خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “هذيان إمبريالي” للكاتب السوداني “محمد خير عبد الله” تحكي عن الكتاب والمثقفين في قالب ساخر، لكنها سخرية مرة تميل إلى المبالغة والتضخيم.
الشخصيات..
البطل: الشخصية الرئيسية، كاتب أربعيني، لديه موهبة في الكتابة لكنه يعاني من الفقر، يسخر من كل الأوضاع المحيطة به، من الكتاب والمثقفين والوسط الثقافي كله، من الحكومة والنظام الحاكم، من الفقر المنتشر والأغنياء، من كل شيء حتى أنه يسخر من نفسه.
الشخصيات الأخرى يتذكرها الكاتب في مواقف تحدث له معهم.
الراوي..
الراوي هو البطل، يتحدث بضمير المتكلم عن نفسه، ويحكي عن مواقفه مع الآخرين وعن خيالاته وأحلامه ومخاوفه، في حكي أقرب للتداعي، ويخاطب القراء.
السرد..
الرواية قصيرة، تسير حول فكرة مركزية وهي فوز الكاتب بجائزة ثقافية كبيرة ترعاها إحدى الشركات الشهيرة، ويسخر منها أيضا الكاتب رغم فوره بها وفرحته الشديدة بالفوز، حتى أنه يحلم بصوت الفتاة التي أخبرته بنبأ الفوز ويعتبره صوتا ساحرا فتح له الآفاق.
قالب ساخر..
الرواية مميزة في قالب ساخر تحكي عن أزمة الكتاب، ليس فقط في السودان وإنما في منطقة الشرق بكاملها، هؤلاء الكتاب الذين يعاني معظمهم من الفقر، والذي في الواقع هو مشكلة نسبة كبيرة من الشعوب في بلدان الشرق، حيث يستأثر بالثروات نسبة قليلة من الأغنياء. يعاني الكتاب من الفقر ورغم إحساسهم بأن لديهم موهبة كبيرة وأن لديهم أحلاما يريدون تحقيقها ونصوص يودون التفنن في صياغتها وكتاباتها، لكن يمنعهم الفقر لأن النشر أصبح يكلف مالا، فالكاتب حين يكتت نصا يعجبه ويريد أن يعرضه على الناس مطالب بنشره على نفقته الخاصة، لأن الثقافة أصبحت تسير وفق قانون التسليع والتجارة، فأصبح النشر تجارة مثل كل التجارات ودور النشر تنشر فقط لمن يملك أن يدفع أموالا لطباعة كتابه، لذا منع الفقر الكاتب من أن يحقق حلمه ويصبح كاتبا له كتب يقرؤها الناس.
فساد الوسط الثقافي..
وتكشف الرواية الفساد المستشري في الوسط الثقافي، حيث صحفيين يكتبون عن من يعرفونهم من الكتاب، ونقاد يتقاضون أموالا لكي يلمعوا كاتب أو كاتبة ويثنون على نصوصه ويشيدون بها، رغم أنهم في الكلام الخاص يعترفون بضحالة هذه النصوص، وكتاب يدفعون الأموال لنشر نصوصهم وللنقاد والصحفيين لكي يشيدوا بهم وبكتاباتهم.
لكن حديث الكاتب الساخر ينطوي على مبالغة، ربما ليجعل نقده للوسط الثقافي كاريكاتوريا، مثل الرسم الذي يضخم عيوب الإنسان في الرسم الكاريكاتوري، فقد بالغ في وصفه للكاتبات والمثقفات حتى اقترب من حافة العنصرية في التعامل مع المرأة الكاتبة والمثقفة، كما كان وصفه لبعض الشخصيات وإعطاءه أسماء وتوصيفات مضحكة عنهم كاريكاتوريا ومبالغا فيه بعض الشيء.
وسخر الكاتب من حيبيباته أيضا، منهم من تركته لتتزوج برجل غني، ومنهم من يصفها بالغباء والجهل.
الجائزة..
وامتد أمر السخرية إلى الجائزة التي اعتبرها الكاتب تغييرا في مصيره، حيث عرف بها من أحد الكتاب، وذهب بمخطوطة روايته التي يسخر منها أيضا وربما يبالغ في التضخيم من مدحها بشكل مضحك، فيسخر من الشركة العالمية التي ترعى الجائزة ومن الكتاب الذين يشيعون أنها جائزة سيئة، ومن هؤلاء الذين يتكالبون على التقديم لها والفوز بها. لكن كان فوزه بها على رغم من أنه متوقع إلا أنه كان بالنسبة له نقطة تحول في مصيره، لأنه سينشر روايته وربما يجعله ذلك يعرف ككاتب ويتحقق ما أراده .
في معرض حديثه الطويل يسخر الكاتب من الحكومة التي أفقرت الناس والتي تقبض عليهم، ويسخر من الأغنياء الذين يرتادون المصارف التجارية، ويسخر من السيدات اللاتي تفوتهن فرص الزواج فيلجأن إلى إغراء الرجال بالمال ليتزوجوا منهم.
تتميز الرواية بالحس الساخر والذي يعتبر سخرية مرة لأنه ينقل أوضاعا بائسة للكتاب، الذين يقتل الفقر أحلامهم ويجعلهم يدورون في دوائر مفرغة وربما تدفن موهبتهم وتخبو لأنهم لا يجدون مخرجا أو مكان أو جهة تتبنى مواهبهم. وهذا أيضا يحيلنا إلى تخلي الدولة عن دعم الثقافة، وهذا يحدث منذ سنوات طويلة في بلدان كثيرة في الشرق، وربما في السودان يختلف الأمر، لكن في كل الأحوال أصبحت الدول الشرقية لا تهتم بدعم الثقافة والمثقفين والكتاب، وإذا دعمت فهي تدعم أبواقا تهلهل لها، وتمتدحها وتمتدح رموزها. كما يضع دائرة كبيرة حول فساد الوسط الثقافي وسعيه إلى الشللية وإلى عمل علاقات تعتمد على المصلحة المادية أكثر من الاعتماد على تقديس الثقافة والإعلاء من شأنها.
الكاتب..
“محمد خير عبد الله” هو كاتب وقاص وروائي سوداني ذائع الصيت، عرف بتمرده وأسلوبه في الكتابة المتفرد، وهو رئيس نادي القصة السوداني، أخر رواية صدرت للكاتب حديثا عن دار رفيقي للطباعة والنشر رواية “عرس عبد”، 2020.
ولد “محمد خير عبد الله” في ولاية النيل الأبيض بمدينة الفشاشوية في عام 1946، أما مراحلة التعليمية درس الابتدائي في الفشاشوية ثم الثانوي بمدينة كوستي، ونال الدبلوم تعليم بمنظة سولو ودبلوم تصوير فوتوغرافي بوزارة الثقافة.
في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عمل “محمد خير” موظفا بالإعلام الزراعي في وزارة الزراعة والثروة الحيوانية، وعند انقلاب عمر البشير على السلطة في عام 1989م، قام بفصل الآلاف من العاملين الذين لا ينتمون لتنظيم الجبهة الإسلامية القومية، فيما يعرف بسياسة التمكين، صار كاتبا صحفيا بكل من صحيفة (الخبر والصحافة ودنيا وصحيفة الرأي العام وصحيفة القرار).
أعماله:
مجموعتين قصصيتين:
– “حنيميات” ( مجموعة قصصية) صدرت في عام 1999.
– “هذا هذا” (مجموعة قصصية) أيضاً صدرت في عام 1999.
الروايات:
– لعنة الحنيماب (2005).
– هذيان كهل (2001).
– ليلة قتلني الرئيس (2011).
– سيرة قذرة (2014) وكانت قد منعت من النشر في فترة حكم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، عبر المصنفات الأدبية التي تتبع لوزارة الثقافة والإعلام التي كانت تعمل على التضييق على الكتاب والروائيين.
– “شجن الروح شغف الجسد” صدرت في عام 2016م.
-رواية “المانوس” صدرت في عام (2016).
– رواية حيثيات وصل الأمانة، ورواية انتفاخ رئاسي، ورواية عرس عبد.
وفي المجال العام أنشأ نادي القصة السوداني وأندية اليونيسكو/ وصار نائباً لرئيس الاتحاد ورئيس نادي القصة السوداني ومدير عام مجلة سرديات ومدير عام لصحيفة القصة السودانية ولديه الآن أكثر من سبعة مخطوطات في الرواية.
– في عام 2019 صدرت للكاتب كتاب تحت عنوان “أيام مع أبي ذر (أو حينما كانت الخرطوم في قبضة الأصدقاء”، الكتاب يتناول حياة الكتاب والمثقفين في السودان إبان حقبة الثمانينات، وأن الكاتب والصادق الرضي أصدقاء، يرتكز الكتاب بشكل أدق حول حياة الشاعر الفذ أبي ذر الغفاري السوداني وهو الصديق الحميم للكتاب الذي اختفي في ظروف غامضة.
جوائز:
- الجائزة مركز عبد الكريم ميرغني (جائزة الطيب صالح).
- الجائزة الأولى للرواية العربية التي أطلقتها دار الفكر العربي بالدمام.