خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “قصة حب مجوسية” للكاتب “عبد الرحمن منيف”، والتي صدرت في 1974 تتناول قصة حب قوية تلهب مشاعر البطل وتملك عقله وحواسه.
الشخصيات..
البطل: ليس له اسم، ولا معلومات واضحة عنه، هو طالب يدرس في المدينة التي لا يذكر اسمها أيضا ولا يعطي أية معلومات عنها، وهو مغترب عن وطنه سوف يعود إليه بعد خمس سنوات، يعيش قصة حب عاصفة رغم أنه ليس محروما من النساء كما يقول.
ليليان: امرأة قابلها مصادفة حين ذهب إلى الجبل للتعافي، وأحبها من أول نظرة، لكنه لم يتواصل معها أبدا، وهي متزوجة ولديها طفلان ورائعة الجمال.
ميرا: صديقة البطل، يقيم معها علاقة حميمية لكنه لا يحبها مثلما أحب “ليليان”، ورغم ذلك يستمر معها وتضعف العلاقة بعد شغفه ب”ليليان”.
رادميلا: صديقة أخرى للبطل، أقام معها علاقة حميمة ثم سرعان ما انتهت العلاقة، وتعرفت هي على شاب يدعى “ايفان” وتزوجته.
باولا: زميلة له في الدراسة يقيم معها علاقة حميمة، ويفقدها هي أيضا بسبب حزنه وتخبطه.
إيفان: رجل غيور يتعرف على “رادميلا” ويتزوجها في النهاية، وهو لا يحب البطل لأنه يشعر بمنافسته له طوال الوقت .
زوج ليليان: رجل بدين قصير، يعامل زوجته بجفاء، يراقص فتاة شقراء ويتركها وحيدة في إحدى الحفلات، ودوما حين يكونان معا يعطيها الأوامر.
الراوي..
الراوي هو البطل لذي لا اسم له ولا هوية معروفة، يخاطب القراء طوال الوقت، وهو يحكي عن نفسه، وعن علاقة الحب القوية والقاسية التي تعرض، لها يناقش القراء ويتوقع أحكامهم الأخلاقية عليه، ويقول لهم أنه غير مهتم بأحكامهم تلك، ويحكي عن باقي الشخصيات من وجهة نظره ورؤيته لهم.
السرد..
السرد لا يعتمد على التشويق وإنما بالأحرى على إطار ما يشبه الاعتراف، فالراوي يحادث القراء دوما ويحكي لهم ويتناول الأحداث بتسلسل زمني متصاعد، والرواية قصيرة تقع في حوالي 129 صفحة من القطع المتوسط، كما يعاني السرد من بعض التكرار، حيث يكرر البطل كلمات بعينها، خاصة فيما يخص شعوره القوي والمندفع تجاه “ليليان”، وحين يحكي مع القراء يظل يكرر بوحه بمشاعره وتأثره بها.
امرأة للجنس وأخرى للحب العذري..
رغم احتفاء كثير من القراء بهذه الرواية باعتبارها تجسيد للحب العذري النقي الطاهر، الخالي من أية أغراض أو متع جسدية، إلا أن الرواية تكشف بوضوح عن التناقض المتكرر الذي يقع فيه الرجل في مجتمعاتنا، تلك الازدواجية التي تكشف عن تناقضه وعن تخبطه وعدم اتزانه النفسي، فهو يصنف النساء دوما في خانتين، الخانة الأولى امرأة للمتعة الجنسية وفقط، للإشباع لنهمه الجسدي والذي يصفه في الغالب بالحيوانية، وكأنه حين يصف ذلك الإشباع الجنسي بالحيوانية ينزه نفسه عن ذلك، رغم أن الأقرب إلى المنطق أن يكون هو أيضا منتمي لتلك الحيوانية لأنه يمارسها، ورغم احتقاره الواضح للممارسة الجنسية البحتة إلا أنه يمارسها ويدعي دوما أنه غير راضي عنها، وأنها تثقل روحه وتصيبه بالحزن والشجن.
والمرأة الأخرى هي امرأة الحب العذري المنزه، امرأة أشبه بالأم التي تحتوي، وتعطي الحنان والأمان والسكينة، امرأة لا يجرؤ على تخيلها عارية أو تخيلها في وضع جنسي، لأنها منزهة عن تلك الحيوانية، يقضي لذته مع نساء أخريات متعددات يصرف في وصف أجسادهن وجمالهن، لكنه حين يحب لا يرى من حبيبته سوى عيونها الحنونة، ورقتها المفرطة، وحنانها الطاغي، وهذا بالضبط ما فعله الكاتب “عبد الرحمن منيف” في روايته “قصة حب مجوسية” اصرف في وصف جسد “ميرا” و”باولا” و”رادميلا”، الأولى شقراء فاتنة، والثانية جريئة وطفولية، والثالثة نهمة للجنس تبدل الرجال.
لكن حين وصف “ليليان” أعطاها كل معاني القدسية والطهر والحزن والشجن والحنان، وتخيل نفسه طوال الوقت يموت حين يلسمها لمسات بريئة، أو يطمح أن ينسدل شعرها عليه، يقول الكاتب في الرواية “تقدمي أيتها المعبودة، تقدمي ودوسي فوق عظامي، إن اللحظة التي تطأني قدميك هي لحظة ولادتي، لحظة عناقي مع العالم والطبيعة وكل الأسرار المقدسة في هذا الكون، لا تترددي وأنت تدوسين، إن عظامي تحتاج لقدميك المقدسية لكي تتطهر، لكي تقوى وتكون أكثر عنفوانا وقوة” جعل “ليليان” معبودة، إلهة يرتضى أن تدوس على عظامه بقدميها المقدستين، رغم أنه فعليا لم يتواصل معها سوى بضع دقائق في نهاية الرواية، وكل علاقة الحب العاصفة التي أسرف “عبد الرحمن منيف” في وصفها كانت من خلال نظرات من العيون وابتسامات غير واضحة تماما لكنها محسوسة يقول الكاتب في الرواية: “لم أفكر أن تتحول هذه المرأة بين يدي إلى رادميلا.. كنت أريد أن ألمس يدها، أن أقلبها، أن أضع رأسي على حضنها وأغفو، وإذا فكرت أكثر من ذلك اقطعوا رأسي وأعطوه للكلاب، انتم أيها الشديدو التزمت.. ماذا تستطيعون أن تقولوا عن الأفكار الصغيرة التي تحركت في رأسي؟”.
البطل يكرر أنه غير محروم من النساء وأنه له علاقات جنسية متعددة ويمارسها في وقت واحد، ولا يعتبر ذلك أمرا يخجل منه، ورغم ذلك حين يتحدث عن الجنس يتحدث عنه باحتقار ويقول “وهناك كانوا يشبكون أيديهم بقسوة، ويقبلون بعضهم بشهوة الكلاب.. حتى إذا تحركت الدماء، قذفوا في سراويلهم أو ركضوا مثل القطط مذعورة إلى الفراش” ورغم ذلك يستمر في علاقاته الجنسية المتعددة بعد عودته من رحلة الجبل، التي تعرف فيها على “ليليان” وأحبها، ويستمر في خداع “ميرا” دون أن يعترف لها أنه أحب امرأة أخرى، ويستمر في اشتهاء “باولا” ويتمنى أن يمارس معها الجنس، رغم أنها أصبحت ترفضه، وحين أصبحت “رادميلا” ملتزمة بعد حبها “لايفان” وانتوائها الزواج منه كان يغويها لكي تقابله مرة أخرى وتمارس معه الجنس، فهو يتصرف بدناءة مثل أولئك الذين يحتقرهم لكنه رغم ذلك يحب حبا عذريا ويتعذب فيه.
حكاية خيالية..
الرواية تحكي عن رجل لا اسم له ولا معلومات واضحة عنه، سوى أنه مسيحي، وكأن البطل لجأ إلى هذه الحيلة حتى يتسنى له التعبير عن مشاعر البطل وحكاية حبه، التي تعد محرمة في كل الأديان، بحرية، دون أن يتعرض للنقد في مجتمعه الإسلامي المتزمت والمغلق، لا معلومات عن المدينة التي قضى فيها خمس سنوات للدراسة، لكن من أسماء باقي الشخصيات يرجح أنها في فرنسا، ويرجح أن البطل ليس فرنسيا لأنه يقول أنه يعود إلى وطنه، لكن ذلك التجهيل على البطل والمدينة وباقي التفاصيل يشعر القارئ أن الرواية أشبه بحكاية معلقة في الهواء، تعتمد على الخيال بإفراط، وليس لها معالم واقعية تعطي مصداقية للقارئ، أو تجعله يتماهي معها.
أيضا المبالغة الشديدة في علاقة الحب، كيف يستطيع رجل أن يحب امرأة كل ذلك الحب وهما لم يتبادلا إلا كلمات قليلة، بعد أن أفرط في حبها وتخيلها وتمنيها، وقضى شهورا طويلا في البحث عنها في المدينة دون جدوى، ومن باب المبالغة أيضا أن “ليليان” أيضا تبادله نفس الشعور والحب المفرط والمبالغ فيه.
الكاتب..
“عبد الرحمن بن إبراهيم المنيف”هو خبير اقتصادي وأديب وناقد حداثي سعودي، عُد واحداً من أهم الكُتاب والرِوائيين العرب خلال القرن العشرين، وأشهر رُواة سيرة الجزيرة العربية المُعاصرة، وأحد أعمدة السرد العربي البارزة في العصر الحديث. ينتمي إلى بلدة قصيبا الواقعة على طريق عيون الجوى في وسط الجزيرة العربية، السعودية. عُرِف عبدالرحمن مُنيف وهذا اسم شهرته، مفكراً وناشطاً سياسياً حزبياً، ثم خبيراً اقتصادياً حاصلاً على درجة الدكتوراه، وكاتباً صحفياً محباً للفن التشكيلي، ثم مؤلّفاً روائياً وقاصاً، وكاتب سيرِ.