6 أبريل، 2024 9:33 م
Search
Close this search box.

رواية “مرسال”.. انهزام البطل بسبب انعدام الفرص ورواج الزيف

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية “مرسال” للكاتب المصري “محمد صلاح راجح”، تحكي عن بطل مهزوم، على مستوى المهنة التي اختارها بناء على موهبته، ومهزوم في الحب ومهزوم في تواصله مع البشر.

الشخصيات..

البطل: طارق مرسال، كاتب، يكتب الرواية والسيناريو، ويعلم الطلاب مهارات كتابة السيناريو في ورشات خاصة، لكنه رغم ذلك لم يستطع أن ينفذ أي سيناريو مما كتب، دوما ما يعجب المخرجين والمنتجين بما يكتب من سيناريوهات لكن لا يتم تمثيلها في أفلام، حتى فقد الأمل في أن يتحقق ذلك، عانى أيضا من ممانعة الكتابة فترة من الزمن ومن انفصال عن زوجته التي يحبها، يفضل الانعزال والابتعاد عن البشر، حتى وصل إلى مرحلة نفور من البشر ومن تعاملاتهم، لكنه رغم ذلك يحتفظ بصداقات قوية، فلديه ثلاث أصدقاء قريبين رجلان وامرأة، ورغم ذلك يصر على التقوقع على ذاته وتجرع الهزيمة أو بالأحرى الانغماس فيها.

هناك شخصيات أخرى داخل الرواية، لكنها إما تتفاعل مع البطل أو يكتبها البطل نفسه.

الراوي..

تعتمد الرواية على حكي البطل طارق، عن نفسه وعن الأحداث التي تجري له، وعلى حكي عن الشخصيات القريبة منه في حدود ما هو مهتم أن يتابعه، مثل علاقة حب بين صديقه وجارته. لكن هناك حكي آخر عبارة عن ثلاث قصص يجدها طارق خارجة من آلة كاتبة، ولا يعلم من كتب تلك القصص لكنه يشك أحيانا أنه هو من كتبها، لكن مع ذلك لا نعرف كقراء من كتب تلك القصص بالفعل حيث تنتهي الرواية دون أن نعلم من هو كاتب تلك القصص.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 208 صفحة من القطع المتوسط، البداية كانت جذابة، حيث توجد حكاية مشوقة مكتوبة بحروف الآلة الكاتبة، وعناوين تشد القارئ ثم كتابة أخرى بالكمبيوتر وحكاية “طارق مرسال”، هناك نسبة من التشويق في حكاية الآلة الكاتبة التي اشتراها البطل من محل غريب، ثم يكتشف أن هناك أوراق مكتوبة بجوار الآلة،ويسمع صوت تكتكات الكتابة عليها ثم يكتشف اختفاءها، ثم حين يبحث عن المحل الذي اشتراها منه يجده وهم وأنه غير موجود بالفعل. لكن للأسف لم تكمل الرواية في تلك الحكاية المشوقة وإنما بترتها.

فقد أخذ الراوي القراء في منطقة تشويق وإثارة وغموض لكنه لم يكشف تفاصيل ذلك الغموض في النهاية ليشبع فضول القارئ ويرضيه، وإنما اكتفى بذلك الغموض كحكاية صغيرة غير مكتملة، بجوار سرده الطويل عن إحباطاته ويأسه وعزلته، ربما أوحى الكاتب للقارئ أن تلك الحكاية إنما هي من خيال البطل المتعب والمهزوم وأنها خيالية، لكنه ذكر أن “آية”، الفتاة التي تزوجها، قد رأت تلك الآلة ورأت أوراق صفراء مكتوب بها حكاية، مما يعني أن تلك الحكاية لم تكن خيالا، لكن ربما كتب الكاتب تلك الحكايات ونسى أو منعه ذهنه من التذكر، لكن أيضا لم يجزم الراوي بخصوص ذلك، وهل هي حكايات البطل ومن تأليفه أم لا، خصوصا أن حكاية منها لم تحدث وإنما هي تصور لحدوث خيانة تخص صديقه المقرب، النهاية جاءت مفتوحة، حدث انتصار مهني  للكاتب لكن رغم ذلك لم تكن النهاية سعيدة أو حزينة وإنما توحي باستمرار عزلته وسخطه على الناس والمجتمع والعصر الذي يعيشه.

الانهزام..

الرواية تكرس لفكرة الانهزام تلك التي تثقل روح الكاتب، فهو مهزوم على مستوى الحب حيث هجرته زوجته وحبيبته “مريم”، ويعترف أثناء حكيه بمسؤوليته عن ذلك، فهو كان قد وعدها بالنجاح وتحقيق منجزات مهنية ومادية لكن ذلك لم يحدث، ربما ذلك رغما عنه نتيجة لمقاييس عصره التي تمنح الرواج لكتاب وتمنعه عن كتاب آخرين، حيث ينتشر نوع من الكتابات وسيناريوهات الأفلام لا يهتم البطل بها وإنما يركز على جوهر الثقافة، لذا فقد توقف تطوره المهني وأثر ذلك على علاقته بزوجته، ثم اشتعلت غيرته كرد فعل على انهزامه المهني مما جعلها تقرر الانفصال.

وانهزامه المهني نفسه لم يعد يعبأ به، لأنه، وكما صور في حكاية الفنان الذي لم تأته الفرصة ليثبت موهبته على المسرح، قد منع من أن يتطور ويجد فرصته بسبب رواج الزيف وأنصاف الموهوبين، وقد فقد الأمل في أن يتحقق شيء بالنسبة له، في أن يتجسد أحد السيناريوهات التي كتبها على الشاشة ويرى كلماته وهي تتدفق على ألسنة الممثلين، لكنه مع ذلك حقق انتصارا بعد أن استطاع أن يكتب للإذاعة ويخرج للنور مسلسل كوميدي من تأليفه.

ساخط على كل شيء..

كما أنه ساخط على كل شيء، بدء من الأعراف والقواعد الاجتماعية، وعلى تعاملات الناس وسلوكياتهم،  وعلى الزيف السائد وعلى النفاق الاجتماعي، يفضل الانعزال والابتعاد، لكنه مع ذلك من جانبه لا يتعاطف مع أحد، يكتفي طوال الوقت بأخذ الموقف السلبي وغير الفاعل، يتابع “مريم” بشكل يومي من خلال حسابها على الفيس ويتجرع الألم، وحين تحتاجه صديقته “آية” بسبب فعل اشترك معها فيه يتنصل منها، ويبدي عدم الاهتمام، وحين يقوم بالفعل فإنه يقوم به مرغما، وغير راض، ولا يهتم بمواساتها أو التعامل معها بحنان، رغم أنها كانت صديقته المقربة وكانت تفهمه، وتزوجها بسبب حمل حدث نتيجة لقاء جنسي عابر بينهما لكنه ظل يصر على التعامل معها بجفاء.

حتى حين قبل بفكرة أن يكون له طفل كان ذلك رد فعل من هو مجبر على ذلك، حتى حين موت الطفل لم يكن حزنه يليق بالحدث، وإنما بالأحرى ارتاح لفكرة موت الطفل وسارع في إتمام الطلاق من “آية” دون رحمة بحالتها النفسية وانهيارها.

هو شخص أناني يتمحور حول ذاته، ويتغنى طوال الوقت بالهزيمة والانهزام، لكن حين تتاح له الفرصة ليكون فاعلا ومؤثرا في حياة شخص ما يجبن ويظل على سلبيته وانعزاله وتقوقعه، يساعده أصدقاءه المقربون ويحاول مساعدتهم هو أيضا لكن في إطار ما يسمح به تمحوره حول ذاته.

وفي النهاية يقرر أن ينسى “مريم” بعد أن تأكد من أنها اختارت أن تعيش علاقة أخرى وأنها سعيدة وراضية، وتقبل ابتعاد “فيفيان” عنه وهو يتفرج، ثم ترك “آية” تذهب بعد أن جرحها بجفائه وانتهت الرواية على ذلك.

الرواية بها تفاصيل ثرية، وحكايات معبرة، فالحكايات الثلاث لها معاني، الأولى تحكي عن الهوس بالفن في مجتمع لا يعطي الفرصة للموهوبين أو يبخل بها عليهم، وقدي يؤدي ذلك الهوس بصاحبه إلى الجنون، والحكاية الثانية تحكي عن الحب والذي قد يكون دافعا للقتل إذا لم يتحقق، والحكاية الثالثة عن الخيانة، لكن البطل فيها استطاع أن ينتقم وبشدة وينكل بزوجته التي خانته، رغم اعترافه أنه أهملها وتعامل معها كشيء استطاع امتلاكه وبالتالي فقد شغفه به، لكنه مع ذلك يعاقبها أولا برد الخيانة وثانيا بحرمانها من طفلها وبترويعها.

ربما يكون البطل نموذج لبطل من الطبقة الوسطى في مجتمع تحللت قيمه ومبادئه، وفقد أبناء الطبقة الوسطى وأبناء الكادحين فيه أبسط حقوقهم الإنسانية، وأصبح نجاحهم المهني مرهون بأشياء كثيرة غير الموهبة والكفاءة، وبالتالي قلة الفرص المتاحة والتي يتطلب الحصول عليها أداء أقرب إلى اللعب على الحبال في السيرك. مما يؤثر بشكل مباشر على علاقاتهم الاجتماعية، فانهزامهم المهني والاقتصادي يؤثر على أدوارهم الاجتماعية وإمكانية تكوين حياة كريمة وتتمتع برفاهية.

الكاتب..

“محمد صلاح راجح” كاتب وسيناريست مصري، من مواليد المنصورة 1982، حصل على بكالوريوس تجارة عام 2003، درس السيناريو لسنوات طوال دراسات حرة. عمل مُحاضرًا للسيناريو بعدة مراكز ثقافية مرموقة (ساقية الدلتا – بوك آند بينز – بيت القصيد – مكتبات ألف).وهو عضو عامل باتحاد كُتاب مصر،

أعماله:

  • في 2011 المجموعة القصصية “عندما يتكلم الصمت”.
  • في 2013 سينارواية “ربع مواطن” وهو تصنيف جديد من ابتكاره يجمع ما بين السيناريو والرواية.
  • في 2014 رواية “هَبْ يَكّ”.
  • في 2019 المجموعة القصصية “يبقى وحيدًا”.
  • في 2020 رواية “مرسال”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب