14 نوفمبر، 2024 12:04 م
Search
Close this search box.

رواية “مجهولة نهر السين”.. انتقاد لبيروقراطية مؤسسات الشرطة في فرنسا

رواية “مجهولة نهر السين”.. انتقاد لبيروقراطية مؤسسات الشرطة في فرنسا

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “مجهولة نهر السين” للكاتب الفرنسي “غيوم ميسو”، رواية بوليسية تعتمد علي لغز يتم كشفه، وتحتوي علي قدر كبير من التشويق لكنها ليست بقوة روايات “غيوم ميسو” الأخرى، تشعر كقارئ أنه لم يبذل فيها جهدا كبيرا كبقية رواياته.

الشخصيات..

روكسان: البطلة، شرطية تعاني من اضطهاد رؤسائها في العمل، ويتم استبعادها في أول الرواية، وبعد أن تذهب إلى منطقة مهمشة بعد أن تستبعد من عملها كشرطية في الجهاز الوطني تكتشف قضية تحتاج لحل وتسعي لحلها طوال الرواية.

ميلينا بيرغمان: عازفة بيانو شهيرة يرتبط بها اللغز في مساحة كبيرة من الرواية، لكن ينكشف الأمر أخيرا وأنها لا علاقة لها باللغز.

مارك باتييه: رجل شرطة شهير، ناجح في عمله، يستطيع أن يحقق نجاحات وانتصارات في مجاله ويقبض علي مجرمين شهيرين، لكنه يعاني طول حياته من زوجة خائنة ومن مقتل ابنته الطفلة الصغيرة.

رفاييل باتييه: ابن “مارك” وهو روائي شهير، لكنه هو أيضا لم يتخلص من عقدة حياته، وهي موت أخته الطفلة الصغيرة بإهمال من والدته، ويظل الأمر يمثل له عقدة كبيرة وسببا في اضطراب نفسي حتى ينتهي الأمر بموته.

فالنتين: شابة تجهز رسالة دكتوراه وهي قريبة من “مارك”، تأتي إلى مكان عمله بشكل يومي ثم فيما بعد تصبح مقربة من”روكسان”.

غارانس دو كارديك: هذه هي الشخصية التي سيتم اكتشفاها وأنها وراء جرائم عديدة.

الراوي..

اعتمدت الرواية علي عدة أصوات، صوت “روكسان” كان الغالب في الرواية، ثم صوت “رفاييل” وصوت “مارك”، وتعدد الأصوات هذا يثري الحكي ويغطي جوانبه المختلفة.

السرد..

الرواية وقعت في حوالي 320 صفحة من القطع المتوسط، ركزت بشكل أساسي علي القصة البوليسية التي تحاول “روكسان” كشفها باستماتة، وركزت علي مأساة “مارك باتييه وابنه رفاييل”، ثم انعطفت لموضوع آخر وهو عبادة إله يوناني يدعي “دينيسيوس”، وعلاقته بظهور فن المسرح. وتنتهي نهاية المفترض أنها حزينة لكن الكاتب يعطيها معني مفرحا، يعطيها معني الخلاص والتحرر من عذابات الحياة ومآسيها.

محنة الموت..

يمكن القول أن الرواية رغم أنها قصة بوليسية شيقة إلا أن جوهرها يعتمد علي فكرة أساسية، وهي مأساة أن يموت قريب لك، ف”مارك ورفاييل باتييه” لم يستطيعا تجاوز محنة موت الطفلة الصغيرة ذات الأربعة أعوام ابنة “مارك” وأخت “رفاييل”، والتي ماتت بفعل إهمال أمها التي كانت على علاقة برجل آخر غير زوجها. ربما لأن ميتتها كانت بشعة، حيث ماتت بفعل الجفاف بعد أن تركتها أمها في السيارة تحت آشعة الشمس الحارقة، في وقت ترتفع فيه درجة الحرارة، دون أن تنتبه لوجود طفلتها داخل السيارة، لتموت من الارتفاع الشديد للحرارة ومن جفاف جسدها.

هذه الميتة حكمت علي باقي حياة “مارك ورفاييل” بالضياع، شعر “مارك” بالانهزام والفقد وبات أدائه في العمل سيئا، ليتم نفيه في قسم مهمل. و”رافاييل” شعر بالذنب لأنه تسبب في أن تسرع أمه إلي عشيقها لأنه لفق رسالة له.

وظلا الاثنان لا يستطيعان عيش الحياة بشكل طبيعي، حتى انتهي الأمر بوفاتهما هما الاثنين في آخر الرواية كخلاص من محنتهما في عدم تقبل موت الطفلة، “رفاييل” نفسه لم يستطع عمل علاقة عاطفية سوية ولم يستطع التفكير في إنجاب طفل، كل ذلك بسبب محنة موت أخته الصغري التي ظل طوال سنوات عمره الثلاثين التي عاشها بعد وفاتها يراها ويحادثها.

وهنا يصور “غيوم ميسو” الموت بمعني مخالف تماما للمتعارف عليه، فهو ليس حدثا مأساويا حزينا وإنما هو التحرر والخلاص ل”مارك ورفاييل”، حتى أن الطفلة اصطحبتهما معها وهي فرحة وهم فرحان ويشعران بالسكون.

عبادة دينيسيوس..

ومن خلال قصة الفتاة التي تم اكتشفاها تغرق في نهر السين كشف الكاتب عن لغز آخر، وهو عبادة الإله دينيسيوس والتي ترتبط بفكرة التحرر لدى بعض الناس الذين يكرهون النظام الطبقي ويسعون إلى التخلص منه، لكنها عبادة تختلط بالمجون وممارسة الجنس بحرية، وأيضا بطقوس غريبة تيمنا ببعض أجزاء للحيوانات، ويصل الأمر إلى التطرف فتتورط إحدى الممثلات المسرحيات وصديق لها ممثل مسرحي في قتل عدة أشخاص، في طقوس سرية وخفية اقتناعا منهم أن هذا الموت هو تحرر لروح الضحايا أو انتقاما ممن يعملون كذراع لنظام طبقي فاسد يطحن البشر.

ولم يقدم الكاتب أي رأي تجاه تلك العبادة التي ظهر لها أتباعا جدد،  وإنما شرح أفكار أتباعها وعلاقتها بفكرة المسرح، ولا نعلم مدى واقعية تلك القصة حول عبادة الإله دينيسيوس أم هي من خيال الكاتب.

هذه الرواية التي من المفترض أنها قصة بوليسية لم تكن جذابة مثل باقي روايات “غيوم ميسو”، كان بها ضعفا ما، وحكاية عبادة الإله دينيسيوس قدمها الكاتب دون طرح رأي حولها ودون التوضيح مدى أبعادها، وركز الكاتب علي رسم شخصيتي “مارك ورفاييل” وحكايتهما وأهمل باقي الشخصيات التي لم نعرف عنهم شيئا مثل “روكسان وفالنتين”.

انتقاد الشرطة..

كما قدمت الرواية انتقادا شديدا للشرطة ومؤسساتها المختلفة في فرنسا، كما أشارت من بعيد للمتظاهرين في فرنسا وتخريبهم لبعض الشوارع، لكنها إشارة لم يستفيض فيها الكاتب ولم يقدم رأيا حولها، لكنه انتقد الشرطة وأجهزتها في أكثر من موضع بالرواية. وقدم نموذجا للشرطيين الذين يشعرون بالظلم من نظام العمل الدائر في مؤسسات الشرطة، مثل “روكسان ومارك” وغيرهم، وأن الأمور تدار بالمحسوبية كما تعاني الشرطة، مثل مؤسسات كثيرة في فرنسا بحسب الرواية، من البيروقراطية وبطء العمل وكثرة الإجراءات التي تعطل العمل أكثر مما تنجزه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة