خاص: قراءة – سماح عادل
رواية “كفر الدراويش” للكاتب المصري “إبراهيم القاضي” رواية عن قرية ريفية اسمها “كفر الدكر”، وهي تعطي نموذجا متخيلا لقرية مصرية يسقط عليها الكاتب أفكاره ورموزه.
الشخصيات..
دسوقي الدكر: هو سليل الجد الأكبر الأسطوري “الدكر”، الذي سميت القرية على اسمه لأنه هو من أسسها، وهو رجل تدور حوله أفكار أسطورية، ويقال عنه أنه كان ملك في الأندلس، وبعد هزيمته ذهب إلى تلك القرية وأسسها وأنفق نقوده على النساء والمخدرات، كما أنه حكم عليه بأن يتوقف نسله من الذكور، و”دسوقي” هو الرجل ما قبل الأخير لذلك النسل، ثم يأتي “بسيوني” ابن أخيه الذي يجن ويدخل مستشفى الأمراض العقلية..
بسيوني الدكر: أمه من البندر وأبوه “شعبان الدكر” تهزمه الحياة لتحوله إلى مريض نفسي ويتأصل داخله كره النساء.
غريب الملط: شيخ الخفر، يمثل يد السلطة في البطش بالفقراء والكادحين من الفلاحين، يعامل الفلاحين بقسوة وعنف شديدين.
العمدة موسى: لا يفهم بالضبط أهو يهودي أم أنه مسلم لكنه من ذرية أحد اليهود الذي كان يعمل مع “الدكر” الكبير، وكون العمدة يهوديا يؤكد أن الحكاية غير واقعية وأنها لا تحكي عن قرية في الواقع المصري، لأنه لا يحدث أبدا أن يكون العمدة يهوديا في قرية مصرية. وإنما هي حكاية رمزية أو متخيلة، وهو بخيل مرابي يسرق من الفلاحين عرقهم ويعطيهم قروضا بفوائد كبيرة.
ابو داوود الطائر: هو رجل له بركات كثيرة، يقدسه أهل القرية ويقوم بعلاجهم وحمايتهم من الجن الذي يلبس أجسادهم، لكنه ليس تقيا تماما فهو يعاشر “الكاتعة” وباقي النساء، ويذهب خارج القرية في رحلات لا يعرف أحد عنها شيئا، ويقبل الأموال من الأغنياء ليوجه أفكار أهل القرية.
الشيخ محروس: شيخ الجامع، عاجز جنسيا، وهذا يجعله يكره النساء ويخطب في الجامع دوما خطابا يحمل كراهية شديدة للنساء، ويصفهن بأنهن من أهل النار .
فوزي الغتت: كان غريبا عن القرية ثم عاش فيها وبدأ حياته كحرامي بهائم، ثم أصبح غنيا وتطور حاله ليكون نائبا في البرلمان.
رجب الكلاف: كان غريما ل”شعبان الدكر”، وهو فقير تزوج من “بخيته” نتيجة غلطه قام بها وأصبحت ابنته طبيبة.
الراوي..
الراوي عليم، لكنه يحكي بمنطق أهل القرية، فهو يحكي من خلال وجهة نظرهم تجاه الحياة، يحكي عن الجنيات ويصورهن كأنهن فلاحات من القرية يتخاصمن ويتشاجرن ويتزوجن من الرجال، ويحكي من خلال وجهة نظر بعض الشخصيات. ولا يحاول الكشف عن وجهة نظر أخرى خارج نطاق وجهة نظر أهل القرية.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 366 صفحة من القطع المتوسط، يعتمد السرد على الحكي والأحداث المتصاعدة لكنه كثيرا ما يعود إلى الزمن الماضي، حكاية القرية ومؤسسها وما يحدث فيها من أحداث هي محور الرواية، لكنها في رأيي حكاية رمزية محملة بأفكار ورموز يود الكاتب توصيلها. تبدأ الرواية من نهايتها حيث يودع “بسيوني” مستشفى الأمراض العقلية ثم يبدأ الراوي في الحكي منذ ولادة البطل “بسيوني” في حكي متصاعد لكنه يعود للماضي للحكي عن بعض الشخصيات وماضيها.
الفقر وتفشي الجهل والعنف نتيجة للانهزام..
أهم ما تحاول الرواية قوله هو تحول “الدكر” من ملك في الأندلس إلى شخص مهزوم، فقد طرد من الأندلس وتلك الإشارة رمزية عن ماضي العرب حين كانوا يحكمون الأندلس وكانت لهم حضارة كبيرة، ثم أسس كفر الدكر لكنه لم يتصرف بشكل جيد، فقد تزوج من النساء وتزوج من إحدى الجنيات وقد عاملها بالسوء وأخذ أولادها لكي يصنع منهم جيشا يغزو به الأندلس مرة أخرى، وقد حلت عليه لعنة الجنية التي ماتت قهرا على فقدان أطفالها. وقد أنهكته المخدرات والسعي وراء النساء وفقد ثروته وأصبح نسله من الفقراء المعدمين الذين يعملون لدى الغير، وباقي العائلات من العبيد الذين اصطحبهم معه “الدكر” أصبحوا أعلى شأنا من عائلة “الدكر” وكأن كل ذلك كناية عن حال العرب الذين أصبحوا مهزومين وفقراء.
ثم في واقع القرية الحالي نجد “الشيخ محروس” الذي يعظ الناس من واقع عقده وأمراضه الجسدية والنفسية، فهو يكره النساء بسبب عجزه الجنسي ويصب غضبه على النساء في وعظه للناس، ويصورهن على أنهن شياطين. ونجد “أبو داوود” الطائر الذي يستغل جهل الناس وفقرهم ويضخم من أساطير الجن لكي يكتسب من وراءهم ويوجههم كيفما يشاء، ورغم أنه رجل عابث يغوي النساء ويستمتع بمعاشرتهن إلا أن الناس يقدسونه ويعتبرونه الحامي لهم من الجن ومن المصائب التي تحل بالقرية.
و”الكاتعة” تلك المرأة التي فقدت زوجها وتعمل في مهنة بيع الجنس تحولت هي أيضا إلى وليه من أولياء الله الصالحين، وحلت محل “ابو داوود” الطائر لتشفى الناس وتحميهم من الجن. كل تلك الأحداث تدل على مدى الجهل الذي وصل إليه أهل القرية، والذين يؤمنون بوجود الجن بل أنهم يصلون في تصورهم للجن لدرجة أنهم يتخيلونهم مثلهم يتشاجرون ويغيرون ويتقاتلون على الطعام والأموال.
كما تسود داخل القرية أفكار سيئة حول النساء، فالنساء تعامل بقسوة شديدة بدء من وصفهن بالذكور وأنهن لا يختلفن عن الرجال سوى في وجود الشوارب، ومرورا بمعاملتهن بقسوة وضربهن بعنف، واقتناع الرجال أن من يقول لامرأته كلمة طيبة أو يعاملها بود يتخلى عن رجولته ويسخر منه الجميع، وحتى ترك الرجال لنسائهم والذهاب إلى “الكاتعة” والغوازي للبحث عن متعة جسدية، وأهم ما يقع على النساء من ضرر هو عملهم الشاق في الحقول وفي المنزل وفي إقامة الحياة في القرية دون أن يكون عملهم هذا مجديا ماديا أو يمنع عنهم الفقر، ودون أن يعترف بفضلهن.
ودائما ما يتم وصم النساء بصفات كريهة ولا إنسانية حتى بين النساء أنفسهن، فهن يتبادلن النميمة والتشفي والغيرة والحسد ويتمنون لبعضهن الشر.
القرية التي صورها الكاتب وفي رأيي هي من رسم خياله لأن القرى المصرية في الواقع تختلف تماما عنما صورها الكاتب، فالقرى بها مدارس وبها خدمات لا توجد في قرية الرواية، كما أن العمل بنظام السخرة كان في زمن بعيد، ربما قصد الكاتب تصوير قرية في زمن قديم لكنه لم يهتم بوضع إشارات زمنية ليحدد الوقت التي حدثت فيه تلك الأحداث، كما أن جو الكراهية الشائع بين الناس وحوداث العنف الشديدة التي تتفشى في السلوكيات بين بعضهم البعض، وحوادث القتل والاغتصاب والتي تنسب للجن لا توجد بهذه الوطأة في قرية مصرية في الواقع في الزمن الحالي.
الرواية محملة بأفكار قصد الكاتب تصويرها بالرموز، ما بين شيخ الجامع والدجال وما بين السيدات اللاتي يعانين من شقاء الفقر والعمل المضني، والعمدة الذي يمص دم الفقراء ليكدس الأموال، وشيخ الخفر الذي يستغل سلطته للتنكيل بالناس، وإن كنت كقارئة لا أتعاطف مع حلم حكم الأندلس واستعادة المجد القديم، لأن المجد الذي للمصريين لا يتعلق بحكم الأندلس وإنما يتعلق بحضارة مصر العريقة والأقدم التي يتجاهلها الكتاب ويتشبثون بأوهام لا علاقة لها بنا كشعب.