خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “عنق الغراب” للكاتب العراقي “وحيد أبو الجول” تحكي عن مدينة متخيلة، يعيش أهلها همومهم، كل شخصية لها همومها الخاصة، ويجمعهم إحساس الخوف، والترقب، خاصة مع حدوث جريمة، ووجود جثة لشخص غريب.
الشخصيات..
سعاد: سيدة جميلة، شقراء الشعر ذات عينين خضراوين، تتعرض للاغتصاب في طفولتها بسبب جمالها الشديد، وتهرب من قريتها خوفا من أن يقتلها أبوها ثأرا لشرفه، وتدفعها الحياة إلى العمل في بيع جسدها، ويمر عليها كثير من الرجال من ذوي المناصب الكبيرة، لكن مرض الرئة يصيبها، وينفض الناس من حولها وتموت وحيدة إلا من صحبة بائع البالونات.
بائع البالونات: استخدم الكاتب أسماء لشخصيات، وصفات لشخصيات أخرى داخل الرواية، وبائع البالونات رجل حزين، ترك زوجته بعد موت طفلته الصغيرة، وظل مغتربا سنوات طويلة، يبيع البالونات للأطفال ليفرحهم وقلبه ممتلئ بالحزن، لكنه في النهاية يقرر العودة إلى أهله.
أحمد عمران: رجل قصير القامة، وقصر قامته كان سببا قويا في أن تكون حياته بائسة، حيث كان يسخر الناس دوما منه بسبب قصر قامته، وهو لم يتزوج بسبب ذلك أيضا، يعمل حارسا في مبنى البلدية، ولا يصدق في وجود أشباح بها، رغم تأكيد أهل المدينة على وجود أشباح مخيفة تنبعث من مبنى البلدية.
جميل: حارس آخر لمبني البلدية، متزوج من سيدة طيبة تدعى نجاة، كفيفة البصر لكن لديها بصيرة.
هبه: فتاة ولدت بدون ساقين، تبحث عن الحب والاهتمام.
إبراهيم يونس: صحفي، يعيش وحيدا، يتقرب من هبه، لكنه لا يتخلى عن شعوره بالأسى والحزن.
مريم: فتاة ماتت والدتها وهي صغيرة، تعيش مع والدها، وتقرأ الفنجان، وتعيش في أحلامها وكوابيسها، وخيالاتها، تحلم بشاب كانت قد قابلته وهي طفلة، لكنها مجرد خيالات تمنعها من أن تعيش حياة واقعية.
الفران: يتذمر دوما من عمله، وتحاول زوجته التخفيف عنه، أحيانا يرضى وكثيرا ما يسخط.
وهناك شخصيات أخرى داخل المدينة، وجميعهم يشعرون بالأسى والحزن، لكل همومه الخاصة في مدينة تثقلها الهموم، والشعور بالخوف والتهديد.
الراوي..
الراوي عليم، يحكي عن كل الشخصيات، عن مشاعرهم الداخلية، وأحاسيسهم.
السرد..
تقع الرواية في حوالي 182 صفحة من الحجم المتوسط، السرد محكم البناء، يعتمد على لغة شعرية، تهتم بالصور والتشبيهات، الشخصيات متعددة، يتناولهم السرد بالتناوب، ويربطهم ببعضهم بعضها، فرغم أن لكل شخصية همومها لكنهم يشتركون جميعا في الشعور بالحزن والأسى، تثقلهم الهموم والمآسي، ورغم أن بعض الزوجات تحاول تخفيف وطأة الأسى واختطاف لحظات سعادة، إلا إنها لا تدوم طويلا. مقسمة الرواية لمستهلين، وأربعة فصول.
مدينة تفتقد إلى الأمان ويختنق الحب فيها..
ينشغل أهل المدينة بالأشباح، التي يقولون إنها تصدر أصواتا من داخل مبنى البلدية، لا يصدق أحمد عمران في وجودها، ويجزم دوما لجميل إنها أوهام، لكن جميل يرتعب من تلك الأشباح، كما يشغله دوما أمر الأرواح الشريرة التي من الممكن أن تؤذيه، حيث تعرض لنوبات صرع في طفولته، وفسر الناس ذلك بالارواح الشريرة التي تلبسته، وجلبوا له سيدة لتطرد تلك الأرواح بممارسات غريبة، أناس آخرون من أهل المدينة يخافون من الأشباح ومن الأرواح الشريرة، وهذا الخوف من الأشباح والأرواح الشريرة يعكس مدى جهل أهل المدينة، وكيف أن الفقر قد خلق لديهم حالة من الجهل، والمفارقة أن أحمد عمران الذي لم يكن يخاف الأشباح يموت مذبوحا في مبنى البلدية.
وهناك شخصية الرجل القريب من السلطة، والذي يستفاد من وضعه، ويغتني، وتصوره الرواية في صورة قبيحة، كرش متدلي قام بعمل عملية لإخفائه، ورائحة فم كريهة لا تزول أبدا، وزوجة تتقزز منه ومن رائحته، وخيالات جنسية مريضة تملأ ذهنه.
الخوف والحزن وعدم الرضا والأسى كلها مشاعر تلازم أهل المدينة، ربما لأنها مدينة مثل معظم المدن في ذلك المجتمع غير بعيدة عن العنف وعن الجريمة، فقد قتل شخصا لم يتعرف عليه أهل المدينة، ورأت أم عدنان غرباء في أحد الصباحات، كما ذبح أحمد عمران، مدينة تفتقد إلى الأمان يعيش أهلها في ذعر دائم، ويختنق الحب فيها.
الرواية مميزة، تعتمد على لغة عذبة، وتصوير عميق للمشاعر الإنسانية.
الكاتب..
وحيد أبو الجول، كاتب عراقي، صدرت روايته “عنق الغراب” عن دار الدرويش للنشر والترجمة، وصدر له روايتي”منتصف مائل، ونهار يوم أحد”وكتاب نصوص نثرية بعنوان “غرق طفيف”.