25 فبراير، 2025 1:05 ص

‏‏رواية “في مصيدة الحب”.. عذابات الاكتشاف الأول لحياة تفيض بالعنصرية

‏‏رواية “في مصيدة الحب”.. عذابات الاكتشاف الأول لحياة تفيض بالعنصرية

 

خاص: قراءة- سماح عادل

“في مصيدة الحب” الرواية الأولى للكاتب الأمريكي الكوري الأصل “دايفيد يوون” ‏والمترجمة إلى ستة عشر لغة عالمية، نقلتها من الإنجليزية إلى العربية “غيلدا ‏العساف”. ‏تحكي عن العنصرية في أمريكا وعن انغلاق الجماعات العرقية على نفسها داخل أمريكا في محاولة منهم الاحتفاظ بهويتهم في مجتمع لا يعاملهم بمساواة حقيقية، ووسط كل ذلك كيف يختنق الحب وسط تلك الأجواء غير الإنسانية.

الشخصيات..

فرانك لي: البطل، شاب مراهق في المرحلة الثانوية يعتبر من الجيل الثاني لأبوين كوريين هاجروا إلى أمريكا، لا يجيد الكورية تماما ولا يعرف شيئا عن وطنه الأم، ويعاني من فجوة فكرية بينه وبين أبويه اللذان يحافظان على عنصرية وعلى تمسك شديد بهويتهم الكورية، في مواجهة مجتمع مفتوح مليء بالجنسيات والأعراق، ويعاني أكثر من اختياره لحبيبة لأن أبواه يفرضان عليه أن يحب فتاة كورية ليرتبط بها طوال حياته وليتسنى لهما التعامل معها بسلاسة.

كيتو: فتى ملون من أصول إفريقية، هو رفيق البطل، وصديقه الحميم منذ طفولته ومع ذلك لا يجعله يزور بيته كثيرا خوفا من عنصرية أبويه، اللذان يتعاملان مع الملونين من أصول إفريقية بدونية. نكتشف في النهاية أنه مثلي الجنس.

هانا: أخت البطل الوحيدة، والتي حاولت دوما أن تسير وفق توقعات أبويها، في مجال التفوق في التعليم ودخول جامعة “هارفارد”، وفي التفوق المهني لكنها لم تستطع أن تنفذ رغبتهما في الارتباط بكوري وتزوجت من شاب ملون مما أدى إلى مقاطعة أبويها لها.

والد فرانك لي: رجل كوري أحب أن يتطور فهاجر إلى أمريكا، لكنه لم يستطيع أن يتطور مهنيا وانتهى به الأمر أن يعمل في متجر لبيع الكحول، وظل يعمل به طوال بقاءه في أمريكا دون يوم إجازة، وذلك بمساعدة زوجته، وكان طموحه أن يتفوق طفلاه في مجال التعليم ويلتحقان بجامعات كبيرة ليكون مستقبلهما المهني أفضل منه، وينتهي به الأمر إلى الإصابة بمرض السرطان ليموت ببطء.

جوي: فتاة كورية، ابنه لعائلة صديقة لعائلة “فرانك لي”، يفرضها والدا “فرانك لي” عليه لكي يحبها، لكن يتحول الأمر إلى حب حقيقي ثم ينتهي بشكل حزين.

برينت مينز: فتاة بيضاء من أصول فرنسية، يقع في حبها “فرانك لي” أولا ثم ما يلبث أن يكتشف أنه انجذب إليها فقط دون حب فيتركها.

الراوي..

الراوي هو البطل نفسه، الذي يحكي بضمير المتكلم، ويحكي عن نفسه ومشاعره وأحاسيسه وانفعالاته، ويحكي عن باقي الشخصيات في تعاملهم وتفاعلهم معه.

السرد..

تقع الرواية في حوالي 360 صفحة من القطع المتوسط، تقسم إلى أجزاء بعناوين طريفة، ويدور السرد بشكل تصاعدي، والسرد محمل بسخرية لها نكهة خاصة، سخرية يشعر القارئ أنها تخص فئة المراهقين الذين يكتشفون العالم من حولهم، كما تحمل عذابات الاكتشاف الأول لحياة قاسية، وتنتهي نهاية مفتوحة، لكنها ليست سعيدة تماما، واعتمدت على لغة طريفة اعتقد أن المترجم أجاد في نقلها إلى العربية.

انغلاق الكوريين داخل مجتمع ضاغط..

أهم شيء ترصده الرواية هو انغلاق مجموعة عائلات كورية ينتمي إليهم البطل “فرانك لي”، حيث تعيش مجموعة صغيرة من عائلات كورية هاجروا إلى أمريكا ليعيشوا الحلم الأمريكي بالرفاهية، وقد حافظوا على ارتباطهم سويا ليدعموا بعضهم البعض في مواجهة مجتمع مفتوح يفيض بكل أنواع الجنسيات والأعراق، لذا يتقابلون مرة كل شهر بالتناوب مع بعضهم البعض، لكي يحافظوا على هذا الدعم، والاتصال بينهم دائم. ويسعون إلى فرض علاقات حب على أبنائهم لكي لا تخرج عن حدود دائرتهم الكورية.

رغم أن الجيل الأول من المهاجرين لا يجيدون التحدث بالانجليزية جيدا في حين أن الأبناء يجيدون التحدث بالانجليزية ويتشربون كل تفاصيل المجتمع الأمريكي، ولا يجيدون الكورية ولا يعرفون شيئا عن المجتمع الكوري إلا فيما تسمح به الظروف. وهكذا رصد “فرانك لي” معاناته كمراهق يشعر بفجوة كبيرة بينه وبين أبويه، الذين لا ينتمون بشكل حقيقي للمجتمع الأمريكي والذين يريدان أن يعيشا وسط دائرتهما الكورية المنغلقة حتى لا يشعرا أنهما فقدا شيئا. لكنهما لم يستطيعا منع طفليهما من الاندماج الكلي في المجتمع الأمريكي، ويحاولان فقط ربطهما بهذه الدائرة الكورية عن طريق ربط، مستقبلهما وعلاقات الحب والزواج الخاصة بهما داخل الدائرة لكورية.

لذا نجد هؤلاء الكوريين الذين يتم التعامل معهم بعنصرية في أمريكا باعتبارهم جنس اقل من المهاجرين البيض الذين وفدوا من بلدان أوربية، هم أنفسهم يتعاملون بعنصرية مع الملونين من أصول افريقية ومع الصينيين ومع جنسيات أخرى، فيتخذون صورا نمطية عن كل جنسية، حتى البيض أنفسهم يرفضون الاندماج بهم ويرفضون أن يدخل أبنائهم في علاقات حب معهم. فالعنصرية كدائرة مكتملة يشعرون بها ويتعاملون بها مع غيرهم.

والشباب من الجيل الثاني يعانون من ذلك الحس العنصري الطافح، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء حياله، وخاصة “فرانك لي” لأنه لا يستطيع أن يهجر والديه اللذان يعتمد عليهما ماديا ومعنويا، وكذلك “جوي”.

الأطرف من ذلك أن العائلات الكورية المرتبطة والتي تدعم بعضها البعض هم أيضا يتعاملون بعنصرية داخل دائرتهم المغلقة، فنكتشف أن والدا “فرانك” لي يعانيان من التعامل بعنصرية من قبل والدا “جوي” لأنهما من أصول ريفية في كوريا، وأنهما عانيا تلك المعاملة منذ أن كان الجميع يدرسون في نفس الجامعة.

مما يعطينا انطباع وكشف للمجتمع الأمريكي الذي يروج دائما أنه مجتمع الحريات، في حين أن من يعيشون داخله يعانون من العنصرية والتعامل بمعايير ومقاييس طبقية ظالمة ومجحفة.

الحب وسط أجواء عنصرية..

ترصد الرواية ببراعة كيف يختنق الحب في تلك الأجواء العنصرية، حيث “فرانك لي” الذي يدرس في آخر سنة في المرحلة الثانوية، يشتاق أن يدخل في علاقة حب لكنه دائما ما يواجه الخوف من أن يكون مصيره مثل مصير أخته “هانا”، التي قاطعها أبواها لأنها تزوجت برجل ملون. فيظل يحتار كيف سيتقابل مع فتاة ليجد نفسه أمام فتاة بيضاء وينجذب إليها، ويشعر أنه يحبها، ويبدأ الاكتشافات الأولى للتواصل مع الجنس الآخر، وكيف يكون التعامل معه، ويحاول على قدر ما يستطيع المواصلة في تلك العلاقة بالتحايل على أهله، وبالاتفاق مع صديقته “جوي” التي تنتمي لدائرة العائلات الكورية والتي هي أيضا تحب ولد صيني.

لكنه يجد نفسه قد وقع في حب “جوي”، ويشعر أنها حبا حقيقيا ليترك “برينت” ويرتبط ب”جوي”، مثلما أحب والداه أن يفعل، ويعيش وقتا قصيرا في ظل علاقة مكشوفة للجميع ومرضي عنها. كما أنها مشبعة ومرضية لقلبه وله، لكن سرعان ما ينقلب الأمر وتتشاجر العائلتان، عائلة “جوي” وعائلته، ويكتشف مرض والده بالسرطان في مرحلة متأخرة.  فيعاني لكي يستطيع معايشة ذلك الحب مع “جوي”، وفي النهاية تخاف “جوي” وتتركه هي لأنها لا تقوى على معاندة أبويها، ولأن الحياة نفسها ستفرق بينهما بعد الالتحاق بجامعتين مختلفتين، ليختنق حبهما الذي بدأ قويا ومزدهرا.

استطاع الكاتب أن يرصد بلغة مميزة وفريدة، محملة بسخرية وبلقطات تصويرية للمجتمع الأمريكي الذي يعيش فيه، وبتفاصيل مميزة تخص المراهقين الذين يبدأون حياتهم، وعلى وشك الانفصال عن بيوت عائلاتهم، كما رسم شخصية البطل بعمق، “فرانك لي” الذي يعاني من الازدواجية ما بين أصوله الكورية التي اقتطف منها كوردة، ولم يتنس له التعرف عليها، ومع ذلك مطالب بالتشبث بها والتمسك بها طوال حياته. وما بين حياته الواقعية في أمريكا والاندماج وسط المجتمع الذي لا يعامله بمساواة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة