خاص: إعداد- سماح عادل
“زكي رستم” ممثل مصري ينتمي إلى مدرسة الاندماج، ويعتبر من أحد أهم ممثلي السينما المصرية.
حياته..
ولد “زكي رستم” في قصر جده اللواء “محمود رستم باشا” بحي الحلمية الذي كانت تقطنه الطبقة الأرستقراطية في أوائل القرن الماضي، كان والده “محرم بك رستم” عضوا بارزا بالحزب الوطني وصديقا شخصيا للزعيمين “مصطفى كامل” و”محمد فريد”.
في عام 1920 نال شهادة البكالوريا ورفض استكمال تعليمه الجامعى وكانت أمنية والده أن يلحقه بكلية الحقوق، إلا أنه اختار هواية فن التمثيل في عام 1924، كانت رياضة حمل الأثقال هي هوايته المفضلة وفاز بلقب بطل مصر الثاني في حمل الأثقال للوزن الثقيل.
التمثيل..
التقى بالفنان “عبد الوارث عسر” الذي ضمه إلى إحدى فرق الهواة المسرحية، وكانت هذه نقطة التحول في حياته. وبعد وفاة الأب تمرد على تقاليد الأسرة العريقة معلنا انضمامه إلى فرقة “جورج أبيض”، فطردته أمه من السرايا لأنه مثل سيئ لإخواته بعدما خيرته بين سكة الفن والتحاقه بكلية الحقوق فاختار المسرح، فأصيبت بالشلل حتى وفاتها.
انضم إلى فرقة “عزيز عيد” ثم تركها بعد شهور لينضم إلى فرقة “اتحاد الممثلين” وكانت أول فرقة تقرر لها الحكومة إعانة ثابتة لكن لم يستمر فيها طويلا فتركها. بعد ذلك انضم إلى “الفرقة القومية” وكان يرأسها في ذلك الوقت الفنان “خليل مطران” وظل فيها عشرة أعوام كاملة. اختاره المخرج “محمد كريم” ليشترك في بطولة فيلم “زينب” الصامت تأليف “حسين هيكل” وإنتاج” يوسف وهبى” وكان أمام الفنانة “بهيجة حافظ”.
بلغ رصيده الفنى من الأفلام 240 فيلما ولكن المشهور منها والموجود 55 فيلما فقدم على سبيل المثال “العزيمة” 1939 و”زليخة تحب عاشور” 1939 و”إلى الأبد” 1941 و”الشرير” 1942 و”عدو المرأة” 1945 و”خاتم سليمان” و”ياسمين” و”معلش يا زهر” 1947 و”بائعة الخبز” 1953 و”الفتوة” 1957 و”امرأة على الطريق” 1958 وآخر أفلامه “أجازة صيف” 1967.
كتب عنه “جورج سادول” المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي إنه فنان قدير ونسخة مصرية من “أورسن ويلز” بملامحه المعبرة ونظراته المؤثرة واختارته مجلة «بارى ماتش» الفرنسية بوصفه واحدا من أفضل عشرة ممثلين عالميين. أطلق عليه “رائد مدرسة الاندماج”. فكان نموذجا رائعا للنجم السينمائي المنفرد في مواهبه، الذي يقوى على أن يتقمص أية شخصية مهما تعددت حالاتها النفسية ومواقفها المتقلبة والمتلونة، فكان لا يكاد ينتهى من أداء موقف من المواقف أمام الكاميرا حتى تتصاعد موجة من التصفيق من كل الحاضرين في البلاتوه بمن فيهم من شاركوه تمثيل الموقف. “فاتن حمامة” كانت تخاف من اندماجه عندما يستولى عليه فتقول “يندمج لدرجة أنه لما يزقنى كنت ألاقى نفسى طايرة في الهواء”.
عندما عرضت عليه شركة كولومبيا بطولة فيلم عالمي رفض “زكي رستم” ولما سألوه عن سبب الرفض قال بغضب “غير معقول اشتغل في فيلم يعادى العرب”. كان الفن عنده هو البلاتوه ولحظة خروجه منه تنقطع الصلة بينهما تماما ولهذا لم يكن له أصدقاء. صديقه الوحيد “سليمان نجيب” وكان معروفا بابن الباشا وكان يحترم ويحب الفنان “عبد الوارث عسر”، وعاش طوال حياته أعزب لا يفكر في الزواج لا يشغله سوى الفن.
وحدة..
في سنواته الفنية الأخيرة عانى من ضعف السمع وكان يكره أن يستعين بسماعة من تلك الاختراعات الإلكترونية. كان يسكن بمفرده في شقة بعمارة يعقوبيان بشارع 26 يوليو، ولم يكن يؤنس وحدته سوى خادم عجوز قضى في خدمته أكثر من ثلاثين عاماً، وكلبه الوولف الذي كان يصاحبه في جولاته الصباحية.
في عام 1962 حصل على وسام الفنون والعلوم والأدب من الرئيس جمال عبد الناصر. في عام 1968 توقف الفنان “زكى رستم “تماماً عن التمثيل وابتعد عن السينما واعتزل الناس بعد أن فقد حاسة السمع تدريجيا وكان يقضى معظم وقته في القراءة.
وقالت “ليلى رستم”، ابنة أخيه، في حوار تلفيزيوني، أنه كان فنان بمعنى الكلمة، وهب حياته للفن ونص ثروته، والنص التاني أخده عبد الناصر، مشيرة إلى أن عبد الناصر أمم ممتلكات أسرة رستم وفدادين الأراضي الزراعية الخاصة بهم.
في مشواره السينمائي عرف بتنوع أدواره فمن أدوار الباشا الأرستقراطي إلى الأب الحنون إلى المعلم في سوق الخضار إلى الفتوة إلى الموظف إلى المحامي إلى الزوج القاسي، وكانت أدوار الشر المتميزة هي بصمته وما عرف بتأديته بشكل بالغ التميز. عُرف بتقمص شخصياته تقمصا كاملا وتدقيقه في أدق تفاصيلها من الملبس حتى معايشة الجو أثناء التصوير بكل تفاصيله الأمر الذي بدأه مبكرا جدا منذ بدايته.
ومن أكثر المواقف المؤثرة والتى اشتهر بها كانت صفعة “صباح”، فأثناء تصوير فيلم «هذا جناه أبي»، تلقت “صباح”، منه صفعة قوية على وجهها، لأنها ضحكت على أدائه أثناء أحد المشاهد، وكان هذا أمام كل العاملين بالفيلم، لكنه حضر إلى غرفتها ليعتذر منها بعد ذلك، وهى أيضا اعتذرت له، لأنها ضحكت عليه وهو مندمج في أحد المشاهد أمامها.
عبقري..
وصفه “محمود القاسم” في كتابه “الوجه والقناع.. أشرار السينما المصرية”: “أهم عباقرة التمثيل بلا منازع في السينما المصرية، لديه قدرة غريبة على التقمص والاندماج، وأن يقنع المشاهد بأدائه مهما كان حجم الدور الذي يُسند إليه، ملامحه تنتقل بسلاسة ومرونة بين الخير والشر، وقد اختاره المخرجون لأدوار الشر من أول أفلامه زينب عام 1930، وتعددت أدواره الشريرة، ورغم نمطيتها إلا أن موهبة زكي رستم جعلته ينوع في أدائه ليبدو في كل مرة مختلفا، فهو لم يكرر أداءه أبدًا رغم تشابه الأدوار”.
وعلى المستوى الشخصى نجد أن حياة “رستم” كانت مملوءة بالدراما، حيث انتحرت حبيبته خوفا من رفض أسرتها زواجها منه لأنه “مشخصاتى”، فأغلق هو صفحة الزواج من حياته بعدها وقضى حياته بأكملها أعزب.
وفاته..
أصيب بأزمة قلبية حادة نقل على أثرها إلى مستشفى دار الشفاء وفي ساعة متأخرة من ليلة 15 فبراير عام 1972 صعدت روحه إلى السماء عن عمر يناهز التاسعة والستين، ولم يشعر به أحد ولم يمشِ في جنازته أحد.
https://www.youtube.com/watch?v=zwfiZPC5XA0
https://www.youtube.com/watch?v=_Fnqz4HJV4A
https://www.youtube.com/watch?v=asx0cMIz4l0