8 أبريل، 2024 4:57 م
Search
Close this search box.

رواية “مستر نوركَه”.. ما بين صراعات العراق ورفاهية النرويج وتسامح شعبها

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية”مستر نوركَه” للكاتب العراقي “نوزت شمدين” تحكي بالأساس عن شغف ما تجاه الكاتب النرويجي “هنريك إبسن” وهو كاتب مسرحي شهير، لكنها ومن خلال ذلك الشغف بهذا الكاتب تصور عالمين مختلفين، عالم العراق بصراعاته وحروبه وتعقيداته السياسية والاجتماعية، وعالم “النرويج” تلك الدولة التي استطاعت أن تقوم من عثرتها بعد اندماج مع دولتين وبعد حربين عالميتين وصراعات لتتقدم وتتطور، وتصبح من إحدى الدول التي توفر لشعبها حياة كريمة ومناسبة.

الشخصيات..

“مستر نورگه”: أو “نافع غانم أحمد” وهو رجل عراقي، عاش حياة بائسة منذ طفولته، تعرض فيها لإيذاء جسدي كبير من قبل والده الذي كان مريضا بدوره، وهذا الإيذاء الجسدي الشديد سبب له مرض نفسي “شيزوفرينيا”، وجعله لا يشعر بالألم أو الجوع أو تقلبات الطقس الشديدة، ولديه قدرات عقيلة مبهرة على حفظ النصوص والمشاهد ونبرات صوت الناس، ويتعلق بفكرة كونه ينتمي إلى “هنريك إبسن” وأنه جده.

واجدة: أخت “نافع”، عاشت طوال حياتها تحاول دعمه ومساعدته على الشفاء من مرضه، حتى أنها لم تتزوج ولم يكن لها حياة خاصة بها، أنفقت عمرها في الاعتناء بأخيها الصغير.

محاسن: والدة “نافع”، سيدة ظلمتها الحياة حيث توفى والدها وهي صغيرة وزوجتها زوجة أبيها لرجل يكبرها بأعوام كثيرة، ظل يؤذيها جسديا ومعنويا، وهي لا تعرف مكانا آخر لتذهب إليه، ثم ارتضت في النهاية مصيرها البائس، حتى حين عرض عليها أخوها أن تترك زوجها وتعيش معه كانت ترفض. ثم عانت من مرض ابنها “نافع” وظلت مصرة على إبقاءه بجانبها ومساعدته على الشفاء من مرضه.

غانم القصاب: والد “نافع”، عاش حياة بائسة هو أيضا أدت به إلى مصير بائس، حيث عاش في طفولته مجاعة دارت في بلاده، وقد اتجهت والدته ووالده إلى قتل الناس ليأكلوا لحومهم وقتل الأطفال خاصة، وحين عرف بجريمة والده هربه بعض الناس واعتنت به إحدى الأسر، لكنه ظل طوال حياته يعاني من ذلك وظهرت آثار مرضه النفسي على ابنه وزوجته.

فاضل: موظف في مكتب عامة يساعد “نافع” في استعارة الكتب وجلبها ليرضى شغفه بالتهام كل ما يخص “أبسن” والنرويج، ويتضح في النهاية أنه صديق وهمي ل”نافع” تخيله خياله.

المغامر النرويجي الشهير(ثور هايردال): هو من فجر لدى “نافع” الشرارة الأولى في وجود تشابه بينه وبين “هنريك إبسن”، حين علم بمأساة “نافع” وهو طفل صغير حيث شاءت الصدف أن يقابله، ومن وقتها احتفظ “نافع” بحلمه في أن يكون منتمي ل”ابسن” وللنرويج.

(هشام) وهو مهندس عراقي كان مقيماً في النرويج وعاد إلى بغداد، يملأ فراغات كثيرة في ذهن “نافع” ويمده بالأمل والدعم والمعلومات عن الحياة في النرويج، لكن أيضا يكتشف القراء أنه شخصية خيالية في ذهن “نافع”.

الراوي..

راو عليم، يحكي عن الشخصيات، ويركز على حياة “نافع” وشخصيته، وعن حتى الشخصيات الخيالية التي يتخيلها “نافع” وكأنها شخصيات حقيقية داخل الرواية، حتى أنه يحكي تاريخها الماضي، ويركز الراو بشكل أساسي على “نافع” ومسار حياته، وعلى حال العراق تزامنا مع تقدم “نافع” في السن.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 300 صفحة من القطع المتوسط، تبدأ من قرب النهاية، حيث نافع رجل خمسيني يحاول جاهدا تحقيق حلمه في السفر إلى النرويج لتعود إلى طفولته وتحكي عنها وتسير الأحداث بشكل تصاعدي، زمنيا، ونشاهد كقراء “نافع” وهو يكبر والأحداث المصاحبة لنموه، ثم تعود الرواية من حيث ما بدأت لتنتهي نهاية حزينة، لكنها مرضية ل”نافع” الذي يتخيل قبل موته أن حلمه قد تحقق.

الفرق بين عالمين..

أهم ما ترصده الرواية هو الفرق الهائل ما بين عالمين، عالم دولة في منطقة الشرق هي دولة العراق، أنهكتها الحروب والصراعات، والاستعمار الذي أصر على التفريق بين الشعب على أسس كثيرة وأمعن في التفريق مما أثر على حياة الشعب العراقي فيما بعد، ثم سلطة غاشمة ساهمت في قهر الشعب وزيادة معاناته، وبسبب تلك الظروف السياسية البائسة عاش الشعب العراقي ظروفا بائسة تمثلت، في حياة الشخصيات التي في الرواية، في صورة معاناة طويلة نفسيا وجسديا، فمعظم الشخصيات في الرواية قد طالتهم المعاناة “غانم ونافع ومحاسن وواجدة وفاضل وهشام”، مجتمع يعاني فيه الأفراد بقسوة، وحياتهم تمتلئ بالأحزان والمآسي.

وما بين عالم آخر، دولة النرويج دولة أوريبة استطاعت مثل الدول الأوربية الأخرى الخروج من محن وصراعات وحروب، خاصة الحربين العالميتين والنهوض مرة أخرى والتطور حضاريا وسياسيا واجتماعيا، مما انعكس على حياة الأفراد هناك وحياة الشعب بأكمله، لكن الكاتب لا يعقد هذه المقارنة فقط. وإنما يستعرض حياة النرويج في وقت كان الشعب فيها يعاني هو أيضا، وكانت الأمراض الاجتماعية متفشية أيضا وقت حياة “هنريك إبسن” الذي حاول معالجة أمراض المجتمع في أدبه ومسرحياته، فالرواية تحاول القول أن المجتمعات تعاني من الأمراض لكن إمكانية التغلب عليها ممكنة. وإمكانية النهوض مرة أخرى تتحقق حين يحاول الإفراد إصلاح أنفسهم، ووقتها ينصلح حال المجتمع وهذه إحدى الأفكار التي تطرحها الرواية بشدة.

الحيوات البائسة..

كما ترصد الرواية عدد من الحيوات البائسة في العراق، حياة غانم القصاب، وحياة محاسن وحياة نافع  وحياة واجدة، حيوات تؤثر عليها الظروف السياسية والاجتماعية وتطحنها، كما ترصد تاريخ العراق وتأثيره على الناس اجتماعيا بدء من تحرر العراق من الاستعمار العثماني لتقع في براثن الاستعمار البريطاني، ثم الأحداث السياسية التي تليها، والحكم من قبل حكام عراقيين وسلطات تتوالي وحروب تتابع، وحصار وغزو واقتتال طائفي على الهوية.

كل تلك الأحداث تؤثر في حياة الناس بعمق فنجد المصائر في أغلبها تميل نحو المأساوية، “نافع” يموت في تفجير و”واجدة” تعيش وحيدة و”فاضل” تتركه أمه ويعيش انفصالا اجتماعيا، و”محاسن” تعاني الوحشة والحرمان العاطفي والإيذاء الجسدي الشديد. والناس في معظمهم يعانون من الفقر والعوز نتيجة سوء توزيع الثروات ونهبها من قبل السلطات المتتابعة، وتنتشر بينهم الأحقاد والكراهية والغل فيعاملون المرضى النفسيين منهم بقسوة، مثل ما يحدث مع “نافع” الذي يؤذيه الناس بدنيا ومعنويا ويسخرون منه ومن مرضه ومن قدراته غير الطبيعية وحين يحتاجونه يعاملونه باحترام وتوقير.

هنريك إبسن..

تعكس الرواية أيضا شغف كبير بالكاتب المسرحي “هنريك إبسن” بسيرته الذاتية وبأعماله المسرحية وبمعالجته لقضايا المجتمع وأمراضه، وبكل ما يدور حوله، كما تعكس شغفا بدولة النرويج يتضح في كل التفاصيل التي حشدها الكاتب من خلال شغف “نافع” وهوسه بها، لنعرف كقراء تفاصيل كثيرة عن دولة النرويج وحياة شعبها.

يمكن القول أن هذا الشغف أطل واضحا داخل الرواية، لكن الكاتب أحب أن يصيغه في رواية تتحدث عن بلده أيضا وعن ما يدور فيها، فلم يكتف بالحكي عن النرويج وإنما ارتضى أن يكون ذلك من خلال مقارنة ما أو حتى موازاة مع بلده وموطنه العراق ومشاكله وصراعاته ومآسيه.

استخدمت الرواية لغة عذبة واستطاع الكاتب تصوير عمق الشخصيات وأحاسيسها وانفعالاتها تجاه ما يدور لها، وكانت شخصية نافع ذات تأثير كبير رغم تبلدها العاطفي الظاهر، إلا أنها قد أثارت تعاطف بعض القراء ومنهم أنا.

الكاتب..

“نوزت سالم خليل شمدين آغا” كاتب عراقي ، يكتب باسم “نوزت شمدين”. ولد في منطقة الفيصلية بمدينة الموصل في الأول آب من عام ١٩٧٣، أكمل فيها دراسته الأولية، وحصل على شهادة البكالوريوس في القانون من كلية الحدباء الجامعة في دورتها الأولى. عمل في نطاق المحاماة ثمان سنوات قبل أن يتركها ويتفرغ على نحو كامل للصحافة.

كتب الشعر في بدء مشواره، ثم انتقل إلى عالم القصة القصيرة، فكتب ونشر العديد منها في العراق وخارجه، وشارك في إصدارين من كتاب (قصص من نينوى)، وحصل على جوائز تقديرية، لتأتي سنة 2002 ويصدر روايته الحقيقية (نصف قمر) التي مثلت انطلاقته الحقيقية.

رحل ككاتب ضيف إلى مملكة النرويج، وتعد رواية “مستر نوركَه” الرواية الخامسة للكاتب “نوزت شمدين”، إذ صدرت له (نصف قمر) عن دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 2002 و(سقوط سرداب) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت 2015 وعن ذات الدار (شظايا فيروز)2017، و(ديسفيرال) عن دار سطور للنشر والتوزيع بغداد 2019.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب