19 نوفمبر، 2024 1:19 ص
Search
Close this search box.

“زياد علي”.. ركز في كتاباته علي فتح قنوات التواصل الإبداعي الإنساني

“زياد علي”.. ركز في كتاباته علي فتح قنوات التواصل الإبداعي الإنساني

خاص: إعداد- سماح عادل

“زياد علي” كاتب وقاص ليبي.

التعريف به..

من مواليد مدينة طرابلس العام 1949، كتب القصة القصيرة، إضافة للمقالة والدراسات والبحوث القانونية. حصل على ليسانس الحقوق – جامعة القاهرة 1976، ثم الماجستير في الحقوق – جامعة القاهرة 1978، ومن بعد دكتوراه الدولة – جامعة محمد الخامس المغرب 1997م. صدر له:

في القصة: “الجذع المتوحش”، “الطائر الذي نسي ريشه” و”لا تُحرج الموت الجميل”. وفي المجال النقدي، له: “لا يقهر الزمن إلاّ الكلمة” دراسة نقدية تتناول مجموعة من المهتمين بالسرد القصصي والروائي في الوطن العربي، و”والكلمة أطول عمراً” دراسة عن مجموعة من الشعراء العرب. ومن دراساته أيضاً “خيوط الحلم ونسيج الصمت” و”الثقافة والجريمة”.

غواية القصة..

في حوار معه أجراه “إسماعيل نوري الربيعي” يقول “زياد علي” عن الكثافة في نصوصه السردية: “اتسعت الرؤيا حقاً كما يقول النفري ولم تضيق العبارة ولكن حدود البوح قد لا يأخذ مداه. في مرحلة سابقة كان الرمز وكانت أقنعة أخرى، هذا ما لم يعد مطروقاً الآن. وجاء التكثيف، لغة صوفية تخفي الكثير، وتقف عند حدود الأمان أحياناً، تحمل خصوصية تحاول التمايز والابتعاد عن قاموس الآخر، ويفرضها التأني في الاختيار والانحياز لرصد ما يشكل الجديد والخاص أنها تحتاج لهذا بوصفها تجارب لها خصوصيتها، وعوالمها وتركيزها على عمق العمق دون السماح بتشتيت الإضاءة التي تفرضها شهوة الحكي عندما تتجاوز الخطوط الموضوعية، وتسقط في فخاخ احترام الكلام دون الصمت الذي يجب أن ننتبه إليه.

وربما في مثل هذا التكثيف السردي ما يضر، حيث يتخلف بعض القراء عن متابعة الأبعد، وتتوالد حواجز قد لا ينتبه لها الكاتب وهذا ما أعتقد أنني وقعت فيه، وبين اختيار انتظار الوقت المناسب وتسجيل الموقف متحدياً الخوف كان الانحياز للشهادة في زمانها ورصد المسكوت عنه بشكل أدبي وهذا ما جنح بالكتابة إلى هذا النهج بما يحويه من غموض وتكثيف. إن مصادرة شهوة الحكي والمجانية واحترام وقت الآخر وأيضاً محاولة الوصول إلى تخوم قدرة التواصل عند المتلقي دون تجاوزها، والولوج به إلى حيث الملل كل هذا كان المنشود وكانت الفكرة التي تحاول أن تلبس الثوب الفضفاض”.

القصة القصيرة الليبية..

وعن الغرام لفن القصة القصيرة الذي يقع فيه المبدع الليبي يقول: “للقصة القصيرة كلون إبداعي غوايتها. وهذا ما أوجد التراكم على مستوى الوطن العربي، وربما الرواية الآن تأخذ الكثير من فضائها والمبدع الليبـي شأن العربي يبدأ بالقصة القصيرة وينتهي بالرواية التي تمنحه فرصة أكبر من الاتساع.. وتحقق له لعبة التمادي في شهوة الحكي، وهذا ليس بالغريب على موروثه من شهرزاد إلى ألف ليلة وليلة، وربما سيطالعنا البعض بما يفيض عن الرواية الخماسية”.

الصحافة..

وعن عمله في مجال الصحافة يقول: “للعمل الصحافي إيجابياته وسلبياته، فهو لا يسمح بتجاوز الخاص للعام، والجانب المعيشي غالباً ما يكون له حضوره، كما أنه يسرق زمن الإبداع الثقافي على الأقل بالنسبة للفضاء العربي.

وأسوأ ما يقع فيه البعض غياب التخصص والذي كان الشائع في ذلك الزمن البعيد نسبياً. وربما في إطار الخاص دون المؤسسات العامة (الحكومية) تكون الأمور أفضل عندما تغيب (أنا) صاحب المؤسسة. خاصة عندما لا يكتفي بأن يقف عند حدود المالي والإداري، ويتطلع إلى اختراق النص وتوجيهه. ربما هذه التجربة عشتها مع مجلة الأزمنة العربية – دولة الإمارات العربية المتحدة – عام 1980 وعاشها الصديق الشاعر العماني سيف الرحبي بعدي.

ولكن نكهة تماس الصحفي مع المبدع لها خصوصيتها. وقد شاركت في العديد من الصحف العربية كمبدع سردي وفي تشكيل تفاصيل بعض خطوط الخريطة الإبداعية العربية أولاً، والإنسانية في حدود، كما فرضت الكتابات الصحفية نفسها عبر المقابلات وأدب الرحلات والانحياز إلى أماكن لها ما يقربها من النفس إضافة إلى مشروع التواصل بين مبدعين وزملاء لهم ومتلقين أيضاً.

وربما ما هون على المرء تعب المكابدات والترصدات الإحساس بالحرية في اختياراته وكتاباته وتحقيقه لبعض الحلم المحقق لمشروعه الخاص أن يمد الجسور ويساهم في فتح قنوات التواصل الإبداعي الإنساني وهذا ما كان الانحياز إليه منذ البدايات، فإن تكتب ما تؤمن بأهميته وأن تختار الوقوف على الأرض التي تحبها هو الحرية والسعادة والاختيار الذي يرضي الضمير، ولا يبتعد عن الصدق واحترام النفس”.

العمل والتفرغ..

وعن أعماله ما بين رئيس للتحرير للعديد من الصحف والمجلات، والعمل النقابي بوصفه أحد المسئولين في رابطة الأدباء والكتاب الليبيين. وما بين التفرغ للكتابة الإبداعية: “التفرغ للعمل الإبداعي ترف لا يقدر المرء عليه وخاصة في منطقتنا العربية، واختياره ليس بالأمر السهل. وما يقوله المرء: هي المقادير فدعني أو فذر. حسب تعبير أبو الطيب المتنبي، أما الضفة التي يحاول المبدع الاستقرار إليها فهي حيث يجد نفسه ويجد الذين ينحاز إليهم. وليست الأمور دائماً كما نشتهي ولكن تتطلب فرض عزلة المبدعين الكبار على النفس حتى تحقق شيئاً من الحلم بالعمل المحقق للفرح”.

التماسك اللغوي..

في مقالة بعنوان (التماسك اللغوي المكون للخطاب الحكائي عند زياد علي “الطائر الذي نسي ريشة” أنموذجا) نشرت في مجلة “نزوي” كتب: “ما الوسائل اللغوية التي يستعملها القاص الليبي زياد علي لتسطير كيفيات الاتساق النصي داخل مجموعته الحكائية التي تحمل عنوان (الطائر الذي نسي ريشه )؟ هل تستطيع المفاهيم الغربية المنظمة لألسنية النص تحديد اتساق الخطاب الأدبي عند المؤلف؟

تدرج ألسنية النص والخطاب وكذلك قطاعا نحو النص وتحليل الخطاب مصطلح الاتساق النصي في العديد من بحوثها الأساسية. نوظف مصطلح الاتساق النصي في دراستنا الحالية لتحديد التماسك المتين بين الأقسام اللغوية المكونة للخطاب الحكائي الذي ينجزه زياد علي من خلال (الطائر الذي نسي ريشه ). يقوم اتساق النص الحكائي على بعض الوسائل اللفظية التي تربط بين العناصر اللغوية البانية لجزئيات الخطاب المتلاحم داخل هذا العمل الأدبي.

يرتكز الاتساق النصي عند زياد علي في هذا المجموعة الحكائية على عدة وسائل ومظاهر لغوية محددة، تنسج البنى الداخلية بكل علاقاتها ووظائفها، نذكر من بين هذه الوسائل: الإحالة، الاستبدال، الحذف، الوصل والاتساق المعجمي”.

ويضيف المقال: “يفرغ الكاتب نصوصه الحكائية في قوالب لغوية مقبولة تلوح بانجازاته الألسنية الموظفة لأسلوب شخصي متميز، يعتمد على المقابلات والمقارنات والإبراز أو الإخفاء لبعض العناصر اللغوية. وهي خصوصية أسلوبية لا مضارع لها عند مبدعي النصوص الحكائية، لأنها تنسج الخطابات بلغة واصفة ترسم في بعض الصفحات معالم الخطاب الصوفي والسريالي بدقة فريدة.  يوزع زياد علي أدوار الكلام داخل نصوصه الحكائية المتسقة عن طريق الإحالة اللغوية المرتكزة على عدة ضمائر منفصلة وأخرى متصلة، كما أنه يغادر النص ليعانق الإحالة المقامية التي تقطع جذور الاتساق النصي، مما يجعل بعض الخطابات تتوغل في السرد الحقيقة أن الخطاب الحكائي الذي يوظفه زياد علي لا يلغي الإحالة السياقية التي ترحل خارج نصوص (الطائر الذي نسي ريشه).

يمكن اعتبار الضمائر التي يستعملها الكاتب : “أنا، نحن “، أو تلك تشير إلى القارئ العربي: “أنت، أنتم ” بأنها سياقية. وهي عملية لغوية تؤدي إلى تنوع أدوار الكلام في خطابات هذه المجموعة. يتجلى الدور الرائد للاتساق النصي عند زياد علي في بعض ضمائر الغيبة العددية (مفرد، مثنى، جمع) التي تؤدي أدوارا كلامية مخالفة للضمائر الوجودية المتصلة. هذه الضمائر هي: (هو، هي، هما، هم، هن )، وقد سبق الذكر أنها تخلق علاقة سابقة مع الجملة الثانية : “وشربت ماء لا هو من الأرض ولا هو من السماء”. أنها تربط عناصر النص ببعضها وتصدد كل فراغ بين الأقسام. والملاحظ أن ضمائر الملكية والنسبة الموظفة في هذه الحكايات تقوم بعمل مزدوج : فهي تضم المالك والمملوك أو المنسوب، والمنسوب إليه، من خلال التدقيق في كيفية عودة الضمائر على الكلمات المتعلقة بها.”.

حضور السرد الليبي..

في حوار آخر أجرته “كوليت مرشليان” يقول “زياد علي” عن موقعه في الأدب الليبي: “في إطار هذا الجيل الذي أنتمي إليه كانت الظروف تتطلب من الإنسان أن يتعدد وذلك ليتمكن من تقديم نصه أولاً وعرض وتقديم أو التعريف بنصوص الزملاء من المبدعين، خصوصاً وأن منطقة مثل منطقتنا ومنذ 30 عاماً ما كان بإمكان المبدع فيها أن يتواصل مع زملائه في الوطن العربي ومن هنا كان هاجسي أن أساهم بالتعريف بالنص الإبداعي الليبي، خصوصاً وأن ظروف الدراسة الأكاديمية أوجدتني في القاهرة، المركز الإشعاعي الثقافي مع بيروت في ذلك الوقت. أما مسألة الحضور الأدبي للشخص، فلم يكن عدد الأسماء التي تتواصل مع المنطقة العربية من ليبيا بالكثرة للحدّ الذي يتم فيه وضع تراتبية لحضورهم. كنتُ في سني أجد نفسي لا أختلف عن الزملاء المجايلين ولا مع الجيل الذي سبقنا في الوصول إلى المتلقّي الليبي وربما ساعدتنا الظروف أن يكون لي حضور عربي وتواصل مع الساحة الثقافية الإبداعية العربية، خصوصاً الأطراف من هذا الوطن والتي ما كان الاهتمام بها واضحاً في تلك الفترة.

الرواية في ليبيا..

وعن القصة والرواية في ليبيا وحضورهما في العالم العربي يقول: “في السنوات الأخيرة، تطوّر السرد في ليبيا وبرزت أسماء هامة جداً على مستوى العالم العربي ولها حضورها أيضاً على مستوى عالمي، مثل إبراهيم الكوني. وفي إطار اختيار أفضل مئة عمل روائي عربي في القرن الماضي كان نصيب ليبيا ثلاثة أسماء رشحت من قبل اتحاد الكتاب والأدباء العرب: إبراهيم الكوني وأحمد إبراهيم الفقيه وخليفة حسين مصطفى. والآن يقوم اتحاد الكتاب بترجمة نصوصهم إلى لغات عالمية. بل أن جهات واتحادات عالمية رشحت إبراهيم الكوني إلى جوائز أكبر. أما بخصوص القصة القصيرة، فهناك أعمال لا ينقصها إلاّ وصولها إلى المتلقي العربي. فنحن للأسف في منطقتنا العربية نعيش كجزر معزولة ومؤسسات النشر المحلية، خصوصاً الحكومية عاجزة عن القيام بأهم ما يحتاجه الكتاب بعد طبعه وهو توزيعه.

هناك العديد من المبدعين في القصة وهناك نصوص لا تقل جودة بأي حال من الأحوال، عما يكتب في العالم والمفارقة العجيبة عند الحديث مع بعض الذين يتعاطون متابعة الأعمال الإبداعية العربية بالنقد والعرض والإشارة، خصوصاً في العديد من الصحف والمجلات، أن أغلبهم لا يعرف الكثير الكثير من الأسماء، ليس في ليبيا فحسب، بل في كل أطراف هذا الوطن العربي والذي ساعدته الظروف على أن يتجاوز عنق الزجاجة فذلك لأن حظّه كان أفضل وظروفه ساعدته على خلق التواصل والذي لم يكن متاحاً للجميع”.

ويواصل عن مضامين النصوص السردية الليبية: “إن النصوص الروائية الليبية اشتغل أصحابها على مختلف المدارس فكان للمدرسة التقليدية حضورها حيث كانت الأعمال الأولى متواضعة تتناول قضايا اجتماعية، خصوصاً العاطفية إلى جانب حضور النضال الوطني. أما في المرحلة الأخيرة، فقد فرضت نصوصها الحضور الواضح على مستوى ما يُطرح من نص عالمي يحتفي بالإنسان وهمومه وبالعديد من القضايا التي تمسّ حياته بشكل شمولي، إضافة إلى خروجها بالمحلية إلى حضور إنساني إلى جانب بعض النصوص التي عايشت الهمّ المحلي اجتماعياً. أيضاً هناك النص الروائي التاريخي وهذا حاول أن يواكب ويطرح ما هو مجهول من تاريخ البلد. وأنا هنا تحضرني رواية الدكتور علي فهمي خشيم “إينارو” والتي يتحدث فيها عن أحد الذين حكموا مصر من الليبيين وحارب الفرس وكان له موقعه في تاريخ الإنسانية، وقد وردت أخبار عديدة عنه عند هيريدوت وديدور الصقلي. أيضاً إشارة إلى عمق العلاقة بين ليبيا والأقطار المجاورة. وهذا ما يحاول أن يغيّبه الخطاب السياسي، خصوصاً في الحضور الطاغي “للأنا” بالنسبة لبعض الأقطار. فقد حكم مصر على سبيل المثال الفرعون الليبي شيشنق واستمر حكمه لأسر فرعونية عدة وأسماء أخرى كان لها حضورها في تاريخنا المشترك مع الأقطار المجاورة لليبيا المحصّلة أن الرواية الليبية إلى جانب حضور الكمّ أصبحت تفرض حضورها الكيفي”.

وفاته..

توفي “زياد علي” يوم 2 مارس 2024 بعد معاناة المرض، عن عمر يناهز الـ75 عاما، بالقاهرة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة