24 فبراير، 2025 5:57 ص

زهراء حسن: لدي حنين لبغداد، أريد أن ألمسها وأضعها في قلبي

زهراء حسن: لدي حنين لبغداد، أريد أن ألمسها وأضعها في قلبي

 

“زهراء حسن” شاعرة وكاتبة عراقية.

صدر لها:

  • زهور في قدميه- مجموعة شعرية ٢٠٢٠.
  • من بغداد الى غوتنبرغ- رواية قصيرة للصغار ٢٠١٩.
  • هي قبلة تدنيك مني- مجموعة شعرية ٢٠١٩.
  • تعالوا اعرفكم على صديقي- مقالات وتحقيقات صحفية ٢٠٠٥.
  • بطاقة دعوة ليوم زفافي- مجموعة قصصية ٢٠٠٣.

هذا حوار آخر أجريته معها وكان الحوار الأول منذ حوالي سنتين:

** لما وقعت مجموعتك الشعرية “زهور في قدميه” باسم الوالدة؟

– منذ كنت صغيرة خرقت سمعي جملة،”ولدهم”، وهي تعني أن الأولاد يعود نسبهم إلى الآباء فقط، فالأم التي تحمل وتلد وتسهر الليل ويقع عليها الكثير من المسؤوليات ليس لها الحق في أولادها، في النهاية الأولاد “أولادهم”، أي نسبهم يعود إلى الأب لا غير. ولو حدث الانفصال أو المشاكل، فالأولاد سيعودون إلى آبائهم لأنهم أولادهم. هذا ما آثار حنقي فعلا وجعلني أتساءل لما الأولاد لا يحملون نسب أمهاتهم أيضا؟، أليست الأم هي أيضا مشاركة  في الحمل والإنجاب!. هذا أولا.

لما اخترت اسم أمي؟ لأني وعدتها ذات يوم أن يكون اسمها على كتابي، والسبب أن أمي بالرغم من أميتها الأبجدية، دعمتني معنويا وماديا، وكانت تطلب مني أن اقرأ لها ماتيسر من كتابة الشعر، حيث كانت جمهوري الأول، لذا يحق لها أن يكون اسمها على كتابي الشعري الثاني، الأحب إلى قلبي، وهي أيضا فرصة لأمهاتنا ونسائنا أن يحمل أولادهن أسمائهن وينتسبوا إليهن، فهذه واحدة من الحقوق التي بلعها المجتمع الذكوري.

** في مجموعتك الشعرية “زهور في قدميه” تواصل حميمي مع مفردات الطبيعة من شجر وورود وقمر و… حدثينا عن ذلك؟

– أنا ابنة الطبيعة وابنة الغابة وابنة الحياة، أحب الورد والقمر والأشجار وتربطني بالأشجار علاقة خاصة، حيث أشعر أنني انتمي إلى الخشب وإلى الشجر، كما تربطني بالقمر علاقة قديمة تتعلق بنومي في السطح وأنا صغيرة، فبسبب حر العراق ينام الناس في السطوح، حيث كنت كل ليلة أنظر إلى النجوم وأنظر إلى القمر، وأضع القمر بين أصابعي وأشعر أنه قريب قريب جدا مني.

من هناك نشأت علاقة بيني وبين السماء ومكوناتها، حيث العصافير تقف على أسلاك الكهرباء صباحا وحيث الليل وقمره ونجومه، كل هذه الأشياء المحيطة ظهرت بطريقة عفوية جدا فيما كتبته من شعر، فأنا لا أفتعل كتابة الشعر على الإطلاق.

** في مجموعتك الشعرية “زهور في قدميه” غزل عذب رقيق هادئ  لرجل ساحر.. كيف هي صورة الرجل المعشوق في شعرك؟

– شعر الحب أو نصوصه تتعلق تماما بفكرة عظيمة اسمها الحب، الفكرة التي يصعب تحقيقها على أرض الواقع، الرجل الحلم أو الرجل المنقذ، أو الرجل الموجود في لحظات الضيق، أو الرجل السعيد الذي استطيع أن ابتسم معه، حقا لا يوجد على أرض الواقع، أو أنني لم التق به بعد. لذا جاءت هذه النصوص تحمل أحاسيس حقيقية فقط، وأصبحت نصوصا من التقاطات عابرة وصغيرة على أرض الواقع. تبقى فكرة الحب عندي واحدة من أعظم الأفكار التي تحاصرني دوما وتأتي على شكل نصوص شعرية.

الرجل المعشوق في شعري هو الذي يراني من الداخل ويعرفني كما أنا، ويؤمن باحترامي واحترام أنوثتي واحترام فكري ورؤيتي للحياة، وأن يكون سندا حقيقيا، وهذا ينطبق علي، أيضا، ولكن الصعوبة تكمن في أكتشاف الأرواح، فهي تحتاج إلى عمر وسنوات وذكاء ومواقف وادراك، لذلك تجدين من النادر في العلاقات البشرية أن تكون هناك علاقات بهذا العمق، هي تحدث عادة لقلة من الأشخاص.

** ما رأيك فيما يسمى بالكتابة الأيروتيكية وهل ترين أنها جرأة لا مبرر لها أم تعبير عن مشاعر وتفاصيل حياة؟

-الكاتب حر في موضوعه وفكره، يكتب ما يريد، وإذا كانت إحدى مواضيعه هي الكتابة الايروتيكية وأبدع بها وكانت فكرته التي تلح عليه في كتابتها، فله أن يكتب أفكاره بالشكل الذي يريد، لا أعتقد أنها جرأة لا مبرر لها، إذا كان لديه دافع كتابي وشغف إبداعي أن يكتب في هذا الموضوع الذي هو جزء من الحياة، لو نظرنا بعين فاحصة لرأينا أن الرقص على الجليد، نص أيروتيكي ذا مستوى إبداعي عال.

** في رأيك هل فقد الشعر توهجه بافتقاده لجمهور من القراء مع تسيد السرد من رواية وقصة؟

– أولا الشعر يكتب لذاته، هي قصة إبداعية يصعب وصفها، تحدث للشاعر/ة  قبل أن يعلن نصه/ها على الجمهور، هناك دافع خفي تماما يصعب وصفه يلح على الشاعر أن يكتب نصه، فيكتب الشاعر نصه حتى لو لم يحظ بقراءة واحدة. تبقى الشغف والرغبة في كتابة النص الشعري هي الأساس.

لكني أرى شيئا يسعدني فيما يخص الشعر والكتابة، فبسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام الكتاب لهذه الصفحات ظهرت إبداعات شعرية لها جمهورها الفعلي والحقيقي، هناك جمهور محب للشعر،  يتذوقه ويقرأه. لا أرى أن الشعر في حالة غياب، أرى أن تجار دور النشر هم من حاربوا الشعر وفضلوا الرواية عليه، والقصة لها علاقة بالمادة والأرباح، غير أن الشعر حالة عليا من الأحاسيس الداخلية واللغوية والتي تساهم في تطوير ذائقة القارئ اللغوية، له مريدوه.

** هل هناك اختلافات في شعر الكاتبات من النساء عن شعر الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

– الإبداع هو الإبداع هذه حقيقة، سواء كتبها رجل أم امرأة، لكني بعد تجربة قراءات مختلفة لشعراء وشاعرات، وجدت أن المرأة تكتب بطريقة أجمل من الشعراء الرجال، لا أعرف ما هو السبب فعلا ؟، هل أنوثتها تدخل في بنائها الشعري؟، أم هو شيئا آخر تماما؟ هل خشونة الرجل تؤثر على نصوصه الشعرية؟ لا أدري فعلا. لكني ألمس تماما أن الشاعرات يتفوقن على الشعراء من الناحية الجمالية. الاختلافات الموجودة من الناحية الجمالية فقط واضحة للعيان.

** هل لديك حنين إلى الوطن وهل تتابعين أحوال الثقافة في العراق؟

–  لدي حنين كبير لبغداد، للكرادة الشرقية حيث عشت طفولتي وصباي الأول، حنين لتسلق شجرة النبق وقطع ثمارها، حنين إلى بيتنا في الكرادة الشرقية، حيث يتوسط ساحة الحوش شجرة التكي المثمرة، حنين إلى نهر دجلة وإلى ساحة التحرير وساحة النصر، لدي حنين غامر لأيامي في مجلة ألف باء، حيث كانت واحدة من السعادات التي حظيت بها، لدي حنين لبغداد، أريد أن ألمسها وأضعها في قلبي.

أنا أحب المدن العربية، أحب الشرق وأحلم له أن يكون سعيدا، أحن إلى طفولتي التي لعبت فيها سبع حجارات وختيلان، أنا مصابة بداء الحنين إلى الأماكن. أتذكر ذات مرة بعثتني أمي أن اشتري لها شايا وكانت العطلة الصيفية، وكنت صغيرة في الثامنة من العمر، في الطريق دلفت إلى مدرستي ودخلتها وحيدة، وجلست في الصف الذي درست فيه فقد أخذني الحنين إلى الصف وأردت رؤيته، لم أشعر بالخوف مطلقا، فالصغار لا يعرفون الخوف، وحينما عدت إلى البيت وجدت أبي وإخوتي يبحثون عني في الشارع فقد أصابهم قلق الغياب الطويل.

أما بالنسبة للثقافة فأنا أتابع نشاطات الكتاب على صفحات التواصل الاجتماعي،  وهذا جيد فأنا على اتصال بالنشاطات والاصدارات لكني لا أستطيع أن أتابع الجميع، وفي الحقيقة أتمنى متابعة الجميع والتعرف على الانجازات والإصدارات والنشاطات، ولكن ولضيق الوقت لايسعني ذلك، ولأن العالم انفتحت أبوابه على الجميع صار من المستحيل متابعة كل شيء، لكني في صفحة “الفيسبوك” أتابع نشاطات الكتاب والشعراء وهذا يعني أني على تواصل حقيقي مع النشاطات والاصدارات.

** هل أنت راضية عن أحوال النشر في منطقة الشرق وكونه أصبح خاضعا لقواعد التجارة والبيع والشراء؟

– لست راضية عن أحوال النشر في الشرق الأوسط بالمطلق، فقد أصبح الربح هو الهدف الأول، وأصبح الكاتب ضحية هذه التجارة، بينما في الحقيقة يجب أن تقوم دور النشر بدور كبير في حياة الكاتب، تطبع له وتمنحه المردود المادي المناسب، فهو يكتب والكتابة تتطلب حياة كاملة من العمل، وهذه الحياة الكاملة من العمل يجب أن تتوج بمردود مادي يحمي الكاتب/ة هو وأسرته من غائلة الجوع والحاجة.

وهو بالنهاية يأخذ حقه من عمله، لكن هذا لا يحدث أبدا، لذا ركزت أكثر من مرة على اعتبار الكتابة مهنة حقيقية حالها حال المهن الأخرى، كالطب والتعليم والبناء كل هذه المهن تأخذ رواتبها آخر الشهر جراء عملها، فلماذا الكاتب مستثنى من هذا، وهو من الأهمية بمكان، حيث أني لا أتخيل بلدا دون كتابه وفنانيه، كيف ستكون الحياة من دونهم؟!

ومن بعد الاشتغال الفكري يتطلب القراءة والتفرغ والسفر ليستطيع الكاتب/ة أن ينجز أعماله الإبداعية براحة، فالإبداع يحتاج وقتا وتفرغا،  لذا حماية الكاتب تأتي من حمايته المادية، وليس هناك مؤشرا واحدا يدل على أن دور النشر ستقوم بذلك، لذا لابد من الحلول التي تحد من وحشية دور النشر، حيث يأخذ الكاتب حقه بعيدا عن هذه الدور، فيستطيع أن يتحكم بقراره، في طباعة كتبه بالشكل الذي يريده. حينما يتحول الكتاب إلى تجارة رابحة، سيستغل الناشر الكاتب، العالم يتلاعب به التجار.

** كتبت القصة والرواية .. هل تفكرين في العودة إلى مجال السرد قريبا؟

– أنا في الأصل شاعرة، هذا ما أعرفه تماما، السرد موجود في حياتي أكتبه أحيانا على شكل قصة أو رواية. لدي رواية سأحاول إكمالها، واعتقد أنها آخر الروايات التي سأكتبها، وسأتفرغ للشعر تماما. هذا هو القرار الآن قد يتغير في المستقبل، من يدري؟ لكني أعرف أن الشعر هو الجزء الأصيل في ذاتي، غير أني انحرفت عنه بسبب جملة قالها شاعر غيور، وأنا في بداية الكتابة، حيث وجهني لكتابة القصة بدلا من الشعر، لأن الشعر له وحده فقط،  كانت تلك الجملة “الخطيئة” التي قادتني إلى السرد.

فعندما يكون المرء شابا مقبلا على الحياة ويطلب رأيا من الأكبر، يكون ذلك الرأي بمثابة البصمة، بعد زمن عرفت أن الشعر لا يتطلب من الأكبر توقيعا واعترافا، بل أن يعترف الكاتب بذاته أولا، وهذه الخبرة لا تأتي في المراحل الشبابية الأولى مع الأسف، تأتي متأخرة لتكتشف أن أصل الكاتب ذاته. هذا لا يعني أن الكاتب لا يفرح بآراء الآخرين، بالعكس فعملية التواصل مع القراء والكتاب تسعد الكاتب فعلا، لكن عملية الكتابة تتطلب اعتراف صاحبها أولا بمنجزه، وهناك الكثير من الأمثلة التي كتب فيها الكاتب كتابه ولم يعترف به أحد، غير أن الزمن يعترف بعد ذلك بالإبداع.

** من هم جمهورك المستهدف من القراء وهل تساعدك وسائل التواصل الاجتماعي في الوصول إليهم؟

– جمهوري من القراء الذين يهتمون بقراءة الشعر والكتابة ومن الكتاب أيضا، وأنا أحبهم جميعا، وأحب تعليقاتهم الجميلة، حيث يسعدني ذلك فعلا،  وأنا ممتنة بالفعل لوسائل التواصل الاجتماعي التي عرفتنا على بعضنا البعض. فالكثير من القراء تعرفوا علي وتعرفت عليهم بهذه الوسيلة، والكثير من الكتاب والكاتبات تعرفت عليهم وتعرفوا علي عن طريق “الفيسبوك” وهذه فائدة عظيمة فعلا.

فالقارئ مشارك وكاتب أيضا والكاتب مشارك وقارئ أيضا، لقد رأيت الجانب المضئ والمشع جدا في صفحات التواصل الاجتماعي، أجمل ما في هذه الصفحات أنك تكتب فيأتيك الرد مسرعا، في السابق لم يعرفنا القارئ ولايدري أين نحن وماذا نكتب؟ الآن هناك من ينتظر كتابتك وهذه لعمري واحدة من السعادات التي لولا وسائل التواصل لما عرفناها، أو عرفنا بعضنا البعض.

** ماهو القول الذي علق بذاكرتك؟

“الحياة لا تساوي شيئا، لكن لا شيء يساوي قيمة الحياة” “أندريه مالرو”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة