25 فبراير، 2025 8:44 ص

رواية “هل ستكون هنا”.. حين تملك فرصة تغيير حياتك وتحتفظ بها

رواية “هل ستكون هنا”.. حين تملك فرصة تغيير حياتك وتحتفظ بها

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “هل ستكون هنا” للكاتب الفرنسي “غيوم ميسو” تحكي عن حلم الإنسان في أن يعود بالزمن إلى الوراء، لكي يصلح قراراته الخاطئة، أو لكي يرى عزيز عليه فقده، ولا يستطيع رؤيته مرة أخرى، أو لينقذ حبيبة، أو لأسباب أخرى كلها تعود لفكرة إصلاح ما أفسدته السنين، أو مراجعة الاختيارات والقرارات وتصليح نتائجها.

الشخصيات..

إليوت: البطل، طبيب وجراح ماهر، يبلغ من العمر ستون عاما، ويوشك على الموت بسبب سرطان الرئة، وحين تتاح له فرصة الحلم أو التمني يتمنى أن يرى حبيبته لمرة واحدة، والتي فقدها منذ ثلاثون عاما. ثم تتوالي المفاجآت.

وتعرض الرواية أيضا شخصية “إليوت” وهو في عمر الثلاثين، ونشعر بمدى الاختلاف الكبير ما بينهما، ف “إليوت” الثلاثيني طائش نوعا ما متهور، مازلت الحياة لم تنضجه بعد، لكن “إليوت” الستيني ناضج هادئ يتخذ القرارات بناء على خبرة  وفهم.

إلينيا: حبيبة “إليوت”، قابلها وهو في سن العشرين وهو يعاني من الوحدة، وأصبحت حبيبته لمدة عشر سنوات، لكنه لم يتزوجها أو يعيش معها، فضل أن تكون علاقتهما أكثر حرية وأن يعيش كل منهما في مكان ويتقابلان على فترات متباعدة لكي تظل حياتهما مليئة بالشغف، لكن نكتشف أن “إليوت” هو من كان يفضل ذلك لأنه كان يخاف من حياة الزواج والإنجاب، لأنه محمل بعقد الماضي حيث كان لديه أب سكير وعنيف وأم مأزومة نفسيا أنهت حياتها بالانتحار.

مات: صديق “إليوت” وهو فرنسي، ينقذ “إليوت” حياته في سن العشرين ويظلان أصدقاء حتى عمر الستين، لكن حين يتلاعب “إليوت” بأحداث حياته يفقد “مات”، وتنتهي صداقتهما.

انجي: ابنة “إليوت”، يجد نفسه أمامها فجأة حيث تأتي نتاج ليلة غرام واحدة مع إحدى السيدات، لكنها تكون هدية حياته التي لا يستطيع الاستغناء عنها.

وهناك شخصيات ثانوية داخل الرواية.

الراوي..

الراوي عليم، لأنه يحكي عن الشخصيات من الخارج، وبضمير الغائب، كما يعرف أشياء كثيرة لا تعرفها هي، ولكنه يركز الحكي على “إليوت” وعلى مشاعره وانفعالاته وأفكاره، بينما يحكي عن باقي الشخصيات من خلال “إليوت” وتعاملهم معه.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 367 صفحة من القطع المتوسط، تتخذ التشويق أحد سماتها، لكنها لا تستخدم آلية السفر في الزمن كنوع من الفانتازيا أو الخيال العلمي مثل روايات أخرى، وإنما تتعامل معه كوسيلة لفهم الشخصيات واختياراتهم في الحياة، وكيف سيتصرفون حين تتاح لهم هذه الآلية، لذا لم تأخذ فكرة السفر في الزمن على محمل الجد، حيث أن أي تغيير حدث يؤثر على أحداث أخرى كثيرة وإنما تعاملت معه كعصاة سحرية لتحقيق أحلام ورغبات الشخصيات.

إمكانية تغيير لحظات فارقة..

تحكي الرواية عن فكرة هامة، وهي إمكانية تغيير لحظات فارقة في حياتنا، اتخذنا فيها قرارات خاطئة وإن كانت بسيطة وعفوية، نتجت عنها نتائج خطيرة، مثل أن يقرر “إليوت” قضاء يوم عيد الميلاد مع مريضة وحيدة يشفق عليها، ويلغي موعده مع “إلينيا” فيتسبب ذلك في موتها لأنها تعود للعمل بمزاج متعكر وتخطيء في تعاملها مع حيوان مفترس وهو حوت أنثى فيؤدي ذلك إلى موتها.

وحين تتاح للإنسان فرصة لتغيير حياته في الزمن الماضي يسعى بشراسة أن يغير تلك الأحداث التي أفسدت حياته، ويسعى لإنقاذ الأحبة الذين فقدهم رغما عنه، ويسعى لإصلاح أخطاءه الصغيرة التي أدت إلى كوارث كبيرة.

الاحتفاظ بأشياء ثمينة..

رغم أن “إليوت” أتيحت له فرصة لتغيير الماضي متمثلة في 9 حبات من دواء ساحر تجعله يسافر عبر الزمن، ويرى نفسه في عمر الثلاثين، إلا أنه لم يتخل عن شيء هام وثمين جدا في حياته وهي ابنته “انجي”، والتي جاءت نتيجة علاقة عابرة.

في بداية سفره في الزمن كان يتمنى فقط أن يرى حبيبته لمرة واحدة لأنه موشك على الموت ويريد أن يراها، لكنه بعد ذلك أحس بالأمل في أن يغير مصير حبيبته التي ماتت في عمر الثلاثين، لكنه مع ذلك فكر في الاحتمالات ووجد أنه سوف يفقد ابنته “انجي” إن هو أنقذ “إيلينا” وعاش معها، لذا اختار قرارا أصعب وهو أن ينقذ حياتها ثم يهجرها حتى يتسنى له إنجاب ابنته.

وكقارئة شعرت بغباء “إليوت” لأنه كان من الممكن أن يعيش مع “إيلينا” ثم يدبر أمر إنجاب طفلته، أو شعرت أن الكاتب قد جعل الأبطال يعانون بينما كان من الممكن إيجاد فرص أكثر سعادة لهم.

وربما أراد أن يركز على فكرة أنه إذا أتيحت لك فرصة تغيير حياتك فإن هناك أشياء ستود الاحتفاظ بها وسوف تضحي من أجلها بسعادتك، وهذا ما فعله “إليوت” حيث قرر أن يحتفظ ب”انجي” ومن أجل ذلك قرر أن يحرم نفسه من “إيلينا” التي أحبها والتي لم يكن يتمنى غيرها، حتى أنه أجبر “إليوت” الثلاثيني على هجرها بعد إنقاذ حياتها، مما دفع ب”إليوت” الثلاثيني أن يخسر صديقه “مات” أيضا،  وإن كنت شعرت أن هذا القرار كان مبالغا فيه، فقد خسر “إليوت” “إيلينا” وفوق ذلك خسر “مات” أيضا الذي كان رفيقا لعمره.

لكن الكاتب أراد أن تكون النهاية سعيدة رغم شقاء “إليوت” واختياره طريق التعاسة لكي يحتفظ بابنته، وذلك حين جعل “مات” ينقذ حياته وينبهه لخطر التدخين الذي أدى لإصابته بالسرطان، والموت لنجد أن “إليوت” عاد ولم يمت. لكنها كانت نهاية مفتوحة فلم نعرف هل عاد لصداقة “مات” مرة أخرى؟ وهل عاد ل”إيلينا” أم لا؟، وإن كانت العودة متأخرة ثلاثين عاما.

لم يعش “إليوت” الثلاثيني بعد مقابلة “إليوت” الستيني حياته سعيدا وإنما حرم من حبيبته ومن صديقه، لكنه عندما تقابل مع طفلته “انجي” لأول مرة عرف معنى الأبوة الحقيقي، ومعنى أن يكون له طفلة، واكتشف أن هذا الإحساس لا يعادله شيء حتى حبه ل”إيلينا”، وكأن الكاتب أراد أن يعلي من قيمة الأبوة على قيمة الحب بين الرجل والمرأة.

لكنه مع ذلك لم يرد إتعاس القراء أكثر، فأعاد “إليوت” إلي “مات” و”إيلينا”.

الرواية..

الرواية ليست قوية كباقي روايات “غيوم ميسو” التي تحكي عن قصص الحب وعن الإنسان ومشاعره وأفكاره وتطرح أفكار كثيرة بحبكة قوية، ربما لأن الكاتب فرق بين الحبيبين أو لأنه جعل “إليوت” يفرط في صديقه، ولكن أيضا لأنه ركز أكثر على فكرة الاحتمالات وجعل “إليوت” الستيني هو المتحكم في مصير “إليوت” الثلاثيني. كنت كقارئة أتمنى لو تمرد “إليوت” الثلاثيني وعاد ل”إيلينا” لنرى احتمالات أكثر مفاجأة.

فرغم أنه أعطى “إليوت” الستيني 9 حبات إلا أن “إليوت” الستيني كان حذرا ولم يكن يريد تغيير عميق لحياته، ربما لأنه كان راضيا عنها حتى أنه لم ينبه “إليوت” الثلاثيني من مرض السرطان ولم يحذره من مخاطر تدخينه المفرط، ولا أعلم لذلك سببا، ربما ليقول الكاتب أن تغيير الحياة بالكامل أمر مستبعد، وأن الإنسان بمقدوره تغيير أشياء طفيفة إذا أتيحت له الفرصة لذلك حتى لا يفقد حياته التي عاشها واستمتع بها، ورغم ذلك ترك “إليوت” الثلاثيني يفسد حياته “إليوت” الستيني بمفارقة صديقه “مات”.

كنت أتمنى لو عاد “إليوت” ودبر أمرا أكثر حبكة ليحوذ على كل فرص السعادة، لكن الكاتب أراد أن يقول أن الحصول على كل شيء مستحيل وعلينا أن نختار أن نضحي بشيء غال لصالح شيء آخر لا نريد تركه.

الكاتب..

ولد “غيوم ميسو” في السادس من يونيو عام 1974 في فرنسا، وهو واحدٌ من أشهر كتابها، وتحتل كتبه قوائم أفضل المبيعات هذه الأيام. دأب “ميسو” منذ طفولته على قراءة الكتب والمسرحيات، حتى أصبحت لديه قناعة حقيقية بأنه سوف يكون روائيا يومًا ما.

غادر بلده إلى أمريكا في سن التاسعة عشر، وأقام في ولاية نيويورك لعدة أشهر مع بعض المغتربين، معتمدًا على بيع الآيس كريم كوسيلة لاكتساب رزقه! عاد إلى وطنه فرنسا وعقله مليء بأفكار عديدة للروايات.

صدرت أولى رواياته في 2001 ولم تحقق النجاح المطلوب، ثم تتابعت أعماله الناجحة بعد ذلك حتى صار من أشهر مؤلفي فرنسا. ترجمت بعض رواياته إلى أكثر من عشرين لغة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة