خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “لم يعد إنسانا” للكاتب الياباني “أوسامو دازاي” نشرت في 1948، واسماها المترجم العربي “لم يعد رجلا” مما يعكس مدى التخريب الذي قد يفعله المترجم حين يحاول فرض رأيه الذاتي على ما يترجمه، وتصوراته حيث أن العنوان أحال الرواية إلى معنى آخر تماما حيث معاني الرجولة، في حين أن المعنى هو لم يعد إنسانا. الرواية تحكي عذابات شاب ينتمي لأسرة غنية، وشعوره منذ طفولته المبكرة بالوحدة والاغتراب وصعوبة التعامل مع الناس وتداعيات ذلك عليه مما أفسد حياته.
الشخصيات..
أوبا يوزو: البطل، يشعر بالعزلة والوحدة والاغتراب منذ بداية تشكل وعيه للحياة، لم يستطع تفسير شعوره تجاه العالم ذلك، ولا أسبابه لكنه ظل طوال الرواية يحكي مشاعره الدقيقة تجاه الحياة والناس، والتي قد تكون مبالغ فيها أو تكون من وجهة نظر رجل يعاني من مشاكل نفسية خطيرة لم يجد من يساعده على تجاوزها.
هناك شخصيات أخرى داخل الرواية، مثل شخصية الصديق الفقير الذي كان يشعر البطل دوما أنه يزدريه، لكن رغم ذلك كان يصاحبه طويلا لأنه يدفع عنه عبء التواصل مع الناس. وهناك شخصيات نسائية لأن البطل عرف بانجذاب الناس إليه، وقد خانته زوجته وهذا زاد من معاناته.
الراوي..
تبدأ الرواية بحكي راو ينظر إلى البطل من الخارج، ويحكي انطباعاته حين رأى ثلاث صور له في ثلاث مراحل من حياته، ثم يبدأ حكي البطل نفسه وعلى لسانه، وبضمير المتكلم، حكي عن عذابات وانفعالات داخلية، ومشاعر تجاه البشر المحيطين والأحداث طافح بالمعاناة والحزن واليأس، وتبدو الشخصيات الأخرى مرسومة بعيون البطل الذي يعاني، ثم تنتهي الرواية بخاتمة، ليعود الراوي الأول الذي نتبين أنه كاتب وأن إحدى السيدات أعطته مذكرات البطل والصور، فقد أرسلها إليها واختفى منذ عشر سنوات ولا تعلم مصيره، لذا فإن هناك راويين للرواية الأول كاتب يحكي من الخارج وحكيه قصير، والثاني هو البطل نفسه الذي يحكي في مذكراته عن حياته، والطريف أن الكاتب يشعر أن الحكي في المذكرات به مبالغة، رغم أن التفاصيل في الرواية يؤكد المؤرخون الأدبيون أنها أحداث مر بها البطل وأنه يحكي عن نفسه في حكي سيرة ذاتية مختلطة ببعض الخيال.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 146 صفحة من القطع، والحكي في معظمه ينتمي لحكي المشاعر والأحاسيس والمخاوف أكثر من سرده لأحداث خارجية تجري أو تتصاعد، وفترة الحكي تمتد منذ طفولة البطل المبكرة وحتى سن منتصف العشرينات، وقد ينقل السرد للقارئ مشاعر كثيرة من اليأس والإحباط وربما التعاطف مع البطل الذي يعاني بلا انقطاع، كما يعكس النزعة الانتحارية التي تأثر بها بعض الكتاب اليابانيون ولا نقول نزعة انتحارية لليابانيين، والنهاية جاءت مفتوحة حيث لم نعرف مصير البطل هل مات أم ظل داخل مستشفى الأمراض العقلية.
عزلة..
يشعر البطل منذ طفولته بالاغتراب والوحدة حتى عن أقرب أفراد عائلته، كان يشعر بالرعب الشديد حين يضطر إلى التواصل مع الناس، حتى أنه عندما كان والده يسأله عن ماذا يريد من الهدايا كان لا يعرف كيف يجيب عليه، وللأسف لم يكن يريد شيئا بشكل حقيقي، وربما هذه اضطرابات نفسية عاني منه البطل لكن لم تنتبه عائلته لها ولم توفر له رعاية أو اهتمام، وعائلته ثرية ولها أملاك ضخمة ووالده كان مشغول دوما، وقد أشار الراوي الكاتب في حديثه في الخاتمة مع السيدة التي أعطته المذكرات إلى قولها أن والد البطل كان قاسيا، وربما يرجع الراوي الكاتب سبب اضطراب البطل وأمراضه النفسية إلى وجود والد قاسي وشديد وغير متواجد على الدوام، حيث لم يتمتع البطل وفق ما حكاه بأي حنان أسري حيث ترك دوما لرعاية الخادمات والخدام، وكان يلتقي مع أفراد عائلته لتناول الطعام ثلاث مرات في اليوم، لكنه كان يصف جلوسهم وصمتهم وعدم وجود علاقات حميمية بين أفراد العائلة مما جعل تلك الأوقات أوقات سيئة بالنسبة له. لكن أيضا ذكر البطل عرضا تعرضه لمحاولات اغتصاب من قبل الخدام ولا نعلم أهم خدام ذكور أم إناث لكن ربما يكون قد تعرض للاغتصاب من الجنسين، وربما أثر ذلك الاغتصاب على نفسيته تأثيرا شديدا مما ساهم في تفاقم اضطراباته النفسية خاصة وأنه لم يجرؤ على التصريح بما حدث له لأهله.
رعب شديد..
عرف البطل خوفه ورعبه الشديد من التعامل مع الناس وكان يداريه بحركات بهلوانية تجعل من حوله يضحكون، كان يداري ضعفه وحساسيته الشديدة بمحاولة إضحاك الآخرين واكتساب ودهم، وحين كشفه أحد زملاء المدرسة حيث أشار إلى أنه يفتعل تلك الحركات لذا تقرب منه البطل لكي يكسب وده، وكان البطل موهوبا في الرسم منذ الطفولة، وظل والده بعيدا وقاسيا وأفراد عائلته بعيدين عنه، وحين دخل في إحدى المعاهد بناء على رغبة أبيه الذي أراد أن يرث أعماله ودخل مرحلة المراهقة تعرف على زميل آخر، وهذا الزميل عرفه على حياة بائسة وضائعة حيث عوده على شرب الساكي وشرب الكحوليات ومعاشرة فتيات الليل وأيضا اقتراض الأموال وبيع أشياءه مقابلها، كل تلك التفاصيل استدعت غضب والده الذي لم يعف عنه أبدا وطرده من بيت العائلة وحرمه من الرعاية والأموال.
وكان أخيه وبعض أفراد أسرته هم من يرسلون إليه الأموال سرا، لكنهم أبدا لم يحاولوا التواصل معه إنسانيا أو توفير الرعاية والحنان له، قضى البطل سنوات مراهقته وشبابه في احتساء الكحول، ومعاشرة النساء لأنه كان يتمتع بجاذبية شديدة سواء على مستوى الوسامة والملامح أو على مستوى الشخصية التي كانت تجذب النساء، وكان يرسم رسومات كاريكاتورية ويكتسب منها بعض الأموال وفي فترات أخرى كان يعتمد على النساء اللاتي يصاحبهن للإنفاق عليه.
حياة الضياع..
وساءت حالته مع بعض فترات الإفاقة القصيرة التي غالبا ما تنتهي سريعا فيعود إلى حياة الضياع، وزاد الأمر سوء حين أدمن على المورفين واضطر أخيه أن يرسله إلى مستشفى للأمراض العقلية لكي يتعالج ولم نعرف بعد ذلك ماذا حدث له.
يؤكد مؤرخو الأدب أن تلك التفاصيل المأساوية التي تحكيها رواية “لم يعد إنسانا” هي نفسها تفاصيل حياة الكاتب مع بعض التغييرات حيث تزوج وأنجب ثلاثة أطفال لكنه انتحر في النهاية تاركا أطفاله وزوجته وابنة أخرى غير شرعية. مما يعني أن الكاتب كان يكتب سيرة ذاتية لحياته البائسة ويدعي أنها لشخص آخر.
كما ناقش الكاتب في الرواية بعد الأفكار مثل الصداقة بين الناس واعتمادها على بعض النفاق والرياء، وناقش فكرة الجريمة وهل لها علاقة بالشر وما علاقتها بالعقاب كم ناقش فكرة الدين، الرواية طافحة بالمأساة وحياة رجل لم يستطع أن يتواصل مع الناس أو يتأقلم مع الحياة أبدا ورغم أنه كان محبوبا من النساء وكان يمتلك موهبة الرسم إلا أنه لم يعرف معنى الفرح أو السعادة أو حتى السلام النفسي.
الرواية..
رواية يابانية للكاتب “أوسامو دازاي”، تم نشرها بعد الروايتين Run,melos والشمس الغاربة (The Setting Sun) . تعتبر هذه الرواية التحفة الفنية ل”دازاي” حيث احتلت المرتبة الثانية لأفضل الروايات مبيعًا في اليابان بعد رواية “ناتسومي سوسكي” (القلب).
أما الترجمة الحرفية للعنوان، التي ناقشها “دونالد كين” في مقدمته للترجمة الإنجليزية، فهي “غير مؤهل من أن يكون إنسانًا “. وتتضمن الرواية ، التي تروى في شخصها الأول، عدة عناصر تصور أساسا للسيرة الذاتية، مثل الانتحار، وهو موضوع متكرر في حياة المؤلف. ويعتقد كثيرون أن الكتاب كان وصيته.
تم اقتباس الرواية إلى عدة أعمال ومنها:
تم تحويل الرواية إلى فيلم في عام 2009، في الذكرى السنوية المائة لولادة دازاي. والفيلم من إخراج Genjiro Arato (جينجيرو اراتو)، المنتج المسئول عن الفيلم الحائز على جائزة Zigeunerweisen في العام 1980. وبدأ التصوير في شهر يوليو، وصدر في 20 فبراير 2010. الفيلم من بطولة “توما ايكوتا” بدور “أوبا يوزو”. قامت الممثلة “ساتومي إيشيهارا” بلعب دور واحدة من العديد من النساء في حياته، والوحيدة التي تزوجها. وقد تم تسويق الفيلم خارج اليابان تحت عنوان “ملاك ساقط”.
أنمي..اقتباس آخر من القصة كان في الحلقات الأربع الأولى من سلسلة الأنمي “الأدب الأزرق” الذي تم إصداره في عام 2009. وفاز الأنمي بالجائزة البلاتينية الكبرى في مهرجان المستقبل في إيطاليا. إضافة إلى الأنمي الجاري عرضه “بونغو ستراي دوغز” حيث يضم شخصية تحمل اسم “أوسامو”، فضلا عن الاقتباسات المختلفة من الرواية.
الكاتب..
“أوسامو دازاي” روائي ياباني، يعد من أبرز روائيي اليابان في القرن العشرين. تعد بعض أشهر أعماله، “لَمْ يَعُد إنساناً” و”الشمس الغاربة”، من أهم الكلاسيكيات الحديثة في اليابان، حيث تميزت بأسلوب أشبه ما يكون بالترجمة الذاتية وطابع شفّاف مستوحى من أحداث حياته الشخصية.
ولد “شوجي تسوشيما”، والذي عُرف لاحقًا باسم “أوسامو دازاي”، لعائلة ميسورة من بلدة كاناغي النائية والتي تقع في قمة منطقة توهوكو في محافظة آوموري. كان شوجي هو الطفل الناجي الثامن للعائلة وأمضى سنواته المبكرة في قصر عائلة تسوشيما مع حوالي 30 شخص. بالرغم من خلفيتها المتواضعة، إلا أن سرعان ما أصبحت عائلة تسوشيما ذات نفوذٍ واسع وتحظى باحترام الجميع في المنطقة. أصبح والد “دازاي”، “جينكيمون تسوشيما”، ذو صلاتٍ سياسية واسعة، الأمر الذي جعله غائبًا عن معظم طفولة ابنه المبكرة، أما والدته فقد أقعدها المرض فتربى تحت رعاية خدم العائلة وعمته، كيي.
في الثلاثينات والأربعينات، قام “دازاي” بكتابة عدد من الروايات والقصص القصيرة ذات طابع الترجمة الذاتية، ودارت معظم هذه القصص حول مواضيع سوداوية مستمدة من حياته الشخصية مثل الانتحار والعزلة والفسوق.
بلغت شعبية “دازاي” أوجها بعد فترة الحرب مباشرة. في يوليو 1947، تم نشر رواية الشمس الغاربة، والتي تدور حول تراجع واندثار الطبقة النبيلة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، فتحول “دازاي” من كاتب ناجح إلى أحد مشاهير اليابان. كانت الرواية مبنية على مذكرات “شيزوكو اوتا”. كانت “اوتا” من معجبي “دازاي” حيث قابلته لأول مرة في عام 1941. وأنجبت منه طفلة اسمها “هاروكو” في عام 1947.
في 13 يونيو 1948، قام “أوسامو دازاي” بالانتحار مع رفيقته “يامازاكي” بإغراق أنفسهم في قناة كاماغاوا الواقعة قرب منزله. تم العثور على جثتهما في 19 يونيو، والذي يصادف عيد ميلاده التاسع والثلاثون. يرقد جثمان دازاي في معبد زينرين-جي، في ميتاكا، طوكيو.