18 أكتوبر، 2024 1:00 ص
Search
Close this search box.

“زاهر الغافري”.. شعره مفتاح للآلام وراصد للبهجة

“زاهر الغافري”.. شعره مفتاح للآلام وراصد للبهجة

خاص: إعداد- سماح عادل

” زاهر الغافري” شاعر وكاتب عماني. أحد أبرز وجوه الشعر في ‎سلطنة عُمان حيث كان له أثر كبير في تشكيل المشهد الشعري العُماني المعاصر.  له بصمته في عالم القصائد النثرية بأكثر من 12 مجموعة شعرية، تُرجمت بعض أعماله إلى عدة لغات منها الإسبانية والصينية وغيرها، وحقق إنجازا تمثل في فوزه بجائزة «كيكا» للشعر عن قصيدته “غريب بين نهرين” في عام 2008.

عودة..

في حوار معه للجزيرة نت أجراه “أشرف الحساني” يقول “زاهر الغافري” عن حياته وتنقله بين العراق والمغرب وباريس ولندن والسويد، وعودته الدائمة ل قرية سرور بسلطنة عمان: “نعم هذا صحيح، ابتدأت هذه الارتحالات في فترة مبكرة من حياتي، منذ الستينيات وحتى الوقت الراهن، فأنا رجل ملول ولا أحب الاستقرار في مكان واحد. شغفي هو التنقل الدائم والسفر في العالم، ربما ورثت هذا الأمر من أبي فهو كان أيضا دائم التنقل خصوصا في شبابه.

بدأت الرحلة إلى بغداد أولا من أجل التعليم الحديث، ومن ثم حياة العيش طولا وعرضا بما في ذلك القراءات وارتياد صالات المسارح وقاعات السينما وحضور الغاليريهات التشكيلية، والكتابة، واستمرت هذه الفترة حتى العام 1977، بعدها انتقلت إلى باريس ثم مونبلييه ثم المغرب تحديدا في الرباط حيث أكملت دراسة الفلسفة في جامعة محمد الخامس، بعدها عشت في طنجة لمدة 5 سنوات.

لقد كنت وما زلت مسحورا بالعالم، بالأمكنة والمدن كأنما هناك قوة خفية تسحبني أو تسحب خطواتي إلى مطارح تمدني بالطاقة. على أية حال، كل الدول التي ذكرتها في سؤالك، كانت امتدادا للرحلة الأولى وفي كل دولة أو مدينة كنت أتعلم وأتذوق أشياء جديدة. ففي نيويورك وحدها عشت ما يقارب 10 سنوات وكنت أتنقل أيضا في ولايات أخرى عديدة في الولايات المتحدة.

أما لماذا العودة إلى قرية سرور في عمان فلأنها كانت المنطلق أو المبتدأ الذي أوصل خطواتي إلى آفاق أخرى، ثم لأن سرور مرتبطة معي بالطفولة والصبا والحياة البسيطة، مرتبطة بالنخيل والينابيع والجبال والشعر هو النبع الأصيل، الأول للطفولة”.

مفارقة الألم والفرح..

وعن المفارقة بين الألم والتمزق والفرح، وتفجير مكنوناتها شعرا يقول: “الشعر يعبر عن الحالات كلها، والمرارة التي تتحدث عنها ربما نابعة من الحزن مما يجري في العالم العربي والعالم. شخصيا أميل إلى الفرح، أما الألم فهو أمر خاص دائما يأتي من مصادر متعددة من المنافي أو من رحيل وغياب الأحباء والأصدقاء، الألم جزء أصيل في حياة الكائن والشعر الذي لا يذهب إلى جذور الألم في ظني يظل سطحيا. انظر مثلا إلى الراقصة الطليعية ومنظرة الرقص إيزادورا دانكان كأن جسدها وحركاتها تنوس بين أقاليم اللذة والألم والموسيقى وخبرة الطبيعة”.

شعر حسي..

وعن الشعر لديه يقول “زاهر الغافري”: “قصيدتي نعم، ذات طابع حسي، لأنني لا أحاول أن أعيش في التجريد مع أنني أحب التجريديين الكبار في الفن، كما عند موندريان وكاندنسكي وصديقتي الفنانة التجريدية سامية حلبي المقيمة في نيويورك. على القصيدة أن ترتطم بإيقاعات الكون وأغلبها إيقاعات حسية من الأفلاك حتى وقع قطرات المطر على الأشجار والأرصفة، وسبق أن قلت إن قصيدة النثر تختلف تماما عن الشعر التقليدي أو الكلاسيكي، فهي لا تمتلك صوتا متعاليا على الموجودات بل تعيش مع الموجودات بصوتها هي الخاص بها.

العابر..

في مقالة بعنوان (“العابر بلا كلمة” لزاهر الغافري.. سهم الريح يصغي لبيانو المستقبل) كتب “صدام أبو مازن”: “يحرض زاهر الغافري الشاعر العماني المقيم في السويد  بمجموعته الشعرية “العابر بلا كلمة” الصادرة حديثا عن “العائدون” للنشر والتوزيع في عمان على الوحدة وإتباع سهم الريح والإصغاء باهتمام إلى عزف بيانو المستقبل.

تحتوي المجموعة على 40 نصا، يكتب فيها الغافري تأملاته بأسلوب شعري متحرر من الكثافة والتعقيد لحساب كتابة شعرية رشيقة كرقصة عصافير على شجرة الحياة المحتشدة بالتفاصيل والأعباء التي يعالجها الشعر ويجلو ما علق بها من غبار الأيام”.

ويضيف: “تحضر في قصيدة الغافري أسماء وشخصيات شعراء مثل مروين، ومواطنه إدغار آلان بو الشهير بلينور، والأديب المغربي محمد شكري. وأيضا، يأتي الشاعر بمفردات من لغات أخرى. كما يكتب استذكارات عن مدن وأماكن زاهرها أو أقام بها، مثل الإسكندرية، حانة هوستن الصينية، لندن، ساحة سان ماركو بالبندقية الإيطالية، آلباني (عاصمة ولاية نيويورك).

ومثل عاشق يهرب من قلعة، كي ينجو من أشرار يملؤون المكان، “في بلاد السَّحَرة”، يتشبث الغافري بخيط نجاة أخير “خيط الشعر”، الخيط ذاته يجعله على تماس مباشر مع كل ذكرى جميلة أو حزينة، يظل يهمس بها في أعماقه طويلا، إلى لحظة يتحول فيها ما كان خيطا إلى قصيدة”.

الشعر..

في حوار آخر أجراه “عاصم الشيدي” مع “شرفات” يقول “زاهر الغافري” عن ماذا يمثل له الشعر: “شخصيا يمثل الشعر لي تجربة حياة وكتابة، الكتابة هنا بمفهوم الحضور والغياب، ومفهوم الزمن. سأذهب في تفاصيل لهذه المحاور وهذه بالنسبة لي تجربة كبرى على صعيد الكتابة.

الزمن بالنسبة لي مثلا ليس غيابا ولا موتا، إنما امتداد هائل وكبير، ليس بالنسبة للشعر وإنما للإنسان على هذا الكوكب، على الصعيد الشعري الزمني الخاص هو لحظة الكتابة الشعرية عندما أجد أن العالم يكاد يختفي من بين يدي هنا أشعر بالرعب، أكتشف نفسي أنني شخص وحيد، رجل وحيد، أكتشف أن العزلة أحيانا مخيفة، لأنها مرتبطة بهذا المفهوم، وأشعر وأحس أن الألم، ألم الكتابة، ألم الشعر في منتهى القسوة، ولا أظن أن الشعر كائن اجتماعي، الشعر بحاجة إلى مساحة هائلة، لأن الشعر مرتبط بالمطلق، بالإله بالقدير، مرتبط بلحظة التجلي، لحظة الغياب”.

وعن الغياب يواصل: “الغياب ليس موتا. الغياب دائما صيرورة حياة الإنسان عندما يكون الإنسان مرتحلا، على سبيل المثال، ليس الموت وليس الزمن. الغياب لا يقف على نقطة واحدة. الغياب دائما لديه شبيه آخر: الحضور. والحضور الإمكانية المتحققة في العالم. إمكانية متحققة في العالم بهذا المعنى الفلسفي. أشير إلى أن الشعر لا يمتلك إلا جماله الخاص. يتحقق الجمال في الشعر وفق رؤيتك للعالم، وفق رؤية الشاعر للعالم. الجمال إمكانية للقبض، أمكانية روحية للقبض على العالم، الشعر

كذلك.. وعندما تتحدث عن حالة المطلق أظن الشعر يحاول أن يكتسب أو يقبض على هذا التجلي الشعري الجمالي؛ لأننا نحن البشر نعيش في عالم فيه من القباحة والشر والصلافة بحيث ينكسر العالم والإنسان، وتنكسر روح الإنسان. لا تستطيع أن تجابه هذا العالم إلا بالشعر وبالجمال، والشعر في نفس الوقت هو جمال الهاوية، الشعر أشبه بالانتحار المؤجل، ولذلك الشعر يأخذ من الشاعر الجذوة والنار الملتهبة في وجدانه وفي كيانه بطريقة مكثفة”.

وعن أين قاده الشعر يقول “زاهر الغافري”: “أظن أنه إلى حافة الهاوية. لكن الشعر لا يساهم على الإطلاق في أن تكون الجراح سهلة، إنما العكس، أظن أن الشعر مفتاح الآلام وبالتالي داخل تجربتي الشعرية هناك مناطق تفتح لآلام كبرى أو عذابات أو خسارات هي جزء من تجربة الحياة، وفي الديوان الأخير «حياة واحدة سلالم كثيرة» كنت أريد أن أعبر عن ذلك، أن أعبر عن مكانيين: التجربة السويدية التي عشتها، وتجربة عمان بعد عودتي، وفي داخل «حياة واحدة سلالم كثيرة» هناك مفهومان للمكان: مكان الحياة والتجربة، ومكان الطفولة. ومكان الطفولة أعتبره دائما هو المنبع الحقيقي للكتابة الشعرية”.

الزمن..

وعن الزمن في شعره يقول: “لا أعمل شعريا بشكل خطي، الزمن الذي أشتغل عليه هو شاقولي بالحفر، وهو الزمن الذي أشتغل عليه عبر الحنين ولكن بشكل شاقولي أو أحاول ذلك. تجربتي الشعرية تتعامل مع عناصر بهذا المعنى العميق، أنا غير قادر على الارتباط بالمسطّح والقبيح، أبحث عن لحظة جمالية. واللحظة الجمالية تأتي مع الطير، مع النافذة، مع العتبة، تأتي مع الأشياء ومع الزوايا المهملة ربما.. لكنها الجزء الذي يشكل وجودي، أنا أحيا وأعيش في مكان أستطيع أن أمدح جدارا أبيضا وأعلق اللوحة؛ لأن الجدار الأبيض في النهاية قد يكون حزينا فأعلق اللوحة لكي أزين هذا الجدار، فالجدر نوعا من البهجة.

ولذلك في قصائدي حجر وحصى وجبل. وهناك شاعر فرنسي مهم بالنسبة لي هو فرنسيس بون وهو أحد الشعراء الكبار الذين كتبوا عن الماديات التي كان يجد فيها نفس الكائن. وهو من كتب عبارة «إن الملوك لا يفتحون الأبواب»”.

وفاته..

توفي “‎زاهر الغافري” يوم 21 سبتمبر 2024 بعد معاناة طويلة مع المرض عن عمر 68 عاما، ويعد “الغافري”.

قصائد ل “زاهر الغافري”..

إلى سلمى:

الجبالُ بعيدةٌ وهذا الألم الطالع من الأمواج

بلا مُلوحةٍ. ليس خطأ بعد الآن أن يمرحَ

السحرةُ فوق الغيوم.

المنازلُ خاليةٌ

وكل وجهٍ أصادفهُ صقيلٌ كحجارة الوادي

المغمورة في ضوء القمر.

كان الأبُ يسهرُ على الزمن في بريق دمعةٍ

عندما سمعتُ البكاءَ

يتردد في الأروقة.

الأختُ بمرآتها تستنجدُ هائمةً في البراري

الأطفالُ كنز الطبيعةِ أيضاً

كانوا هناك.

موتٌ مثلما النظر في المرآة

موت بلا صيحةٍ تُلقي ظلاً

على التراب.

لم أكن نائماً لما رأيتُ صورتكِ

في مياه البئر

ولما رفعتِ ذراعكِ كانت رائحةُ الرماد

تتبعُ مصيري إلى هناك.

لا أحد هذا اليوم

لا ملاك لأرى إشارته تأتي

من قلب ينبوع

كانت نظرتي وحدها

تمرّر هواءً صافياً على التابوت

كنتِ تسيرين لوحدكِ في الظلام بشَعرٍ

طويلٍ يغطي نصف العالم.

وراءكِ، وبقوة المغفرة وحدها، يتظلّلُ

البيتُ بالأزهار ويهدأ غناء الذئاب

في الوديان.

أعرفُ بأنكِ لن تقومي بعد اليوم

ولن يحمل النسيمُ أنفاسكِ إلى

سريري وأنا نائم.

سأخاطبكِ أنتِ هذه الليلة. أخاطب

فيكِ الملاك النائم جوار المقبرة.

سأخاطبكِ يا كارين بوي

وأنتِ تنظرين بعينين من جمرٍ

عاصفةً من كريستال ودخان الذخيرة

يغطي ليل المدن.

الأنوثةُ زهرةٌ على سرير الانتحار

ترفعُ نداء الأيدي إلى

الأعالي.

صوتكِ ذاك

رنّتهُ الشبيهةُ بقفزة وعلٍ مطارَد

صوتك القادم من ضفاف الحرية

يحفر قبراً

فوق أعالي التلال.

اتركي الرّب نائماً على الغصن

وخذي كأساً من حجر الينبوع

للألفية الثالثة.

المعجزاتُ قليلة هذه الأيام

لكن الألمَ غالباً ما يحدث على مرأى الجميع

هنا أو هناك.

كانت حياتكِ غيمةً في الأربعين

ملأى بالفراشات

لكن تذكري

في الغابةِ أو على حافة النهر

يسهرُ الفتيانُ على ضوء أناملكِ

الصغيرة كالبراعم

وهي تتفتح في الهواء.

ـــــــــــــــــــــــ

معرفة اللعبة:

الليلُ يتنفس ببطء، الأختُ في مكانها

تغزل صوفَ الحياة. نزلاءُ الأعالي يمرحون

في الغابات وأنا وحيد. هناك ينتظرني

ليلٌ آخر، أنا الكائنُ ذو الأخطاء الكبيرة

لم أعرف اللعبة قط،

على الأرجح تنقصني المهارة

لأدخل في قلب العالم

تحت راية الصّيارفة.

ــــــــــ

لن:

لن تذهب إلى أبعد من هذا ولن ترى

لن ترى إلى أبعد من النافذة حتى ذلك

النبع لن ترى ذلك النبع الذي يسعى

المرء لأن يغرق فيه كي يولد ثانيةً

تريدُ أن تمتحن المصير على الحافة؟

لكنك على الأرجح رجلٌ ميتٌ يمشي

في الظلام يُرددُ أغنيةً عن منفاه الطويل

لن تذهب ولن ترى ولن يظهر لك الملاكُ

في القلعة.

إلى هنا انتهت المغامرةُ إلى الأبد

وانكشف عُريُ الزمان.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة