خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “لعنة ميت رهينة” للكاتبة المصرية “د. سهير المصادفة” الصادرة عن المصرية اللبنانية 2017. رواية ثرية تعتمد على قدرة بارعة في السرد. تحكي عن التغييرات التي حدثت في مصر منذ السبعينات، وعن فقدان التواصل مع الأجداد وعن أمور أخرى.
الشخصيات..
الشخصيات كثيرة ومتنوعة وثرية، حرصت الكاتبة على رسمها بعمق، والشخصيات تتوزع على أجيال متعاقبة، الشخصيات الرئيسية والثانوية شخصيات موجودة في المجتمع المصري، ونماذج معروفة وكثيرة ومتواجدة.
الراوي..
الراوي عليم، يحكي عن المكان الذي هو مكون رئيسي من مكونات الرواية، ويحكي عن الناس في “ميت رهينة” وطبائعهم والتحولات التي تحدث لهم، وبالنسبة للشخصيات يحكي ما يفكرون وما يشعرون به وهواجسهم وأفكارهم وصراعاتهم الداخلية، كما يحكي الأحداث التي تقفز سنوات وتتصاعد.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 272 صفحة من القطع المتوسط، محكمة البناء، السرد ثري ومتدفق، يعتمد على شخصيات متعددة وعلى أحداث مزدحمة وكثيرة، تدور في الفترة ما بين السبعينات من القرن الفائت وحتى وقت الانتهاء من الرواية 2016، وتتناول قرية “ميت رهينة” ربما كرمز عن مصر، أو باعتبارها أول مدينة في تاريخ الحضارة المصرية القديمة، بعد توحيد الشمال والجنوب، فيما كانت تعرف بمنف. وتنتهي الرواية نهاية كاشفة.
السبعينات..
بدأت الرواية بداية جذابة بطريقة سرد آسرة، حيث حكت عن “أدهم الشواف” ذلك الغريب الذي أخذته قدماه إلى قرية “ميت رهينة”، بعد أن كان ذاهبا في زيارة سياحية إلى المنطقة الأثرية المحيطة بها، والتي تحوي كما هائلا مما خلفه الأجداد من آثار وكنوز. وأعجبته القرية وظل فيها يرتاح قليلا، لكن ما أبقاه فيها انجذابه ل”هاجر”، تلك الفتاة الفاتنة التي رآها بالصدفة وهو يتتبع “عبد الجبار”. ليخطف “هاجر” من “عبد الجبار” ويحطم قلبه سنوات طويلة ويترك فيه ندبة لا تشفى أبدا.
يعشق “أدهم” “هاجر” لجمالها الساحر، ويبني لها قصرا يصبح حديث القرية، وتتحول “ميت رهينة” بفعل نقود “أدهم الشواف” وتحديثاته فيها، ثم بفعل نقود “عبد الجبار” التي جلبها من سرقة آثار أجداده. فقد اكتشف مقبرة في أرض “أدهم” ولم يتورع عن سرقة جزء مما تفيض به من كنوز، ليغتني وينسى ألم فقدانه لهاجر ويشتري الأراضي والبيوت.
موجة الانفتاح..
لكنه مع سرقته لكنوز أجداده وبيعها بثمن زهيد لم يكتف فقط بذلك، بل ركب موجة الانفتاح وأصبح واحدا مما أطلق عليهم اسم “الرأسمالية الطفيلية”، هؤلاء الأفراد الذين أصبحوا أغنياء باستيراد السلع من الدول الغربية، سلع سيئة وغذاء قطط وكلاب، وساهم في حدوث تحولات كبيرة في قريته “ميت رهينة”.
فاستبدل الناس أشيائهم الأصيلة محلية الصنع بما هو زائف واستهلاكي، وعلم الناس كيف يستهلكون السلع التي يستوردها ويربح من وراءها أموالا طائلة. تلك كانت طبيعة فترة السبعينات، فترة الانفتاح، التي انفتحت فيها “ميت رهينة”، ومصر، على الدول الأخرى. وحل الاستهلاك محل الإنتاج، وأهملت الزراعة والصناعة، وأصبح الاستيراد وجلب مخلفات الدول الغربية منهاجا، وبداية لما حدث فيما بعد.
ثم تقفز السنوات، يموت “أدهم الشواف” سريعا، وتصبح “هاجر” أرملة مهجورة، ولا تنسى أبدا “عبد الجبار”، الذي رغم ثرائه السريع، لا ينسى أبدا أمر المقبرة، فيظل يفتش عنها باقي سنوات عمره. وأبدا لا يحاول وصل ما قد قطع من حب كبير بينه وبين “هاجر”، رغم تلهفها على حدوث ذلك.
ليلى..
وتأتي “ليلى” ابنة “هاجر” التي ترث جمالها، تتعلم في مدارس وجامعات أجنبية، وتفهم معنى المشاريع التجارية وقيمتها، متأثرة بزوجة أبيها السعودية، لكن الحب يقهرها وتنجرف وراء حزنها على فراق ذلك الرجل الأمريكي من أصل مصري، وهجره لها بطفلة في أحشائها. ربما يكون الرجل الأمريكي ذاك رمزا لتدخل أمريكا بقوة فيما بعد، ومحاولتها استغلال ما تستطيع استغلاله من ثروات مصر وخيراتها، حتى أن الجيل المتخلف من ذلك التواجد الأمريكي أصبح جيلا مشوها ومسخا، مثلما كانت “نور” ابنة “ليلى”، جيل شاب قبل الأوان وعاني من ضعف جسدي وروحي، وربما تكون تلك فكرة بعيدة تحمل حكاية “ليلى” أكبر مما تحتمل.
تحولات “ميت رهينة”..
يتابع الراوي التحولات التي تحدث ل”ميت رهينة” على مر السنوات، من خلال وقفات في بداية كل قسم من أقسام الرواية، يكرس تلك المقدمات لوصف حال سكان “ميت رهينة” وأهلها، في لغة عذبة أقرب إلى اللغة الشعرية، ويحكي عن تلك التحولات التي أبعدتهم عن التواصل مع تاريخ أجدادهم العظماء، رغم وضوح الجينات والموروثات التي تجري في دمائهم من الأجداد، حتى السلوكيات التي استمرت على مر القرون.
ذراع الانتقام..
تعاني “ليلى” من تخبطها نتيجة تعلقها بحب فاشل واستسلامها لعلاقة حميمية لكنها غير مشبعة لروحها. بينما “نور” ابنتها تمثل مسارا مختلفا، فهي تمثل ذراع الانتقام من كل من أفسد “ميت رهينة”، لا نعلم لما تقرر أن تنتقم، ربما لكونها طفلة معذبة، لم تفرح بوجود والد لها، وحياة أسرية طبيعية، وربما لأنها نشأت من أجناس مختلطة وليست مصرية خالصة، فهي من نسل “أدهم الشواف” السعودي الذي اختلط ب”بهاجر” المصرية، ونتيجة اتصال “نور الدين” الأمريكي ب”ليلي” المخلطة هي أيضا، لتأتي خليطا من جنس الغرباء الذين استمتعوا بخيرات “ميت رهينة”، فتحولت لسفاحة، ترى أن الحل هو في قتل الفاسدين.
بينما “صلاح”، والذي هو ابن “ميت رهينة”، الذي تربى معها كرفيق، كان يرى أن الحل يكمن في التوعية والتنوير، وتغيير سلوكيات ومساوئ أهل “ميت رهينة” ربما تتحسن أحوالهم. فسعى لبناء مكتبة، ولنشر الثقافة.
ظواهر..
تناولت الرواية ظواهر كثيرة في مصر، ظاهرة الدعاة الذين يتخذون من الدين وسيلة للثراء السريع ولإخضاع الناس وغسل عقولهم، وظاهرة تجارة المخدرات التي ارتبطت بتجارة الآثار والتي كان يقوم بها “عبد الجبار” وغيره، وظاهرة ضياع أجيال من الشباب، الذين لم يكن له رؤية ولا هدف في الحياة، ليقعوا في مستنقع الانحطاط، فيصل بهم الأمر إلى اغتصاب فتاة غريبة أتت لقريتهم تسأل عن أخيها. وكأن كل تلك المبادئ والقيم حول الشهامة والرجولة وحماية النساء قد تبددت.
وظاهرة الدجل والسحر، واستغلال هؤلاء الأفراد الذين يتوهم الناس أن لهم قوة وقدرة على السحر، استغلالهم لمن يأتي لهم مستنجدا ليقضى حاجة من حاجاته، خاصة النساء، وممارسة الرذائل مثل “ابن ستيتة”. والخيانة الزوجية نتيجة جشع بعض الرجال وزواجهم من فتيات يصغرنهم في السن.
فقدان التواصل..
استطاعت الرواية أن ترسم صورة مصغرة لمصر، من خلال قرية “ميت رهينة” التي تمتلئ بكنوز الأجداد وثرواتهم، لكن نتيجة لفقدان الأبناء لتواصلهم مع حضارة الأجداد، وانقطاع ذلك الخيط ما بين الأجداد والأبناء حدث السقوط، وتفشت الفوضى والفساد، وكل تلك الظواهر السيئة، فأصبح الأبناء لا يتورعون عن بيع كنوز أجدادهم وهم أساسا لا يعتبرونهم أجدادا، وإنما كائنات غريبة لا تمت لهم بصلة. ويتضح ذلك من تعامل هؤلاء اللصوص مع جثث الأجداد، يبيعونها، ويفاوضون على ثمنها. رغم أن “عبد الجبار” قد أظهر بعض الاحترام حين دفن الأحشاء التي وجدها في المقبرة، لكنه لم يظهر احتراما لكنوز أجداده وباعها بأبخث الأثمان.
وظل طوال حياته يبحث عن المقبرة ليغرف منها مجددا، رغم عدم حاجته الفعلية للمال، ربما يكون “عبد الجبار” قد فعل ذلك لشعوره أن الغرباء الأغنياء هم من يفوزون ويتمتعون ببلاده، بل ويتسيدون أيضا، ف”أدهم” هو من فاز ب”هاجر”، وهو من وفر لها الثراء لكن ذلك ليس عذرا لفساده.
أمل..
الجهل والفقر متفشي والتغييب بشرب المخدرات وانتشارها، لكن مع ذلك هناك فئات من الشباب التي تعطي الأمل، مثل “صلاح” و”داليا” وغيرهم، من يسعون إلى التغيير وإلى القضاء على تلك الظواهر السيئة، الذين يسعون إلى نشر الوعي وتغيير الناس، وهم من يفعلون ذلك انطلاقا من محبة كبيرة لأهلهم وناسهم.
الريف..
اعتمدت الكاتبة على براعة في السرد، وعلى تفاصيل وحكايا كثيرة ومتشعبة وثرية، تفاصيل آسرة تخطف القارئ ولا تتركه حتى يتتبع كل ما يحكي عن الريف، ذلك الذي نشأت فيه حضارة مصر العظيمة، وازدهرت ما بين حقوله وأراضيه وناسه الطيبين، الذين رغم فقدانهم التواصل مع أجدادهم، مازالوا يحتفظون بدمائهم وجيناتهم. ورسمت بعمق وتروي شخصيات ثرية ومحملة بالدلالات، وكشفت صراعاتهم النفسية وحاجاتهم كبشر، لهم أزماتهم وتحولاتهم.
وبرعت في توضيح أثار مرور الزمن عليهم، كما فعلت في وصف “هاجر”، وفتحت أفاقا رحبة لبعض الشخصيات لتحول طريقها، مثلما فعلت “ليلى” التي تحررت من حزنها، وضياع عمرها، لتبدأ بداية جديدة مع رجل أحبها بصدق. وعملت الكاتبة على استقراء الأوضاع وتحولاتها، وفجرت أسئلة كثيرة في ذهن القارئ.
الكاتبة..
“د.سهير المصادفة” هي روائية وباحثة ومترجمة مصرية، حصلت على الدكتوراه في الفلسفة عام 1994 من موسكو، وهي عضو في اتحاد كتاب مصر، وعملت رئيسًا لتحرير سلسلة كتابات جديدة بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وكانت مشرفًا عامًا على سلسلة الجوائز بالهيئة. تولت منصب رئيس الإدارة المركزية للنشر بالهيئة العامة للكتاب.
أعمالها..
الروايات:
- لهو الأبالسة عام 2003.
- ميس إيجيبت عام 2008.
- رحلة الضباع عام 2013.
- بياض ساخن عام 2015.
- لعنة ميت رهينة عام 2017.
- يوم الثبات الانفعالي عام 2019.
المجموعات الشعرية:
- هجوم وديع عام 1997.
- فتاة تجرب حتفها عام 1999.