خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “ولو بعد حين” للكاتب الفلسطيني “بسام أبو شاويش” تحكي عن النضال الفلسطيني منذ الأربعينات وحتى فترة الثمانينات، في قالب حكاية تجمع بين بعض الأبطال من الصهاينة والفلسطينيين.
الشخصيات..
ديفيد أهارون: يهودي، كان يعيش في أوربا، وتعرض هو وأهله لاضطهاد النازية، حيث قتلت عائلته أمام عينيه وهو يختبئ في قبو منزله، وقد ذهب للكيان الصهيوني بحثا عن حياة أفضل، ليصبح قاتلا للفلسطينيين.
استر جولدمان: سيدة يهودية تعمل في صندوق القومي لليهود الذي يساعد الكيان الصهيوني على التواجد والبقاء.
ثيويدور بولانسكي: يهودي من عائلة غنية، عمه ينتمي للمحفل الماسوني، الذي بحسب الرواية يساعد الكيان الصهيوني على الوجود والبقاء، كان عمه من أغنياء اليهود وكان عضوا في المحفل الماسوني ثم أورثه أمواله ومناصبه.
صلاح: فلسطيني، يناضل بكل قوته وحماسه منذ أن كان شابا في الأربعينات، لكي يمنع اليهود من التوغل في وطنه وبعد النكبة والاحتلال يظل يناضل هو وكثير من الفلسطينيين.
حسام: مناضل فلسطيني آخر ذا توجه يساري.
عبد القادر: مناضل فلسطيني ذا توجه ديني.
وهناك شخصيات أخرى في ثنايا الرواية، تعكس الشخصيات نماذج سواء من الفلسطينيين أو من اليهود الذين يشجعون الكيان الصهيوني ويدعمونه.
الراوي..
الرواية تعتمد على تعدد الأصوات، تحكي كل الشخصيات عن نفسها بضمير المتكلم، وعن باقي الشخصيات، مما يعطي الرواية ثراء وتنوعا مميز.
السرد..
الرواية محكمة البناء، تعتمد على الحكي من خلال تقنية تعدد الأصوات، وتتبع الشخصيات في تطور حياتها وعلى خلفية ذلك تحكي عن القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني الذي بدأ وتطور مع تطورات الاعتداء الصهيوني على فلسطين، ومواقف الدول المجاورة من ذلك النضال، وتنتهي الرواية نهاية سعيدة، بانتقام “نضال” ابن “صلاح” من قاتل عائلته “ديفيد أهارون”.
الفقراء هم من يتحملون عبء حماية الوطن..
الرواية ترصد كيف دخل اليهود فلسطين وكيف توغلوا فيها بمساعدة الاحتلال الانجليزي الذي كان يستعمر أرض فلسطين في ذلك الوقت، وكيف سعى أغنياء اليهود إلى تحقيق حلمهم في أن يكون لهم أرضا تجمعهم، ووفق ادعاءاتهم يكون أرضهم التي وعدهم الرب بها. لكن الكاتب بدأ الرواية بحكاية “ديفيد أهارون” الذي قتلت النازية عائلته، ولا أعلم لما بدأ بذلك، أهو إقرار تاريخي بأن اليهود تم اضطهادهم والتعامل معهم بوحشية في أوربا، لكن هذا من شأنه أن يجلب عطف القراء مع “ديفيد” ومن هم على شاكلته من اليهود الذي ذهبوا إلى الكيان الصهيوني وساهموا في بناءه.
وكأنهم كانوا مجبرين على الذهاب إلى “أرض الميعاد” لأن أوروبا لفظتهم وقتلت ذويهم بوحشية، كما قدم الكاتب وجهة نظر “ديفيد” في الفلسطينيين وأنهم مجموعة من المخربين الذي ينوون تخريب حلمهم ووطنهم، وقد نقل الكاتب ذلك بشكل محايد جدا على لسان أو من خلال صوت “ديفيد” والشخصيات الصهيونية الأخرى.
كما بينت الرواية كيف أن اليهود الأغنياء يمتنعون عن الذهاب إلى الكيان الصهيوني، وطنهم المزعوم، لأن الأغنياء يبعدون عن مصادر الخطر، ولا يحاربون من أجل وطنهم، فقط يستخدمون أموالهم لكنهم يبتعدون عن الخطر، والذين يحاربوا فعليا من أجل أفكار الوطن، والأفكار الأخرى السامية هم الفقراء.
لكنها أيضا رصدت رفض هذه الشخصيات الصهيونية للحكومة اليمنية المتشددة التي صعدت وكان لها اليد الطولى في الاعتداء على جنوب لبنان، كما عبر “ديفيد” عن رفضه لنظام الحكم في الكيان الصهيوني والذي يتسم بالطبقية والذي يحقق مصالح من يحكمون هذا الكيان بشكل كبير.
كما رصدت الرواية مشاعر “صلاح” و”حسام” و”عبد القادر” وهم الثلاثة ينتمون إلى اتجاهات فكرية مختلفة وربما متصارعة، لكنهم رغم ذلك اجتمعوا على حب وطنهم فلسطين ومحاولة إنقاذه وتحريره، كما كثير من الفلسطينيين الذين شاركوا في النضال، وأثبتوا شجاعة منقطعة النظير رغم تخلي الأنظمة العربية عنهم أو مماطلة البعض في دعمهم ومساندتهم.
كما رصدت مواقف الأنظمة العربية بشيء من التفصيل في فترة الأربعينات وحتى الثمانينات من القضية الفلسطينية والتحرر الفلسطيني، وكيف كان هناك تضييق على المناضلين الفلسطينيين في أثناء سعيهم إلى تحرير وطنهم، وكيف أيضا لقوا الدعم من البعض.
حياد..
الرواية تتميز بحيادها نحو الأشخاص الذين يعتبرون أعداء للفلسطينيين، فقد قدمتهم في سياقهم الإنساني، فهم يتألمون ويتعذبون أيضا ويعانون، ويحبون ويخافون، ويفكرون في مصيرهم وحياتهم.
كما تتميز برصدها لحركة التحرر الفلسطيني بتفاصيله الدقيقة منذ بدء توغل اليهود في فلسطين، كيف تعاملت العائلات الغنية بدناءة وتحالفت مع المحتل الانجليزي، اهتماما بمصالحها المادية فقط، وكيف كانت هذه العائلات تتصارع فيما بينها، غير عابئة بمصلحة الوطن، وبالخطر المقترب منه، كما باعت بعض العائلات الغنية من أصول غير فلسطينية الأرض لليهود، وبيعت الأرض أيضا عن طريق خداع اليهوديات لبعض الأفراد من الأغنياء الذين كانوا يتمتعون بتلك اليهوديات في السر.
كما رصدت كيف اختلفت العائلات على المصالح ولم تتصد لمحاولة خطف الوطن، من تصدى هم الفقراء والكادحون وأبناء الوطن الذين لا مصلحة لهم سوى الحفاظ على وطنهم، وأبناء المخيمات الذي شردوا وتوزعوا في أنحاء الأرض.
الرواية تعتمد على حس إنساني كبير، وعلى اهتمام بالتفاصيل الدقيقة، وعلى لغة جزلة، ورسم عميق للشخصيات، التي تعتبر بمثابة نماذج لكثير من الفلسطينيين وحتى الصهاينة. كما تؤكد على فكرة الانتقام، فالدم لا يمحوه إلا الدم.
الكاتب..
“بسام أبو شاويش” كاتب فلسطيني مقيم في غزة، صدر له: رواية (أنا آتيك به) ومجموعة قصصية بعنوان “زمن الكاتويشا”، ورواية “ولو بعد حين”.