2 فبراير، 2025 1:54 ص

رواية نبؤة على التلفاز.. الانتقام من المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي بسرقته

رواية نبؤة على التلفاز.. الانتقام من المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي بسرقته

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “نبؤءة على التلفاز” للكاتب السوري “أمين الساطي” تحكي عن شخص بسيط رافض للمجتمع الرأسمالي ويسعى للانتقام منه.

الشخصيات..

وائل: البطل، شاب لم يستطع إكمال تعليمه الجامعي، التحق بإحدى الوظائف الحكومية بواسطة من أحد أقرباءه، فقير يعيش في غرفة صغيرة ومرتبه ضئيل يكفيه بالكاد.

سلمى: زميلة البطل في العمل، تحلم بأن تتزوج، على قدر قليل من الجمال، يعجب بها البطل لكن لا ينتوي الزواج منها، تحاول التقرب منه لكنه يراوغ في تحقيق رغبتها في الزواج.

مايا: فتاة ليل قابلها البطل بالصدفة وأقامت معه علاقة إلا أنها هربت بعد أن شعرت بخطورته.

وهناك شخصيات قليلة.

الراوي..

الراو عليم  يحكي عن “وائل” وعن الأحداث الخاصة به وشعوره وانفعالاته، ويحكي أيضا عن انفعالات وأحاسيس باقي الشخصيات.

السرد..

الرواية قصيرة تقع في حوالي ١٦٠ صفحة من القطع المتوسط، تحكي بأسلوب طريف وبرصد للشخصيات وما يشعرون به وما يفكرون. فيه تعتمد على بعض التشويق في حكاية المذيع الذي يتنبأ بالأحداث لنكتشف في النهاية أنها من تخيلات البطل الذي يعاني من مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية.

الانتقام من المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي بسرقته

تعتمد الرواية على تصوير انتقام “وائل” من المجتمع الذي يراه استهلاكيا طبقيا، ظالما، ومجحفا لكثير من الناس الذين يعيشون فيه، فهو يعيش في لبنان ينتمي لأسرة فقيرة، أخته الوحيدة تعاني من فشل كلوي وتضطر إلى غسيل كليتها مرتين في الأسبوع بدلا من ثلاثة، لاأن المستشفى الحكومي الذي يعالجها مزدحم بالمرضى، أبوه متوفي ويعول أمه وأخته بمرتب حكومي ضئيل . ويضطر إلى هذا العمل الذي لا يحبه لأنه أكثر أمانا من العمل في القطاع الخاص. وهو عمل لا يتناسب مع ثقافته ولا مع طبيعته الانطوائية.

يتوهم “وائل” في أحد الأيام أنه يشاهد مذيعا يتنبأ بالأحداث في التليفزيون، ثم يتخيل ذلك المذيع يحادثه ويعطيه أوامر بتخريب بعض الممتلكات البسيطة، ثم يعطيه أوامر بالسرقة، وهذا ما يلاقي قبولا لدى “وائل”. ويستجيب لأوامر المذيع ويبدأ في عمل سلسلة من السرقات، ليس فقط بغرض الحصول على مال سهل وكثير لمعالجة أخته، التي ساءت حالتها المرضية، وانتهى الأمر بأن تموت بعد أن ذهب بها إلى الهند ليجري لها عملية زرع كلى.

ولكن لأنه يشعر أن سرقة الأموال تحدث تخريبا للنظام السيئ الذي يحكم، ذلك النظام الذي يقهر الناس ويخضعهم، لأن “وائل” مقتنع تمام الاقتناع أن الناس مغيبين، وأن هناك نظام عالمي يحكم الناس ويضع الفلور في الماء ليؤثر على عقولهم ويجعلهم خاضعين، كما ويخضعهم عن طريق الإعلام. كما أنه مقتنع بظلم النظام الذي يحكم العالم، والذي يخلف أناسا يبذلون أقصى جهدهم ليعيشوا بالكاد حياة بسيطة، في حين أن هناك أناس آخرون يتحصلون على أموالا كثيرة تفيض عن حاجاتهم بكثير دون بذل أي جهد.

وهو يشعر بوطأة هذا الظلم منذ طفولته، وازداد شعوره به حين لم يستطع إكمال تعليمه الجامعي، وحين اضطر إلى إعالة أمه وأخته المريضة، وحين عمل في عمل لا يحبه ولا يدر عليه دخلا جيدا.

ثم يتحول “وائل” بالتدريج من رجل مثقف متعلم درس الفلسفة بالجامعة لكنه لم يأخذ شهادة، إلى رجل يقوم بأعمال تخريبية، ثم إلى سارق يقوم بقتل الناس ليسرق البنوك ومحلات الصرافة والمحال، كل ذلك بإيعاز من المذيع الذي يراه على التلفيزيون الذي في غرفته الضيقة التي يعيش فيها، وأثناء ذلك يحلم بالزواج من ابنة صاحبة البيت الفتاة الشقراء الجميلة التي تبلغ حوالي 16 عاما، فهو كرجل يحب الفتيات في بداية عمر الشباب، ويغوي سلمي زميلته في العمل لكن لا ينتوي الزواج منها لأنها لا تتمتع بالجمال الأخاذ الذي يرغب فيه.

ولا يتورع أن يقيم علاقة مع “مايا”، تلك الفتاة التي دفعتها ظروفها القاسية إلى العمل في البغاء، بحيلة وإجبار من أحد القوادين وبسبب فقرها وإعالتها لأسرتها، ويأخذ منها نقودها، بل ويقتل القواد وهو مقتنع تماما أنه يقوم بعمل جيد لأنه ينقذها من القواد الذي يجبرها على  العمل ويسرق نقودها.

ثم بعد ارتكاب عدة جرائم لا يعود يشعر “وائل” بالذنب، بل بالأحرى هو لم يشعر بالذنب من البداية لأنه اعتبر أعماله نوعا من المقاومة والتمرد على النظام الرأسمالي الاستهلاكي القاهر، ومحاولة لخلخلة هذا النظام واثبات فشله.

يقول الراوي داخل الرواية : “إن الأفكار الغريبة التي لا تخضع للمنطق، تتسرب أحياناً إلى عقولنا رغماً عنا، فلا تلبث إلا أن تتحكم فينا، لأنها تتوافق مع مصالحنا الشخصية ورغباتنا المقموعة، فنجدها بعد فترة، وقد تحولت إلى هواجس، لا تنفك عن مطاردتنا، حتى تسيطر علينا، فنصبح عبيداً لها، وخصوصاً إذا لم نجد في تلك اللحظات من يقف إلى جانبنا لينقذنا من هذه الضغوط النفسية الرهيبة التي نرزح تحتها”.

وتنتهي الرواية باكتشاف القراء أن “وائل” كان يعاني من انهيارا نفسيا، وأنه دخل إحدى المستشفيات للعلاج، كما أنه عاش بمفردة في غرفته بعد أن التحق بالعمل بواسطة من أحد أقربائه لمساعدته، وأن التليفزيون الذي كان يرى عليه المذيع الذي حرضه على كل أفعاله كان تلفيزيونا قديما أصر على أخذه من أمه لأنه يذكره بوالده وهو عطلان ولا يعمل، لنكتشف أن تلك الخيالات ما هي إلا رغبات دفينة داخلة.

الكاتب..

“أمين الساطي” ولد بدمشق عام 1941، وذهب ودرس في أمريكا وتخرج من جامعة ولاية أوكلاهوما في عام 1965، وعمل مهندسا في ديترويت بالهندسة المدنية لمدة عامين، وبعدها عاد إلى سوريا وتوظف بوزارة الأشغال العامة، ثم أرسلته الوزارة بمنحة دراسية إلى مدينة روتردام بهولندا في عام 1971، وعاد بعدها في عام 1972 إلى وظيفته السابقة بوزارة الأشغال العامة، وفِي عام 1983 سافر إلى السعودية ليعمل في مكتب للاستشارات الهندسية وبقي موظفاً بنفس المكتب حتى عام 2016، وبعدها تقاعد عن العمل وسافر إلى دبي بالإمارات العربية المتحدة. وهو مؤلف كتاب “أوهام حقيقية”، ورواية “نبوءة على التلفاز”. وعضو في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة