خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “ميلانين” للكاتبة التونسية “فتحية دبش” تحكي عن الاغتراب، سواء داخل الوطن أو خارجه، شعور الإنسان بالاغتراب داخل وطن لا يوفر له حياة كريمة، وفي بد آخر يلجأ إليه لكنه يجد العنصرية والاضطهاد في استقباله.
الشخصيات..
البطلة: أنيسة عزوز، صحفية تكلف بعمل تحقيق صحفي عن المهاجرين إلى فرنسا، وهي نفسها تتعرض للتنمر والعنصرية.
رقية: شخصية في رواية أنيسة عزوز، لكنها تتمرد عليها.
سهيل: شخصية ثانية في رواية أنيسة عزوز، وحبيب رقية، الذي يحوله شعور الاغتراب من حبيب حنون إلى رجل قاسي.
الراوي..
تحكي الرواية أنيسة عزوز بضمير المتكلم، لكنها تترك الفرصة لرقية لكي تحكي بصوتها من خلال رسائل تحتفظ بها على هاتفها، كما تترك الفرصة لسهيل أيضا ليحكي عن نفسه بصوته من خلال رسائل له على هاتف رقية التي ماتت دهسا بسيارة وهي ذاهبة إلى منزلها، يحكي فيها سهيل لرقية عن مشاعره وأحاسيسه.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 167 صفحة من القطع المتوسط، رواية قصيرة، وهي رواية داخل رواية، السرد يتنقل ما بين أنيسة عزوز التي تقوم بعملها وسط رواية أخرى تشغل خيالها وبين رقية وسهيل. والنهاية جاءت مفتوحة.
الاغتراب بين عالمين..
تحكي الرواية عن اغتراب الشرقيين حين يذهبون إلى فرنسا، ليس فقط لأنهم يكرهون كونهم مطرودين من وطن لا يوفر لهم حياة كريمة، ويجبرهم على الرحيل بحثا عن لقمة العيش، ولكن لأن الوطن الجديد ليس وطنا، يلاقون فيه معاملة سيئة، فيعاملون بعنصرية واضطهاد، يقومون بأعمال شاقة تستهلك ساعات يومهم، وتستنفذ قوة أجسامهم، يبنون فرنسا، منذ أجيال.
يبنون أنفاق المترو والمستشفيات وأماكن أخرى حيوية وهامة لكنهم لا يجدون معاملة حسنة، يعيشون في إحياء شعبية مكتظة، ويعانون من اضطهاد الشرطة، ومن بطالة وفقر وعوز. ومن اتهام أنهم من يثيرون الشغب وأعمال العنف في المجتمع. ذلك الاغتراب المضاعف الذي يعاني منه المهاجرون، اغترابهم داخل وطنهم الذي لم يحنو عليهم والاغتراب من معاملتهم كمواطنين درجة ثانية وربما ثالثة ورابعة، في مجتمع غربي يأبى اندماجهم، بل يظل يحافظ على مسافة كبيرة بين مواطنيه وبين المهاجرين من شمال إفريقيا وباقي بلدان الشرق الأوسط.
تطرح أمر هام أيضا، أمر التمييز على أساس اللون، ووجود بعض الفرنسيين الذين بدعوى دفاعهم عن القومية يمعنون في عنصريتهم، ويشعرون أن هجرة هؤلاء الناس أمر غير مقبول وأنه وبال شر على بلادهم، ومنهم من يدعي التعاطف والاهتمام لكنه يخبئ في داخله عنصرية لا يعترف بوجودها.
المحير في الأمر أن أنيسة عزوز نفسها تشعر بوجود تلك الثنائية وتتحدث عنها كثيرا في أثناء حكيها داخل الرواية، ثنائية الشرق والغرب، ثنائية نحن وهم، هم يحبون ونحن لا نستطيع أن نحب، هم يفكرون بعملية ونحن تكبلنا قيود من الرجعية…. وهكذا.
إشكالية الكتابة..
تطرح الرواية أيضا إشكالية الكتابة، كيف يعاني الكاتب حين يخلق شخصياته، ويرسم مصائرهم وصفاتهم ملامحهم، وبشكل مميز تتخيل الكاتبة تمرد الشخصية الروائية على كاتبتها واختيارها مصير لنفسها من صنعها هي، وكأن الكاتب إله يدعي الرحمة بشخوصه لكنه لا يتنازل عن سلطويته تجاههم.
تتمرد رقية وتقرر أن تموت، وتترك رسائل لأنيسة عزوز تخبرها فيها أنها ليست كما رسمتها وتخيلتها، لكنها أيضا تموت لأنها لم تتحمل موت حبيبها الذي قتله اغترابه، بعد أن كان عاشقا حنونا لها. غيرته غربته في فرنسا، فقد إحساسه بذاته وتاه وسط الصخب، واستسلم للقسوة حتى غزت قلبه وأصبحت طريقته في التعامل مع حبيبته، ليموت موته، ليست مضحكة بقدر ما هي ساخرة، اختارتها له أنيسة عزوز ربما تنكيلا به أو لأجل ما فعله برقية، فقد مات اختناقا بحبة فياجرا، ورقية من جانبها تحملته في قسوته، ولم تغضب منه ظلت تراه وطنا لها رغم تحولاته.
الرواية ترصد عنصرية فرنسا في التعامل مع المهاجرين، وحزن المهاجرين، وتمسك كثير منهم بتقاليده وعاداته البالية، والتمسك بعصبية تحرم على النساء الحب أو الاختلاط ، كما ترصد محنة الملونين في مجتمع يدعي تمتعه بالحرية.
الكاتبة..
فتحية دبش، كاتبة تونسية/ فرنسية. من مواليد 1969، حاصلة على الماجستير من جامعة ليون/ فرنسا. صدر لها مجموعة قصصية قصيرة جدا بعنوان (رقصة النار) 2017. فازت روايتها “ميلانين” بفئة الروايات العربية المنشورة في جائزة كتارا لعام 2020.