وعمال وكادحون.
تواصلت (كتابات) مع رسام شاب من الثوار، هو ( كرار ستار) 23 عاما ليحدثنا عن ساحة التحرير. إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالرسم وكيف طورته؟
- أنا أرسم منذ المرحلة الابتدائية تقريباً، كانت رسوماتي متقنة ومميزة أكثر من باقي الأصدقاء من نفس العمر، كان الدرس المفضل عندي في المدرسة هو درس الفنية.
التطور بدأ مع بداية الإدراك والوعي في المرحلة الأخيرة من الإعدادية تقريباً،الماضي لا شيء، مجرد أحلام كأي طفل أرسمها، اطلاع مستمر ومتابعة وتمرين واستمرارية وملاحظات وتوجيهات من بعض الأصدقاء ومن مواقع خاصة للتعليم، إلى أن تحسنت خطوطي وتعلمت الأساسيات
(كتابات) هل درست الرسم دراسة أكاديمية؟
- لا، دراستي كانت ذاتية للفن. أنا اعتبر أن الأكاديمية مضرة بالفنان، الأكاديميات بشكل عام تدريسها قديم، بالإضافة إلى تركيزها على المدرسة الواقعية فقط مع قليل من الاطلاع على باقي المدارس الفنية الحديثة، الأكاديمية تضع حدود للفنان والفن وتقوم بتقييده بها، ونحن نعلم أن لا حدود للفن، لكن لا أشمل جميع الطلبة بهذا الكلام، هناك اجتهاد شخصي وفنانين أكاديميين تمردوا على المناهج والدراسة التقليدية.
لذلك رأيي الشخصي أن من الأفضل دخول الأكاديمية لدراسة الأساسيات فقط وعدم التأثر بالأفكار التقليدية.
(كتابات) هل سبق لك الاشتراك في تظاهرات احتجاجية؟
- نعم، في تظاهرات العام الماضي في بغداد التي انطلقت تزامن مع محافظة البصرة، تم قمعها بالرصاص الحي والغاز والقنابل الصوتية مع وقوع العديد من الضحايا والجرحى، وتمت تهدئة الأوضاع بالقمع والوعود الكاذبة بالإصلاح.
(كتابات) هل اشتركت في ثورة العراق منذ بدايتها وما هي أسبابك للاشتراك فيها؟
- نعم اشتركت منذ بدايتها 1/10/2019، الأعداد كانت قليلة لكن كانت مرعبة بسبب أنها الحركة الوحيدة التي انطلقت بقيادة الوعي، شباب غير منتمين لأي حزب ولا طائفة ولا دين، تجمعوا بهوية العراق فقط، ولهذا السبب قابلتهم القوات الأمنية ومكافحة الشغب بالقمع المفرط، رصاص حي، غاز، قنابل صوتية، اعتقالات، عمليات خطف. بالإضافة إلى التخوين من قبل عباد البشر والأحزاب للمتظاهرين وتركيب التهم لهم وتلبيس هذا الحراك على أنه مؤامرة لزعزعة الأمن والتخريب. والعدد كان يزداد كلما زاد القمع.
بالنسبة لأسباب الخروج واضحة، فساد الدولة من الألف إلى الياء، البلد غير صالح حتى لعيش الحيوانات، أبسط مقومات العيش وحقوق الإنسان مسلوبة، انتشار وبشكل رسمي ميليشيات وعصابات أقوى حتى من الدولة بل هي الدولة نفسها، تكميم الأفواه وغسيل أدمغة من قبل المنظومة الدينية، التعدي على حريات الشباب والتدخل حتى بأمورهم الخاصة بحجة الأخلاقيات (المزيفة) ، انتشار البطالة بشكل مرعب والقائمة تطووول………
(كتابات) كيف بدأت فكرة رسم المتظاهرين على جدران ساحة التحرير وهل لقت قبولا من باقي الجمهور؟
- البداية كانت مجرد عبارات عفوية وعشوائية في كل محاور ساحة التحرير، أعطت للجدران نزعة ثورية. بعدها بدأ الفنانون بالرسم واحد تلو الآخر إلى أن امتلأ نفق التحرير بهم، وكأنهم خرجوا من سبات طويل من تراكم الأفكار ليضعوا بصمتهم وللمرة الأولى يجدون أنفسهم ويتنفسون غاز الحرية.
قاموا بترجمة أفكارهم وإعادة صياغتها على الجدران، ولاقوا دعما كبيرا من الجمهور وأصبح هناك دعوات للفنانين من مختلف محافظات العراق للمشاركة. الفن ثورة بحد ذاته، الفن سلاح تخافه جرذان السلطة وقد عريناهم بجدارياتنا أمام أنظار العالم.
(كتابات) متى بدأت ترسم أنت في ساحة التحرير وما هي موضوعات رسوماتك؟
- في البداية كنت مترددا لبعض الظروف الشخصية لكني كنت حاضر كل يوم وأشاهد أصدقائي يرسمون، وبعد إلحاح من بعض الأصدقاء، أخذت بفرشاتي وألواني والتحقت بهم.
مواضيع الأعمال الفنية غير مهمة بالنسبة إلي، أنا أحب أن أجعل عملي الفني مفتوح التأويل والتفسير، وكل قراءة مختلفة للعمل هي صحيحة بالنسبة إلي، لا أقيد العمل بتفسير واحد أو موضوع.
(كتابات) في رأيك هل أنتجت الثورة العراقية مظاهر إيجابية ومنها الرسم على الجدران والتعاون الإنساني وتنظيف الشوارع وأماكن التظاهر.. وكيف حدث ذلك؟
- الشعب العراقي كان فاقد الأمل من كل شي في السنوات الأخيرة، وهذه الحركة أعادت للعراقيين هويتهم وحبهم لوطنهم بعد الشعور الطويل بالعار لانتمائهم بسبب سكوت الشارع عن ما يحدث.الجيل الجديد أثبت للعالم أنه يريد أن يتطور إلى الأمام لا العكس، يريد أن يكون في سنة 2019 لا الرجوع إلى 1400 سنة.
الجيل الجديد قتل الطائفية، وصنع له دولة خاصة في ساحة التحرير يمارس بها حريته كأي بشري آخر، نسائنا أثبتن للمغسولين دماغياً أنهن ثورة ولسن عورة، أطفالنا مضربون عن الدوام وأثبتوا أنهم رجال وخرجوا مع إخوانهم وأخواتهم في ساحات الاحتجاج. التكاتف عظيم في دولتنا الصغيرة التي صنعناها بأيدينا، الأجواء هنا تقول أننا نستحق الأفضل.
بالرغم من وجود حالات فردية في أماكن الاحتجاج من قبل المجموعات الإسلامية لكننا نغض البصر عنها والتركيز بالأهم.
(كتابات) ما هي أحلامك بخصوص ثورة العراق؟
ليس لدي علاقة مع الأحلام، لكن بلسان الشباب الثوار أتكلم أنهم يريدون وطنا، يمارسون به حياتهم بحرية، تتوفر فيه أبسط مقومات عيشهم ويحفظ كرامتهم ودمائهم التي أصبحت رخيصة جدا في ظل هذا الخراب، ننتظر المجهول ونعلم أن مطالبنا صعبة جدا بسبب تعاقب الحكومات وتراكم الفساد لسنوات طويلة في الأعوام الماضية، لكننا ثابتون.
شهدائنا قادتنا وأملنا بانتصار الثورة هو دمائنا في الشوارع.