14 نوفمبر، 2024 10:20 م
Search
Close this search box.

رواية “نحو الجمال”.. يلجأ الإنسان للجمال ليستعيد توازنه وأمانه النفسي

رواية “نحو الجمال”.. يلجأ الإنسان للجمال ليستعيد توازنه وأمانه النفسي

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “نحو الجمال” للروائي الفرنسي “ديفيد فونكينوس” إصدار دار غاليمار باريس، رواية إنسانية تحكي عن قيمة الجمال في حياة الإنسان، خاصة الذي يعاني من عدم اتزان نفسي نتيجة لبعض الظروف الحياتية.

الشخصيات..

أنطوان دوريس: أستاذ “تاريخ الفن” في مدرسة ليون للفنون الجميلة، يقرر فجأة هجرة عمله وشقته وحياته ليعيش في مكان آخر ويعمل في مهنة تحقق له الانعزال، وهو أن يصبح حارس لمتحف بعد أن كان أستاذا للفن، ثم نكتشف سبب عدم اتزانه النفسي.

ماتيلد: امرأة تعمل في متحف في تسيير أمور الموظفين، تلتقي ب”انطوان” وتندهش من غرابته، وتدعوه لحضور أحد المعارض، وتقترب منه بسبب ولعه بالفن الذي تشاركه فيه.

لويزا: امرأة عاش معها “انطوان” لحوالي سبع سنوات، لكنها قررت أن تنفصل عنه، لأنها لا تراه والدا لأطفالها، وتسبب له جرحا غائرا، وترتبط برجل أكبر منها تصادفه في عملها، بل وتحمل منه أيضا، مما يسبب احساسا مزريا ل”انطوان”.

كاميل: فتاة في سن الثامنة عشر، عانت من تجربة مريعة، وهي تجربة اغتصاب تعرضت له وهي أصغر في السن، ولم تستطع أن تخبر والداها ولا أن تنتقم لما حدث لها، بسبب تهديد المغتصب لها بأنه سيؤذي أمها مهنيا، وبسبب قربه من عائلتها، وشعرت طوال سنوات بالغصة وحاولت أن تستعيد توازنها النفسي لكن تحدث لها انتكاسه تجعلها تقتل نفسها.

الراوي..

الرواية تتميز بتعدد الأصوات، حيث يحكي “انطوان” عن نفسه ثم تحكي “كاميل” عن نفسها وعن تجربتها الصعبة، ثم يعود الحكي ل”أنطوان”، كما تحكي “ماتيلد” عن نفسها أيضا.

السرد..

الرواية تنقسم إلي أربعة اقسام، القسم الأول يحكي “انطوان” عن حالة الانكسار التي أصابته وجعلته لا يريد التواصل مع أحد، وترك عمله وبيته وعمل حارسا في أحد المتاحف، القسم الثاني يحكي فيه عن انفصاله عن “لويزا” وكيف تم، وعلاقتها بالرجل الكبير وابنته، القسم الثالث عن “كاميل” واغتصابها واكتئابه، والقسم الرابع يحاول انطوان تخليد ذكري “كاميل”، وتنتهي الرواية نهاية إيجابية رغم أنها تحكي قصة “كاميل” المأساوية، حيث يحاول “انطوان” تخليد ذكري “كاميل” بعمل معرض للوحاتها.

حين يفقد الإنسان تماسكه..

ما حدث في القسم الأول هو أن “انطوان” حكي عن تجربته حين افتقد تماسكه النفسي تماما، لذا فقد ترك عالمه الذي يعتاد عليه، ترك مهنة التدريس لمادة الفن وترك منزله وترك مدينته، وذهب لمدينة أخرى ليعمل في مهنة أقل اجتماعيا ومهنيا، من أستاذ للفن، وكان في مرحلة متأخرة من التدهور النفسي، حتي أنه كان يجد مجهودا في أن يرد علي الناس في كلامهم العادي، أو يشارك أحدا في بضع لحظات، أو يتقابل مع أحد في كافيه، لكنه مع ذلك استطاع الاقتراب من “ماتيلد” التي كانت هي أيضا تعاني من الوحدة والجفاء، امرأة ترعي طفلين وتجتهد مهنيا وتقضي يومها في شجارات الأطفال وتحضير الطعام ورعاية المنزل الي جانب مهام عملها، فتجد “انطوان” وتشعر نحوه بانجذاب رغم غرابته وسكوته المريب وعدم قدرته علي عمل تواصل إنساني مكتمل.

ويلمح “انطوان” في ذلك القسم إلي موضوع افتراقه عن “لويزا” لكنه لا يحمله مسؤولية ما جرا له. وينتهي القسم الأول بموافقة “ماتيلد” أن تصطحبه في رحلة عودته إلي “ليون” أو بالأحرى في رحلته لأن يستعيد ذاته واتزانه النفسي، ويذهب الي قبر “كاميل” ولا نفهم كقراء ماذا يحدث.

هجر وجرح..

ويبدأ القسم الثاني بالحكي عن علاقته ب”لويزا”، وعن هجرها له وكيف أنها شعرت بعد مرور سبع سنوات من الحياة المشتركة، التي ظنها “انطوان” سعيدة، أنه ليس الرجل الذي تتمني أن تكمل معه حياتها، وأنه ليس الرجل الذي تتمني أن تنجب منه أطفالها. لكن مع ذلك لم يقدم الكاتب تفاصيلا أكثر عن الجفاء الذي حدث بين “لويزا وانطوان”، ولكنه قدم شعور “انطوان” بالحزن علي هجر “لويزا” له وفقدانه للتوازن، حتي أنه أصبح لا يستطيع عمل علاقة حميمة مع امرأة أخرى حتي وإن كانت علاقة جنس فقط . فقد تمكنت “لويزا” من مشاعره تماما، وأصبح لا يجيد التواصل مع امرأة اخري، لكنه لم يقدم تفصيليلا شعور “لويزا” نفسها نحوه وكيف تحول الحب إلي كراهية أو علي الأقل اختفاءه وتبدده.

الاغتصاب..

في القسم الثالث يترك الكاتب ل”كاميل” الحرية الكاملة في التعبير عن نفسها، حيث تحكي مشاعر طفلة تنجذب الي مجال الرسم، وتشعر بالهوس الشديد نحوه، ثم وقوعها في تجربة الاغتصاب المريرة ورسم الكاتب بصوت “كاميل” المشهد الذي عانت فيه “كاميل” من الخوف والرعب، ثم رصد معاناتها في السنوات التالية من الهشاشة النفسية ومن فقدان الثقة في الناس ومن شعورها بشعور سيء نحو نفسها جراء انتهاك جسدها، وعدم استطاعتها رد العدوان عن نفسها، وانهيارها بسبب أنها ظلت تري مغتصبها وهو ينعم بالحرية والحياة بعد أن قتل داخلها شيئا ثمينا. رصد الكاتب تأثير الاغتصاب علي نفسية المرأة الطفلة المراهقة بشكل بليغ.

الجمال والذات الإنسانية..

في القسم الرابع نكتشف سر هشاشة “انطوان” وهو تقاطعه مع “كاميل” وشعوره للحظات بالانجذاب نحوها، ثم إعطائها درجة سيئة علي أحد الواجبات التي قدمتها له وظنه أنها انتحرت بسبب ذلك، مما جعله ينهار تماما. ثم يكتشف حقيقة حياة “كاميل” ومأساتها حين يذهب إلي والدتها لتفقد الأمر، ويحاول من خلال هذا الاكتشاف تسليط الضوء علي رسومات “كاميل” البارعة وتخليد ذكراها بمعرض للوحاتها، يستعيد من خلاله توازنه النفسي بعد أن حاول أن يقدم ل”كاميل” معروفا عوضا عن شعوره أنه خذلها.

الرواية في مجملها تتحدث الجمال، من خلال هوس “انطوان” بلوحات الفنانين الفرنسيين وجلوسه أمام هذه اللوحات يتأملها حين عمل كحارس وحاول التوحد مع تلك اللوحات في مكان هادئ، بعيدا عن جهد التواصل مع البشر. وأيضا “ماتيلد” التي تخاطب النساء داخل اللوحات وتعجبها لوحات بعينها، هنا يعلي الكاتب من قيمة الجمال الذي يلجأ اليه الإنسان ليتسعيد توازنه وأمانه النفسي.

الكاتب..

ولد “دافيد فوينكينوس” في باريس عام 1974، وحصل على شهادة في الآداب من جامعة السوربون، كما تلقى تدريبا طويلا كموسيقي جاز، فهو عاشق للموسيقى ومعجب كبير ب”جون لينون”. صدر له من قبل رواية “ناتالي والبحث عن الرقة” التي ترجمت إلى لغات عدة، وتم تحويلها إلى فيلم. وصدرت له رواية “الطاقة الأيروسية لزوجتي”، و”الذكريات”، و”أنا أفضل بكثير” و”شارلوت” وغيرها من الأعمال الأدبية، التي نال عليها عدة جوائز.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة