خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “لست كما يدعون” للروائي العراقي “آريان صابر الداودي”، الصادرة عام 2022، تحكي عن حالة الجنون التي تصيب البطل عند اكتشافه الحياة خارج نطاق قريته، وخاصة عند اكتشافه مدى العنف الذي يتفشى في مجتمعه.
الشخصيات..
الشخصية الرئيسية هي البطل، شاب كان يعيش في قرية ثم انتقل إلى الجامعة ليدرس القانون في كركوك، ويعيش في القسم الداخلي وهو مكان يتجمع فيه طلاب الجامعة، ويبدأ في اكتشاف الحياة التي لم يكن يعرفها من قبل. والشخصيات الأخرى ثانوية يتفاعل معها البطل، وتتوزع ما بين أهله وزملائه في القسم الداخلي وفتيات تعرف عليهن.
الراوي..
يبدأ الرواية راو عليم وينتهي بها يحكي عن البطل بضمير الغائب، ويوضح سير الأحداث، وما بين حكي الراوي العليم القليل يأتي حكي البطل بضمير المتكلم مع شخص آخر هو الدكتور، ويظل يحكي البطل لهذا الطبيب.
السرد..
الرواية قصيرة تدور في حوالي 162 صفحة من القطع المتوسط، تحكي عن انتقال البطل إلى المدينة للدراسة واكتشافه الحياة في الخارج وتنتهي نهاية مفتوحة.
اكتشاف العالم الخارجي..
البطل شاب التحق بالجامعة، قد ذهب الى كلية القانون بناء على رغبة والده، في حين أنه كان يحب أن يدرس المسرح، وأثناء بقاءه في القسم الداخلي يبدأ في التعرف على العالم الخارجي الذي لم يكن يعرفه، فهو ابن قرية يبدأ مرحلة الشباب ويتعرف على عالم المدينة، ويبدأ في اكتشاف العالم من حوله، اكتشاف الزميل الذي يحب من طرف واحد ويتعذب في علاقات حب غير متحققة لأنه فقير لا يملك التزوج بمن يحب، واكتشاف عالم المسرح حين ذهب لمقابلة أحد المخرجين المسرحيين، واكتشاف الخمر حين عرفه أصدقاءه عليها، واكتشاف عالم اللهو والمرح حين ذهب إلى بيت أحد الأصدقاء من الأثرياء الذي يلهو بكل الطرق.
المرأة..
كما يبدأ البطل في التعرف على عالم المرأة الذي ظل بعيدا عنه كشاب مراهق يعيش في قرية لها تقاليدها وعاداتها المحافظة، فهو كان يكتفي بالحب من بعيد أثناء قترة مراهقته، وعندما دخل الجامعة يحاول التقرب من عالم النساء لكنه يخفق، فأولى محاولاته في التعرف على فتاة تنتهي بالفشل، ثم يتعرف على “سجي” التي يتقرب منها ويحاول معرفة الحب وماهيته معها، لكن يفشل ذلك بسبب عادات المجتمع وتقاليده والتي تحكم بالزواج على الجميع ذكور وإناث. وقد أشار الكاتب لتلك المعضلة ففي قريته يتم تزويج الشباب في سن مبكرة جدا، حتى أنه هو نفسه قد تعرض للضغط من قبل والده لكي يتزوج، لكنه كان يحلم بأن يتخرج من الجامعة وينجح عمليا ثم يتزوج بعد ذلك. لذا فقد فشلت علاقة الحب التي بدأت للتو مع “سجى” بسبب أنها ستتزوج من أحدهم، ورغم ذلك منحته “سجى” أول اكتشاف لجسد المرأة وكأنها كانت تكافئه أو تعطيه هدية قبل رحيلها، فقد اقتربت منه جسديا في أفعال حميمية ورحلت. ويلاحظ أن البطل طوال الرواية اكتفي بموقع المستسلم المتلقي، فهو يكتشف العالم من موقع المتفرج السلبي الذي يتلقي المعرفة والخبرات.
وقد استمر ذلك بعد رحيل “سجى” ومقابلته ل”دعاء”، تلك المرأة التي أعجبت به كذكر وفقط، وأحبت أن تتواصل معه جسديا، ورغم أنه رفض أن يقوم بعمل علاقة حميمية مع فتيات يبعن أجسادهن إلا أنه استجاب ل”دعاء” ولم يذكر سبب ذلك، لكن يظل عالم المرأة عالم شائك بالنسبة لشاب يكتشف الحياة ويتلقي ويشاهد.
فوضى الاقتتال..
لكن تبقى كل تلك التجارب التي خاضها البطل في أثناء وجوده في القسم الداخلي والتحاقه بالجامعة في أول عام تجارب حياتية، تؤهله للعيش في الحياة، لكن المأزق الكبير كان في خوضه تجربة كارثية، وهي تعرضه لهجوم من إحدى جماعات التشدد الديني أو الميليشيات المسلحة التي يعاني منها المجتمع العراقي، فقد هزته تلك التجربة من الداخل هزا شديدا، حيث تم توقيفه هو والركاب الذين معه في عربة أجرة، أثناء ذهابه الى قريته، وقد تعرض لخوف شديد وصل إلى حد الرعب وهو يشاهد الرجال وهم يفتشون الركاب، ثم حين قتلوا الشرطي الذي ترك ليموت، وكان يحتضر وهو ينادي على ابنه.
رؤيته لمشهد القتل ذاك وخوفه من أن يكون الضحية التالية آذته من الداخل وخربت نفسيته، لكن تسوء الأحوال أكثر حين لا يفهم أهله أن هذا الارتعاش الذي أصابه والخوف الشديد ما هو إلا صدمة نفسية تعرض لها، فيذهبون به الى أحد الشيوخ ليعالج ابنهم، والذي يقنعهم أنه ممسوس من الجن ويظل يضرب فيه ويعذبه، ويتمادى أهله في الأمر ويذهبون به مرات عديدة إلى ذلك الشيخ ليتعذب أكثر.
الرواية تكشف عن السياق الاجتماعي للمجتمع العراقي في القرى والمدن، وتكشف عن بعض العادات والتقاليد التي تخص ذلك المجتمع، والأهم أنها تكشف تأثير الفوضى والاقتتال على نفوس الناس وتكشف أيضا وجود جهل وتمسك بالغيبيات، كل ذلك من خلال عيون شاب يبدأ في فهم العالم ورؤيته.
الكاتب..
“آريان صابر الداودي” كاتب كردي عراقي، مواليد ١٩٨٩. ولد في طوز خورماتو ومقيم حاليا في السليمانية، وهو عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. حاصل على بكالوريوس اللغة التركية جامعة كركوك كلية التربية. ويعمل معلم جامعي.
أعماله..
-امرأة تحكي قصة شعب، دار أمل الجديدة سوريا. ترجم هذا الكتاب للغة الكردية من قبل المترجم هلكوت رمضان.
– تومليلت، ثلاث أيقونات قصصية، دار أمل الجديدة سوريا.
– رواية رزبست، دار أمل الجديدة سوريا.
– رواية طرق مبهمة، دار ضفاف للنشر والتوزيع، الإمارات العربية المتحدة.
– رواية سين النسوة، دار الورشة الثقافية، بغداد.
– شارك بقصص في كتاب يجمع ٩٩ قاص عراقي وعربي. فازت قصته القصيرة جدا (السلام)، بالمرتبة الأولى في مسابقة غاليري الأدب التي أقيمت في المغرب العربي.
– رواية لست كما يدعون 2022.