خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “366” للكاتب السوداني “أمير تاج السر” تحكي عن قصة عشق غير مكتمل، لكنه عشق كبير يسحر صاحبه. كما تحكي عن مدينة ما في السودان في فترة أواخر السبعينات من القرن الفائت، بما تتميز من أحداث هامة.
الشخصيات..
البطل: مدرس كيمياء في إحدى المدارس الحكومية،. يسكن حي شعبي متواضع يسمي “حي المساكن”. يعيش حياته على الهامش، بمرتب بالكاد يكفيه ليعيش. تتحول حياته فجأة حينما يحضر بالمصادفة فرح قريب له، ويعثر على عشقه الذي يذوب فيه لمدة عام كامل.
هناك شخصيات أخرى تحيط بالبطل ويحكي عنها، تعيش معه في حي المساكن. وتتفاعل معه، وتعيش في حي البستان. ونتعرف من خلال تلك الشخصيات علي تفاصيل كثيرة.
الراوي..
هو البطل الذي يكتب رسائل لحبيبته “أسماء”، ويحكي لها كل ذلك في رسائله. فجاءت الرواية عبارة عن مجموعة من الرسائل يحكيها عاشق للمرأة التي يعشقها ولم يقابلها أو يتعرف عليها، ولم يبادلها نفس المشاعر، وإنما اكتفى بعلاقة عشق أقرب إلي العشق الصوفي من طرف واحد، رغم أنه حاول مرارا العثور عليها ومعرفة مكانها، أو أي شيء عنها.
السرد..
تمتد الرواية على مدار 206 صفحة من القطع المتوسط، رغم أنها تحكي عن علاقة عشق، إلا أنها تحكي عن أشياء وتفاصيل تكشف المجتمع الذي يعيش فيه البطل وملابساته وأحداثه، وعن وخصوصية الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث. وتنتهي نهاية حزينة.
حي فقير..
تدور الرواية في حي المساكن حي فقير، يعيش فيه البطل وحده في بيت متواضع، ويعيش جيرانه في نفس المستوى الاقتصادي والاجتماعي وربما أسوأ. ويحكي لنا عن جيرانه، فنجد “فاروق” الذي يتناول المخدرات، والذي له تاريخ مع الجريمة، لكنه يريد أن يعيش في سلام. ونجد الرجل القبطي المصري الذي يحاول أن يعيش هو وأخته. وقبطي آخر يحاول أن يتقرب من السلطة بخديعة أشخاص اظهروا انتماء لجماعة متشددة دينيا. كمان نجد أناس فقراء يعيشون حياتهم بالكاد نتيجة لتدني مستوى معيشتهم.
في حين يحكي البطل عن الأحياء الفارهة الغنية في رحلة بحثه عن طيف حبيبته. فنجد أحياء تتمتع باهتمام الدولة وعنايتها، وتتزين بكل تفاصيل الرفاهية والرخاء، وتمتلئ بالخادمات الأثيوبيات. ويعيش فيها الأغنياء برفاهية شديدة مما يعكس مدى الفارق الطبقي الكبير ما بين ما يعيشه البطل في حي المساكن، ومن يحيط به من جيرانه، وما بين ما يعيشه الأغنياء في تلك الأحياء الأخرى التي منها حي البستان. ذلك الحي الذي ظن أنه يحوي حبيبته التي رآها لمرة واحدة فقط، وظل مولع بها.
هذا التفاوت الطبقي يتضح من التفاصيل الكثيرة التي يحكيها، مثل وسائل المواصلات التي تتوافر لدي الأحياء الشعبية وعربات الأجرة التي يذهب بها إلى حي البستان. وحول رجال السلطة الفاسدين الذين يصلون إلى مناصب عليا، كالوزارة. رغم تاريخهم مع تجارة العملة ومهن أخرى فاسدة. ويحكي عن الظلم الاجتماعي الكبير الذي يعانيه ناس كثيرون، مثل البطل، لكنه حكي غير مباشر، نستنتجه من تلك التفاصيل الكثيرة التي تمتلئ بها الرسائل، التي يكتبها البطل بلهفة عاشق.
كما تحكي الرواية أو الرسائل عن القمع الذي يدور والمتمثل في هروب أخو البطل الذي انتمي لحزب البعث الاشتراكي، وكيف تقمع السلطة من يعارضها، وتنكل به سواء داخل المعتقلات أو بعد خروجه منها.
كما ترصد الرواية الفقر في ذلك الوقت الذي يعاني منه الكثيرين، ذلك الفقر الذي لا يرحم مدرس قضي سنوات طويلة في التعليم مثل صديق البطل، والذي هداه عقله أن يرتكب جريمة نظيفة لا تدل عليه لكي يتزوج من الفتاة التي يحبها، ولم يشعر بالذنب لارتكابه تلك الجريمة.
عشق لا حدود له..
كما أبدعت الرواية في وصف حالة العشق التي انتابت البطل، ذلك الرجل الذي لم تكن له علاقة جيدة بالنساء، والذي كان يتحاشاهم طوال حياته، ليجد نفسه فجأة فريسة لعشق آسر ملك عليه وجدانه، امرأة رآها مرة واحدة ولوقت قصير يجد نفسه وقد ذاب عشقا فيها، وظل طوال عام كامل، سنة أيامها 366 يوما، وقد أصبح يستمتع بالهيام فيها والذوبان في مجالسة طيفها والاستمتاع بحضور لها لا يوجد سوي في خياله. ويحو حولها في الطرق والأحياء ليعثر لها علي أُر ويملأ أيامه بمتعة كتابة الرسائل والحكي لها.
لكنه مع قوة ذلك العشق يستسلم في النهاية، يستسلم لمصير حزين لأنه يدرك أن الأغنياء هم من يفوزون دائما، فقريب الوزير الفاسد هو من حصل عليها أخيرا بأمواله ونفوذه والسلطة التي منحت له عنوة. حتى لا يعطي لنفسه الفرصة لكي يتأكد إن كانت هي أسماء التي يعشقها أم لا، فقد فضل الرحيل بعد أن وصل إلي آخر مراحل العشق.
استطاع الكاتب أن يرسم شخصية البطل بعمق ليصور لنا ما يدور داخله بدقة، وكيف يرى العالم من حوله والشخصيات التي يتفاعل معها. كما نقلت الرواية أجواء أواخر السبعينات من القرن الفائت ما بين صعود للتيار الديني المتشدد وانتماء البعض إليه نتيجة للإحباط من تفاوت طبقي ظالم، ورصدت أداء السلطة الذي كان مجحفا، كما رصدت أحوال الناس.
الرواية..
“366” رواية للروائي السوداني “أمير تاج السر” صدرت الرواية لأول مرة عام 2013 عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت. ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2014.
الكاتب..
“أمير تاج السر” روائي سوداني، ولد في السودان عام 1960. يعمل طبيبا للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكرا ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينيات. صدر له أربعة وعشرون كتابا في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: “مهر الصياح”، “توترات القبطي” و”العطر الفرنسي” التي صدرت كلها في العام 2009، “زحف النمل” (2010) و”صائد اليرقات” (2010) التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011 وترجمت إلى الإنجليزية والإيطالية. ترشحت روايته “366” (2013) في القائمة الطويلة لجائزة العام 2014، وكانت ضمن الروايات الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية للعام 2015. وصلت روايته “منتجع الساحرات” إلى القائمة الطويلة لجائزة العام 2017.